27/02/2024
" راهب أنا فى محراب عشقك الأبدي مهما تباعدنا فإننى عائد من أجلك لا محالة "
العاشق الملعون
الأرض مذدانة بشتى أنواع الزهور التي ما أبصرتها عين بشرى ولا اشتم عبقها أنف من قبل , الشمس تلقى بسهامها الذهبية على جسدين قد التحما فى عناق طال ولم يُمل .
- أميرتى ... غاليتى ... مليكتى ماعدت أستشعر للغروب لذة سوى إلى جوارك وبين يديك .
مولاى وسيدى وحبيبى وأنا ما عدت أستشعر الوجود بأسره سوى بالقرب منك وأنا جاثية إلى جوار قدميك .
- اتعاهديننى ؟؟؟
- أعاهدك على أن أهبك روحى وجسدى وقلبى وسائر أمرى .
- ليس هذا ما أود منك أن تعاهدينني عليه .
- مولاى اخبرنى ما الذى تود أن اعاهدك عليه وأنا طوع أمرك .
- عاهدينى على أن من يفارق الدنيا منا وتنتزع منه روحه فلابد أن يعيده الاخر إلى جواره من جديد .
- وكيف يكون هذا الأمر يامولاى ؟؟
- عاهدينى وسأعلمك كيف .
تعاهدا على ما أخبارها به وماهى إلا لحظات لتجد دعاء بأنها قد عادت إلى غرفتها بالقصر الفرعونى من جديد.
لم تكن وحدها هذه المرة وإنما جلس إلى جوارها أحد الأمراء تبين لها أنه " بنتاور" وعلى يمينها كان " إروى " يقف بهيئته الكهنوتية فى جلال بينما وقف أمامهم فى خضوع عدد من رجال البلاط الملكي لقاهر التحنو "رمسيس الثالث " , على اليمين كان يقف الكاهن " برع كامنف " وإلى جواره " بيبككا من " و" مسنت سورع " رؤساء الحجرة الملكية وعلى اليسار كان يقف " بنحو ابن " المشرف على ماشية الفرعون .
- أرى يا " بنتاور " أن تهيء تابعيك لما أنت مقدم عليه فعما قريب سوف يتحقق ما أردناه .
هكذا تحدثت " تيا " إلى ولدها " بنتاور " الذى راح يداعب لحيته فى إضطراب ليجيبها قائلا ً :
ما كنت أود أن نجتمع اليوم هاهنا مولاتى حتى لايُكتشف أمرنا من قبل أحد جواسيس كهنة أمون .
أعترف بأن الوضع صار مزريًا فسلطان الكهنة والسقاة و مشرفى الخزانة أصبح لاحدود له لكن لاتقلق ياولدى العزيز فــ " بنتوك " حذر للغاية ورجاله يقظين .
بثت كلماتها الطمأنينة فى قلب " بنتاور " وفى قلوب الجميع قبل أن تتابع حديثها :
الأن وبعد أن أخبرتكم بما نحن مقبلون عليه وما تم الإتفاق عليه مع المعظم " إروى " فقد اتضح لكل منكم ما سيفعل .
أومأ الجميع برؤوسهم فيما خاطبت " بيبككامن " و " مسنت سورع " رؤساء الحجرة الملكية قائلة :
- العزيزان " بيبككامن " و " مسنت سورع " مهمتكما خطيرة وأرجو أن توفقا بها .
أجابها مسنت سورع بخضوع تام :
- مولاتى المعظمة أرجو ألا يساورك القلق فلن تغيب أنظارنا وأسماعنا عن الملك طوال الفترة القادمة .
- اعلما أنكما ستكافئان بما لا يخطر على قلوب البشر ما أن يتوج " بنتاور " ملكا ً للبلاد .
أحنى " بيبككامن "رأسه عندما رددت الملكة " تيا " إسمه قائلة :
- وأنت أيها العزيز "بيبككامن " تعلم ماعليك فعله خارج القصر ؟
- بالطبع يامولاتى ما أن ينتهى " برع كامنف " من تعاويذه التى سيلقيها على التماثيل ويسلماها إلى المشرف على الماشية " بنحوابن " فسوف أخذها منه لأضعها داخل الحجرة الملكية لأخفيها حتى لاتصل إليها أى يد أخرى و تراها .
استدارت لتواجه " بنتاور " و كأنما تذكرت شىء هام .
كنت أود سؤالك ياولدى العزيز عن أمر هام .
- وما هو ؟؟ مولاتي المعظمة .
- هل انت واثق من ولاء رجالك وإنحياز رجال الجيش إلى جانبك ؟
ارتسمت على وجهه إبتسامة دلت على ثقته مما سيخبرها به .
