ترجمة الخطب والدروس الدينيه للأخوة الصم وضعاف السمع

  • Home
  • Saudi Arabia
  • Dammam
  • ترجمة الخطب والدروس الدينيه للأخوة الصم وضعاف السمع

ترجمة الخطب والدروس الدينيه للأخوة  الصم وضعاف السمع إن شاء الله تكون صفحة تفيد كل أخواتنا الصم وضعاف السمع

25/08/2023

ترجمة خطبة صلاة الجمعة
الموافق ٩ صفر ١٤٤٥هجري
للأخوة الصم وضعاف السمع
من جامع: عبدالله أل منير
( الدمام المملكة العربية السعودية )
بعنوان✨💖حسن الظن بالله والتوكل عليه💖✨

عناصر الخطبة
1/ مَعنى حُسن الظن بالله
2/ من صور حسن الظن بالله تعالى
3/ تأكد حسن الظن بالله حال الاحتضار
4/ التقصير في حق الله لا يمنع من إحسان الظن

اهداف الخطبة
اقتباس
ومَعنى حُسن الظن بالله: أن تأملَ من الله ما تطلبه منه، فتَظن بأن الله تعالى سيرحَمُك ويعفو عنك في الآخرةِ، وإذا سألته شيئًا من أمور الدين، ظننتَ أنه سيجيب دعوتك، وإذا نزل بك ما لا تُحِبُّ ودعوته، ظننتَ أنه سيرفع عنك ما نزل بك، وإذا أصابك ما أهمَّك، ظننتَ أنه سيفرِّج همَّك ويُزيل كربك، وحين ترى في بعض أولادك ما لا يسرُّك، تُحسِنُ الظنَّ بالله بهدايتهم ورجوعهم إلى الصراط المستقيم، فحُسنُ الظن بالله ناتج من معرفة فضله وجوده ولطفه بجميع خلقه.



الخطبة الأولى:



إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهده الله
فلا مُضلَّ له
ومن يُضللِ الله
فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
[آل عمران: 102]

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
[النساء: 1]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
[الأحزاب: 70-71].



أما بعد:



فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "يقول الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي"
رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675)
فعلى المسلم حُسْنُ الظنِّ بالله في كل حال
فهو مما افترضه الله علينا.



ومَعنى حُسن الظن بالله:
أن تأملَ من الله ما تطلبه منه
فتَظن بأن الله تعالى سيرحَمُك ويعفو عنك في الآخرةِ
وإذا سألته شيئًا من أمور الدين، ظننتَ أنه سيجيب دعوتك
وإذا نزل بك ما لا تُحِبُّ ودعوته
ظننتَ أنه سيرفع عنك ما نزل بك
وإذا أصابك ما أهمَّك ظننتَ أنه سيفرِّج همَّك ويُزيل كربك
وحين ترى في بعض أولادك ما لا يسرُّك
تُحسِنُ الظنَّ بالله بهدايتهم ورجوعهم إلى الصراط المستقيم
فحُسنُ الظن بالله ناتج من معرفة فضله وجوده ولطفه بجميع خلقه.



لكن لابدَّ من العمل مع حسن الظن بالله
فيَبذلُ المكلَّف ما أُمر به من الأسباب ويَتجنب ما نهُي عنه

يقول ربُّنا -تبارك وتعالى-:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
[البقرة: 218]
فهؤلاء الذين أخبر أنهم يُحسنون الظنَّ به ويرجون رحمته، بذلوا وسعهم في فعل المأمور ولم يتركوا العمل.



ومن حُسنِ الظنِّ بالله: التوكُّل عليه في جلب الرزق، لكن لا بدَّ من بذل الأسباب؛ فعن عمر بن الخطاب
قال: قال: رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
"لو أنَّكم كنتم تتوكَّلون على الله حقَّ توكله، لرُزقتم كما يُرزق الطير؛ تغدو خِماصًا وتَروح بِطانًا".
رواه الترمذي (2344)
وقال: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه.



فهذه الطيور مع توكلها التام على ربها، لا تجلس في أوكارها، بل تَخرجُ أوَّل النهار تبحث عن الرزق، فيرزقها ربها قوتَ يومها، أمَّا من يَزعم أنه يُحسن الظن بربه مع عدم بذل الأسباب، فليس هذا من حُسنِ الظنِّ بالله، بل هو عَجزٌ وتمنٍّ.



