26/10/2023
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=642296334738732&id=100068751129271&mibextid=Nif5oz
لعبة الهبوط الدلالي للإنسان في القاع الوجودي
قراءة في العرض المسرحي (ثورة الخشب) من تونس
ثائر القيسي
*الفكرة
يعتمد العرض المسرحي (ثورة الخشب) بالأساس على ثيمة أساسية حملت اخراجياً فن الـ(الماريونيت) أي الدمى المحملة بخيوط تتحكم فيها أيد بشرية يتم الاشتغال بها كونها رمزيات متحولة لبيان صورة أو مجموعة من صور تحاكي الفكرة (الأم) المتصلة بثنائية الصراع الشر الفوقي وجلاده المستبد في مقابل الخير الضحية السفلى ضمن مجابهة غير متكافئة وعلى مساحة ما مضى على نتيجة ماسيكون إذ أظهرت إرادة التحكم بالدمى قسوتها في محاولة تدمير ذات الآخر المتمثلة بالمرأة وهي تذر قواها لمقاومة جلاد عصرها ومن جانب تأويلي ممكن النظر إلى الجلاد وضحيته على فرض أنَّ الاستبداد السياسي المتسلط على رقاب الشعب غالباً ما يلجأ إلى تمسيخ ضحيته كأول إجراء لإضعافها والسيطرة عليها. أربع شخصيات تقابلت حول عرش الدمى الذي تحول هو الآخر إلى دلالة مختلفة عن كونها ملاذاً آمناً حولهم الاستبداد إلى دمى خشبية مسخت بتحولها الإنسان الى الرذيلة أو هي حاولت عند حدود محاولتها جعل المرأة مبتذلة في أماكن تظهر فيها راقصة في ناد ليلي تمتهن كرامتها في أجواء انحرافية، ولكن بصورة الدمى المتحركة بتقنية ذهنية المتحكم في توجيه الدمية ليقول في خضم مقترح الفكرة (كلنا دمى) وهناك من يتلاعب بنا ..
*الإخراج وتحولات الرمز :
الرمزية في الاشتغال المسرحي إحالية تتلخص في وجهة نظر إخراجية قائمة على تقريب المسافة بين الفكرة والمتلقي إذا ما أراد المخرج صناعة المشهد بشيء من الصدمة التي توقظ الذهن كونها نتاج مخيال مر بسلسلة من الرؤى الهلامية وهي تحوم حول ماهية المتخيل وفي ثورة الخشب وضع المخرج فيصل بن محمود شخصياته الأربع تحت طائلة رمزيات ذهب بها بعيداً لتجسيد تقابلية حكائية قسى من خلالها إلى ما فوق أن تتلقاه مشاعر المتلقي لقمع حرية إمرأة خضعت كثيرا لمفهوم التحول في اعتبارها الإنساني إلى دمية اقحمت عنوة على قيمتها كونها بشر حين ظهرت الدمية وهي ترقص بإبتذال أمام مرآها بشيء من القسوة، وكأني بالمخرج بن محمود قد نفذ فيها حكمها النهائي لكي تفقد كرامتها وتساقط إلى العالم السفلي وهي لما نزل تبدي مقاومة التسلط تحت غطاء علاقة عاطفية مشوبة بغايات خارج تصوراتها كإمراة مهددة بالمسوخ على يد جلادها الذي يلوح لها بدميته المعلقة بحبال..لكن الصورة ليست بكامل رتوشها النهائية التي خطط لها المخرج وهو يمارس ساديته إلا في بعض مساحات الدراما في تصاعدها حين خرج تشكل الرمزية من الدمية إلى شخص المرأة ذاتها في ظهورها الـ(إيروتيكي) وسط مساحة الخشبة لتبيان المصير الذي رسم له السادي المتحكم بالمرأة والدمية على خط من التساوق ليعود المشهد إلى تلاقح الدمى مع شخوص العرض لتحقيق مخرجات فكرية عابرة من الناسخ إلى المنسوخ في لجة المقاومة العنيدة للمرأة بألا تسقط في أحابيل الرمزية..
