29/07/2024
تكريماً لذكرى استشهاد المفكر والمناضل السوداني عبد الخالق محجوب نقوم بنشر ملخص لكتابه البديع "المدارس الإشتراكية فى إفريقيا" حيث تناول فيه المشارب الفكرية لحركات التحرر الوطني في افريقيا ذات الطابع الاشتراكي، واستحضر خلاله نقاط هامة لطالما أهمل المنهج المادي ذكرها، مثل الثقافة والدين ودورهما المفصلي في اسناد حركات التحرر الاشتراكية في مواجهة الطابع الثقافي للاستعمار
- إعداد المواطنة: ِمنى عبد العزيز .
هل نحن عبيد بالفطرة ؟ هل يوجد جين داخلنا مسؤول عن تمرير سلوكيات الخضوع و الرهبة من الآخرين ؟. هل أرضنا بور وخواء ؟ أصحيح اننا لم نعرف الحضارة إلا بعد الغزو الإستعماري؟
فى كتابه المدارس الإشتراكية فى إفريقيا يتحدث عبد الخالق محجوب عن آثار الزراعة والثورة المعدنيه، أي تحول وسائل الإنتاج وأثرها على القاره الأفريقية ويقول بأنه فى إفريقيا حيث وفرة المياه و الأرض ،لم تكن للمعادن آثار ثورية عميقه و لكنه أحيا فى المجتمع حركة عمل واستقرار ، وهذا التحول خلق أنماطا جديدة من الاستقرار. و الاستقرار بدوره أدى إلى خلق أنماط جديدة من الثقافة و أشكالاً من الإدارة أوسع دائرة وأشمل من نظام العشيرة.
على العكس مما يقال بأن إفريقيا لا ثقافة فيها، و الفضل كل الفضل للاستعمار إلى ما آلت إليه من تقدم، يبرهن محجوب بأن إفريقيا حتى عندما استقبلت المسيحيه و الإسلام كانت تعرف الزراعة و الاستقرار نظاما للعيش، تعرف التجمع فى ظل إدارة واحده، عرفت مشكلة الأرض و أصبح الري و الزراعة مداراً للحياة الثقافية و الدينيه فى أجزاء منها كما أصبحت الماشية مداراً لتلك الحياة فى أجزاء أخرى.
و فوق هذا الأساس قامت نهضتنا الثقافية وهي تشارك فى سماتها مع كل النهضات الثقافيه المماثلة لها فى القارات الأخرى. بالطبع يوجد مميزات للثقافة الافريقيه على الرغم من مشابهة الأسس المادية التى قامت عليها الحضارة الأفريقية مع بقية الحضارات و لكن الإنسان الأفريقي وجد فى إفريقيا ما لم يوجد فى قارة أخرى و صارع الطبيعة وعمل بينها و تأثر بها، و لهذا هو أفريقي ثقافة رغم ان تلك الثقافه ذات طابع إنساني.
فى الميثاق الذى ترددة قبيلة الاشانتي عندما ينصبون شيخهم نجد ديمقراطية حديثة و ليس كما يتم تصويرنا على أن إفريقيا عبارة عن همج و عبيد بالفطرة :
خبروه أنا لا نريده طامعا
أنا نكره أن يساء إلينا
انا لا نريده و قد صمت اذناه
انا لا نريده يصب اللعنات علينا
انا لا نريده متصرفا وفق هواه
انا لا نود الأمور أن تسير كما فى كوماسي
انا لا نريد أن نسمعه، يقول :
" ليس لدي وقت، ليس عندي متسع منه"
انا نكره استغلال السلطة
خبروه انا نمقت العنف
و هذا الميثاق كما نرى يتضمن مبادئ المساواة بين الجماعه و الرجوع إلى إرادة الشعب كما يتضمن التشوق للسلم و الإستقرار، هذة المبادئ ولا ريب تنبع من الاستقرار الذى طرأ على النظام الحضري بعد تطور الثورة المعدنية والوفرة التى عادت على مجموع القبيلة من تطور الآلة و استقرار الزراعة.