أخي: على قدر معرفتك بربك، على قدر حُسنِ ظنِّك به
فأكمل الناس في حسن ظنهم بالله هم الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام
فهم أعلم الخلق بربهم ولطفه بعباده
فهذا يعقوب -عليه السلام- يفقد يوسف ثم يَفقد أخاه
ثم يتأخَّر كبيرُ أولاده
فلم يَقدم مع إخوته
ولا يزال يعقوب يُحسن الظنَّ بربه
ويبذل الأسباب لرجوع أولاده الثلاثة:

(يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
[يوسف: 87 ]
ثم في نهاية الأمر لم يَخبْ حُسنُ ظنِّه بربه، فرد عليه أولاده وهم على أكمل حال.



وهذا موسى كليم الله كما أخبرنا -عز وجل- قصته مع فرعون وجنوده بقوله تعالى:
(فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)
[الشعراء: 61]

فأسباب النجاة المادية مَعدومة، وأسباب الهلاك مُتحقِّقة؛ لكن يَبقى حُسنُ الظنِّ بالله في أشدِّ الظروف، وأنه لا يُسلِم أولياءه لأعدائه: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)
[الشعراء: 62]

وهنا أتى الفرجُ:(فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)
[الشعراء: 63]

(وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ)
[الشعراء: 64-67].



وهذا خليل الرحمن يَخرج من مكةَ مُهاجرًا مُختفيًا، فيختفي في الغار ويَطلبه كُفار مكةَ حتى لم يَبقَ بينه وبينهم إلا خُطوات، ومع ذلك يَبقى مُحسنًا الظنَّ بربِّه، فتعمى أبصارهم عنه وعن صاحبه؛ فعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قلت للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأنا في الغار: لو أنَّ أحدَهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: "ما ظنُّك -يا أبا بكر- باثنين الله ثالثهما!!". رواه البخاري ومسلم .



يتأكَّد حُسنُ الظنِّ بالله في حال الاحتضار؛ فعن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قبل موته بثلاثة أيام، يقول: "لا يموتنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسنُ الظنَّ بالله -عز وجل-". رواه مسلم



ففي حال القوة والنشاط، يكون المسلم بين الخوف والرجاء، فنظره في تقصيره تجاه ربِّه يَجلبُ له الخوف منه، فيسعى في العمل ويُبادر بالتوبة من تقصيره ونظره في سعة رحمة الله
وأنَّ الله يَعفر الذنوب جميعًا يَجلب له الطمع في رحمته
وفي حال الاحتضار ليس بحاجة للخوف
لأنَّ الخوف يَحملُ على ترك المناهي، وفعل الأوامر
فيغلب المحتضر جانب الرجاء بربِّه ويُستَحبُّ لمن كان عنده أن يذكِّره بالوارد في سعة رحمة الله وفضله ومغفرته لذنوب الموحِّدين، ويذكِّره بأبواب الخير التي كان يقوم بها في صحته، فعندما حضرت عمرو بن العاص -رضي الله عنه- الوفاة، جعل ابنه عبد الله -رضي الله عنه- يقول: يا أبتاه: أما بشَّرك رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بكذا؟!
أما بشَّرك رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بكذا؟! رواه مسلم (121)، وأحمد (17326).



ولما طُعِنَ عمر -رضي الله عنه- قال لـه ابن عباس -رضي الله عنه-: "يا أمير المؤمنين: لقد صحبت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبتَ أبا بكر -رضي الله عنه- فأحسنت صُحبتَه، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبتَ صحبتهم، فأحسنتَ صحبتَهم، ولئن فارقتهم لتُفارِقَنَّهم وهم عنك راضون". رواه البخاري



من حُسن ظنِّك بالله أن تبذلَ وتُقدِّم في وجوه الخير ثقةً بما عند الله، وأنه يُخلفُ النفقة:
(وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
[سبأ: 39]
فسوء الظنِّ بالله يدعو إلى الشُّحِّ:
(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
[البقرة: 268]،

هذا في الأمور الحسيَّة، فكذلك في الأمور المعنوية
فيقدِّم المسلم ما يستطيعه من خدمة ونُصح لإخوانه
ويبذل لهذا الدين في حدود المستطاع من غير تَخويف الشيطان وتَثبيطه.



