Point Platform

Point Platform قناة تهتم بنشر أهم المقالات والكتابات في قضايا الاقتصاد والسياسة والأمن القومي والإستراتيجي

من داخل غرف الاقتراع في انتخابات الكنيست اليوم  #متداول
01/11/2022

من داخل غرف الاقتراع في انتخابات الكنيست اليوم


#متداول

أمسية "نشيد مريد" للشاعر تميم البرغوثي تنظمها مؤسسة عبدالحميد شومان في قصر الثقافة الأردنيةhttps://youtu.be/k86WHd1xZtg
18/10/2022

أمسية "نشيد مريد" للشاعر تميم البرغوثي تنظمها مؤسسة عبدالحميد شومان في قصر الثقافة الأردنية

https://youtu.be/k86WHd1xZtg

أمسية "نشيد مريد" للشاعر تميم البرغوثي تنظمها مؤسسة عبدالحميد شومان في قصر الثقافة الأردنيةتابعونا على :الجزيرة مباشر على الإنترنتhttp://Mubasher.aljazeera.n...

08/10/2022

ومن يُعد لسدة الحكم إنساناً خلعه، فليستعد للكرب، وحتى وإن كان المخلوع المعاد أمه.

#مشاركات

كتب المؤرخ الباشمهندس/ محمد إلهامي (عاشوراء ختام المعجزات وافتتاح الجهاد)من الدروس المنسية التي لا يحفل لها كثير من النا...
08/08/2022

كتب المؤرخ الباشمهندس/ محمد إلهامي
(عاشوراء ختام المعجزات وافتتاح الجهاد)

من الدروس المنسية التي لا يحفل لها كثير من الناس في ذكرى عاشوراء أنها كانت ختام المعجزات وبداية الجهاد..

لقد كان إغراق الله تعالى لفرعون وجيشه آخر المعجزات التي تتدخل فيها السماء لنصرة المؤمنين وإهلاك المكذبين، فلقد كانت سنة الله الماضية أن يبعث رسولا يدعو الناس إلى ربهم فمن آمنوا واستجابوا وصبروا على ما أصابهم أنجاهم الله من عذاب يبعثه على هذه الأمة فيهلكهم، قال تعالى {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40].

ثم قضى ربنا تبارك وتعالى أن يكون هلاك فرعون هو آخر هذه المعجزات الكبرى، وأن تكون الرسالة مسؤولية أمة من البشر، يجاهدون في سبيلها ويأخذون بالأسباب ويستعملون السنن، فإن فعلوا ذلك انتصروا وأسسوا دولة الرسالة، وإن قصروا في ذلك جرت عليهم سنن الحياة فسلط الله عليهم من يغلبهم على ما في أيديهم ويذلهم حتى يعودوا إلى الله ويرجعوا ويأخذوا بالأسباب.

يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: إن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يُهْلِك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم؛ بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين.

لذلك لم تنته رسالة موسى عليه السلام بالنجاة من فرعون، بل بدأ قسمها الثاني والأهم، وهو قيادة جهاد هذه الأمة: أمة بني إسرائيل نحو تأسيس دولة الرسالة، إلا أنهم نكصوا على أعقابهم ورفضوا أن يجاهدوا وقالوا {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، فكان أن عاقبهم الله بالتيه في صحراء سيناء والشام أربعين سنة، فكان عقابا لهم من جهة أنهم تاهوا وفقدوا الاستقرار وحُرِموا من الدولة والعزة والسلطان فعاشوا مشردين، وكان منحة لهم من جهة أخرى: إذ نشأ الجيل الثاني منهم خاليا من آثار الاستبداد والضعف والفساد التي أصابت آباءهم تحت حكم الفرعون، فنشأوا على الفطرة، نشأوا وليس عليهم سلطة قاهرة تذهب قوة نفوسهم، فقاد هذا الجيل نبي الله يوشع بن نون وجاهد بهم حتى غلب بهم وفتح الله عليه ودخل الأرض المقدسة وأزال حكم الجبارين وأسس أول مملكة لبني إسرائيل.

وهنا نلحظ فارقا مهما بين معجزتي موسى ويوشع عليهما السلام، وذلك أن يوشع حين قاد بني إسرائيل إلى الجهاد كاد أن يفتح البلدة فطالت المعركة فأوشك الليل أن يدخل، فنظر إلى الشمس وقال لها: أنا مأمور وأنتِ مأمورة، فسأل الله أن يحبسها (أي يطيل اليوم فلا تغرب الشمس) فحبسها الله عليه حتى أتم الفتح. فالفارق بين المعجزتين أن معجزة موسى بغرق فرعون جاءتهم وهم يخرجون هاربين، بينما جاءت المعجزة الأخرى لهم وهم يجاهدون. وهذا هو المعنى الذي نؤكد عليه: أن يوم عاشوراء كان ختاما للمعجزة التي تهلك الظالمين بغير جهاد من المؤمنين، وكانت فاتحة لجهاد المؤمنين الذي يأخذون فيه بالأسباب ثم تأتيهم المعجزات إعانة وتثبيتا وبشرى!

لقد كانت بنو إسرائيل أول أمة تحمل رسالة الله فتجاهد في سبيله، فكانوا إذا أطاعوا انتصروا وغلبوا، ثم كانوا إذا فرطوا وقصروا هُزِموا وغُلِبوا وانتُزِعَتْ منهم مقدساتهم كما قصَّ الله علينا في القرآن قصة الجيل التالي الذين أُخْرِجوا من ديارهم وأبنائهم حتى قادهم طالوت فانتصر بهم على جالوت وقومه، وبدأ به تأسيس العصر الذهبي لبني إسرائيل في عهديْ داود وسليمان عليهما السلام.

إلا أن بني إسرائيل في العموم كانوا أمة سيئة، فلم تحمل الكتاب ولم تأخذه بحقه، وصاروا {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة: 70]، وكم عصوا الله جحودا وكبرا حتى أزال الله عنهم هذه النعمة ونزع منهم شرف حمل الرسالة وعاقبهم بهذا في التوراة والإنجيل والقرآن، ففي سفر الاستثناء 32/11: "هم أغاروني بما ليس بإله، وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة، وأنا -أيضا- أغيرهم بما ليس شعبا، وبشعب جاهل أغضبهم"، أي لما أجرموا في حق الله عاقبهم الله بانتقال الرسالة إلى أمة أمية، وهي أمة المسلمين التي وصفها الله بقوله {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2].

وانتقلت الرسالة إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى كثرة معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم فإن أحدا منها لم يكن معجزة نصر أو عقاب للمجرمين بغير أن يجاهدوا، بل نزل على المؤمنين التثبيت والإعانة وهم يجاهدون في بدر، وبعد أن صبروا في الخندق، وكانت حياة النبي جهادا دائما مستمرا، يأخذ بالأسباب فيدير أمر دولته وشؤون أصحابه وعلاقاته الدولية ويخطط للجيوش ويدبر للحروب ويبرم المعاهدات، حتى تأسست الدولة الإسلامية التي أشرقت على العالمين وأطلقت {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].

ولذلك، فإننا حين نحتفل بذكرى عاشوراء، ذكرى إهلاك الظالمين ونجاة المظلومين، ينبغي أن نتذكر هذا الأمر، وأنها كانت نهاية المعجزات الخارقة وبداية الجهاد الرباني، الجهاد الذي اشترى الله فيه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111].. وإنها لمهمة جليلة شريفة كما أنها مهمة طويلة عنيفة، فإن أكثر أهل الأرض مظلومين، وأكثر المظلومين من نشأوا في الظلم حتى أنهم لا يشعرون به، وإن أولى المظلومين المسلمون، فالأمر كما قال الشاعر:

أني نظرت إلى الإسلام في أرض .. وجدته كالطير مقصوصا جناحاه

ولذلك فإن مهمتنا قائمة ما دام في الأرض ظلم، ولذلك أخبرنا نبينا بأن "الجهاد ماض إلى يوم القيامة"!

إن الاستلهام الصحيح لعاشوراء أن نكون نحن عاشوراء.. عاشوراء لكل مظلوم، وعاشوراء على كل ظالم.

#عاشوراء

06/08/2022

بالأمسِ مرّ على المدينةِ لم يجِد
وجهًا بلا حُزنٍ لكَي يتأمّلهْ

أحمد بخيت


الأستاذ/ أحمد مولانا (الباحث والمهتم بالحركات الجهادية)، متحدثاً عن الشيخ الشهيد/ أيمن الظواهريارتبطت المحطات البارزة في...
03/08/2022

الأستاذ/ أحمد مولانا (الباحث والمهتم بالحركات الجهادية)، متحدثاً عن الشيخ الشهيد/ أيمن الظواهري

ارتبطت المحطات البارزة في حياة الظواهري بالتشابك مع أحداث محلية ودولية؛ مثل إعدام سيد قطب، هزيمة 1967، كامب ديفيد وأحداث المنصة، الغزو الروسي لأفغانستان، الحرب الروسية على الشيشان، الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، فكل تلك الوقائع وغيرها تحدث الظواهري عن أثرها عليه في كتبه العديدة التي دوَّنها، وهو ما يدحض السردية التي روَّجها العديد من الساسة الأمريكيين بأن أحداث سبتمبر هي نتاج كره بعض المسلمين لنمط الحياة الغربي أو لرفضهم الديمقراطية الغربية، بينما الحقيقة أن تلك الأحداث هي أحد تداعيات الاستبداد في منطقتنا، والذي يحظى بدعم خارجي وبالتحديد أمريكي.