كما عرفت أيضا وفى أجزاء منها نظام الدولة الموحد الشامل، صحيح ان ذلك لم يكن أمرا شاملا فى منطقة جنوب الصحراء، إلا بعد دخول الإسلام، إلا أن ذلك لا يمنع حقيقه معرفة إفريقيا لهذا النظام فى تلك المنطقة قبل دخول الإسلام؛ فقد جاء فى تاريخ مملكة على نهر الزمبيزي قامت قبل عشر قرون و هى تضم عدة ممالك يحكمها ملوك على رأسهم ملك للملوك يجري انتخابه من الشعب مباشرة.
خلاصة الأمر هى أن الاستقرار وجد طريقه إلى إفريقيا نظاما للحكم قبل موجة المؤثرات العظمى و بأن مفاهيم الدولة بغض الطرف عن حدودها كانت موجودة و كذلك مفاهيم الديمقراطيه و العدل الاجتماعي و مفهوم الأخير هذا كان قوياً لتخفف إفريقيا من ثقل النظام الاقطاعي فى باطن العشيرة و القبيلة، يمكننا القول بأن الحضارة الإفريقيه وهى تقف فى عصر المعادن، جزء من الحضارة الإنسانيه ومتأثرة بمميزات إفريقيا الطبيعية و تأثير تلك الطبيعة على علاقة إفريقيا بالحضارات القديمة .
المؤثرات العظمى فى حياة أفريقيا:
• الأثر المسيحي الأول
وصفه عبدالخالق بالأول لأن هنالك أثر مسيحي ثاني هو دخول المسيحية على يد المبشرين الأوربيين رسل الاستعمار الغربي، و يقصد بالأثر المسيحي الأول انتشار المسيحية فى مصر، إثيوبيا و شمال السودان و دخولها لأفريقيا كدين جديد لم ينبع من أوساطها و أفضل تصوير لذلك كان في رواية "الأشياء تتداعى" ، هذا اول تلاقى على نطاق واسع نسبيا بين الفكر الأفريقي و الثقافة الافريقيه وبين ثقافة وافده من الخارج.
تتميز هذة الموجه المسيحية الأولى بمواصلتها لسير الحياة فى أفريقيا و لم تقطعه بل يمكننا القول انها تأقلمت معه إلى حدود بعيدة فى المناطق التى شملتها؛ فمصر الفرعونية ابتلعت المسيحية و لم يهتز كيانها الاجتماعي و بقيت العلاقات الاجتماعية على ما هى عليه تقريبا كما بقيت العديد من الآثار و العادات الفرعونية.
و كذلك الأمر فى النوبه و إثيوبيا، فى الأخيرة ظهرت حركة سميت فى العصر الحديث ب "أثوبة الكنيسة" و لكن التغلغل المسيحي كان محمدا فى نطاق ضيق و لا يمكن الحديث عن آثار فى أفريقيا عامة.
ما سبق يبرهن بأن استقبال أفريقيا للمسيحية سلمياً برهنت على قوتها و حيويتها و انها تستطيع أن تستوعب الحضارات الأخرى. دون الذوبان فيها، هذا يضحد الحجه الزائفة القائل بأن أفريقيا ليس لها من جدار تستند عليه كما يكشف أيضا الطبيعة التعجرفية للموجة المسيحية الثانية التى أدت إلى تفتيت المجتمع الأفريقي.
• الأثر الإسلامي
اذا عقدنا مقارنة بين دخول الإسلام إلى أفريقيا مع دخول المسيحية نجد أن الإسلام إمتاز بإبقائه على الاستقرار الأفريقي فى كل المناطق التى شملها و هذا يرجع إلى طبيعة الإسلام نفسه وإلى الطريقة التى دخل بها أفريقيا. ففي أفريقيا جنوب الصحراء لم يحمل الإسلام جيش من الغزاةُ وإنما دخل المسلمون كتجار من شمال أفريقيا فخلقوا علاقة بين النسيج الأفريقي الاجتماعي و دول شمال أفريقيا ، كذلك لم توجد طبقة "إكليريكية" ذات مصلحة فى الغزو فتدفع بالدين فى محيط الاستغلال و الحروب.