- لا تقلقى يا مولاتى فالقائد " بايس " قائد الجيش طوع بنانى وما دام قد إنحاز إلى جانبى فلن تُـشَق عصا طاعتى ما أن أجلس على عرش البلاد .
تقدم المعظم " إروى " خطوة إلى الامام قائلا ً :
- إذا أذنت لى مولاتى المعظمة بالحديث فإن لى رأى أود أن تشاركونى به .
- وماهو أيها المعظم إروى ؟
- أرى يامولاتى أن يشاع بين الجميع سرا ًبأن الملك ليس على مايرام وأنه دائما ً مايمر بوعكات صحية عديدة , إملؤ القلوب بعطف الأمير " بنتاور " ومحبته لشعبه المبارك , رددوا على مسامعهم انحياز " هيكا ماعت رع " ( رمسيس الرابع ) وتفضيله لغيرهم لمن استباحو بلاط والده , حرضوهم على الثورة ضد الظلم الواقع على اعتاقهم و أخبروهم أن الخلاص لن ياتي إلا على يد " بنتاور " الحكيم الذى أنعمت عليه الألهة بقلب كقلب أوزير وحكمة كحكمة تحوت وعين حامية كعين حورس تسهر على أمنهم ورعايتهم .
ما أن إنتهى " إروى " من حديثه الذي نال إستحسان الأمير بنتاور ووالدته الملكة " تيا " التي شرعت تثنى على ذكاء المعظم " إروى " وفطنته , أمرتهم بالحرص على فعل ما أخبرهم به وبأن يتفانى كل منهم فى تنفيذ ما كُلف به , أمرتهم جميعا ً بالإنصراف ماعدا المعظم إروى والكاهن برع كامنف !!
ما أن أغلق باب الغرفة خلف من غادر حتى سارعت بإخبار " إروى " و " برع كامنف " بأخطر أمر قد مرت به منذ أن بدأت التخطيط للإطاحة بزوجها الذى اصطفاها من بين سائر المحظيات الأخريات لكى تصبح زوجة ثانية له ما إن أنجبت له الأمير "بنتاور " , ولما كان من العسير أن يصبح ولدها هو ولى العهد وخليفة والده للعرش راحت تحيك مؤامرة للإطاحة به وتولية ولدها بنتاور خلفا ً له ما أن شعرت بأن الأجواء العامة للبلاد قابلة لتحقيق مأربها .
- أيها المعظم " إروى " كنت أود إخباركم بأمر أرجو ألا يعلم به أحد غيركم .
- مولاتى المعظمة لو زالت السماء وجف النهر العظيم فلن تجاوز كلماتك جنبات الغرفة ولن تغادر صدورنا حتى وإن قتلنا فى سبيل الحفاظ عليها فنحن خدمك المخلصين .
- هذا هو عهدى بكم أيها العزيز " إروى " , هذا هو عهدى بكم .
أفسحت المجال لزفرة ساخنة خرجت من صدرها وكأنما قد خرجت من قعر الجحيم ثم أردفت قائلة :
- تعلمان تماما ً ماحدث حينما إستدعيت ذلك الكيان النارى عن طريق الخطأ , لقد أخبرتكم أننى أخطأت فى إتمام طقس الإستدعاء الوارد بتعاليم الإلهة " سخمت " التى أعطانى إياها " برع كامنف " فقد كان المفترض أن أستدعى أحد قادة الجن والذى يدعى " موران " فإستدعيت عن طريق الخطأ أميرا ً من أمراء الجن لكنه أشد وأقوى يدعى " بوران " وقد قبل بمساعدتي فقدم إلى تلك التعاويذ التى سيلقيها " برع كامنف " على تلك التماثيل الشمعية التى سيصنعها " حتى نستطيع السيطرة على أفراد الخاصة الملكية فلا يقوى أحد منهم على العصيان .
- بالفعل يامولاتى نعلم هذا وقد كان من حسن طالعنا وبمباركة العظيمة محبوبة رع " سخمت " المعظمة بين الألهة .
هكذا أجابها إروى .
- الان هاكم ما أود إخباركم به وهو الأهم والأخطر .
- وما هو مولاتى ؟؟
- بوران سيحل فى جسد الملك .....................
أصابتهم كلماتها بالدهشة والفزع فى أنّ واحد فلم تمهلهم وتابعت حديثها دون إكتراث لما إنتابهم :
- لقد إستقر الأمر لدى بأن يحل بوران فى جسد زوجى العزيز لأيام يتم خلالها التنازل لبنتاور عن العرش وبعدها يشاع بأن الملك قد فارق الدنيا ليصعد إلى جوار إوزير ليحيا بين الألهة .