وبدلاً من أن تدرس واشنطن الأسباب التي قادت لمشهد 11 سبتمبر، وتعالجها بموضوعية، تصرفت بروح انتقامية، فخاضت حروباً دامية في العراق وأفغانستان، خرجت منها مثقلة بالخسائر المادية والاقتصادية، واكتشفت لاحقاً التداعيات السلبية على قوتها وهيمنتها مثلما يقر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق مارك إسبر في مذكراته المنشورة مؤخراً بعنوان "قسم مقدس: مذكرات وزير دفاع خلال أوقات استثنائية"، وهو ما يعضد كلام مدير السي أي إيه الحالي ويليام بيرنز في كتابه "القناة الخلفية"؛ حيث قال: (لقد تلاشت اللحظة الأمريكية التي دامت نصف قرن في الشرق الأوسط، نظراً لتبني إدارة بوش مزيجاً من التشدد والغطرسة رداً على أحداث سبتمبر؛ مما أدى إلى مضاعفة الاختلالات وتقويض النفوذ الأمريكي).

الثورة السودانية وآفاق الانتقال الديمقراطيالتجاني عبد القادر حامدأستاذ الفكر السياسي، بمركز ابن خلدون، جامعة قطر.تطرح هذ...
20/06/2022

الثورة السودانية وآفاق الانتقال الديمقراطي

التجاني عبد القادر حامد
أستاذ الفكر السياسي، بمركز ابن خلدون، جامعة قطر.

تطرح هذه الدراسة تساؤلات من بينها ما يلي: أكان سقوط نظام الإنقاذ في السودان نتيجة لـ "مبادرة من الداخل" أم لتحالف المعارضة أم لهذين الأمرَين معًا؟ وما مدى تأثير العامل الخارجي في مرحلة إسقاط النظام والانتقال إلى الديمقراطية؟ أيُتوقّع أن يتّبع نظام ما بعد الإنقاذ مسارًا ديمقراطيًا، أم أنه سيتحوّل إلى نظام تسلّطي جديد؟ تنتهي الدراسة إلى القول بأرجحية أن يكون الهدف المتّفق عليه بين القوى الدولية وشركائها السلطويين في الإقليم هو الانتقال بالسودان إلى النظام "الهجين"، حيث تبقى عناصر النظام السلطوي القديم مُمسكة بمفاصل السلطة، مع المحافظة على الحدّ الأدنى من الديمقراطية. يُضاف إلى ذلك أن التحالف العسكري - المدني الحاكم سيجد دعمًا من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي (ومن حلفائهما الإقليميّين)، وهو ما يُمكّنه من تفكيك مؤسسات النظام السابق، واستيعاب عددٍ من الحركات المسلّحة في العملية السياسية، والانخراط المتدرّج في المنظومة الدولية (الأمنية والاقتصادية). أما من ناحية الداخل السوداني، فستواجِه الحكومة الانتقالية تحدّيات صعبة، قد لا تؤدي إلى انهيار الوضع الانتقالي فحسب، بل إلى انهيار الدولة السودانية ذاتها.

رابط التحميل: https://t.me/point_sd/157

https://metras.co/%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d9%85%d9%85%d8%a7-%d8%aa%d8%b1%d8%ad%d9%84-%d8%a5%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%b9%d9%8a%d...
11/05/2022

https://metras.co/%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d9%85%d9%85%d8%a7-%d8%aa%d8%b1%d8%ad%d9%84-%d8%a5%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%b9%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%86%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%af%d8%b3/

أكتبُ هذه الكلمات للذين لم يزوروا القدس بعد، ولم يترّبوا في أحيائها، ولم تربطهم في أزقتها حكايا وذكرياتٌ في طفولتهم أو كبرهم، الذين أحبوا القدس دون أسباب، الذين لم يطيقوا الوصول إليها فصبروا وصابروا حتى وصلوا. سأصحَبُهم في جولةٍ قصيرةٍ داخل هذه المدينة التي عاشت فيهم قبل أن يعيشوا فيها، أكتبها كدليلٍ شاهدٍ على ماضي وحاضر المدينة في شهرها الأغرّ؛ شهر رمضان، أجمل مواسمها العامرة بالأبناء والأحباب.

للقدس عالمان، تتحسّس أولهما كسائحٍ أجنبيّ جائع يحاول أن يتلمس في إحدى خطواته آثار الملكة هيلانة أو الإمبراطور وليلهم أو ذاكرة المؤرخ فلافيوس وينهل من الحجارة الظاه...

30/03/2022

مع تميم | الهوية وبائعة الفجل
قلت لصاحبي ونحن نسلم عليها، هل تعرف كم رئيساً وجنرالاً صابغاً شعره وشرطياً في أقبية التعذيب، يخاف هذه المرأة؟

#مشاركات

27/02/2022

الصليبيون والمشمش

مهما غاب فإنه لا يغيب ومهما هزم فإنه منصور


 #مشاركات
25/02/2022

#مشاركات

17/02/2022

ما الذي يفعله ضباط عسكريون إسرائيليون سابقون في أفريقيا، وكيف يلعبون دورا خطيرا في صناعة المرتزقة هناك؟

فيديو من إنتاج منصة ميدان الإلكترونية
سبتمبر 2021م

#ميدان

03/02/2022

تحصن بأخيك..لكيلا تقدم أضحية لإله أعور يتدلى من شجرة وتحيط به أفعى تعض ذنبها.. وله مقعد دائم في مجلس الأمن


معركة "ديو" البحرية عام 1509 والثأر المقدسهيثم الجرو مدون وقاص فلسطيني لقرون سيطر العرب على طرق تجارية دولية رابطة بين ا...
03/02/2022

معركة "ديو" البحرية عام 1509 والثأر المقدس

هيثم الجرو
مدون وقاص فلسطيني

لقرون سيطر العرب على طرق تجارية دولية رابطة بين الشرق والغرب، فالعرب ومع بدايات الفتح الإسلامي تمكنوا من رد الأوربيين على أعقابهم وتقليم أظافرهم سواء كانوا بيزنطيين أو روم أو قوط شرقيين، ورغم أن بعضاً من ملوكها أي أوروبا استطاعوا استعادة بعضاً من جزرها في البحر المتوسط وعلى رأسها جزيرة صقلية وقبرص، ووصلت بعض حملاتهم في بعض الحالات لسواحل الشام ومصر، وتمكنوا في إحداها بتأسيس عدد من الإمارات على رأسها إمارة بيت المقدس، إلا أن المشرق العربي كان في كل مرة يردهم على أعقابهم مهزومين مندحرين.

ومع نهاية القرن الخامس عشر تبسم القدر لأوروبا وملوكها، فغرناطة آخر معاقل العرب في شبه الجزيرة الأيبيرية -إسبانيا والبرتغال حالياً -تسقط عام 1492 تحت سنابك جيوش ملوك قشتالة وأراغون، وقبلها بسنوات قليلة كان الملاح البرتغالي "بارثولوميو دياز" قد اكتشف رأس الرجاء الصالح عام 1488، وفي سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها وصل الملاح البرتغالي "فاسكو دا جاما" عام 1498 إلى الساحل الهندي.

وعلى إثر نجاح حركة الملاحة البرتغالية التي انطلقت بالأساس بهدف إحداث اختراق ما لكسر هيمنة المشرق العربي على التجارة الدولية، ومنذ اليوم الأول لوصول بحارتها أي البرتغال للهند سعت على فرض هيمنتها على طرق التجارة الدولية، حيث أسست خلال فترة وجيزة ما بين عام (1500-1508) سلسلة من القواعد التجارية والمستعمرات من غرب أفريقيا إلى شرقها وصولاً لسواحل الهند، كما توغلت جنوب شبه الجزيرة العربية بعدما لامست رخاوتها، فسيطرت عام 1507 على مضيق هرمز وهددت بالاستيلاء على خليج عدن.

شكل التوسع البرتغالي المتسارع في المحيط الهندي تجارياً وعسكرياً وحتى سياسياً، واعتداءاتهم المتواصلة على القوافل والسفن التجارية في بحر العرب والمحيط الهندي، بالإضافة لتطلعها للوصول للبحر الأحمر والأماكن الإسلامية المقدسة بالحجاز، خطر على عدد من دول والممالك المستفيدة من التجارة مع الشرق، وعلى رأسها دولة المماليك وجمهورية البندقية، فدولة المماليك التي أنهت الوجود الصليبي (الأوروبي) في المشرق العربي بعد صراع مرير، لم تتوقع في أسوء كوابيسها أن يساهم وصول البرتغاليين بهذه السرعة إلى الساحل الهندي من حرمانها من عماد اقتصادها، القائم وقتها على عائدات الضرائب التي كانت تفرضها على التجارة القادمة من الشرق.

