19/05/2024
كائنات غريبة على «وصلة دهشور»!
قادني ظرف ما لأن أتجه مع صديق إلى طريق "وصلة دهشور"، أقصى الشمال الشرقي لمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، وقبل "كارتة" طريق "مصر إسكندرية الصحراوي"، شاء القدر أن أنحدر يمينا مع طريق مرتفع، قاصدا العودة إلى حيث أتيت، وإذ بالمفاجأة ..
مدخل فخم لمنتجع سكني معروف، تحيطه الأشجار والزهور ومساحات اللاند سكيب، تنتظر أمام بوابته سيارات فخمة، يعلوه شعار الشركة، يصطف أمامه أفراد أمن يرتدون "يونيفورم" موحد، موزعون على ناحيتي الدخول والخروج ، اقتربت بالسيارة حتى وصلت إلى البوابة، ابتسم لي شاب أسمر جميل، وبصوت هادئ قال: "حمدا لله على السلامة يا فندم" .. !
بادلته الابتسامه، وقبل أن أنطق بكلمة سألني: "حضرتك رايح لمين" ؟، نظرت إلى صديقي وعقلي يحاول إقناعي أن أعتذر لفرد الأمن، وأخبره بأننا قد ضللنا الطريق ودخلنا "المنتجع الفخم" بالخطأ ونريد العودة، لكن حدث ما لم أتوقعه ..
بتلقائية شديدة أبلغ صديقي فرد الأمن بأننا جئنا لنسأل عن وحدات للبيع داخل المشروع، رحب الرجل، وأمسك جهازه اللاسلكي وأبلغ زميله في إدارة المبيعات بانتظارنا، وفي لحظات فتح بوابات الدخول الإلكترونية، بعد أن وصف لنا المقر، بالفعل اتجهنا للمبنى على بعد خطوات من بوابة الدخول ..
دخلنا مبنى زجاجي، يقف أمامه موظف أمن أنيق، وعلى طاولة الاستقبال يجلس ٣ فتيات، طلبن منا الانتظار في "الريسيبشن" لحين وصول الموظف، لحظات وجاء شاب مهندم يحمل في يده ملفا مكدسا بماكيتات الوحدات، وفي يده الأخرى استمارات البيع وجداول أنظمة التقسيط.. سألنا : حضراتكم بتدوروا على إيه ؟ .. "فلل .. تاون هاوس .. توين هاوس شقق" ..
ذكرني عقلي في تلك اللحظة بالحكمة الشهيرة "رُبَّ صُدْفَةٍ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ ميعادٍ".. وراودني شيطاني - وليته ما فعل - بأن الفرصة قد سنحت وبدون ترتيب لأن أفكر جديا في اختيار مكان جديد للسكن، شقة بسيطة في منتجع فخم، وبعيدا عن صخب العاصمة وفي قلب مجتمع سكني جديد لا يميزه عن مشروعات الإسكان الاجتماعي سوى شكل المباني الفخم .. والسور .. والزي الموحد لرجال الأمن .. وطبعا السيارات الفارهة !! ..
وبينما أنا أغوص في بحر التفكير، استفقت على صوت موظف المبيعات وهو يخاطب الصديق قائلا: " ٣٨ مليون جنيه .. هاتدفع ١٠ ٪ مقدم .. والباقي على ١٠ سنين" .. استدرت بجسدي وعرفت أن هذا سعر شقة سكنية مساحتها ١٨٠ متر.. كاملة التشطيب .. واستلامها فوري .. يضاف لها حصة لجراج سيارة .. واشتراك في نادي المشروع" ..
أومأ صديقي برأسه محاولا إيهام الموظف بأن السعر يبدو مرتفعا بعض الشيء عن إمكانياته الحالية، وأنه سيدرس عرضا آخر طرحه الموظف في مشروع تحت الإنشاء، تسليمه بعد ٣ سنوات، وسعر الشقة فيه ١٦ مليون جنيه "بس"! ..
في تلك اللحظة فقدت النطق، وتوقف لساني عن الكلام، وتيقنت أننا نعيش مع كائنات غريبة على أرض مصر، فئة مشكوك في ثرواتها تقبل اللامنطق، وفئة أخرى تبيع الهواء للناس، وتحاول إقناعنا باللامعقول .. !
https://www.facebook.com/share/p/BK2hNHXtPRbvaK5K/?mibextid=oFDknk