تسائل إروى وقد إرتسمت على قسماته علامات الدهشة والحيرة :
- وكيف سيحدث هذا الأمر يامولاتى ؟؟؟
أجابته قائلة وقد إنتفضت واقفة وهى تداعب إحدى خصلات شعرها فى دلال ذائد :
- ماسيحدث هو أنه وبدل أن يُقتل الفرعون أو أن تقوم حروب مابيننا ومابين كهنة أمون فسوف يصاب بثلاث طعنات إحداهم فى رقبته والأخريان فى الرسغين وعندها سيحل بوران فى جسد الفرعون بعدما أكون قد إستدعيته وساعدته للبقاء فى صورة طيف لبعض الوقت كما أخبرنى .
ظل إروى يتفكر فى كلماتها ما أن إنتهت من حديثها , ظل يتفكر للحظات حتى صكت أذنيه كلمات" برع كامنف" وهو يخاطب الملكة " تيا " فى سعادة :
- نِعم الرأى يامولاتى وهو الصواب , ما دام بوران إلى جانبك فلن يحدث إلا ما أردت .
- هذا هو رأيك أيها العزيز " برع كامنف " لقد كنت على يقين من أنك ستسر بما سيحدث ليقينى بأنك مازلت تبحث عن سبل جديدة للتواصل مع شتى الكيانات .
- كل ما أقوم به هو لخدمة فرعوننا القادم " بنتاور " ووالدته ملكة مصر المعظمة .
توجهت أعينهما تلقاء " إروى " الذى راح يتحدث قائلا ً :
- سيكون الأمر غاية فى الروعة فالفرعون لن يُقتل وسيتم تسليم العرش والمُلك للأمير بنتاور دون إراقة دماء , كما سيبارك الفرعون منصبى الجديد كبيرا ً للكهنة دون أن يجروء أحد ما على إبداء إعتراضه أو مجرد الإمتعاض .
أظلمت الدنيا حولها ليتسلل إلى مسامعه صوت كفحيح الأفاعى :
ربما كتب عليك النسيان !!! ربما تبدلت الأجساد و تعاقبت عليها الأزمان !!!! لكن روحك الهائمة منذ قرون قد آن أوان عودتها , الأن وقد عبر العاشق إلى عالمك من أجلك ليستنقذ روحك من بين براثن الموت الأسود لتحيا فى رحابه من جديد .
من جديد أتاها صوت والدتها ينتزعها من حلمها الذى أصبح تود لو أنه لا ينتهى ليبدأ يوم جديد قد يحمل فى طياته مالم يكن فى الحسبان !!
*******************
تتابعت الأيام ومازال بحث عامر والدكتور بهاء مستمر ولم يسفر عن شىء !! بدأ بحثهما بعدما تقدم بهاء بتقريره الخاص بتشريح الجثتين والذى صاغه حسب ما توفر له من معطيات ملموسة وأدلة لا تقبل الشك , قدم تقريره وقد تضمن ذكر أن الجثتين قد تم طعنهما فى موقع الحادث ولم يتم نقلهما من مكان أخر وأنه قد تم طعنهما عدة طعنات قاتلة بأداة حادة ملتهبة أدت إلى كى الجروح القطعية بالجثتين , كما أكد على تعرض الجثتين لدرجة حرارة عالية أدت لجفاف الأعضاء الداخلية للجثتين دون معرفة الكيفية !!!
لم يقتنع المقدم يحيى عبد الحليم رئيس مباحث الهرم بما ذكره الدكتور بهاء فى تقريره , إحتد عليه أثناء مناقشته فيما جاء بالتقرير :
- هناك سر خلف هذا التقرير يادكتور وأنت لاتريد أن تفصح عنه فتلك ليست عادتك فى عملك ؟؟
تلعثم بهاء ما أن سمع كلمة " سر " فاحتد وتعالي صوته فى محاولة يائسة لإخماد شكوك المقدم يحيى , صاح قائلا ً وقد إنتفض من مقعده :
- سر ........ هذه إهانة وتشكيك فى عملى ياسيادة المقدم وأنا لن أسمح بها , إذا كنت تود إنتداب أحد أخر لإعادة تشريح الجثتين فلتفعل أما أنا فقد إنتهت صلتى بتك القضية منذ تلك اللحظة .
حاول المقدم يحيى تهدئة ثورة بهاء الذى غادر فى عجالة وكأنما يريد أن يغلق بابً قد يفتح عليه أبواب الجحيم , بالرغم من معرفته بيحيى وطباعه , لقد كان على يقين من أنه لن يهدأ حتى يصل إلى الحقيقة .