وأمام عجز دولة المماليك في التصدي للخطر البرتغالي المتصاعد بسبب افتقارها للأساطيل البحرية القوية، أوفدت جمهورية البندقية -التي لم تكن راغبة بوجود منافس تجاري قوي لها في القارة العجوز-وفودها لبناء تحالف يتصدى للوجود البرتغالي في الشر، وبالفعل تم تشكيل تحالف ضم المماليك والبنادقة والدولة العثمانية الفتية وقتها، وعلى أثر هذا التحالف تم في عام 1505 إرسال أول حملة بحرية مملوكية بقيادة الأمير "حسين الكردي" نائب السلطان المملوكي "قانصوه الغوري" في جدة، وكان الهدف من الحملة مراقبة التحركات البحرية البرتغالية وحماية القوافل البحرية في بحر العرب والمحيط الهندي.

ورغم وجود الأسطول البحري المملوكي لرد عدوان البحرية البرتغالية، إلا أن الاعتداءات البرتغالية على القوافل البحرية زادت حدتها، وكادت أواخر عام 1507 أن تشل النشاط التجاري البحري المملوكي بالكامل، مما دفع "حسين الكردي" للتحرك بأسطوله صوب سواحل الهند بالقرب من ممباي بعد التحالف مع سلطان جوجارات الهندية، واشتبك هناك مع البحرية البرتغالية وهزمها شر هزيمة في موقعة "شاول" أو "غوا" عام 1508، والتي قتل فيها " لورنزو" ابن الحاكم البرتغالي للمستعمرات الهندية "فرانشيسكو دي ألميد".
شكل مقتل " لورنزو" ابن "فرانشيسكو دي ألميد" نقطة تحول في مجريات الصراع الجاري في المحيط الهندي، إذ أقسم "فرانشيسكو دي ألميد" على الثأر لمقتل ابنه وللسمعة البحرية البرتغالية، وقد دفعه تعطشه الشديد للانتقام لرفض قرار ملك البرتغال "مانويل الأول" وزج الحاكم الجديد في السجن القاضي بعزله، وقضى "فرانشيسكو دي ألميد" الأشهر التي تلت هزيمة موقعة "شاول" في تتبع الأسطول المملوكي، متحين الفرصة المناسبة للمباغتة الأسطول المملوكي وتدميره.

في أوائل شهر شباط عام 1509 وبينما كان "حسين الكردي" ينتظر انتهاء موسم الأمطار للعودة للمصر بغته الأسطول البحري البرتغالية بقيادة "فرانشيسكو دي ألميد"، وعلى أثرها التحمت البحرية البرتغالية والبحرية المملوكية في معركة حامية الوطيس قرب جزيرة ديو، بدأتها البحرية المملوكية خفيفة الحركة بعمليات كر وفر، إلا أن افتقار البحرية المملوكية للمدفعية الثقيلة والخبرة الكافية دفعها للتراجع للاحتماء بمدفعية جزيرة ديو، الأمر الذي سهل على البحرية البرتغالية الأكثر تطوراً وعدة من تطويق البحرية المملوكية وتدميرها والاستيلاء على جزيرة ديو.

أصبح البرتغاليين بعد انتصارهم المدوي في معركة "ديو" أصحاب السيادة المطلقة على طرق التجارة الدولية، وشرعوا بالتمدد والاستيلاء على الموانئ البحرية المهمة واحدة تلو الأخرى مثل ممباسا ومسقط وكوا وسيلان، مما سمح لهم بتشكيل إمبراطورية يمتد نفوذهم من اليابان شرقاً إلى البرازيل غرباً، وبذلك أحكموا سيطرتهم على تجارة التوابل والمنسوجات الحريرية الموردة إلى أوروبا قرابة مائة عام، وعبّدوا الطريق للقوى الأوروبية الأخرى كهولندا وإنجلترا وفرنسا لفرض السيطرة على البحار والمحيطات وتسيد العالم فيما بعد.

في الجهة المقابلة كانت هزيمة المماليك في معركة "ديو" كارثية بكل ما تحمل الكلمة من معنى وضربة قاسمة للتجارة الدولية في المشرق العربي، وعلى أثرها فقد العرب والمماليك أهم عناصر قوتهم التي تفاخروا بها أمام العالم لقرون وهو احتكارهم وتحكمهم المطلق بالطرق التجارية الدولية.


حقبة ما بعد الاستعمار هي الموجة الأخيرة في الهيمنة على العالم الإسلاميالحوار مع: د. محمد نعمة فقيهكاتب وباحث لبناني في ا...
01/02/2022

حقبة ما بعد الاستعمار هي الموجة الأخيرة في الهيمنة على العالم الإسلامي

الحوار مع: د. محمد نعمة فقيه
كاتب وباحث لبناني في الفكر السياسي

حاوره: المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية

* يبدو أنّ العقد الاجتماعي الذي أنجزه الفكر الغربي في بداية الحداثة، قد بلغ مآلاته القصوى، والشّاهد على هذا أنّ الليبرالية الجديدة هي التي باتت تتولّى عمليات التغيير عن طريق ما عُرِف بـ «الثورات البنفسجيّة» وغير عن ذلك من المسميّات. ما هو تعليقكم على هذه المفارقة؟

- عند التدقيق بهويّة القوى المنخرطة وولاءاتها في «الثورات الملوّنة»، التي شاعت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بداية تسعينيات القرن الماضي، واستمرت في مناطق مختلفة من دول العالم طوال العقدين المنصرمين، نكتشف بأنّ تلك «الثورات» ليست في جوهرها ومراميها سوى التعبير عن مسعى الإدارة الأميركيّة لتوظيف ذاك الانهيار، الذي نجم عنه غياب منافسها في الصراع الدّولي عن الساحة، في عمليّة فرض هيمنتها المباشرة، والصّارمة، على دول العالم، والتأسيس لنظام عالميّ يقوم على القطب الواحد. وبالتالي، يُمكننا وضع هذا المؤشِّر، مؤشِّر «التغيير عن طريق الثورات الملوّنة»، ضمن الأواليات التي اعتمدتها الاستراتيجية الأميركية؛ لتثبيت سطوتها على العالم، والتي كان من أدواتها استعادة مُحَدَّثة للاستعمار المباشر.

سوف نكتشف أيضاً أنّ «العقد الاجتماعي» الذي تظلّلت به الكيانات السياسيّة النّاشئة في كنف الاستعمار القديم، واستمرّ الفكر الغربيّ مهيمناً على خطابها السياسي لما بعد مرحلة الاستعمار العسكري المباشر، وبشكل خاص بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كان هذا «العقد» غايةً في الهشاشة، لأسباب متعدّدة، وقد يكون أكثر تلك الأسباب جوهريّة هو الغُربة فيما بين هذا «العقد» والأوليات الأصليّة لعملية إنتاج وإعادة إنتاج السلطة في تلك المجتمعات. وإنّ الإطار الضّامن لتلك الكيانات لم يكن الشرعيّة التي اكتسبتها من ذاك العقد، بل كان ما عُرف باسم «القانون الدولي» الذي تكفّل «ميثاق الأمم المتحدة» رعايته خلال «الحرب الباردة». وليتأكّد بأنّ هذا القانون لم يكن سوى التعبير عن توازن القوى الدّوليّة، فتلاشت فاعليّته مع انهيار هذا التوازن؛ ليحلّ محلّه نظام عالمي جديد يقوم على القطب الواحد، هو بالأحرى أقرب ما يكون إلى ما وصفه توماس هوبز في القرن السابع عشر، بالحكم «الطبيعي» (أو الوحشي) القائم على منطق القوّة والفهم الشخصي للحق، وليُنتج الفكر الغربي مقولات جديدة تلبّي احتياجات هذا «التّوحُّش»، يمنح الرأسماليّة مقوّمات إضافيّة لممارسة وحشيّتها في النّهب والإخضاع على المستوى العالمي.

لذا نرى بأنّ ظهور النيوليبراليّة في الفكر والفعل السياسي للغرب وثيق الصّلة بالتغيّرات التي شهدتها العلاقات الدوليّة ودخولها في نظام دوليّ آحادي القطب، وهو ما أتاح للولايات المتحدة الأميركيّة، بما أنّها هي الأقوى والأقدر على المستوى الدّولي، بأن تعطّل القانون الدّولي، وتعبث بالأمن والسلام الدّوليين اللذين قامت منظمة الأمم المتحدة لأجلهما، فمنحت نفسها كلّ الحقوق، بما في ذلك حقّ الحصول على كلّ شيء، باستخدام كلّ ما تراه مناسباً للحصول على ما تريد، بما في ذلك حقّ النّهب، الاغتصاب، والقتل.