ليحسن الظنَّ بالله عند العصاة الذين تُرجى توبتهم
فهذا مَظنة انكفافهم عن الشرِّ
وإقبالهم على ربهم
فإذا قَنطَ العاصي من رحمة الله
لجَّ في المعصية وتمادى في غيِّه
فليعِ هذا الأمر ممن له عناية بدعوة العُصاة
سواء كانت دعوة عامَّة أم خاصَّة
فعن أبي سعيد الخدري
أن نبي الله -صلَّى الله عليه وسلَّم
قال:
"كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعةً وتسعين نفسًا
فسأل عن أعلم أهل الأرض
فدُلَّ على راهب، فأتاه
فقال: إنه قتل تسعةً وتسعين نفسًا
فهل له من توبة؟! فقال: لا، فقتله، فكمَّل به مائة
ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على رجل عالم
فقال: إنه قَتَلَ مائةَ نفس، فهل له من توبة؟!
فقال: نعم، ومن يَحول بينه وبين التوبة؟!
انطلق إلى أرض كذا وكذا
فإن بها أُناسًا يعبدون الله
فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك
فإنها أرض سوء
فانطلق حتى إذا نَصَفَ الطريق أتاه الموت
فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب
فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مُقبلاً بقلبه إلى الله
وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط
فأتاهم ملك في صورة آدمي
فجعلوه بينهم، فقال: قِيسوا ما بين الأرضين
فإلى أيتهما كان أدنى فهو له
فقاسُوه فوجدوه أدنى إلى الأرضِ التي أراد:
فقبضته ملائكةُ الرحمة"
رواه البخاري (3470)
ومسلم (2766) واللفظ له.



حُسنُ الظنِّ بالله في البلاء
فمن وقع في بليَّة وأصابته مُصيبة ليُحْسِن الظن بربِّه
وأنَّ الحال التي هو فيها خيرٌ له
كيف لا يعتقد ذلك والقضاء جاء من أحكم الحاكمين
الذي يعلم ما تؤول إليه الأمور:
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].



فالمصائب التي تَقعُ -سواء كانت خاصَّة أم عامَّة- فيها خيرٌ كثير: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
[النور: 11].



لكن قد تَظهر الحكمة لنا وقد لا تَظهر، فلنُسلّم لحكمةِ أحكم الحاكمين، ولا نعارض أقدارَه المؤلمة بعقولنا القاصرة، فالمصائب تُكِّفر السيئات، وهي سببٌ في توبة البعض ورجوعهم إلى ربهم، وبها يُعرف قدر النِّعم، وبها تتبيَّن النفوس... إلى غير ذلك من الحِكَم التي قد تَظهر لنا وقد لا تَظهر.



من حُسنِ الظنِّ بالله أن تدعو ربَّك، وتُحسنَ الظنَّ به بأنه سيجيبُ سؤلك وينيلُك طلبك، فيعطيك المرغوب ويباعدك عن المرهوب، فحسنُ الظنِّ بالله شرط من شروط إجابة الدعاء؛ قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيبُ دعاءً من قلب غافل لاهٍ". حديث حسن. رواه الإمام أحمد



إيَّاك أخي من ترك الدعاء واستعجال الإجابة، فقد تتأخَّر الإجابة لحكمةٍ يعلمُها الله؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "يُستجابُ لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجبْ لي". رواه البخاري ومسلم .



أخي المقصِّر -وكلُّنا ذلك الرجل-:
لا يمنعك ما تعلمُه من نفسك من تقصير في حقِّ الله
تركًا للواجبات
وفعلاً للمحرَّمات
لا يمنعك ذلك من حُسنِ الظنِّ بالله
فتظنُّ أنَّ الله لا يَستجيبُ لك بسبب ذلك
فقد استجاب الله لعدوِّه إبليس:
(قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)
[الحجر: 36-38].



فالمسلم أحرى بالإجابة
بل حياؤك من ربِّك وشعورك بالتقصير في ذاته
من أسبابِ استجابة دعائك فألحَّ على ربِّك بالدعاء
فأنت تسأل عفوًّا كريمًا يعامل بعفوه لا بعدله
رحمته بخلقه سبقت غضبه
أرحم بنا من الوالدة بولدها



وإيَّاك والقُنُوطَ، فتستبعدُ الفرج
وتيأس من حصول مَطلُوبك
فقنُوطك مَعصية تضاهي مَعاصيك الأخرى
أو تزيد عليها:
(قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ)
[الحجر:56].