بالطبع كان بهاء يود لو أخبره لكن رغبة عامر فى إخفاء الأمر حتى يتوصل إلى تلك الفتاة التى شاهدها فى موقع الحادث , كان يظن بأنها ستكون مفتاح الجريمة التى حدثت لكنه لم يكن يعلم بأنها ستكون مفتاح للغز أكبر !!!
*****
فى نفس التوقيت
كانت دعاء بعملها تحاول جاهدة إنهاء بعض الأعمال التي وكلت إليها لتفاجأ بريهام التى عادت منذ عدة أيام إلى العمل تسقط أرضا ّ وعلى وجهها علامات الإعياء الشديد !!!
ماكان لها أن تتركها لتغادر وحدها عائدة إلى منزلها فطلبت من أحد رؤسائها بالعمل الإذن بأن تصطحب ريهام إلى أحد المراكز الطبية التى تتعامل معها الشركة فأذن لها .
بعد أن اطمأنت من الطبيب على حالة ريهام الصحية أصرت على أن ترافقها إلى منزلها , فى الطريق لم تكن دعاء تفكر سوى بتلك الأحلام التى تأتيها وبأمر تلك المؤامرة التى تُحاك ضد الفرعون " رمسيس الثالث " , كانت قد قامت بالبحث عن تفاصيل تلك المؤامرة فلم تجد مايشبع فضولها لأن ماكانت تشاهده بأحلامها لم تُدونه أى كتب ولا أبحاث تناولت تلك الحقبة الزمنية الهامة فى تاريخ مصر القديمة !!
أصبحت تلك الأحلام تأتيها ليلا ً أو نهارا ًفما أن تُغمض دعاء عينيها حتى تغط فى نوم عميق لتسقط فى تلك الأحداث حتى وإن كانت فى " الباص " الذى يصحبها فى رحلة الذهاب والعودة من الشركة وإليها .
إقترب التاكسى الذى يُقل ريهام ودعاء من شارع بن خلدون الذى تقطن به ريهام , مر بجوار تلك العمارة التى وقعت بها الحادثة ليقترب من منزل ريهام , لم تلتفت دعاء لذلك الشاب الواقف أمام سوبر ماركت "الأمانة" المواجه لمنزل صديقتها والذى كادت عيناه أن تخرج من محجريها ما أن رأى دعاء تغادر التاكسى بصحبة صديقتها !!!!!
*********************************
لم يكن ذلك الشاب الذى بدأ يتردد على شارع بن خلدون فى الأونة الأخيرة سوى " عامر ".
ظل عامر يتردد على شارع بن خلدون عدة أيام ليقينه بأن تلك الفتاة التى شاهدها ربما كانت تتردد على المكان على أسوأ الإفتراضات , تمنى لو كانت تسكن بتلك المنطقة أو بالقرب منها حتى لا يطول بحثه عنها , قرر فى البداية أن يكون الشارع هو نقطة إنطلاقه للبحث وإن لم يجدها فعليه إيجاد طريقة أخرى للبحث عنها .
ما أن شاهد ذلك الطيف الذى يتبع التاكسى حتى هاله ما رأى !!!
تأكد من أن ذلك الطيف ذاته هو الذى قُـتل الشابينِ على يديه , رأه قادما ً من بعيد يتبع تاكسى توقف أخيرا ً أمام المنزل المقابل للسوبر ماركت لتترجل منه فتاتين ما لبثا أن دخلوا إلى ذلك المنزل ليتبعهما الطيف إلى الداخل !!
أخرج هاتفه المحمول وعلى الفور قام بالإتصال بالدكتور بهاء .
- دكتور بهاء لقد وجدتها .
- من ؟الفتاة !
- نعم بالطبع إنها فى أحد المنازل القريبة من موقع الحادث, ولكن لم أعرف بعد إن كانت تسكن هنا أم لا.
- وماذا ستفعل ؟
- سأحاول التأكد بأى وسيلة ممكنة وعما قريب سأخبرك بما سأتوصل إليه .
- وأنا فى إنتظارك .
أنهى المحادثة وإستدار تجاه المنزل , أغمض عينيه لدقيقة ثم ترك المكان وإبتعد قليلا ً !!!!!
ألقى نظرة خاطفة على إحدى الشرفات بعدما تردد فى أذنيه صوت خافت .
- لم أستطع أن أدخل إلى المنزل .
ترددت الكلمات فى عقل عامر فتسائل دون أن ينطق بلسانه .
- لماذا ؟
- بالمنزل أحد حراس " ليباروخ "الملعونين وأنت قد أمرتنى بألا أثير الريبة .