وهذه النيوليبراليّة التي دفعت باتّجاه إباحة الاقتصاد الوطني في الدولة الرأسماليّة للقطاع الخاص، والذي يعني مزيداً من الدعم لتوحّش الرأسماليّة في بلادها، انعكس مزيداً من توحّش الرأسماليّة العابرة للقارات على دول العالم، فكان أن اندفعت الولايات المتحدة الأميركية لتعتمد سياسات دوليّة قائمة على تقديرها الشخصي لما هو «خير» ولما هو «شر»، وعملت على زعزعة الأمن والاستقرار في دول العالم، ولتثير الاضطرابات حيثما تقتضي مصالحها ذلك، دون أي اهتمام بـ «القانون الدولي» وحق الأمم بتقرير مصيرها، وحق تلك الأمم باختيار أنظمة الحكم التي تريدها. فتدعم تقويض نتائج الانتخابات التشريعية في هذه الدولة أو تلك بحجج واهية، وتدعو إلى الديموقراطية وحق تقرير المصير في دول أخرى، وتدعم أنظمةً استبداديّةً؛ حيث تقتضي الحاجة، وتقدّم دعماً منقطع النّظير للعنصريّة الصهيونيّة وجرائمها بحقّ الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية، وتنظّم الانقلابات العسكريّة، وتعتقل زعماء أمم أو تقتلهم جهراً (من رئيس بنما مانويل نورييغا ونيقولاي تشاوشيسكو رئيس رومانيا إلى معمّر القذافي)، أو تفرض العقوبات بشكلٍ تعسّفيٍّ على أممٍ أخرى، وبشكل سافر تحت عنوان «الحرب على الإرهاب»، وهو العنوان الذي لم تقدِّم الولايات المتحدة نفسها أي تعريفٍ له، وبقي تقديره بيد الإدارة الأميركية تستخدمه حيثما ترى لها مصلحة في استخدامه، وبشكل تعسّفي.

* قد يكون من أبرز ما شهده الفكر السياسي الغربي المعاصر هو سيطرة النّزعة النّفعيّة والماكيافليّة المفرطة على منظومات القيم الأخلاقيّة والسياسيّة. ما هو برأيكم أثر هذه السيطرة في انعكاسها على العلاقات التي تحكم النّظام العالمي الراهن.. وهل ثمة إمكانيّة واقعيّة لقيام مثل هذا النّظام المتكافئ في العلاقات الدوليّة؟

«النّفعيّة» بمفهومها الأصلي كما حدّده الفَيْلَسوف الإنْجِليزي جِيرمي بِنْثام، وتوسّع به الفيلسوف الإنكليزي الآخر جون ستيوارت ميل وغيره، هي كلّ شيء تنتج عنه فائِدة، مِيزَة، مُتعَة، خَيْر، أو سَعَادة، أو تَحُول دُون وقُوع أَذَى، أَلَم، شَر، تَعَاسَة على مَصْلَحَة طَرَف مُعَيَّن: أكان المَقْصُود بِالطَّرَف المُجْتَمَع بِشَكْل عام، أو أن المَقْصُود بِالطَّرَف فَرْد بِعَيْنِه، دون أن يكون المقابل لذلك تعاسة، حزن، ألم، أو شقاء لمجتمع آخر أو أفراد آخرين. وبالتالي فإنّ هذا التقعيد لمفهوم «النفعيّة» تنبثق عن المقاصد الإلهية في خلقه، فالله أراد من السعادة غايةً لمخلوقاته، وحثّ عليها.

بيد أنّ الممارسة السياسيّة منذ سيادة حركة الاستعمار على العلاقات الدوليّة، وتحوّل الصراع الدّولي فيما بين الدول الكبرى إلى صراع على المستعمرات، وما رافقها ونتج عنها من فكرٍ سياسيٍّ برّر للمستعمر نهب المستعمرات واسترقاق ناسها وسوقهم إلى أسواق النّخاسة، ومن ظواهر هذا التبرير أنّ ذاك الفكر الاقتصادي – السياسي أطلق اسم «التجارة الدّوليّة» على حركة النّهب الدّولي الذي مارسته الدول الاستعماريّة على المستعمرات، أعادت هذه الممارسات الحياةَ للماكيافليّة بأبشعِ صورها، وتحوّلت نظريّة النّفعيّة إلى الأنانيّة والاستئثار واحتكار الحق في الرّفاه الشخصي، حتى ولو أدّى إلى شقاء وخراب مجتمعات بكاملها. وهذا ما أسفر عن حروبٍ مدمّرة على امتداد الكرة الأرضيّة لم يلجمها سوى حالة توازن الرّعب خلال «الحرب الباردة» التي أتاحت لحركات التحرّر الوطني في المستعمرات أن تَنْمو وتحقّق عدداً من المكاسب الوطنيّة.

لذلك نرى بأنّ الفكر السياسي التوفيقي الذي برز في الغرب ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة في أوروبا الغربية المرتعدة من أي حرب بين قطبي الصراع الدّولي، لم يكن سوى حالة استثنائيّة تعبّر عن طبيعة المرحلة التاريخية، وليعود الفكر السياسي الغربي إلى سابق عهده يبرّر إخضاع الشعوب وقهرها وسلبها ثرواتها تحت ذريعة حق الدول العظمى بـ «حماية مصالحها» فيما وراء البحار، حتى ولو كانت هذه المصالح تعني نهب الشعوب وإخضاعها وكسر إرادتها بالقوّة العسكريّة المباشرة أو التهديد بها.

إذاً، الفكر الغربي السّائد، منذ أن هيمنت الرأسماليّة على نمط الإنتاج والسلطة السياسيّة، لعب دوراً وظيفيّاً ضمن الأوليات الدّاخلية للسلطة على المستويين السياسي والاقتصادي، ولم يكن شيئاً مستقلّاً أو منفصلاً عنها، بل هو وليد ونتاج الاندفاعة الرأسماليّة وما تقتضيه من إخضاع للآخر؛ لاستغلاله ونهب ثرواته وعضويتها في الجهاز النّهبي لتطوير مقدراته على مزيد من النهب، ولخلق عالمٍ قائم على مزيد من اللّاتكافؤ في العلاقات الدّوليّة.

إنّ ارتكاز الفكر الغربي السّائد على مبادئ تتيح لمن يقبض على مقاليد القوّة الاقتصادية والعسكريّة الحق في أن يفرض إرادته على الآخرين، وفي أن يفرض تفسيره الخاص لما هو «خير» وما هو «شر»، وبالتالي تفسيره لما هو «إرهاب» وما هو «حق مشروع للدفاع عن النفس»، خلق «نظاماً» عالميّاً يعزّز القلاقل والاضطرابات الأمنيّة حول العالم. فممّا لا شكّ فيه هو أنّ خطر نشوب حرب بين الدول الكبرى تلاشى، إلّا أنّه حوّل العالم إلى «كرمٍ» يصول فيه الدبُّ ويجول، ويزرع الخرابَ حيثما وقعت قدماه، ويُنبّئ بعالمٍ أقرب إلى الوحشيّة منه إلى ما تقتضيه ضرورة الاجتماع البشري من استقرار وأمن وسلام يقوم على علاقات متكافئة فيما بين الدول والمجتمعات البشريّة كافة. وهو بالتالي قوّض ميثاق الأمم المتحدة والغاية التي أُنشِئَتْ المنظمة الدّوليّة من أجلها، وليرى ليبراليو القرن العشرين، قبل غيرهم، مدى وحشيّة الرأسماليّة حين تفلت من عقالها.

* في العالمين العربي والإسلامي حدثت نتائج كارثيّة بفعل نظريّة الفوضى الخلاقَّة التي أطلقها المحافظون الأميركيون الجدد خلال العقدين المنصرمين. هل ترون من رابطٍ بين نظريّة الفوضى وما عُرف بثورات الربيع العربي مع ما أفضت إليه من تداعيات ونتائج إلى الآن؟

- شكّل مفهوم «الفوضى الخلّاقة» واحداً من أخطر المفاهيم التي تبنّتها السياسة الأميركية عدوانيّةً على شعوب العالم، والتي عَنْوَنَت أسلوب تعاطيها مع عمليّة إنتاج وإعادة إنتاج السلطة في الدول المُستضْعَفة بشكل عام، ومع قضايا العالم العربي بشكل خاص، طوال الفترة التي تلت الحرب الإسرائيليّة على لبنان عام 2006. ويمكن اعتبارها إلى حدٍّ بعيد المخطّط بـ«بعد فشل تلك الحرب وعجزها عن تحقيق ما كشفت عنه وزيرة الخارجية الأميركية حين ذاك غونداليزا رايس حيث اعتبرت، وخلال الأسبوع الأول لاندلاع الحرب، أنّ ما نشهده الآن في لبنان إنّما هو «مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد». وتقاطع هذا الكلام مع ما كان قد ذكره وزير الخارجية الأميركيّة الأسبق هنري كيسنجر في «الواشنطن بوست»، قبل يومين من إعلان رايس، حيث قال: «أن الخطوة التالية هي إيران».