18/08/2023

ترجمة خطبة صلاة الجمعة
الموافق٢ صفر ١٤٤٥هجري
للأخوة الصم وضعاف السمع
من جامع : الطويرقي
( الدمام المملكة العربية السعودية )

بعنوان:✨ فضائل يوم الجمعة ومزاياه ✨

عناصر الخطبة
1/مكانة ومنزلة يوم الجمعة وبعض خصائصها
2/فضائل يوم الجمعة ممتدة في الجنة للمؤمنين
3/توجيهات ووصايا في يوم الجمعة
4/خطأ وخسارة التفريط في فضائل يوم الجمعة
5/بعض الأحكام الفقهية في يوم الجمعة

اقتباس
في هذا اليوم العظيم يجتمع المسلمون في مظهر من مظاهر ائتلافهم، فيُنصتون لمن يُذَكِّرهم بالله ويقرِّبهم منه، وخطبةُ الجمعةِ لها وقعٌ في النفوس يُصغى إليها بالفؤاد وسكون الجوارح، ويَحرم على المستمع لها الانشغالُ عنها ولو بلمس الحصى...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضلَّ له
ومن يضلل فلا هاديَ له
وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له
وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليما كثيرا.



أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى
فمن اتقى ربه ارتقى درجات
وطاب مآله بعد الممات.



أيها المسلمون:
يصطفي اللهُ من خلقه ما يشاء
وله -سبحانه- الحكمة والحمد في خلقه واصطفائه
ومن تعظيم الله تعظيم ما اختاره واجتباه
والدهر مطية العباد إلى ربهم
وفيه يتزوَّدُون للآخرة بزاد الطاعات
ومن خير ما يُثَقِّل به العبدُ صحائفَ أعماله
طاعة الله في الأوقات الفاضلة
وقد اختار الله يومًا ذَكَرَه في كتابه
وسُميت سورة باسمه دون غيره من الأيام
لا مثل له في أيام الأسبوع
فهو أشرفها وأكرمها قال عليه الصلاة والسلام:
"خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمسُ يوم الجمعة" (رواه مسلم).



أَقْسَمَ اللهُ به في كتابه فقال:
(وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)[الْبُرُوجِ: 3]

قال ابن عباس رضي الله عنهما:
"الشاهدُ يومُ الجمعةِ، والمشهودُ يومُ عرفةَ"
في الجمعة أمرٌ كونيٌّ عظيمٌ؛ ففيه أتمَّ اللهُ خلقَ السمواتِ والأرضِ،

قال تعالى:
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)
[الْأَعْرَافِ: 54]
قال ابن كثير -رحمه الله:
"وفيه؛ أي: في يوم الجمعة اجتمع الخلق كله".



في هذا اليوم شَرَفٌ لآدم وذريته
وفيه حدثٌ لا يُنسى
قال عليه الصلاة والسلام:
"فيه؛ أي: في يوم الجمعة خُلِقَ آدمُ
وفيه أُدخِلَ الجنةَ وفيه أُخرِجَ منها"
(رواه مسلم).



ولفضلِ هذا اليومِ على غيره من الأيام أكمَلَ فيه الدينَ
قال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"يا أمير المؤمنين
آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا
معشرَ اليهود- نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا

قال: أيُّ آية؟
قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
[الْمَائِدَةِ: 3]

فقال عمرُ -رضي الله عنه:
"إنِّي لَأعلمُ اليومَ الذي نزلَتْ فيه
والمكانَ الذي نزَلَتْ فيه
نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم
بعرفات في يوم جمعة"
(متفق عليه).



يوم اختصت به هذ الأمة فهدانا الله له وأضلَّ عنه غيرَنا
قال عليه الصلاة والسلام:
"نحن الآخِرون السابقون يومَ القيامة، بيدَ أنهم أُوتُوا الكتابَ من قبلنا، ثم هذا يومُهم الذي فُرِضَ عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا اللهُ فالناس لنا فيه تبعٌ، اليهودُ غدا والنصارى بعد غد"
(رواه البخاري).