كان لكلمة " حُراس ليباروخ " صدى تردد بداخله فأفزعه !!!
تذكر أن تلك القبيلة الملعونة من الجن دائما وأبدا ً ما يقترن ظهور أحد حراسها وفرسانها بشر يفوق الخيال !!
أخبره والده من قبل حينما كان يعلمه تاريخ قبائل وممالك الجن القديمة بأن فرسان تلك القبيلة لايخشون إلا أتباع " الحكيم برجمدارالصوفي " أحد حكماء الجن الكبار وقادتهم , فهو الوحيد الذى إستطاع هزيمتهم من قبل فى حرب إمتدت لتصل إلى عشر سنوات إنتهت بهزيمة فرسان ليباروخ , قتل ملكهم على يدى الحكيم برجمدار وتم لعن القبيلة بأن تتجمد أجسادهم إلى الأبد لتبقى أرواحهم حبيسة بداخلها إلى الأبد !!
تم سجنهم فى مكان مجهول ومنذ ذلك الوقت وهم فى حكم العدم غير أن البعض ممن إمتلك قدرات خارقة وبعض الوسائل المحرمة على مرالعصور إستطاعوا أن يستدعوا بعض الفرسان منهم بعد إزالة اللعنة وتحريرهم ليعينوهم على أكثر الأمور شرا ً ورعبا ً على الإطلاق !!!!
تيقن عامر بأن فارس واحد منهم بإستطاعته أن يفتك بعشر فرسان من قبائل السيافة الأشداء ناهيك عن إستطاعته الفتك بمئات الفرسان من قبائل الجن الأخرى .
- اللعنة ...... اللعنة على الجهل .... كيف لم أتنبه لهذا الأمر من قبل؟
هكذا ردد عامر بداخله فأتاه الصوت مجيبا ُ :
- لماذا تقول اللعنة ؟ ما الذى لم تنتبه له ؟
- لقد شاهدت هذا الفارس وهو يقتل الشابين ولم أتعرف إليه .
- أشفق على نفسك يا صديقى فبإستطاعته إتخاذه أى هيئة من هيئات الجن وصورهم , أنت لم ترى بعد هيئته التى خُلق عليها .
- وما العمل الأن ؟
- إذهب أنت إلى منزلك و أنا سأراقب من بعيد ولن أعود حتى أعرف كل شىء عن تلك الفتاة .
- حسنا ولكن كن على حذر يارضوان .
غادر عامر صديقة الجنى رضوان أحد فرسان قبائل السيافة من الجن الذين تعلم على يديهم عامر كل ما يعرفه عن عالم الجن , لقد تميز عامر عن باقى البشر بأن من تولى تعليمه وتنشئته هو سيد قبائل السيافة وكبيرهم الذى علمه أشياء لم يكن لبشرى أن يتعلمها حتى يصبح خليفة لأبيه و الذى شاءت الأقدار أن تكون نجاة البشر على يديه من قبل .
توجه عامر إلى منزله فى حى الحسين ذلك المنزل الذى ولد وترعرع به على يد جدة والده التى إحتضنته ما أن تسللت إلى صدره أولى نسمات الهواء تُصاحب أولى خفقات قلبه معلنة بذلك قدومه إلى الدنيا , حملته الجدة بيديها فبسملت وحوقلت وغسلته بماء أتت به من زمزم وحفظته فى جرة قديمة لديها , حصنته بأيات الله وبأدعية حفظتها عن ظهر قلب .
ولد عامر وحيدا ً كما كان أبوه من قبل فتعهدته والدته بالرعاية والعناية لعلمها ويقينها بأنه لابد له من أن يكمل ما بدأه والده من قبل , تقبلت عطية الله لها فوهبته عن طيب خاطر ليكون درعا ً للضعفاء وسيفا ً للحق مُسلط على الجبارين والعصاة .
لم تحزن والدته لوفاة زوجها الذى أحبته حبا ً يفوق الوصف لإيمانها بأنه قد ترك لها قطعة منه تمشى على الأرض , لقد ترك لها بعد رحيله ولدها وولده الوحيد " عامر خالد محمود عابد " حارس البوابة البشرى .
**********************************
عادت دعاء إلى منزلها وهى فى شوق إلى أن تُغلق باب غرفتها لتبقى وحيدة حتى تنعم بأطول فترة نوم تستطيع أن تحظى بها !!