إن ما صرّح به قطبان من أقطاب صناعة القرار الأميركي، كيسنجر ورايس، في مستهل الحرب الإسرائيلية على لبنان، يوضّح إلى درجة كبيرة أنّ تلك الحرب كانت مدخلاً إلى تنفيذ ما تفتّق عنه الفكر الاستراتيجي الأميركي؛ لإخضاع المنطقة، وتشريع عمليات النّهب فيها، وخلق الأجواء المريحة للاستراتيجية الأميركيّة؛ لتنفيذ سياساتها، ولقطع الطريق أمام نهوض أي مشروعٍ مضاد للهيمنة الأميركيّة على المنطقة، لا سيّما منها مشروع الاستنهاض الوطني للتحرّر الذي كانت ملامحه قد بدأت بالتبلور بعد تحقيق محور المقاومة انتصاره البيِّن في لبنان عام 2000 والذي تجلّى بتحرير معظم الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي دون قيدٍ أو شرط.

إلّا أنّ الحقائق التي أكّدتها المقاومة في مواجهة الحرب الإسرائيلية عليها من خلال ما حققته من انتصارات، وما رسّخته من قواعد رادعة للعدو، الذي كان يشكل في تلك الحرب رأس حربة للاستراتيجية الأميركية، وإلزامه بوقف الحرب دون تحقيق أيٍّ من أهدافه المعلنة فيها، إضافة إلى أن نتائجها جاءت إلى حدٍّ بعيد بمثابة الردّ الصّادم على «الأوامر» الأميركيّة للقيادة السورية عام 2003، التي كان قد حملها وزير الخارجية الأميركية آنذاك كولن بأول، كل ذلك دفع بصنّاع القرار الأميركي إلى الاستدارة التكتيكية سعياً لتحقيق الهدف الاستراتيجي بوسائل أخرى، فكان اللجوء إلى استعادة المشهد الأوروبي الشرقي، بعد تفكّك المنظومة السوفياتيّة، أواخر ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، والعمل على نقل تجاربها في تلك الدول إلى المنطقة العربية عبر تطبيق السياسات التي تمّ استخدامها هناك للإخضاع والسيطرة، وهي سياسات أدّت إلى تدمير تلك المجتمعات وحوّلتها إلى دول مشلولة لا حول لها ولا قوّة.

ومن الجدير ذكره، هو أن تكتيكات السيطرة والإخضاع التي كانت قد مارستها الولايات المتحدة في دول أوروبا الشرقيّة، كانت هي موضوع رسالة دكتوراه غونداليزا رايس نفسها؛ حيث خلصت إلى الاستنتاج بأنّ «على الولايات المتحدة الكفَّ عن الاكتفاء بولاء قادة الأنظمة السياسية في دول العالم لها»، عبر مجموعة من الاتفاقات والتفاهمات والمصالح المتبادلة، لحماية مصالحها وتنفيذ سياساتها في تلك الدّوَل، بل عليها العمل لخلق «جمهور موالٍ للولايات المتحدة ترتبط مصالحه بها وتحكمه تطلّعاته لأسلوب الحياة الأميركيّة، ويكون هذا الجمهور هو الذي يدفع قادة بلاده بالوجهة الملائمة للمصالح الأميركية... وهو الذي يضمن ثبات قادة تلك الدول على الولاء للمصالح الأميركيّة».

ضمن هذا السياق، انطلقت السياسات الأميركية للقبض على مفاصل أساسيّة في المجتمعات العربية من خلال عشرات المنظمات التي أنشأتها تحت مسمّيات مختلفة ترتبط بمنظومة تتلقّى تمويلها من الخارج عُرفت باسم «منظمات المجتمع المدني» مخترقة بذلك قوانين الدول التي تجرّم حصول الهيئات والجمعيّات الأهليّة على مساعدات وهبات من الخارج. ويخضع النّاشطون فيها لتدريبات خاصة ومركّزة على أيدي خبراء في معسكرات أقيمت لهذه الغاية في أكثر من دولة. وهي تعمل بتوجيه مباشر من مموّليها، وتعطي لنفسها حقّاً رقابيّاً على عمل مؤسّسات الدّولة، وكذلك الحق في جمهرة النّاس للاعتراض على سياسات حكوماتها، والادّعاء بأنّها هي التي تمثّل مصالح الناس وليست الحكومات، حتى وإن كانت ناتجة عن مؤسّسات دستوريّة منتخبة، وترفع شعارات التحرّك السّلمي لتحقيق الديموقراطية والشفافية وحقوق الإنسان، في الوقت الذي غالباً ما تتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان حين يكون هذا التغاضي في خدمة السياسة الأميركية، وغالباً ما يكتنف ملفاتها المالية الغموض وعدم الشفافيّة في مصادر تمويلها وفي أبواب ووجهات إنفاق ميزانياتها التي لا تخضع لأيّ رقابة سوى رقابة مموّليها. وهي فوق كل ذلك تحظى بـ «الحصانة» الأميركية في مواجهة أيّ تدخّلٍ بشؤونها أو نشاطها من السلطات الرسميّة، وتساند الإدارة الأميركية تلك المنظمات، ليس فقط في تسهيل تمويلها، وإنّما أيضاً من خلال تهديدها الدّائم للحكومات بالعقوبات أو بالتدخل العسكري لحماية أنشطتها حتى ولو كانت تلك الأنشطة تعرّض الأمن الوطني للخطر.

بهذا «الجيش» من المنغمسين في المجتمع، استطاعت الولايات المتحدة تنفيذ تكتيكات «السيطرة المزدوجة المداخل»، مدخل علوي عبر سلطات عاجزة عن المواجهة، ومدخل سفلي، عبر منظمات تعرف كيف تستثير النّاس برفع شعارات تعبّر عن هموم الناس ومشكلاتهم، وكيف تدفع بهم بوجه مؤسسات الدّولة، وتصيغ لهم مطالبهم التي ندغدغ مشاعرهم، ولكن دون تحديد أي وسيلة مفهومة لتحقيق هذه المطالب، فليس المطلوب هو تحقيق تلك المطالب، بل كل المطلوب هو إحداث الفوضى وإظهار عجز السلطات عن ضبط جمهورها، ليتولّى المستوى العلوي من مدخلي السيطرة توظيف تلك الأحداث في توجيه السياسات العامة للدولة بما يتلاءم مع السياسة الأميركية.

ولذلك، فنحن حين نرصد تفاصيل إشعال التحرّكات التي انطلقت تحت مسمّى «الربيع العربي» وكيفيّة إدارتها وتوجيهها ومواكبة وسائل إعلام معروفة الوجهة والانتماء والتمويل لهذه التحرّكات، ومن ثم نبحث في مآلات تلك التحرّكات وكيفيّة توظيفها في خدمة الاستراتيجية الأميركيّة، ندرك تماماً بأنّ ما بين نظريّة «الفوضى الخلّاقة» وتحرّكات «الربيع العربي»، ليس مجرّد رابط، بل ما بينهما هو علاقة السبب والنتيجة، فتلك التحرّكات الموسومة باسم «ثورات» ليست سوى نتيجة للسياسات التي مارستها الأجهزة الأميركية المختلفة في تطبيقها لنظرية «الفوضى الخلّاقة».

* إلى أيّ مدى استطاعت الأطروحة الفلسطينيّة أن تبقى خارج دائرة الاحتواء الاستراتيجي، التي حرصت الثقافة الكولونياليّة المستأنفة على ترسيخها بقوّة خلال العقود الماضية؛ لأجل تصفية قضيّة الشعب الفلسطيني في العودة وحقّ تقرير المصير والاستقلال الوطني؟

حملت اتّفاقات أوسلو عام 1993، بين العدو الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينيّة، المُعلَن منها وغير المُعلَن، انكفاءً خطيراً في النضال الوطني الفلسطيني، هدّد الثوابت التاريخيّة التي قام عليها هذا النضال، وشمل ثلاثة مفاصل أساسيّة:

المفصل الأوّل: اعتراف المنظمة بحق «إسرائيل» في اغتصابها لمعظم مساحة فلسطين وإقامة دولة عليها.

المفصل الثاني: إلقاء المنظمة لسلاحها وإنهاء حالة الكفاح المسلّح كوسيلة من وسائل النضال لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني واستبداله بالعمل الدبلوماسي اللّامتكافئ بطبيعته.

المفصل الثالث: القبول بوضع القضايا الأساسيّة التي يتمحور حولها نضال الشعب الفلسطيني، وخاصة قضية القدس وقضية عودة اللاجئين إلى ديارهم، إضافة إلى قضية الدولة الوطنية المستقلّة، موضع تفاوض ومساومة متروكة للتفاوض في مراحل لاحقة.