*الأداء في لجة التقمص:
يمر التمرين المسرحي في عدة أطوار متباينة كونه تجريبا معمقا ويختلف هذا بين مخرج وٱخر حين تتم المحاولة لتحديد الأسلوبية التي يراها المخرج أنها اكتفت إشباعاً من اجراءات التهديم والبناء للاقتناع بالمشهد على وفق تأسيس الإيقاع الأدائي للممثلين والثبات على حركة الممثل بالتسليم في تموضعات الأداء درامياً لبث تفاصيل الفعل لدى الممثل بغية تمكين الممثل من ضبط إيقاعه الشخصي انسجاماً مع ما تبثه درامات فعل الممثلين الآخرين استثماراِ للمساحة الكلية للعرض، وفي ثورة الخشب اعتمد المخرج بن محمود أسلوب الأداء الانفعالي طوال زمن العرض استناداً لموضوع الفكرة وتراجيديتها المتصاعدة تارة والهابطة طوراً وعبر الأداء المتشنج في لجة الصراع، وعلى محورين: شخوصي وحسبي مصنع، وهذا الأخير كان مؤثراً درامياً لاستفزاز الأداء الشخصي لاسيما للمرأة محور الصراع وأرى من خلال تركيزي في متابعة أدائها أنها أعطت بثاً أدائياً حركياً منضبطاً أكثر مما حدده لها المخرج كونها ذات قدرات احترافية، وما تنقلاتها والحركات التي أظهرتها لتجسيد الشخصية المسندة إليها وفق تنوع المساحات إلا دليل قاطع على ظهورها في عمق الشخصية المؤداة بحرفنة ووعي رفيع تقنيا، وكذلك ينطبق الأمر على الشخوص الآخرين وهم يتبادلون الأمكنة لما أظهروه من قدرات تماحك متطلبات الأداء المسرح بإجتهاد عال.
*السينوغرافيا وتمركزات بؤرة العرض:
في كل العروض المسرحية التونسية إبان مشاركاتها في مهرجانات العراق نلاحظ أن ثمة تمظهرات وسطية لعناصر العرض السينوغرافي بشيء من امتزاج تواصلي مع روح أفكار العرض بتساوق يفضي إلى إظهار الانسجام بين صناعة البيئة مكانيا من جهة وبين المؤثرات البصرية المعبرة كفعل باث للتحفيز الإيحائي للأداء بغية الحفاظ على رتم المشهد بتأثيره المرسل إلى باحة التلقي الذهني للجمهور وفي ثورة الخشب أسس المخرج بؤرته الارتكازية وسط مساحة الخشبة على هيأة منزل صغير يضم شخوصه المفترضين كدمى متحكم فيها من منظور تأثيري مصنوع من خشب جماد ومنحها أرواح مأخوذة بأفكارها من معنى واقعي لعناصر العرض بٱدميتهم ذات الإحساس، وتقبل الرمزيات على قاعدة التمثل في تشكل المأساة لذلك وجدنا العناصر البصرية الأخرى تظهر على ذات القاعدة الإيحائية كالضوء ومساقطه والصوت والموسيقى والأزياء والإكسسوارات المصاحبة للدمى بأزيائها وحبالها المحركة بتقنية .
*فريق العمل:
يتكون فريق العمل للعرض المسرحي (ثورة الخشب) من المخرج فيصل بن محمود وتأليف أحلام الحكيمي أداء الفنانة أونس همامي والفنان أيمن النغيلي والفنان نادر بلعيد والفنان ضياء المعموري ويعد هذا العرض من عروض مهرجان بغداد الدولي المسرحي/٤ والذي عرض على خشبة المسرح الوطني في أول أيام المهرجان الذي انتهت نسخته الرابعة الاسبوع الماضي لشهر تشرين الاول من العام ٢٠٢٣ .