استقبلتها والدتها متسائلة عما أخرها فقد عادت بعد موعدها بما يقارب الساعتين فأخبرتها بأن ريهام قد انتابتها وعكة صحية أثناء وجودها بالشركة وكان لابد لها أن تصطحبها إلى المركز الطبى ثم رافقتها إلى منزلها ولذا فقد تأخرت لبعض الوقت وليس هناك مايدعو للقلق , تركتها والدتها لتبدل مبلابسها وتوجهت إلى المطبخ لتعد طعام العشاء .
أمام المرأة ظلت دعاء تتأمل تلك القلادة التى ماعادت تفارقها منذ أن أصبحت بحوزتها , رفعتها أمام عينيها لتتأمل تلك النقوش الصغيرة والرموز التى نقشت على جوانبها , أعادتها على صدرها مرة أخرى وإستدارت تكمل إرتداء البيجاما التى أخرجتها من الدولاب , توجهت تلقاء والدتها التى إنهمكت فى إعداد طعام العشاء بالمطبخ لتساعدها وهما يتضاحكان على تلك الحكايات التى دائما ً ما ترددها والدتها على مسامعها حول الجيران والأهل والأقارب وما يفعلونه من مواقف تستدعى الضحك حد البكاء .
إجتمعت الأسرة على المائدة لتناول طعام العشاء فتطرق الحديث بينهم إلى مواضيع شتى وما أن إنتهت دعاء من تناول طعامها حتى سارعت بالخلود إلى النوم متعللة بأنها تود أن تستيقظ مبكرا ً .
تمددت على سريرها وما لبثت أن راحت فى نوم عميق لتجد بأنها قد عادت إلى الغرفة الملكية بقصر مدينة هابو وقد قارب الوقت منتصف الليل .
وسط الغرفة كانت تجلس وقد تجردت من ثيابها فلم يبقى على جسدها سوى غلالة من الحرير تظهر مفاتنها بعدما تزينت وتعطرت بأفضل العطور التى قدمها إليها الفرعون وإختصها بها , جلست وأمامها تمثال من الشمع الأسود للجسد لبشري بينما الرأس لأفعى ملكية لها عينان غائرتين قد إصطبغتا باللون الأحمر !!
فاحت فى أرجاء الغرفة رائحة غريبة لإحتراق بخور وأعشاب , ظلت تردد قائلة :
إيكالو ميتادو ثيتانو ليبو رانتيد ميترونيتا فيكو ميستا ميبولينا بوران .
ظلت ترددها لبعض الوقت وهى مغمضة عينيها حتى أنها لم ترى ذلك الطيف الذى بدأ يتجسد على مقربة منها .
تنامى إلى مسامعها صوته فإضرب قلبها وتسارعت خفقاته .
- تيا ..... تيا .
بدأ طيفه يتجسد فى فضاء الغرفة حتى إستقر واقفا ً أمامها , رجل أربعينى حسن المظهر يرتدى ثوبا ًقرمزيا ً موشى بالذهب , قسمات وجهه لا توحى بالرعب أو الفزع لاشىء غير طبيعي سوى أن له عينان حمراء مشعة كأنما هما جمرتان من نار !!
تسائلت فى دلال زائد وما تزال عيناها مغمضتين فيما إرتسمت على شفتيها إبتسامة تنم عن سعادة لا توصف .
- من هذا الذى يتحدث !!! من تكون ؟
- أنا ..... أنا العاشق المتيم , أنا من سقط أسيرا ً لعينيك , أنا راهب فى محراب عشقك الأبدي , ومهما تباعدنا فإننى عائد من أجلك لا محالة .
إنتفضت واقفة لتقترب منه وفى عينيها شوق عجيب .
- بوران .... إشتقت إليك .
- حبيبتى أنا لا أفارقك لحظة واحدة , أنت تعلمين ذلك .
- أعلم ولكن لم يعد لى صبر على أن تغيب عن ناظرى .
- صبرا ً فعما قريب وبعدما أحُل بجسد زوجك سنبقى معا ً إلى الأبد , قريبا ً حالما تُنهى طقس الإستدعاء والحلول لن تُفرقنا قوة بالكون حتى النهاية .
- أخشى أن يحدث شيء يمنعنا من إتمام الطقس .
- لا تقلقى فأنا أتابع كل شىء والأمور حتى الان تسير على مايرام .
- أعلم أن " بيبككا من " و" مسنت سورع " قد تسلما التماثيل السحرية وتم إخفائها بالغرفة الملكية كما أخبرتنى , أما باقى الخطة فهى تسير كما خططنا لها ولم يتبقى سوى الخطوة الأخيرة .
- نعم .. عما قريب سنبقى سويا ً إلى الأبد .