وقد عبّرت هذه الاتّفاقات، بما تضمّنته من تنازلات خطيرة، عن عجز القيادة الفلسطينية آنذاك عن الاستفادة من الزّخم الذي قدّمته الانتفاضات الشعبيّة المتتالية للشعب الفلسطيني في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة تحت الاحتلال، منذ عام 1987، والتي كانت شراراتها تُلهب حماس الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة عام 1948، وتهدّد بزلزلة الكيان الصهيوني برمّته، فذهبت تلك القيادة نحو الخضوع لمتطلّبات المتغيّرات الجيو – سياسيّة في الإقليم النّاجمة عن الغزو العراقي للكويت وتداعياته، لاسيّما منها الحشود العسكريّة الأميركية والأوروبية في المنطقة وحرب «عاصفة الصحراء» التي أدّت إلى تدمير الجيش العراقي ووضع العراق برمّته تحت الحصار.

كانت حركة التحرّر الفلسطيني على وشك إنجاز التوازن الاستراتيجي مع العدو من خلال منجزات الانتفاضات الشعبية المتتالية والمتواكبة مع الكفاح المسلّح، إلّا أنّ اتّفاقات أوسلو أجهضت هذه الإمكانيّة، بوأدها للانتفاضة، وبتخلّيها عن المقاومة العسكريّة، وبإعرابها عن استعدادها للاعتراف بحق الكيان الصهيوني باغتصاب معظم جغرافيّة فلسطين والمساومة على حق العودة والسيادة على القدس. وهذا ما شكّل نكوصاً للأطروحة الفلسطينية، أو بثوابت حركة النضال الفلسطيني.

إلّا أنَّ تلك الثوابت ما لبثت أن استعادت بعض زخمها مع التقاط قوى ثوريّة جديدة، ومن خارج أطر منظّمة التحرير الفلسطينيّة، للمبادرة، فردفت بالدّعم والمؤازرة التحرّكات الشعبيّة التي تفاعلت بإيجابيّة مع ما أنجزته المقاومة في لبنان عام 2000 بإلحاقها هزيمة مدوّية بالعدو الصهيوني وعملائه وتحرير الجزء الأعظم من الأراضي اللبنانية المحتلّة دون قيد أو شرط. وقد أعادت هذه القوى الاعتبار للكفاح المسلّح معلنةً رفضها لمنطق المساومة على حق العودة والسيادة على القدس، وأعادت الحيويّة لمطلب تحرير فلسطين، كل فلسطين، وإقامة الدولة الوطنية عليها. وقد أثمر هذا التحوّل تحريراً لقطاع غزّة حيث أقدمت قوات الاحتلال، ومن جانبٍ واحد، على تفكيك مستعمراتها في القطاع ونفّذت انسحاباً من جانب واحد عام 2005.

لقد كان لإعادة الاعتبار للكفاح المسلّح كأداةٍ رئيسةٍ لتحقيق أهداف النضال الفلسطيني، الدّور الأساس في استعادة الحيويّة لتطلّعات الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، وهو ما أسهم في تحصين الموقف الشامل لهذا الشعب من أطروحة «صفقة القرن» ورفضها رفضاً مطلقاً بسبب ما أنكرته تلك «الصفقة» عليه في حقّه بالعودة إلى دياره وفي تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة التي يرى بأنّه لا بدّ أن تكون عاصمتها القدس.

* لو كان لنا أن نوصِّف علاقة الكيان الإسرائيلي بالغرب لقلنا إنّه خلاصة إنجازات الحداثة ببعدها الاستعماري في بداية القرن العشرين.. ألا يعني ذلك، إن وافقتمونا هذا التوصيف، أنّ اضمحلال إسرائيل ككيانٍ استيطانيٍّ عنصريٍّ مرتبطٌ بانكفاء واضمحلال الوجود الاستعماري الغربي للمنطقة؟

- إذا كان المقصود بـ«الحداثة» هو الزمن الممتدّ منذ الثورة البروتستانتيّة في أوروبا في القرن السادس عشر وما نجم عنها خلال ثلاثة قرون من انقلابات وتبدّلات جوهريّة في موقع الرأسمال اليهودي ودوره في الإدارة والسياسة والفكر الأوروبي، وتالياً في الفكر الأميركي. وتأسيساً على ذلك، ما طرأ من تبدّلات على الفكر الاستعماري مع حلول الاستعمار البريطاني والفرنسي محلّ الاستعمار القديم (البرتغالي والإسباني) ودلالات هذا الحلول ومقوّماته... حسناً، فأنا أوافق على هذا التّوصيف من حيث المبدأ، ولكنّي أفضّل أن أسمّي الأشياء بأسمائها بشكل أكثر وضوحاً، وأقول بأنّ الكيان الصهيوني بذاته هو ثمرة من ثمرات سيطرة الرأسمال اليهودي على القرارين السياسي والاقتصادي في الغرب عموماً. وبالتالي فإنّ لهذا الكيان طبيعة وظيفيّة في استراتيجيّة السيطرة والإخضاع التي كانت موكلة في بداية القرن العشرين لبريطانيا وفرنسا، وتحوّلت بعد الحرب العالميّة الثانية لتكون هذه الاستراتيجيّة على همّة الولايات المتحدة الأميركية.

فالعلاقة فيما بين الكيان الصهيوني والغرب، إذاً، هي علاقة عضويّة لا تنفصم عراها ولا يمكن التعاطي معهما بوصفهما طرفين أو شخصيتين معنويتين تتعارض مصالحهما أو تتلاقى تبعاً لتحوّل الظروف والمعطيات، ولا ترقى التباينات التي تطفو على سطح العلاقات من حين لآخر، في مسائلَ سياسيّةٍ معيّنةٍ، لأكثر من كونها اختلاف في وجهات النظر في الإدارة الواحدة. ولهذا، فإنّ النّضال لكسر استراتيجيّة السيطرة والإخضاع في المنطقة محكوم بالتعاطي مع مركز القرار وأذرعته وأدواته ككلٍّ متكامل، ويمكن اعتبار أنّ الوظيفة الأصليّة للكيان الصهيوني بوصفه المنسِّق الإقليمي لتلك الأذرع والأدوات.

ومن المفيد ملاحظة أنّ الوجود العسكري الأميركي والأوروبي الغربي الكثيف في المنطقة، من الهند والسّند حتى شواطئ البحرين الأبيض والأحمر والمحيط الهندي ارتبط تكثيفه بشكل كبير مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والذي بدأ بِمَدّ نظام صدّام حسين بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوّراً لشنّ الحرب على النظام الذي أفرزته الثورة، نتيجة للخلل الاستراتيجي الذي أحدثته هذه الثورة في المعادلات الإقليميّة التي كانت تضمن حسن عمل أواليات السيطرة والإخضاع التي يتولّاها الكيان الصهيوني على مستوى الإقليم. فتدمير نظام الشاه الذي كان يلعب دور «شرطي الخليج»، من جهة، ومن جهة أخرى يشكّل عمقاً استراتيجيّاً للكيان الصهيوني لأداء وظيفته ضمن استراتيجية السيطرة والإخضاع، أربك المخطّطات الغربيّة وأثار قلقها ووضع الكيان الصهيوني في دائرة الخطر. وهذا ما حدا بها للمغامرة بتقديم تكنولوجيتها العسكريّة المتطوّرة لصدّام حسين الذي كان محسوباً في المعادلة الإقليميّة على الاتحاد السوفياتي، الذي كان ما زال قائماً. إلّا أنّ الصمود الأسطوري للجمهورية الإسلامية النّاشئة بوجه التحالف الدولي الذي يقف وراء نظام صدّام حسين، فرض على الولايات المتحدة أن تكون حاضرة بقواتها العسكرية بشكل مباشر في المنطقة فور وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب، متذرّعة بغزو صدام حسين للكويت.

يؤشِّر الوجود العسكري الأميركي الكثيف في المنطقة إلى أنّ الكيان الصهيوني أصيب بحالةٍ من العجز عن القيام بوظيفته في الإقليم لا سيّما لجهة حماية أذرع وأدوات تثبيت السيطرة والإخضاع، وبات هو نفسه بحاجة للحماية، بعد ما حقّقته الجمهورية الإسلامية في إيران من منجزات على مختلف الصُّعُد. فتدخّلت الولايات المتحدة بثقلها العسكري والسياسي والإستخباري؛ لتهيئة المجال الجيو - سياسي في المنطقة ليكون ملائماً لحُسْن أداء الكيان الصهيوني لوظيفته. وقد استخدمت كلّ نفوذها وقدراتها لتدمير الجيوش العربية في العراق وسوريا ومصر واليمن، وفي فرض اتّفاقات التطبيع والخضوع التي أبرمتها فيما بين الكيان الصهيوني وعدد من الدول العربية، ولإطلاق يد ذاك الكيان في تلك الدّول.