إن البلدان الأفريقية و خاصة جنوب الصحراء حيث لم يدخل الأثر المسيحي الأول لامست الحضارة الإسلامية برفق وسلام و استفادت من الحضارة وابقت على تراثها التاريخي وأصوله الأفريقية، لقد جدد الإسلام الحياة فى تلك البقاع فاتسع نطاق الدولة من القبيلة إلى المظلة الإسلامية الاوسع و ارتبط شمال أفريقيا بجنوبها و اتسع نطاق التجارة.
لقد تأثر التخلل الإسلامي جنوب الصحراء بوجود نظم أفريقية قوية فى تنظيم شؤون الحكم و الحياة الاجتماعية و الاقتصادية.
• الأثر المسيحي الثاني وارتباطه بالإستعمار
لا يمكننا فصل هذا الأثر من الإطار الإستعماري بمرحلتيه، الإستعمار و الإمبريالية، فقد دخلت المسيحية على هذا العصر إلى أفريقيا كجزء من الإستعمار مهددةً لدخوله بادي الأمر، و مدعمه لبقائه فى النهاية.
قدمت المسيحية الوافدة مع الاستعمار ثقافتها للرجل الأفريقي، بعض المبشرين حاولوا تخفيف الآلام الأفريقية الناتجه من مصاعب الحياة الجديدة و لكن ذلك لم يكن الطابع العام بل كان طابعها عموما هو القهر و الاستبداد ، كان طابعها تشويه صورة تعاليم المسيح بطريقة تجعل الأفريقي يقبل كل ما يصيبه من خراب، بصورة توحي إليه المسكنه و تدخل فى روعه أنه إنسان بلا تاريخ، واشتركت الكنيسه فى تجارة الرقيق عمليا فى أفريقيا و صدرت ما تملك منه إلى شواطئ أمريكا.
"أدور بلايدن" يروي فى مقالته " المسيحية و العنصر الزنجي" ما يلي على لسان القس وليم ميت : " لقد خلق الله البعض سادة ليرعوا أطفالهم و من ملكت يداهم و خلق الله آخرين خدما وعبيدا ليساعدوا سادتهم و يخدموهم، كما خلق أيضا نفر من القساوسة والمعلمين لينشروا العلم بين الناس وليرشدوهم سواء السبيل، و يقول وليم ميت موجها حديثه للعبيد :" إن الله سبحانه وتعالى أراد لكم ان تكونوا عبيدا و لم يمنحكم فى هذة الحياة الدنيا غير الكد و الفقر، فعليكم أن تمتثلوا لإرادته ،إن اجسادكم ليست ملكا لكم و لكنها ملكا لأسيادكم"
ولم يكتفوا بالتشوية المزري لتعاليم المسيح و تبرير العنف و الخراب و لكن أيضا تجاهلت الأصول الحضارية للمجتمع الأفريقي وعملت على قطع حبل المعرفة.
الرجل الأبيض فى نظر الأثر المسيحي الثاني هو المتحضر وحده و به تبدأ الحضارة، و العادات الأفريقية كلها لا خير فيها و قد ظهر الاصطدام بين الحضارتين فى أشكال عديدة و فى حيز الكنيسة نفسها منها حركة "أثوبة الكنيسة" فى شرق أفريقيا و وسطها و جنوبها، استهدفت تلك الحركة قيام كنائس زنجية منفصلة لتناسب الظروف المحلية، و تحت علمها قامت ثورة فى نياسلاند ضد الحكم الأجنبي عام 1915.
أفريقيا و التحدي الإستعماري - كيف واجهت أفريقيا الإستعمار ؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغى أن ننظر إلى المدارس الفكرية و السياسية التى ولدت فى مواجهة هذا التحدي الإستعماري و تحت تأثير وجودة السياسي، الاقتصادي والثقافي فى أفريقيا.