أسندت رأسها على صدره بعدما إحتضنته لتشعر بحرارة جسده , أحاط جسدها بيديه لتلتقى شفاههما فى قبلة نارية حملتها إلى عالم أخر فحملها بين يديه لتحيط عنقه بذراعيها وتخاطبه فى دلال زائد :
- أى قدر هذا الذى حملك إلى ياعشقى الأبدى ؟ هل كان مقدر لنا أن تعشق بشرية مثلى أميرا ً من أمراء مملكة الجان !!
- قدر !!!! أى قدر أنا لا أعترف بالقدر لقد كان إستدعاؤك لى خطاء وحسب .
- خطأ.... خطأ .... !!
- لقد كان أفضل خطاء على الإطلاق لأننى وقعت أسيراً لعينيك سيدتى الجميلة , هل تدركين عجزى أمام عيناك أنا من حاربت ملوك الجن وأخضعت ممالكهم من قبل , هل تدركين مليكتى أننى الأن لست سوى عاشق أتى بعدما تردد إسمه على شفتيك فأبي أن تفارق روحه روحك منذ أن عشقك .
- عشقتنى ؟؟
- بالطبع فحين عشقت من النساء لم أعشق سوى إمرأة لها جمال الحور وفتنة الشياطين .
- أنا أيضا ً عشقتك وتعلقت روحى بك يابوران , لقد كان من حسن طالعى أننى أخطأت وإستدعيتك , من كان يظن بأننى ما أن تجسدت أمامى قد أصابتنى سهام عشقك , صدقا ً لقد أحببتك وفى عينيك سافرت إلى " حقول أوزير " وعرفت الهوى ومن شفتيك تجرعت كؤوس العشق خالصة .
وضعها على سريرها ذو القوائم الذهبية الأربعة ثم تعانقت شفاههما من جديد , أراحت رأسها على الوسادة حينما إضجع إلى جوارها , داعب خصلات شعرها الذى يشبه الليل فى ظلمائه .
- صدقينى حينما أقول بأننى قد أفعل المستحيل لأبقى إلى جوارك فما كنت أملك من أمرى شىء ما دمت قد عشقت ولا سبيل إلى نجاتى سوى أن أهرب إلى عينيك .
أمسك عن الكلام والتحم جسديهما بقوة وكأنهما فى صراع , إلتحما كجيشين أحاط أحدهما بالأخر يدك حصونه فتزداد الحصون صلابة , تـُطعن فرسانه فتُهُب الفرسان من غفلتها متأهبة لمواصلة الصراع فى حميمية قاتلة ,
إنقض عليها فإستباح الشفتان والخصر والنهدان , لم يترك موضع إلا وقد سال رضابه الناري فوقه فألهبه ليزداد بريقا ً ولمعانا ً كأنما يكسوه بلُجين سائل , اشتعلا سويا ً فى عناق وقبلات ثم ……………..
- بوران …… بوران …… بوران .
إنتفضت واقفة تبحث عنه فى أرجاء غرفتها فلم تجده !! حاولت أن تستدعيه كما فعلت فلم تستطع , أطرقت برأسها إلى الأرض لدقائق حتى أتاها صوت أجش لم تعهده من قبل .
" فى ظلام الليل سيأتى راجيا ً أن يفوز بوصالك , كلما داعب النوم جفناك سيأتى ليظفر بما كان يرجوه , سنوات طويلة قضاها فى كل ليلة يرسل إليك جُنده وأتباعه ليبشروا بمقدمه , لكنك لم تكونى تعلمى بقدومه وبأن اللقاء هو قدرك المحتوم ,
لابد لروحك الطاهرة أن تفارق جسدك حتى تعود من جديد .
لابد للعروس أن تزف على محمل الموت حتى تحيا من جديد .
لابد لـ " تيا " أن تعود حتى وإن عادت على أشلاء الف الف فتاة وإمرأة .
حتما ً سوف يأتى اليوم الذى تعود فيه " تيا " على يديك يا " دعاء "
- " تيا " ..... تعود على يدى .... كيف ؟؟؟
- ستعود حينما ...................
- دعاء ... دعاء ... إستيقظى حتى لا تتأخرى .
كادت دعاء أن تفسح المجال لغضبها حينما أيقظها صوت والدتها لتقطع ما كاد الصوت أن يخبرها به , الأمر فى غاية الغرابة !!!
إنها المرة الأولى التى يخاطبها صوت مجهول فى الحلم بـ" دعاء " !! هى عادة ما يُخاطبها الجميع بألقاب كـ " مولاتى – الملكة المعظمة – سيدتى " وكثيرا ماتقترن تلك الألقاب بإسم " تيا " لا دعاء !!