نصل من خلال هذا العرض السريع إلى الاستنتاج بأنّ الكيان الصهيوني ليس شيئاً مستقلّاً عن منظومة الإخضاع والسيطرة، بل هو رأس حربة هذه المنظومة في المنطقة، وبالتالي فإنّ انكفاء واضمحلال الوجود الاستعماري الغربي في المنطقة لا يعني بالضّرورة اضمحلال هذا الكيان بشكل تلقائي.

* يشهد الفكر السياسي المعاصر جدلاً عميقاً حول ما يُسمّى بنظريّة ما بعد الاستعمار، وهذه النّظريّة – كما هو معروف - بالقدر الذي تنطوي فيه على نقدٍ للتجربة الاستعماريّة، فإنّها في الوقت نفسه تعيد إنتاج الفكر الاستعماري بوسائل شتّى.. كيف تقاربون هذه النظريّة وما هي الأسس التي تستند إليها؟

- قد يكون من المُبالَغ به القول بأنّ هناك «نظريّة» يدور موضوعها حول «ما بعد الاستعمار»، فالمسألة لا يعدو كونها مصطلحاً للتصنيف والتّحقيب، تشمل الأعمال الفكريّة والأدبيّة بكلّ تنوّعاتها وتناقضاتها وبمبانيها النظريّة المختلفة في مرحلة زمنيّة معيّنة وتتناول قضايا وهموم مجتمعات الدّول التي خرجت، لتوِّها أو منذ زمن أبعد، من تحت الاستعمار الغربي المباشر. ولكنّها، ولاعتبارها بأنّ الاستعمار بات من قضايا الماضي، تجد نفسها تحرّك وتبني على الأرضية نفسها التي أسّسها الاستعمار، وتروّج، عن وعي أو عن غير وعي، للأطروحات والأطر المعرفيّة القائمة على مركزيّة الغرب الاستعماري الذي ترى فيه النموذج والمقياس للتقدّم والتّخلّف. غير أنّ ما يمكن اعتباره «نظريّة»، هو الخلفيّة التي توجّه هذه الأبحاث وتروّج لها.

فمن زاوية علم اجتماع التنمية، قد تكون بدايات أدب «ما بعد الاستعمار» قد سبقت ظهور المصطلح وشيوعه، لا سيّما في الأدب الاقتصادي والسياسي في أميركا اللاتينية (مع اندريه غندر فرانك وتشيلسو فورتادو وجاك وودس) مع بداية ستينيات القرن الماضي، والتي جاءت تفاعلاً مع أطروحات الاقتصادي الماركسي الأميركي بول أ. باران ورفيقه بول سويزي منذ بداية الخمسينيات في عمل باران الهام، والتأسيسي في موضوعه، «الاقتصاد السياسي للتنمية» وعمله بالاشتراك مع بول سويزي «رأس المال الاحتكاري». وقد رصد باران وسويزي في هذين العملين الآثار السّلبيّة للفعل الاستعماري في المستعمرات ومدى القدرة على مواجهتها لإحداث التنمية المرجوّة، إضافة إلى رصدهما لتطوّر حركة السيطرة والإخضاع عبر رأس المال المالي والشركات العابرة للقارات. ولكنّهما أغفلا ما كان قد توصّل له الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي حول الموقع المهيمن للثقافة الإمبريالية في المستعمرات. وقدّما حلولاً تنمويّة للبلدان «متدنيّة النمو»، تقوم على القواعد نفسها التي أرساها الاستعمار في المستعمرات: تكثيف عوامل الرّسملة في الإنتاج الزراعي والصناعي وتقليص دور «الإنتاج التقليدي» في الاقتصاد، باعتباره يشكّل عقبة كأداء بوجه التنمية.

وبهذا التفاعل الذي أشرنا إليه فيما بين باران وسويزي من جهة، والفكر الاقتصادي التنموي في أميركا اللاتينية من جهة أخرى، يمكننا رصد بدايات تكامل خطابين يتقاطعان ويتكاملان فيما اصطلح على تسميته بـ «الخطاب الاستعماري» (Colonial Discourse) وثقافة «ما بعد الاستعمار».

فقد توصّل مفكرو أميركا اللاتينية في تفاعلهم مع أطروحات باران وسويزي، ومن خلال تشريحهم للواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات التي كانت خاضعة للاستعمار المباشر وحصلت على «استقلالها السياسي»، وتتطلّع نحو بناء أسس جديدة للدولة المستقلّة، توصلوا إلى أنّ الاستعمار ما زال جاثماً في حنايا المجتمع باقتصاده وثقافته وبنية النّخب السياسية والثقافية المهيمنة، وركّزوا على مدى التشوّه الذي أصاب تلك المجتمعات. وأنّ واقعاً كهذا، ما لم يشهد ثورة على كل مخلّفات الاستعمار، لا يمكن أن ينجم عنه سوى تطوّر رثٍّ تقوده برجوازيّة رثّة، وثيقة الصّلة بالمتروبول الاستعماري، حسب تعبير غندر فرانك. إلّا أنّهم لم يلحظوا في هذه «الصّلة» مع المتروبول سوى التبعيّة الاقتصاديّة التي تدعم التبعيّة السياسيّة، وتزداد التبعية الاقتصادية رسوخاً بها، ولتتحوّل التبعيّة بمستوياتها كافّة إلى تبعيّة ذاتيّة التموين.

وفي غمرة الإشكالات النظريّة التي أثارتها الحركة الطّالبيّة في أوروبا أواخر ستينيات القرن الماضي، بدأت اتجاهات فكريّة من صلب اليسار الأوروبي بالظهور تنتقد الفعل الاستعماري في العالم غير الأوروبي، وكأنّها صحوة ضمير وتعبيرٌ عن عقدة ذنبٍ، ولكنّها عجزت عن الخروج عن «الخطاب الاستعماري» نفسه تجاه قضايا «المستعمرات السابقة». وقد عالج ادوارد سعيد هذه المسألة في عمله الشهير «الاستشراق»، (1978) بالاعتماد على ما كان قد توصّل إليه أنطونيو غرامشي وميشال فوكو، فكان هذا العمل بمثابة الإطار النظري لـ «الخطاب الاستعماري»، بمعنى ما كان قد أنتجه الاستعمار من نتاجات ثقافيّة ومعرفيّة إزاء مختلف المجتمعات غير الغربيّة تتلاءم مع توجّهاته لترسيخ تبعيّتها له، أو على الأقل، كما رآها الاستعمار نفسه بارتكازه على مركزيّته الثقافيّة. أو كما قال كارل ماركس: إنّ حاضر المجتمعات المتخلّفة هو ماضي الدول المتقدّمة، فهي ترى في هذا الحاضر ماضيها، وبالتالي فإنّ مستقبل المجتمعات المتخلّفة لا بدّ أن يكون هو نفسه حاضر المجتمعات المتقدّمة.

إنّ إطلاق هذا المصطلح، مصطلح «ما بعد الاستعمار»، نرى فيه إخفاءً لمسألة وإشاعة لأخرى، إخفاء حقيقة الماهيّة السياسية والاقتصادية للمرحلة التي تلت الاستعمار الغربي المباشر، ألا وهي مرحلة هيمنة منظومة النّهب العالمي عبر أوليات السيطرة والإخضاع، وإشاعة لوهم، إن لم نقل لكذبة، ألا وهي أن الاستعمار قد انتهى وأن على «المستعمرات السّابقة» أن تتدبّر أمورها لتتمكّن من اللحاق بركب الدول المتقدّمة عبر سلوك المسالك نفسها التي سلكتها تلك الدول لتحقيق نموّها. ولكن هذا الوهم الذي يحاولون إشاعته، عبر ما تقدّمه أطروحاتهم من اقتراحات، لا يقدمون لهذه «المستعمرات السابقة» أي اقتراح حول كيف يمكنها أن تنهب ثروات العالم بالقوّة العسكرية مثلما فعلت الدول المتقدّمة فحقّقت عبر ذاك النّهب ثرواتها التي حوّلتها إلى رؤوس أموال وظفتها في صناعاتها وفي تطوير جهاز نهبها ما وراء البحار.

فلذلك، فنحن نرى، ومن وجهة نظر الاجتماع الشّرقي الإسلامي، بأنّ هناك فكراً غربيّاً، ليس بالمفهوم الجهوي أو الجغرافي للكلمة، بل بمضمونه أكان حامله من الغرب أم الشرق، يهيمن على الحياة الفكرية والثقافية يجب التصدّي له ومقارعته وفضح مراميه. فمقولات «ما بعد الاستعمار»، بكل تلاوينها وتبايناتها ليست سوى مفصل من مفاصل تحسين أداء منظومة النّهب، أي الاستعمار «بحلّة جديدة». أمّا بالنسبة لنا، فإنّه حين تحين مرحلة «ما بعد الاستعمار»، فهذا يعني أنّنا تمكنا من التحرّر والانعتاق من ربقة الهيمنة والسيطرة، يعني أنّ شعوبنا تمكّنت من الإمساك بقرارها وامتلكت القوّة لبناء أوطانها بما يتلاءم مع حضارتها وتطلّعاتها، أن تحيا حرّة سعيدة فيما تختار وفي التصرّف بثرواتها المُنتجة منها وغير المُنتجة، وفي أن تتفاعل ثقافيّاً مع ثقافة الآخر ارتكازاً على ثقافتها الخاصة وبما يعبِّر عن ذاتها بملامحها وجوهرها.