ولاختصاص هذه الأمة به حُسِدَتْ عليه حين هداها الله إليه

قال عليه الصلاة والسلام:
"إنهم أي: اليهود لا يحسدوننا على شيء
كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها"
(رواه أحمد).



في الجمعة رفعُ الدرجاتِ وتكفيرُ السيئاتِ، قال عليه الصلاة والسلام: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لِمَا بينهنَّ ما لم تُغشَ الكبائرُ"(رواه مسلم).



وفيه يُنعم اللهُ على عباده بفتح أبواب فضله، فلا يرد لهم في زمنٍ منه دعوةً، قال عليه الصلاة والسلام: "وإن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلمٌ يسأل اللهَ فيها خيرًا إلا أعطاه إياه"(رواه مسلم).



وهي في آخِر ساعةٍ بعدَ العصرِ، قال عليه الصلاة والسلام: "فالتَمِسُوها آخرَ ساعةٍ بعدَ العصرِ"(رواه أبو داود).



قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "أكثرُ الأحاديثِ في الساعة التي تُرجَى فيها إجابةُ الدعوة أنها بعد العصر".



ويوم القيامة أمر مهول، ولا يكون إلا في يوم عظيم، قال عليه الصلاة والسلام: "ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة"(رواه مسلم).



وفيه يصبح كلُّ ما على الأرض خائفًا يخشى أن تقوم الساعة فيه، سوى ابن آدم، قال عليه الصلاة والسلام: "ما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة؛ -أي: مستمعة- حتى تطلع الشمس؛ شفقةً من الساعة إلا ابن آدم"(رواه النسائي).



وفضائلُ هذا اليوم ممدودة للمؤمنين في الجنة، وأعظمُ النعيم لهم فيها رؤية ربهم، وفي كل جمعة يتجلَّى اللهُ لهم، وهذا هو يوم المزيد، قال تعالى: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)[ق: 35]، قال أنس -رضي الله عنه-: "يظهر لهم الربُّ -عز وجل- في كل جمعة"، ولاجتماع المسلمين في الدنيا فيه على الطاعة يكافئهم اللهُ باجتماعٍ خيرٍ منه؛ قال عليه الصلاة والسلام: "إن في الجنة سُوقًا يأتونها كلَّ جمعة؛ يعني مجمعا لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا، فتهبُّ ريحُ الشمال فتحثُو في وجوههم وثيابِهم فيزدادون حُسْنًا وجَمالًا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حُسْنًا وجَمالا فيقول لهم أهلوهم: واللهِ لقد ازددتُم حسنا وجمالا؟ فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدَنا حُسْنًا وجَمالًا"(رواه مسلم).



ومنازل المؤمنين في القرب من الله في الجنة على قدر مسارعتهم إلى الجمعة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "سارِعوا إلى الجمعة؛ فإن الله يبرُز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور فيكونون في قرب منه على قدر تسارُعِهم إلى الجمعة في الدنيا".



الجمعة يوم عظيم، اختُصَّ بعبادات ليس في غيرها من الأيام، فمن طلوع فجرها يبدأ التذكيرُ بها
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم
يقرأ في صلاة فجرها بـ:
(الم * تَنْزِيلُ) [ السجدةِ ]
و(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)
[الْإِنْسَانِ: 1]
(متفق عليه).



قال شيخ الإسلام -رحمه الله:
"إنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة؛ لأنهما تضمَّنَتا ما كان ويكون في يومها".



وهو يوم جَمال وزينة، فبعد طلوع شمسه يبدأ زمنُ الاغتسال، والطِّيبُ والسواكُ له مزية فيه على غيره
قال صلى الله عليه وسلم:
"غُسْلُ يومِ الجمعةِ على كل محتلم، وسواكٌ ويَمَسُّ من الطيب ما قدَر عليه"(متفق عليه).



والتجمُّل بالثياب من تمام الزينة في هذا اليوم، قال عليه الصلاة والسلام: "ما على أحدكم إن وَجَدَ سعةً أن يتخذ ثوبينِ ليوم الجمعة سوى ثوبَيْ مهنتِه"(رواه ابن ماجه).



ورأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حُلَّةً عند باب المسجد
فقال: "يا رسول الله
لو اشتريتَ هذه فلبستَها يومَ الجمعةِ وللوفد إذا قَدِمُوا عليكَ"
(رواه البخاري).