• الحركة الإفريقية
نشأت هذه الحركة بين الزنوج فى الولايات المتحدة الأمريكية وجزر الهند الغربية من المتحدثين باللغه الانجليزية، لقد مرت الحركة بمراحل قبل أن تقوم بمعالجة قضايا الثورة الاجتماعية على يد قيادات تاريخية مثل ادرو بلايدن، وديبوا، ففى بادئ الأمر في عام ١٩٠٠ كانوا يرون أن أصل الصراع لوني، (أي مشكلة علاقة الشعوب السمراء بالشعوب البيضاء)، واستمر التطور النضالي حتى المؤتمر الثاني الذى عقد فى 1919م حيث طالب المجتمعون؛ متأثرين بموجات الحرب الأوربية الأولى وموجة الهزات الثورية التى اجتاحت العالم، طالبت بوضع قانون دولي لحماية سكان أفريقيا، وانتقلوا من دائرة المطالبة بالحقوق المدنية في جزء من العالم الاسود، الى المطالبة بحماية أهل افريقيا من التسلط الخارجي، وهذه بالتأكيد خطوة متقدمة بالنسبة للمؤتمر الأول .
من الممكن القول بعد التتبع لتاريخ الحركة التى شملت المستعمرات البريطانية و هى تمر عبر مراحل مختلفه حتى أبواب الاستقلال السياسي التى كانت تستند إلى ركنين اولهما التاريخ الأفريقي الموحد و البحث عنه و الأخذ بما هو معافى منه و ثانيهما الإرتباط بالحياة الحديثة من زاوية هذا الكيان الأفريقي واستنادا إلى هذه الحركة الثقافية النشطة و المحددة للحياة واجه الأفريقي المتمتع بالاستقلال السياسي.
• قضايا الثورة الاجتماعية وقضايا الإشتراكية
يوضح عبدالخالق في هذا الجانب ارتباط قضايا الفكر الاشتراكي بالمضامين الاجتماعية في افريقيا، بعرض وتحليل افكار كل من الزعيم الغاني كوامي نيكروما، ويليوس نيريري .
• نكروما
شهد نكروما مؤتمر مانشستر عام 1945 الذى واجه قضايا الحرية و الوطنية بجانب قضايا اجتماعية ذات طابع عالمي. المؤتمر أدان ما سماه "الاحتكار الرأسمالي و تسلط أصحاب الثورة ورجال الصناعة بغرض جني الأرباح".
لم يطرح نكروما فى بادئ الأمر قضية الثورة الاجتماعية و هذا ناتج عن طبيعة المرحلة نفسها، لانه كان منشغل بحركة التحرر ضد الاستعمار وقضية الاستقلال، ولكن عندما كانت بلاده في عتبة الاستقلال عام ١٩٥٩، قال في خطابه الشهير: (بعد ان باتت السلطة في يد الشعب، اصبح واجبنا الآن هو الهجوم على مخلفات الاستعمار الاقتصادية التي سيطرت على بلادنا في الماضي) وكان هذا بمثابة تدشين لتبني الاشتراكية من قبل كوامي نيكروما، واستطاعت القيادة في غانية من كبح جماح استغلال علاقات الانتاج الرأسمالية على مستوى السوق والمجتمع، ولكنها لم تصل بعد الى حل مشكلة السلطة على أُسس اشتراكية.
ومن اهم الخطوات التي قامت بها القوى الاشتراكية في غانا هي استنادها الى جذور من البعث الثقافي الافريقي، يربطها أكثر بالواقع، ويمنحها القدرة على مواجهة مشاكل البناء الاقتصادي .