* أخذت نظريّة ما بعد الاستعمار ولا تزال، جدلاً عميقاً بين النخب في الغرب والشرق معاً.. وقد ظهرت هذه النظريّة في حقبة ما بعد الحداثة لتؤسّس لفكرٍ سياسيٍّ يُعيد تأسيس الهيمنة بأدوات ومناهج كثيرة، وخصوصاً في حقول العلوم الإنسانيّة. ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى ما سمّي بالاستعمار الأكاديمي والمعرفي، الذي يعيد إنتاج نفسه من خلال اختراق البنية الثقافيّة والفكريّة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.. كيف تنظرون إلى هذه النظرية في ميدان التطبيق، وما هي الأسس التي تقترحونها لمواجهة الآثار الناتجة عنها؟

- الشّرط الأوّل للحصول على الحريّة هو أن تكون حرّاً بجوهرك، وما لم تكن مستحوذاً بذاتك على الرّغبة الأكيدة بالتحرّر والانعتاق من التّبعية والخضوع، فلن تمتلك الإرادة والتصميم لبلوغ ذلك. وما لم تكن واثقاً بسلاحك الذي تواجه به عدوّك، فالهزيمة ستبلغك قبل أن يبلغك عدوّك.

فعلى الرّغم من كلّ ما يعتور مجتمعاتنا من وهن ومن اختراقاتٍ ثقافيّةٍ، وبل من هيمناتٍ ثقافيّةٍ معاديةٍ، إلّا أنّ هذه المجتمعات تزخر بأدواتٍ مناهضةٍ للهيمنة يجب تفعيلها وتأصيلها. فمع انتصار الثورة الإسلامية في إيران وبنائها للجمهورية الإسلامية، تمّ توجيه ضربة قاصمة للهيمنة الفكريّة على المجتمع الإيراني، فاستعاد الفكر الإسلامي موقع الصدارة في المجتمع، وقدّم نموذجاً رائداً للحركة الثقافية والفكريّة في المجتمعات العربية والإسلاميّة يجب الاسترشاد بها في معركة المواجهة، واعتبار هذه المواجهة والانتصار على الفكر المعادي جزءًا أساسيّاً من المعركة الشاملة لبناء المجتمع الإسلامي الحر المقتدر الممتلك لقراره بذاته.

فمقولات «ما بعد الاستعمار» التي يتوارى وراءها التعريف الحقيقي للمرحلة التي نعيشها، أي مرحلة الهيمنة المطلقة على شعوب العالم عبر منظومة النّهب الدّولي، فهي أيضاً تخفي الأهداف الحقيقية التي يمكن اختصارها بالسعي للإخضاع والإبادة الحضاريّة عبر تشويه مرتكزاتها واستبدالها بأخرى تعيق نموّها الطبيعي.

إنّ الأسلحة التي علينا امتلاكها في هذه المواجهة هي: الإرادة والإيمان والوعي والثّبات على القيَم الأصيلة التي يقوم عليها اجتماع شعوبنا. فلو نظرنا إلى قيمة تبدو جزئيّة وتفصيليّة من هذه القيَم التي حثَّ عليها الإسلام، ألا وهي قيمة «صلة الأرحام» وما يرتبط بها ويتفرّع عنها من قيَم أخرى، وعملنا على تأصيل هذه القيمة وأعدنا لها أهمّيتها ووهجها في العلاقات الاجتماعيّة، نكون بذلك حقّقنا تحصيناً للمجتمع من جهود الأطروحات المعادية في عملها الدؤوب لـ «فردنة» المجتمع وإشاعة التفكيك في البُنى الاجتماعيّة، وبالتالي لضياع الهويّة والانتماء.

وفي الوقت نفسه، فضرورات المواجهة تقتضي أن نمتلك الإرادة الصّلبة لتحقيق النصر في المواجهة، وامتلاك الثّقة بالنّفس والإيمان بأنّ ما عندنا يستحقّ النّضال في سبيله، من جهة، ومن جهة أخرى فهو يكفي زاداً للمواجهة. وفوق كل ذلك، الثقة بأنّ ما نناضل في سبيله إنّما هو الحقُّ الذي كُلّفنا باتباعه وأنّ الله سبحانه وتعالى وعدنا بالنّصر وإنّ وعد الله حق.

على هذه المرتكزات الأساسية في المواجهة، وبينما ندعو إلى ضرورة أن يعمل المجتمع لتحقيق تطوّره الذاتي بأدواته الحضارية والمعرفية الخاصة، يجب أن يعمل على تحديث وعصرنة تلك الأدوات وشحذها لتكون مؤهلة لخوض غمار المواجهة، من جهة، وإثبات القدرة على تحقيق المُرتجى. وأعني بالأدوات هو ما أنتجته الأمّة من نتاجٍ فكريٍّ ومعرفيٍّ يعتمد على ما وضعه الإسلام الأصيل من أسس للمجتمع وسياسته، يقوم على اعتبار الإنسان هو أداة التطوّر وهدفه، وأن ساسة الجماعة هم أحكمهم، وليس أشدّهم قوّة وبأسًا مثلما أضحت عليه الحضارة الغربية الرّاهنة. وهذا يعني تخليص الفكر الإسلامي من معيقات تطوّره، وبشكل خاص كلّ ما أنتجته عقول فقهاء السّلاطين وأقلامهم طوال الزّمن السّلطاني، الذي استمرّ لقرون طويلة، من تشويهات للإسلام ومقاصده.

إنّ الضرورات التي تحتّم مقارعة الفكر المعادي، تحتّم أيضاً بلورة الفكر الذي نحمله في هذه المقارعة، ومثلما نعلن ولاءنا للفكر الإسلامي الأصيل، علينا إعلان البراءة من كلّ ما صاغه فقهاء السلاطين وممّا اقترفه هؤلاء السلاطين من موبقات وانحرافات في ممارستهم لسلطانهم الذي أدّى إلى انفصال السلطة عن المجتمع الأهلي وجعل عملية إنتاج السلطة وإعادة إنتاجها عملية تتمّ بعيداً عن المجتمع، وتحسمها السيوف وأسنّة الرّماح. فطالما تداعيات الزمن السلطاني ما زالت قائمة بيننا، سنجد أنفسنا في خندق واحد مع نتاجات الحضارة الغربية؛ حيث إنّ نمط الاجتماع الذي أنتج الحكم السّلطاني، هو نفسه الذي أنتج الفكر الغربي: نمط اجتماع يقوم على الغلبة بالعسكر والمال.

* إلى أيّ مدى تستطيع النّخب في مجتمعاتنا صوغ استراتيجيات معرفيّة للمواجهة الحضارية مع الغرب، في إطار مشروع التأسيس لعلم الاستغراب؟

- بداية، من الضروري ألّا يكون الهدف من تأسيس هذا العلم بمثابة الرّد على الغرب والتّماهي معه لجهة تأسيسه علم الاستشراق. بل يجب أن يكون تلبيةً لاحتياجاتنا بأن نمتلك ما يكفي من المعرفة بطريقة تفكير الغرب وبأهدافه ومراميه. ولمعرفة كيفيّة مواجهته وتحصين مجتمعاتنا من اختراقاته لها.

أمّا لجهة مدى قدرة النّخب على صياغة مثل هذا المشروع، فالإمكانات على المستوى الذّاتي، أي ذات هذه النّخب، فهي متوفّرة وقادرة عليه. ولكن الإنتاج الفكري يحتاج إلى حاملة لترويجه حتى لا يبقى أسير الغرف المقفلة وسجين دفّات الكتب.

إن مشروعاً فكريّاً كهذا من المؤكّد أنّه ليس مشروع فرد أو مجموعة من الأفراد، بل يستدعي عملاً مؤسّساتيًّا يتناغم مع مؤسّسات متعدّدة أخرى تحمل الهمّ نفسه، وتعمل فيما بينها لتوحيد المصطلحات والمفاهيم ويستفيد بعضها من تجارب وخبرات الآخرين عبر الندوات والحوارات الدوريّة. وإدارة وتنظيم معاهد تعليميّة ما قبل جامعيّة وجامعيّة وتخصصيّة لإنتاج الكوادر وتطوير الرّؤى والمقاصد.

باختصار، فهو مشروع لنهضة أمّة، والذّود عن حياضها وحضارتها، ولذلك لا بدَّ من أن تحضنه الأمّة وترعاه وتمدَّه بكل مستلزمات النمو والتطوّر.

#حوارات

Address

Khartoum

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when Point Platform posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Videos

Share

Category