27/12/2024
سلعنة الأرض في جوبا: واقع مقلق وحلول مقترحة.!!!
✍️ بقلم/ لادو لو جوان
تشهد مدينة جوبا تصاعد في ظاهرة سلعنة، حيث باتت الأراضي سلعة لتحقيق الأرباح عوضا عن أنها احد الحقوق الأساسية للمواطنين، هذه الظاهرة أدت إلى تفاقم التجاوزات والتغول على الأراضي، الامر الذي أثر سلباً على إستقرار المجتمع من ناحية وأضعف الثقة في المؤسسات الحكومية.
واقع المشكلة
في مدينة جوبا، التي تعد القلب النابض لجنوب السودان، أصبح امتلاك الأراضي هدفا تجارياً بحتا، تباع وتشترى الأراضي بأسعار باهظة، وتحتكر من قبل فئة قليلة، بينما يحرم الأغلبية من حقها الأساسي في الحصول على مسكن مناسب.
يعكس هذا الوضع غيابا واضحاً للتخطيط الإسكاني من قبل الحكومة الولائية، ولا توجد رؤية شاملة لإستيعاب التدفق السكاني إلى العاصمة بحثا عن حياة أفضل ايجاد تعليم، صحة وبعض الخدمات الشحيحة التي تميزت بها مدينة جوبا.
أبرز التحديات
مما لاشك فيها هو ان هناك بعض التحديات التي ساهمت في تفاقم الوضع مما اثر سلبا علي حق المواطن في السكن من ناحية وإستغلاله من قبل الملاك الجشعين في الايجارات ويمكن إجمال تلك التحديات في التالي:-
1. فساد إداري داخل وزارة الإسكان
تورط بعض الموظفون في صفقات مشبوهة للاراضي، بحيث يستغلون مناصبهم للإستيلاء على قطع أراضي وإعادة بيعها، وتخطيط الميادين، بجانب إستخراج مستندات للمساحات بالقرب من الخيران والمجاري الطبيعية للمياه، هذا بخلاف تعديل الخرط وإلغاء الشوارع و الاعتداء علي إحتياطي الطريق التي يفترض ان يستغل كمواقف سيارات.
2. ضعف الرقابة والتخطيط
من خلال ملاحظاتي حول مدينة جوبا، لا توجد هيئة فعالة لمراقبة تخطيط المدن او المخططات الجديدة، مما أدى إلى توزيع عشوائي للأراضي دون مراعاة النمو الحضري أو احتياجات السكان ،معظم المخططات الجديدة لا تراعي حاجة السكان الي المرافق الخدمية (شرطة، مستشفي، أسواق بمواصفات خاصة، مدارس حكومية، ميادين وغيرها) بل انحصر الأمر في السكن فقط حتي الميادين التي يتم تخطيطها لاحقاً يستخرج لها مستندات ويتم بيعها من نفس السلطات دون اي متابعة او رقابة من جهة اخري همها صون مرافق المنفعة العامة من جشع تجار الاراضي.
3. دور السلاطين:
تجاوز السلاطين أدوارهم التقليدية ليصبحوا شركاء في تقسيم الأراضي، مما زاد من تعقيد الأزمة، حتي العام ٢٠١٠م لم يتجاوز دور السلاطين الدور التقليدي بي فض النزاعات وكل المخططات السكنية التي تمت خلال تلك الفترة كانت عن طريق لجنة تنمية مجتمع معين بعضوية موظفين من المحلية او وزارة البنية التحتية لسبب بسيط وهو جهل المجتمع المحلي والسلاطين لابجديات التخطيط، ولكن اختلف الأمر عقب العام ٢٠١١م أصبح السلاطين يمتلكون مهندسين (تقليديين) ويوزعوا الأراضي علي حسب أهوائهم قانونهم الوحيد هو منح مساحات شاسعة لجنرالات لضمان عدم إقدام اي جهة مهما كانت سلطته على إزالة التخطيط العشوائي، مما رسخ النهج الجديد في توزيع الاراضي.