والسعي للجمعة ثوابه مضاعَف
قال عباية بن رفاعة -رحمه الله-: "أدركَنِي أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة فقال: "سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنِ اغبَرَّتْ قدماهُ في سبيل الله حرَّمَه اللهُ على النار"
(رواه البخاري).



والتبكير إلى الجمعة يتسابق إليه المسلمون لاختصاصِ التبكيرِ إليها بما لا يختصُّ به غيرُها

قال عليه الصلاة والسلام:
"مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ
ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً
فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"
(متفق عليه).



والملائكة لها شأنٌ يومَ الجمعة على أبواب المساجد
وتُحِبُّ الذِّكْر وتُنصِتُ لخطبة الجمعة

قال عليه الصلاة والسلام:
"إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأولَ فالأولَ
فإذا جلَس الإمامُ طَوَوُا الصحفَ
وجاؤوا يستمعون الذِّكْرَ"
(متفق عليه).



ومن جلس في المسجد ينتظر صلاة الجمعة جعَل الإسلامُ له حرمةً، فلا يجوز لأحد أن يُقِيمَه من مكانه ويجلس فيه
قال عليه الصلاة والسلام:
"لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ لْيُخَالِفْ إِلَى مَقْعَدِهِ، فَيَقْعُدَ فِيهِ وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا"
(رواه مسلم).



بل وتحرُم أذيتُه ولو بحركة
رأى النبي -صلى الله عليه وسلم
رجلا يتخطَّى الناسَ يومَ الجمعةِ
فقال: "اجلِسْ؛ فقد آذيتَ"
(رواه أبو داود).



في هذا اليوم العظيم
يجتمع المسلمون في مظهر من مظاهر ائتلافهم
فيُنصتون لمن يُذَكِّرهم بالله ويقرِّبهم منه
وخطبةُ الجمعةِ لها وقعٌ في النفوس يُصغى إليها بالفؤاد وسكون الجوارح ويَحرم على المستمع لها الانشغالُ عنها ولو بلمس الحصى

قال عليه الصلاة والسلام:"مَنْ مَسَّ الحصى فقد لغا"
(رواه مسلم).



وكما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم
المستمعينَ إليها عن الانشغال بالفعل
نهاهم أيضا عن الحديث ولو بكلمة

قال عليه الصلاة والسلام:
"إذا قلتَ لصاحبِكَ: أَنْصِتْ يومَ الجمعةِوالإمامُ يخطبُ فقد لغوتَ"
(متفق عليه).



في خطبة الجمعة توجيهات ومواعظُ وتعريفٌ بالله ورسوله ودين الإسلام؛ لذا أوجَب اللهُ البدارَ إليها

فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
[الْجُمُعَةِ: 9]

قال ابن القيم رحمه الله:
"وَمَنْ تأمَّلَ خُطَبَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم وخُطَبَ أصحابه
وجدَها كفيلةً ببيان الهدى والتوحيد
وذِكْر صفات الرب -جل جلاله-
وأصول الإيمان الكلية والدعوة إلى الله
وذِكْر آلائه -تعالى- التي تحببه إلى خلقه
وأيامه التي تخوِّفهم من بأسه
والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه
فيذكرون من عظمة الله وصفاته
وأسمائه ما يحببه إلى خَلْقه
ويُؤْمَرون من طاعته وشكره وذِكْره ما يحببهم إليه
فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم.



ثم يؤدي المسلمون فرضًا من فروض الإسلام يجهر الإمامُ فيه بسُور مُذَكِّرة بالحال والمآل، الأعلى والغاشية، أو الجمعة والمنافقون.



ولمحبة نفوس المؤمنين لوصل الطاعة بأخرى يوم الجمعة
نهى النبي -صلى الله عليه وسلم
عن وصل صلاة الجمعة بنافلة بعدَها
قال معاوية رضي الله عنه:
"إذا صليتَ الجمعةَ فلا تَصِلْهَا بصلاة حتى تَكَلَّمَ أو تخرج
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمرنا بذلك ألا تُوصل صلاةٌ بصلاة حتى نتكلم أو نخرج"
(رواه مسلم).