ومن يكون بوران هذا ؟ إنه على مايبدو أحد أمراء الجن فكيف يعشق إمرأة من البشر !! أى رومانسية تلك التى تنشأ مابين جنى وبشرية !!! الاعجب من كل ما سبق هو ذلك الصوت الذى أخبرها بأن " تيا " سوف تعود على يديها !!!
أجمعت أمرها على أن تخبر الدكتور بهران بما حدث ربما وجدت لديه إجابات لكل ماتراه فى تلك الأحلام .
*****************************
فى الصباح كان عامر يجلس بغرفته وقد إنتهى من قراءة ورد القرآن الخاص به وجلس يتصفح أحد المراجع الطبية قبل أن يستعد للذهاب إلى عمله , توقف عن القراءة ما أن سمع صوت طرقات إلى جواره .
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ياعامر .
قالها صوت لشخص لاوجود له بالغرفة وما هى إلا لحظات حتى تجسد رضوان ذلك الجنى الذى كان برفقة عامر من قبل شاب وسيم قوى البنية هكذا كان يتجسد أمامه دائما منذ أن ربط بينهما أبو عبد الرحمن أمير قبائل السيافة فى أخوة دائمة لا تنفك إلى الأبد .
- وعليكم السلام يارضوان , أخبرنى ماحدث , لقد انتظرتك طوال الليل .
- الأمر خطير ولن تتوقع ما حدث وما شاهدته .
- أخبرنى بكل ماحدث ولنرى إن كان الأمر أخطر مما توقعت أم لا .
- حسنا ً ....بعد فترة من محاولاتى للتسلل خلسة دون أن يشعر بى ذلك الحارس الذى يتبعها وجدتها تغادر ذلك المنزل عائدة إلى منزلها كما عرفت بعد ذلك , تبعتهم من بعيد وأنا على حذر شديد وما أن دلفت إلى منزلها حتى إستطعت أن أتسلل خلسة بعدما حجبت رؤيتى عن سائر الجن والشياطين لكننى لم أستطع التسلل إلى غرفتها !! على مايبدو أن بها تعويذة قوية تمنع دخول أى شخص غير مرغوب فيه إليها سواء من الجن أم من البشر , حاولت رفع الحجب لأرى ما بداخل الغرفة فكانت المفاجأة .
- ماذا شاهدت ؟؟
- فى البداية كان ذلك الفارس يقف إلى جوارها وما أن راحت فى النوم حتى تجسد بداخل الغرفة إثنان من حكماء " الدوو" .
- حكماء الدوو...................!!!!!!!!!!!!
لو أن صاعقة أصابته أو لدغته إحدى أفاعى المامبا السوداء أو الكوبرى لكان بالنسبة له أفضل من سماعه لتلك الكلمة التى إقترنت بالشر المطلق !!!
حكماء الدوو العشر وما أدراك ماهم , هؤلاء الشياطين العشر الذين تعدت اعمارهم ألالاف الأعوام , على مر العصور والأزمان كانوا هم سر البلاء والإبتلاء , أبشع المخلوقات خلقا ً وطباعاً ً على الإطلاق , لايستعين بهم أحد لأنه لا يأمنهم أى مخلوق على الإطلاق !! المكر والدهاء والخبث والخيانة صفات أخذت عن حكماء الدوو الجهنميين .
قطع أفكاره صوت رضوان موكدا ًعلى ماقال :
- نعم حكماء الدوو . بقى الإثنين إلى جوارها طوال الليل , وضع أحدهما أحد أطرافه ليتسلل إلى داخل جوفها بينما وضع الأخر أطرافه الستة التى تشبه أذرع الأخطبوط على جسدها بالكامل , ظل الأمر هكذا حتى عاد الفارس فى الصباح .
- بالفعل الأمر أخطر مما توقعت ويتعدى مجرد قتل شابين فقط .
- وماذا تنوي أن تفعل ؟
- لابد من إخبار أبوعبدالرحمن بما حدث على وجه السرعة .
- دع هذا الأمر لى فسوف أخبره ولكن ماذا ستفعل أنت الأن ؟
- سأحاول جمع أى بيانات عنها لمعرفة كل شىء عنها .
- حسنا ً ولكن لا تتهور وتقترب منها حتى لا يُكتشف الأمر .
- لا تقلق ....... حتى الأن أنت لم تخبرني بإسمها ولا أين تقيم .
- أعتذر فقد نسيت وكل ماكان يشغلنى هو أمر ذلك الفارس وحكماء الدوو الملاعين , هى تقيم فى عمارة رقم 9 بعمارات الوطنية بمنطقة أخر
فيصل و اسمها " دعاء إبراهيم مندور"