4. غياب الشفافية:
إنعدام نظام ملكية واضحة وشفافة افرزت عادة إحتيالية جديدة وهو بيع قطعة الأرض نفسها لعدة مشترين، الأمر الذي أدى إلى إقحام ابرياء غرضهم الشريف _ في السكن وإنهاء معاناتهم مع الإيجار نزاعات_ في نزاعات طويلة الأمد بين المواطنين.
5. دور القضائية
من المعلوم ان الجهاز القضائي يلعب دور مهم في الفصل في كل النزاعات التي تقع بين المواطنين من ناحية ومن ناحية اخري إستقرار المراكز القانونية بين المواطنين، الا ان القضاء الأن دورها باتت سلبية أكثر منها ايجابية، بحسب اهل الإختصاص معظم المنازعات في المحاكم تحتل قضية الاراضي فيها حييزا اكبر من غيرها من القضايا، ولكن المحاكم لا تفصل في النزاعات بسرعة، هنالك نزاعات أراضي تاخذ اكثر من عشرة أعوام هذا مابين المحكمة الإبتدائية والاستئناف والمراجعة، هذا في تقديري يساهم في زيادة الخلل والمعاناة للأطراف مما يشجع المحتالين علي التمادي في الاحتيال لانه في النهاية المحكمة لن تنصف الطرف الأخر الا عقب سنين طويلة.
اين تكمن الحل:
للحد من هذه الظاهرة ومعالجة الأزمة، تحتاج الحكومة القومية والولائية بجانب الجهاز القضائي إلى اتخاذ إجراءات جريئة وشاملة، تشمل:
1. إصلاح وزارة الإسكان:
هيكلة الوزارة وتحقيق الشفافية في جميع عملياتها.
فتح تحقيق شامل مع الموظفين المشتبه في استغلالهم لوظائفهم.
إرجاع الأراضي التي استحوذوا عليها بطريقة غير قانونية للدولة، خاصة إمتدادات الطرق الرئيسية والميادين.
2. تشكيل هيئة مختصة لتخطيط المدن والقرى
لابد ان يتم تشكيل هيئة مستقلة للتخطيط العمراني تعمل وفق معايير علمية وبالتعاون مع الجامعات الوطنية. بغرض
وضع خطط إسكانية حديثة شاملة للعاصمة والمدن الأخرى.
3. رقمنة نظام تسجيل الأراضي
إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية لتسجيل الأراضي، تضمن شفافية عمليات البيع ووالشراء،
توفير إمكانية الحصول على الأراضي بالقانون وبأسلوب منظم ومعلن.
4. دور السلاطين
تقييد دورهم في تحصيل النسبة المتفق عليها فقط.
منعهم من التورط في تقسيم الأراضي أو بيعها.
5. محاسبة المتورطين:
هنا تأتي دور الجهاز القضائي من التخلص اولا مما يؤخر الفصل في النزاعات من ناحية ومحاكمة كل المتورطين في الاحتيال سواء كانوا مدنيين أو عسكريين.
6. التوعية المجتمعية:
ولابد من تنظيم حملات توعية حول أهمية التخطيط العمراني ودوره في تحسين جودة الحياة و تعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات لتقليل النزاعات المرتبطة بالاراضي.
7. الإلتزام بالدستور
تنفيذ نصوص الدستور التي تؤكد أن الأرض ملك للمجتمع، وتُدار بشكل منظم من قبل الدولة لصالح الجميع.
إن حل أزمة سلعنة الأرض في جوبا يتطلب تعاونا بين الحكومة والمجتمع، إصلاحات وزارة الإسكان، رقمنة الأراضي، وفرض الشفافية في التوزيع، إلى جانب التوعية و أن يكون للحكومة اليد العليا في عمليات التخطيط الاستراتيجي للمدن و عدم ترك التخطيط بيد السلاطين أو أبناء المجتمع مثل هذه السياسة أنتجت لنا " طبقة من ملاك الأراضى" بينما غالبية السكان يزرحون تحت نيران الايجار أو شراء مساحات سكن من السلاطين و مافيا نهب الأراضى ، الكرة بملعب الحكومة و خاصة الولائية لتطبيق خطوات تهدف إلى مستقبل أكثر عدالة، لذا لابد أن تكون الأرض وسيلة لتحقيق الإستقرار والرفاهية، لا أداة للتربح والنزاعات.