• نايريري والإشتراكية القبائلية
فى إطار الحركة الأفريقية نفسها و تحت تأثير منها تنمو اتجاهات اشتراكية النظام القبلي، في تنزانيا تحت قيادة جيوليوس نايريري، يمكن أن نطلق عليها اسم الإشتراكية القبائلية و هي تحاول استنادا على الجماعه القبلية أن تبني مجتمع غير رأسمالي، وتجمع هذة المدرسة بين الحنين لحياة القبيلة المستقرة وما فيها من تعاون و قوة ورغبة فى الحياة، ولكن عبدالخالق قدم لها نقداً لاذعاً مع وضع اعتبارات للايجابيات التي حاول نيريري الاستناد عليها، فقد وضع نيريري مؤسسة القبيلة كمقابل للتيارات العالمية المعاصرة التي تمثل المصالح الرأسمالية، واعترض عبد الخالق ان النظام القبلي لا يمكن له أن يبني مجتمع حديثاً ودولة حديثة، ومن المهم عرض المعنى الوظيفي للدولة الحديثة في فكر عبدالخالق وهو: رفع المستوى المعيشي للشعب، والقضاء على المرض والجهل، واختلاف محجوب مع نيريري اختلاف مفاهيمي ولكنه يتفق معه في كثير من التفاصيل ومن ضمنها قول يوليوس نيريري: "إذا كان المجتمع منظماً بطريقة تهتم بالفرد طالما طان يعمل فانه لن يقلق لما يحمله المستقبل، حتى اذا لم يكن لديه مدخرات، وهذا ما نجح في تحقيقه المجتمع الافريقي التقليدي." ويرى عبدالخالق أن هذه النظرة صالحة كأساس لمواصلة الثقافة الافريقية او كتعبير رومانتيكي فقط للمواجهة بين الحضارة الافريقية والتيارات العالمية المعاصرة، ولكن الاشتراكية لا تبنى على التعبيرات الثقافية وحدها، بل تبنى على أُسس صلدة لتنمية قوى الانتاج لهذا فالقبلية ليست الأساس الاجتماعي للاشتراكية وليست المؤسسة الاقتصادية التي تتولد منها العلاقات الاشتراكية انها على النقيض من ذلك، مؤسسة متأخرة وتحول بينها وبين الرُشد، ويُسميه عبد الخالق المفعوم الشعري للاشتراكية .
• الاستعمار الفرنسي والمدرسة الزنجية
أصبح الاستعمار الفرنسي بعد انهيار نابليون يلهث للبقاء على عظمة فرنسا و استمرارها كدولة كبرى، لقد كانت بحاجه إلى تقوية جيشها بعد هزائمه لهذا سعت من وراء استعمارها لأفريقيا إلى وجود قوة بشرية تندفع بها فى خضم الصراع العالمي و تقوي بها مركزها، واخد ميكنيزمات الاستعمار الفرنسي هو الذوبان، وهو اذابة الثقافات المحلية والاستعاضة عنها بالفرنسية، وهو ما خلق فئة نخبة افريقيا ترى في استمرار الاستعمار مصلحة للقارة، لان مصالحها الفئوية ارتبطت بالاستعمار والتطور الرأسمالي، هذا الاستعمار الثقافي انتج على النقيض مدارس مقاومة محلية مثل المدرسة الزنجية وهي تمثل المحاولة الحثيثة للتمسك بالثقافة المحلية، والاشادة والتغزل بحياة البساطة والفقر في مقابل الاختناق الحداثي الذي تولده اعمدة المصانع وعوادم المحركمات، ولكن للأسف بقيت هذه الحركة حبيسة في حيزها الثقافي، ولم تقتح الحيز السياسي بشكل ثوري وجاد، وقد اوضح احمد سيكو توريه الزعيم الغيني، سبب هذا الانغلاق الثاقفي ان هذه الحركة كانت تتكون من فئة ذات امتيازات طبقية، ويقول عبدالخالق: "هذا وضع فريد فالزنجية تواجه الذوبان وتقاومه ثقافياً، في وقت تقبل فيه البقاء تحت المؤثرات الفرنسية، وترفض الوقوف على الارض الصلبة للحرية الوطنية"
• المدرسة العربية فى أفريقيا
وهذه مقتربة بين التجربة العربية فى مصر و التجربة الجزائرية، فهنالك عناصر تجمع بين التجربتين، فالبلاد المتكلمة بالعربية فى أفريقيا واجهت الأثر الإستعماري و هى تستند إلى كيان قومي واضح المعالم و إلى حضارة غنية تقف على قدم المساواة مع الحضارة الأوربية الحديثة، كانت لها مؤسساتها القوية التى سرعان ما أسهمت فى حركة الحرية الوطنية و البعث الوطني ونسبة لهذا الوضع المتقدم لم تدخل البلاد فى تجارب التمرد الثقافي على طريقة المدرسة الزنجية.
