12/10/2024
السؤال:
طيب السائلة ماجدة من مكة المكرمة تقول: فضيلة الشيخ؛ أسأل عن حكم تكرار العمرة في رمضان؟
الجواب:
�الشيخ: تكرار العمرة في سفر واحد ليس من هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ولا من هدي أصحابه فيما نعلم، فها هو النبي عليه الصلاة والسلام فتح مكة في رمضان في العشرين من رمضان أو قريباً من ذلك، وبقي عليه الصلاة والسلام تسعة عشر يوماًً في مكة، ولم يحفظ عنه أنه خرج إلى التنعيم؛ ليأتي بالعمرة مع تيسر ذلك عليه وسهولته، وكذلك أيضاًً في عمرة القضاء التي صالح عليها المشركين قبل فتح مكة دخل مكة وبقي فيها ثلاثة أيام ولم يأتِ بغير العمرة الأولى مع أننا نعلم علم اليقين أنه ليس أحد من الناس أشد حباً لطاعة الله من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونعلم علم اليقين أنه لو كان من شريعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكرر الإنسان العمرة في سفرةٍ واحدة في هذه المدة الوجيزة لو كان ذلك من شريعته لبينه لأمته، إما بقوله، أو فعله، أو إقراره نعلم هذا فلما لم يكن ذلك لا من قوله ولا من فعله ولا من إقراره علم أنه ليس من شريعته، وأنه ليس من السنة أن يكرر الإنسان العمرة في سفرةٍ واحدة؛ بل تكفي العمرة الأولى التي قدم بها من بلاده، ويدل على هذا أيضاًً أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أرسل عبد الرحمن بن أبي بكر مع أخته عائشة إلى التنعيم أحرمت عائشة بالعمرة ولم يحرم عبد الرحمن، ولو كان معروفاً عندهم أن الإنسان يكرر العمرة لكان يحرم؛ لأن لا يحرم نفسه الأجر؛ لأنه داخل الحرم ولا بد مع أخته، ومع ذلك لم يحرم والعجب أن الذين يفعلون ذلك؛ أي يكررون العمرة في سفر واحد يحتجون بحديث عائشة، والحقيقة أن حديث عائشة حجة عليهم وليس لهم؛ لأن عائشة رضي الله عنها إنما فعلت ذلك حيث فاتتها العمرة فهي رضي الله عنها أحرمت من الحديبية أول ما قدم النبي عليه الصلاة والسلام مكة، أحرمت من الحديبية بعمرة، وفي أثناء الطريق حاضت بسرف، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهي تبكي، وأخبرته بأنه أصابها ما يصيب النساء من الحيض فأمرها صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تدخل الحج على العمرة، فأحرمت بالحج، ولم تطف، ولم تسعَ حين قدومهم على مكة، وإنما طافت وسعت بعد ذلك، فصار نساء الرسول عليه الصلاة والسلام أخذن عمرةً مستقلة، وحجاً مستقلاً، فلما فرغت من الحج طلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأتي بعمرة، وقالت: يذهب الناس بعمرةٍ وحج وأذهب بحج، فأذن لها النبي عليه الصلاة والسلام أن تأتي بعمرة، فذهبت، وأحرمت بعمرة، ومعها أخوها عبد الرحمن ولم يحرم معها، ولو كان هذا من السنة المطلقة لعامة الناس؛ لأرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبد الرحمن أن يحرم مع أخته أو لأحرم عبد الرحمن مع أخته حتى يكون في ذلك إقرار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على هذه العمرة التي فعلها عبد الرحمن، وكل ذلك لم يكن ونحن نقول: إذا حصل لامرأة مثلما حصل لعائشة؛ يعني أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج؛ ولكن جاءها الحيض قبل أن تصل إلى مكة وأدخلت الحج على العمرة، ولم يكن لها عمرة مستقلة، ولم تطب نفسها أن ترجع إلى أهلها إلا بعمرة مستقلة؛ فإن لها أن تفعل ذلك كما فعلت عائشة فتكون القضية قضية معينة، وليست عامة لكل أحد، وحينئذٍ نقول لهذا �السائل: لا تكرر العمرة في سفر واحد، ائتي بالعمرة الأولى التي قدمت بها إلى مكة، وكفى، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا هو الحق في هذه المسألة، وإنه بهذه المناسبة أرى كثيراً من الناس يحرصون على العمرة في ليلة سبعٍ وعشرين من رمضان، ويقدمون من بلادهم لهذا، وهذا أيضاًً من البدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحض يوماًً من الأيام على فعل العمرة في ليلة سبع وعشرين في رمضان ولا كان الصحابة يترصدون ذلك فيما نعلم، وليلة القدر إنما تخص بالقيام الذي حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه فيها حيث قال: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. والقيام في ليلة السابع والعشرين من رمضان أفضل من العمرة خلافاً لمن يخرج من مكة إلى العمرة في هذه الليلة، أو يقدم فيها من بلده قاصداً هذه الليلة، أما لو كان ذلك من وجه المصادفة بأن يكون الإنسان سافر من بلده في وقتٍ صادف أن وصل إلى مكة ليلة سبعٍ وعشرين، فهذا لا نقول له شيئاً لا نقول له لا تؤدي العمرة، وفرق بين أن نقول: يستحب أن يأتي بالعمرة في ليلة سبع وعشرين، وبين أن نقول: لا تأتي بالعمرة في ليلة سبع وعشرين. نحن لا نقول: لا تأتي بالعمرة ليلة سبع وعشرين ائتي بها؛ لكن لا تتقصد أن تكون ليلة سبعٍ وعشرين؛ لأنك إذا قصدت أن تكون ليلة سبعٍ وعشرين، فقد شرعت في هذه الليلة ما لم يشرعه الله ورسوله، والمشروع في ليلة سبع وعشرين إنما هو القيام كما أسلفنا، لذلك أرجو من إخواني طلبة العلم أن ينبهوا العامة على هذه المسألة حتى نكون داعين إلى الله على بصيرة، داعين إلى الخير، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، وحتى يتبصر العامة؛ لأن العامة يحمل بعضهم بعضاً ويقتدي بعضهم ببعض، فإذا وفق طلبة العلم في البلاد وكل إنسان في بلده على أن ينبهوا الناس على مثل هذه المسائل التي اتخذها العامة سنةً، وليست بسنة حصل بهذا خيرٌ كثير، والعلماء هم قادة الأمة، هم سرج الأمة كما كان نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم سراجاً منيراً، فإنه يجب أن يرثوه صلى الله عليه وسلم في هذا الوصف الجليل، وأن يكونوا سرجاً منيرة لمن حولهم ونسأل الله تعالى أن يبصرنا جميعاً في ديننا. ��
المصدر: سلسلة فتاوى نور على الدرب > الشريط رقم [267]
المناسك > فضائل الحج والعمرة
رابط المقطع الصوتي