25/04/2024
فرضية تطبيق القرار 1701 في جنوب لبنان
في ظل الدعم الأميركي بتخصيص مبلغ 26.4 مليار دولاراً أميركياً لدولة الكيان العنصري الإسرائيلي وفقاً للقرار الذي إتخذه مجلس الشيوخ الأميركي منذ عدة أيام، بالإضافة الى الدعم المالي الأميركي لأوكرانيا وتايوان بحدود 65 مليار دولاراً أميركياً، وحيث يخصص الجزء الغالب منه لأغراض عسكرية ولوجستية لإستعمالها في الحرب على فلسطين المحتلة، وفي المعارك والمواجهات العسكرية مع روسيا والصين، وحيث تقرع طبول الحرب على غزة بالرغم من المناشدات الدولية بوقف هذا القتال، واللجوء الى الوسائل السلمية لحل النزاع، وإطلاق عملية سريعة لتبادل الأسرى بين الطرفين المتنازعين، تبرز المواقف المتطرفة للحكومة الإسرائيلية بإستمرارية الحرب على غزة والضفة وسواها، رغم المحاذير الدولية حول إستمرار جرائم الإبادة الجماعية وإنتهاك حقوق الإنسان والشرائع والمعاهدات الدولية ذات الصلة، وذلك في ظل الموافقة من قبل الكنيست الإسرائيلي على خوض هذه الحرب التي إعتبرت بأنها مصيرية بالنسبة لإسرائيل، لا سيما بعد التطورات العسكرية الأخيرة بين دولة الكيان العنصري وجمهورية إيران الإسلامية.
الأوضاع الأمنية والعسكرية على الحدود الجنويبة مع فلسطين المحتلة
وبموازاة ذلك، تتصاعد حدة المعارك والإشتباكات على الحدود الجنوبية في لبنان، بين جيش العدو الإسرائيلي من جهة والمقاومة الإسلامية المتمثلة عموماً بحزب الله وحركة أمل وبعض المناصرين لهما من القوى السياسية اللبنانية أو الفلسطينية من جهة ثانية، وحيث تجاوزت حدة هذا الصراع لتطال مناطق مختلفة خارج منطقة تطبيق القرار الدولي رقم 1701 في جنوب الليطاني، وصولاً الى مناطق جبل الريحان في إقليم التفاح وقضاء جزين والضاحية الجنوبية والبقاع الغربي والشمالي، ومناطق بعلبك وسواها من المناطق اللبنانية المختلفة والمأهولة بالسكان، وخلق أجواء من القلق والبلبلة حول مستقبل هذا الصراع المتعاظم يوماً بعد يوم، وحيث لا أفق حالياً لإنهاء هذا الصراع وتثبيت الأمن و الإستقرار في مناطقنا، إلا بعد الإنتهاء من المعارك الدامية التي ما زالت مستعرة على أرض فلسطين، وحيث شكل إطار وحدة الساحات القتالية ضد هذا العدو وحلفائه الدوليين وسيلة الضغط العسكرية الوحيدة المتاحة لفك الحصار عن غزة ومحاولة لجم الصراع الدائر على أرض فلسطين، وفتح الآفاق حول الإعتراف مجدداً بحقوق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وذات السيادة على أرض فلسطين، وفقاً لإتفاقية أوسلو للعام 93، وإلزام العدو الإسرائيلي بإحترام الشرائع الإنسانية والمعاهدات الدولية، لا سيما القرارات ذات الصلة بالقرار الدولي 1701، وإعادة ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين بما يتوافق مع الخرائط الدولية المتعلقة بإتفاقية الهدنة للعام 1949، وتصحيح الخلل في النقاط الإحدى عشرة التي ما زالت موضع خلاف مع هذا العدو، وإسترداد مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وضيعة الغجر الى رحاب الوطن، وتثبيت دعائم الإستقرار الأمني بصورة مستدامة وواقعية على أرض الجنوب.
قراءة متأنية في حيثيات القرار الدولي 1701
في اعقاب حرب تموز للعام 2006، صدر القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع بتاريخ 11 آب للعام 2006، بهدف فض النزاع اللبناني - الإسرائيلي، ووقف إطلاق النار بصورة دائمة، وحاز هذا القرار على موافقة الحكومة اللبنانية بالإجماع أيضاً وذلك بتاريخ 12 آب للعام 2006، كما إلتزم حزب الله بوقف هجماته الصاروخية فور إيقاف إسرائيل لعملياتها العسكرية الهجومية بتاريخ 13 آب للعام ذاته، كما إلتزمت الحكومة الإسرائيلية بتطبيق هذا القرار عند الساعة الثامنة من صباح يوم الإثنين الواقع في 14 آب من العام المذكور. ولقد إحتوى مضمون هذا القرار على نوعين من المطالب، النوع الأول يتضمن مطالب فورية وعاجلة، ويتضمن النوع الثاني مطالب أخرى إضافية ذات أبعاد مستقبلية.
أولاً: مطالب النوع الأول
1- الوقف الفوري لكامل العمليات القتالية في لبنان من قبل الطرفين، ومطالبة إسرائيل بالإنسحاب الفوري لجميع قواتها العسكرية من جنوب لبنان.