على الرغم من سياسة المستعمرين الفرنسيين فى التذويب و التى طبقت فى الجزائر إلا أن الشعب الجزائري لم يكن ف حاجه إلى رد فعل بل استطاع أن يجد عاصما لبقائه بسبب عاملين هما العربية والإسلام، باللغه العربية حافظ فلاحوا الجبال على قوميتهم فى وجه الغزو الفرنسي و بالإسلام حافظوا على تكوينهم القومي المتميز من التكوين الفرنسي.
• ثورة يوليو وقضية الإشتراكية
مبادئ الثورة فتحت طريق التجربة ومهدت الوصول إلى الإشتراكية كما أن التفكير العلمي فى معالجة القضايا الوطنية اسهم إلى حدود بعيدة فى الوصول إلى تلك النتيجة فمبدا القضاء على الاستعمار و وأعوانه من الخونه المصريين جعل الثورة تواجه فيما بعد قضية التطور فى الريف وانسب الطرق لتنميتة، وهذه الثورة ينظر لها عبد الخالق من باب التجربة ويرى ان الميثاق الوطني قد عبر عن هذه الصفة التجريبية للثورة الاشتراكية بقول الميثاق: "ان قوة الارادة الثورية لدى الشعب المصري تظهر في ابعادها الحقيقية الهائلة اذا ما ذكرنا ان هذا الشعب البطل بدأ زحفه الثوري من غير تنظيم سياسي يواجه مشاكل المعركة، كذلك ان هذا الزحف الثوري بدأ من غير نظرية كاملة للتعبير الثوري" .
• الثورة فى الجزائر
لقد قامت الثورة الجزائرية على اكتاف الفلاحين ومن هذه الحقيقة انبعثت فكرة التغيير الاجتماعي، مرتبطةً بالاستقلال الوطني، فالاستعمار بالنسبة للفلاح الجزائري كان يعني الظلم الاجتماعي البشع، لهذا استندت الفكرة الاشتراكية في الجزائر على الثورة الزراعية،
ومن مميزات التطور الاشتراكي فى الجزائر تحديده لمصادر الثورة الثقافية إذ أن الميثاق يرى أن الثقافة الجزائرية ستكون قومية ثورية علمية، فهي قومية على أساس البقاء العربي كما أنها تستند فى نظرتها الثورية العلمية على أساس الثقافة العربية الإسلامية فى جوهرها الإسلامي المضيء، الذى دعا له العلماء الأجلاء أمثال ابن خلدون و الهيثم و غيرهما، كما أن القوى الجزائرية تمتاز بأنها لم تجد جهازا للدوله له تقاليده البيروقراطية كما وجدته الثورة الإشتراكية فى مصر .
• الخاتمة
يرى عبدالخالق في خاتمة الكتاب، أنا للاشتراكية مسارات عديدة في افريقيا، رغم أنها تطرح في اسسها الاقتصادية والسياسية قضية الجماعية لوسائل الانتاج، والسلطة الاشتراكية، ولكنها تواجه هذه القضية بتراثها الزنجي في مناطق من القارة، وبتراث عربي في مناطق أخرى، وبين هذا وذاك، فضائل ومثالب، وليس هناك تناقض بين الطرق الخاصة، والاهداف الأممية الجامعة للنضال المشترك .