23/01/2025
الكتب... صحبة رائعة جميلة الهمس
https://www.alfaisalmag.com/?p=987519167
بعد عقود عدة، أو بعد أن جرت تحت الجسور كثير من الأنهار، كما يقول الأدباء، أدركتُ، جزئيًّا، معنى: صحبة الكتب، التي لا تأتي عن وفاق وحوار، بل عن أسلوب جميل منتقى الكلمات، يطربنا ونستعذب طربه، وإن كان طربًا من نوع خاص، يفيد في تهذيب اللسان ودروس الإنشاء.
إلى جانب طرب الأساليب كانت هناك جمالية العناوين والشخصيات الروائية، أكان من الصياغة أو من صفات ومآلات حزينة. بل إن إقبالي على قراءة، بعض الكتب كان باعثه أولًا العنوان.
جاءت صحبة الكتب، أحيانًا من حوار طويل مع شخصيات لم يكن معها الزمن عادلًا، انزاح فيها الحوار من الأسلوب إلى شخص لاحقه سوء المآل وقاده إلى مقبرة، أو حمله على شكوى كسيرة تجرح الروح وتوقظ دموع العين. وكثيرًا ما كنت أتكلم مع هذه الشخصيات، أواسيها، وأخفّف عنها أحزانها، وأُكْثِرُ من الحديث عنها كما لو كانت من «أهل البيت» أو فيها أطياف صديق عزيز رحل قبل الأوان.
كان معلم لنا في الصف الرابع الابتدائي يقول: وخير صديق للإنسان كتاب. ويسألنا: لماذا؟ ويجيب قبل أن نجيب، ويطلب منا أن نوافيه بما نجيب بعد أيام. كان يبرهن على صحة قوله بجمل واضحة لاحقة: الكتاب صديق وفيّ لا يمكر ولا يخادع لا يشي ولا يكتب «للأمن تقارير مؤذية»، والكتاب صديق طويل العمر لا يهجرنا ولا يمل صداقتنا ولا تعافه نفوسنا، إلا إن كنا حمقى ونحتفي بالجهل، والكتاب نظيف اللسان ويهذب لساننا إن شابته البذاءة، والكتاب أنيس صادق ثابت في صدقه، قد يتغير غلافه ولا يبدِّل بما يقول به، وقد يشيخ وتهترئ أوراقه ويحافظ على ما جاء فيه. كأن الكتاب عابر للأيام وللأزمنة، تتجدّد طبعاته ولا يصيب قوله خلاف أو اختلاف، زاهد الطبع نقي السريرة لا يعبأ بتداعي أوراقه ولا يكترث بسقوط غلافه، حال إنسان متكامل الشخصية يصدر فكره عن ذاته ولا يستقيه من أفراد عارضين...
فيصل دراج - ناقد فلسطيني
#قراءات #كتب
#الخماسين