2- دعوة الحكومة اللبنانية الى نشر قواتها المسلحة في الجنوب، بالتعاون مع قوات الطوارىء الدولية التابعة للأمم المتحدة، (اليونيفل) وذلك بالتزامن مع الإنسحاب الإسرائيلي على ما وراء الخط الأزرق. ولقد دعا هذا القرار أيضاً الى مطالبة كل من لبنان وإسرائيل الى وقف دائم لإطلاق النار، بالإضافة الى مطالب أخرى سنتحدث عنها تباعاً.
ثانيا" : المطالب الإضافية
1- إيجاد منطقة محددة بين الخط الأزرق (وهو خط إنسحاب عسكري وليس خط حدود دولية) وبين مجرى نهر الليطاني، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، بإستثناء تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات "اليونيفل".
2-التطبيق الكامل من قبل الدولة اللبنانية لبنود إتفاق الطائف، وللقرارين الدوليين 1559 و1680 ، بما فيها تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها، وبعدم وجود أية قوات أجنبية على الأراضي اللبنانية إلا بموافقة الحكومة، بالإضافة الى منع بيع وتوفير الأسلحة والمعدات العسكرية الى لبنان، إلا تلك التي تسمح بها الحكومة اللبنانية.
3- قيام إسرائيل بتسليم الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان، خرائط حقول الألغام التي زرعتها في لبنان أثناء إجتياحها، وتمديد مدة عمل قوات الطوارىء حتى 31 آب للعام 2007، وزيادة عددها الى حد أقصى قدره 15 ألف جندياً، يتولون رصد الأعمال القتالية وتقديم المساعدة الإنسانية الى السكان المدنيين، وتأمين العودة الآمنة والطوعية للنازحين من جنوب لبنان.
4- أما بالنسبة لمزارع شبعا ، فلقد تضمن القرار 1701 مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي انان"، أن يقدم لمجلس الأمن الإقتراحات اللازمة بشأن إجراء ترسيم دقيق للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، خلال مدة 30 يوماً، بعد إجراء المشاورات اللازمة مع الفرقاء المعنيين.
وتجدر الإشارة هنا الى أن القرار 1701، لم يتطرق الى الأجزاء المحتلة في ضيعة الغجر وتلال كفرشوبا.
مدى إمكانية العودة لإلتزام بتطبيق القرار 1701
إستناداً الى التجارب السابقة مع العدو الإسرائيلي، ومنذ نشأة هذا الكيان عام 48، لم تلتزم إسرائيل عادة بقرارات الشرعية الدولية، لاسيما القرارين 425 و426 الصادرين في أعقاب إجتياح جنوب الليطاني للعام 1978، وللقرار رقم 520 الصادر في أعقاب إجتياح لبنان عام 1982، والقرار 1553 الصادر عام 2004 حول الوضع في لبنان، لإجراء إنتخابات نيابية نزيهة ومطالبة جميع القوات الأجنبية بالإنسحاب من لبنان وإعتداءات العامين 93 و96 أيضاً على جنوب لبنان، وصولاً الى عدم إلتزام إسرائيل بمضمون القضايا الأساسية للقرار 1701، فهي تستبيح عادة الأجواء اللبنانية ساعة تشاء، كما تعتدي على سيادة لبنان براً وبحراً بما يتوافق مع مصالحها الأمنية والسياسية، دون أكتراث للسيادة اللبنانية. ولا شك بأن ممارساتها العدوانية والعنصرية والإستعمارية في كل من فلسطين ولبنان، هي المصدر الدائم للحروب والأزمات المشتعلة في المنطقة من وقت لآخر.
أما حالياً، وفي ظل الفراغ الرئاسي القاتل في لبنان، والتدهور الحاصل على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والمالي والأمني، والإعتداءات المتواصلة على لبنان وحجم الدمار الهائل في جنوب لبنان وبقاعه، والكلفة العالية لمعالجة الأضرار المادية والجسدية الحاصلة بفعل تلك الإعتداءات، وفي ظل المناشدة الدولية لعدم توسعة نطاق الحرب على لبنان، لا سيما الموقف الفرنسي والأميركي والإيراني تجاه ما يجري، فإن المطالب الإسرائيلية لا تشير الى إحتمالات التهدئة حالياً، بحيث تطالب إسرائيل بسحب المقاومة الإسلامية وقواها العسكرية الى شمال الليطاني وتدميرها المنهجي للقرى الحدودية في محاولة لخلق حزام أمني على حدودها الشمالية يمتد الى عمق من خمسة الى عشرة كيلومترات شمالاً، والضغط العسكري بهدف إعادة النازحين لديها بالقوة العسكرية دون اللجوء الى الإلتزام بمضمون القرار 1701، وإشتراط تعديل دور قوات الطوارىء الدولية لتصبح وفقاً للبند السابع من إتفاقية الأمم المتحدة، وزيادة عديد قوات الجيش اللبناني وفقاً لشروطه السياسية والأمنية.
بناءً عليه، فإن ظروف المعركة لا يبدو أنها تفسح بالمجال لإعادة العمل بتطبيق هذا القرار في المرحلة الراهنة، إلا بعد إنتهاء المعارك العسكرية الآنفة الذكر، وتدخل المجتمع الدولي مجدداً لفرض واقع جديد للإستقرار في لبنان و الشرق الأوسط فيما لو حصلت التسويات السياسية الإقليمية المرتقبة، وإلا فإن قوانين الحرب فهي التي سوف تفرض نفسها في ظل الظروف الراهنة.
د. وفيق ريحان