وبعد صلاة الجمعة ينصرف الناس إلى معاشهم
وفرحهم بذلك اليوم
فشرع النبي -عليه الصلاة والسلام
سُنَّة الجمعة في المسجد بعدَها أربعا بسلامينِ

قال عليه الصلاة والسلام:
"إذا صلى أحدُكم الجمعةَ فليُصَلِّ بعدَها أربعًا"
(رواه مسلم)
ومن صلى في بيته النافلة صلاها ركعتين.



يوم عبادة وقربة لا ينقضي بصلاة الجمعة فحسب
بل يُستحب للمسلم أن يقضي ما بقي من يومه في ذِكْر الله وما يُقَرِّبه إلى ربه

قال تعالى:
(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
[الْجُمُعَةِ: 10]

وآثار الطاعة في يوم الجمعة تظهر إلى عشرة أيام بعده
قال عليه الصلاة والسلام:
"لا يغتسل رجل يوم الجمعة
ويتطهر ما استطاع من طهر
ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته
ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين
ثم يصلي ما كُتِبَ له
ثم يُنصت إذا تكلَّم الإمامُ
إلا غُفِرَ له ما بينَه وبينَ الجمعة الأخرى"
(رواه البخاري)، زاد (مسلم): "وفضل ثلاثة أيام".



ومَنْ فرَّطَ في خيرات هذا اليوم فاته خيرٌ كثيرٌ
وَمَنْ ترَك الجمعةَ تهاونًا طبع اللهُ على قلبِه
وكان من الغافلين

قال عليه الصلاة والسلام:
"لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجمعاتِ أو ليختمن اللهُ على قلوبهم، وليكونُنَّ من الغافلين"
(رواه مسلم).



ولعظيم حرمة تركها هَمَّ عليه الصلاة والسلام بإحراق بيوت من يفعل ذلك

وقال عليه الصلاة والسلام:
"لقد هممتُ أن آمُرَ رجلًا يصلي بالناس ثم أُحَرِّق على رجال يتخلَّفُون عن الجمعة بيوتَهم"
(رواه مسلم).



وبعد أيها المسلمون:
فللجمعة خصائصُ على سائر الأيام
وهو منحة من الله لهذه الأمة
وميدان فسيح للتنافس في الأعمال الصالحة
فعلى المسلم أن يعظِّمَه ويعتزَّ به
وأن يتفرغ فيه للعبادة
ويصون نفسه من كل خطأ وإثم
ومن اغتنم هذا اليوم
وُفِّقَ بفضل الله سائرَ أيام الأسبوع

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى- عَمَّا يُشْرِكُونَ)
[الْقَصَصِ: 68].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله على إحسانه
والشكر له على توفيقه وامتنان
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه
وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا



أيها المسلمون:
الجمعة عيد المسلمين من كل أسبوع
لذا لا يُخَصُّ وحدَه بصوم

قال عليه الصلاة والسلام:
"لا يصومنَّ أحدُكم يومَ الجمعة إلا يوما قبله أو بعده"
(متفق عليه).



ويوم الجمعة لا يُخَصُّ بما لم يرد فيه فضل في الكتاب والسنة

قال عليه الصلاة والسلام:
"لا تختصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام"
(رواه مسلم).



وشرفُ هذا اليوم وجميع الدين
إنما عُرِفَ من طريق النبي -صلى الله عليه وسلم
فهو الواسطة بيننا وبين الله في الرسالة
ومن الوفاء للنبي عليه الصلاة والسلام
اتباعه دوما والإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة

قال عليه الصلاة والسلام:
"إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة
فأكثِرُوا عليَّ من الصلاة فيه
فإن صلاتكم معروضة عليَّ"
(رواه أبو داود).



ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه

فقال في محكم التنزيل:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
[الْأَحْزَابِ: 56]

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد
وارض اللهم عن خلفائه الراشدين
الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون
أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن سائر الصحابة أجمعين
وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.



اللهم أعز الإسلام والمسلمين
وأذل الشرك والمشركين
ودمر أعداء الدين
واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مطمئنًا رخاءً وسائر بلاد المسلمين
اللهم وَفِّقْ إمامَنا ووليَّ عهده لما تحبه وترضاه
وخذ بناصيتهما للبر والتقوى
وانفع بهما الإسلام والمسلمين

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].



عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
[النَّحْلِ: 90]

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم
(وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

ترجمة خطبة صلاة الجمعة الموافق ٢٤ محرم ١٤٤٤ هجريللأخوة الصم وضعاف السمع من مسجد:الأمام الأوزاعي( الخبر المملكة العربية ا...
11/08/2023

ترجمة خطبة صلاة الجمعة
الموافق ٢٤ محرم ١٤٤٤ هجري
للأخوة الصم وضعاف السمع
من مسجد:الأمام الأوزاعي
( الخبر المملكة العربية السعودية )
الشيخ : عبدالله بن محمد العتيق
بعنوان: ((الحياء وفضله ))

عناصر الخطبة
1/أهمية التخلق بالأخلاق الفاضلة ووسائله
2/فضائل خلق الحياء
3/أنواع الحياء وأقسامه
4/من أعظم فوائد الحياء
5/مكانة الحياء عند السلف الصالح
6/ حاجات مجتمعنا إلى خلق الحياء.

اقتباس
ما أحوجنا للحياء هذه الأيام! فلقد خرج كثير من الناس عن خُلق الحياء، وأصبحنا نرى في الشوارع ما تقشعرّ منه القلوب والأبدان، وإن العبد ليخجل من لُبْس بعض الشباب والشابات، ومن تصرفاتهم في الشوارع، ومن فَسْخ الحياء لدى البعض أمام الناس، فما أقبح بالمرأة أن تكون كالرجل في كلامها ومخالطتها للرجال، فما يزين المرأة مثل حيائها، وكذلك الرجل.

الخطبة الأولى:



إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.



(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].



أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



أما بعد فيا أيها المؤمنون، اتقوا الله -جل وعلا- واعملوا لدنياكم كأنكم تعيشون أبدًا واعملوا لأخراكم كأنكم تموتون غدًا، فلنقدم الآخرة على الدنيا فإنها الباقية، وتلك هي الفانية فما السعادة إلا بذلك؛ جعلنا الله وإياكم من أهلها.



معاشر المؤمنين: الأخلاق الفاضلة كثيرة، وعلى المسلم أن يسعى جادًّا في التخلق بها، وهي إنما يكتسبها الإنسان بالسعي لها، والحرص عليها، والصبر عن ضدها حتى تكون خلةً دائمة لا تنفك عنه وكأنه فُطِرَ عليها.



عباد الله: إن من الأخلاق الفاضلة التي حثّ عليها الشرع ودعت إليها الفطرة: خُلُق الحياء، فمن فضله عده المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- من شُعَب الإيمان؛ كما أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان"، سنتطرق في هذه الخطبة بمشيئة الله لتعريف الحياء وأقسامه، وبيان فضله، وتطبيق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لهذا الخلق العظيم، وأصحابه من بعده.



قال ابن مفلح الحنبلي: "وحقيقة الحياء خُلُق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح".

ومن فضل الحياء أن الله -جل وعلا- اتصف به كما أخرج أبو داود في سننه من حديث يعلى بن أمية قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن الله -تعالى- حيي ستير يحب الحياء والستر؛ فإذا اغتسل أحدكم فليستتر".



قال ابن القيم: "أما حياء الرب -تبارك وتعالى- من عبده؛ فنوع آخر لا تدركه ولا تكيّفه العقول فإنه حياء كرم وبرّ وجود؛ فإنه كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا، ويستحي أن يُعذّب شيبة شابت في الإسلام". اهـ.



معاشر المسلمين: فرق بين حياء المخلوق والخالق؛ فحياء المخلوق خُلق يخلقه الله -جل وعلا- في نفس الإنسان، يناسبه كمخلوق، وخلق الخالق صفة من صفاته ليست بمخلوقة ولا يمكن معرفة كيفيتها، بل نجزم بأنه لا يشبه حياء المخلوق؛ لأن الله يقول عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى:11].



وحياء الإنسان على نوعين: غريزي بمعنى فطري؛ بمعنى أن الله فطر المخلوق على ذلك، وحياء مكتسَب يكتسبه الإنسان بترويض نفسه عليه، وهذا هو المطلوب من العبد شرعًا، وهو أحد شُعَب الإيمان وهو محور خطبتنا.



قال المناوي: "والحياء نوعان: نفساني وهو المخلوق في النفوس كلها كالحياء من كشف العورة والجماع بين الناس، وحياء إيماني وهو أن يمتنع المسلم من فعل المحرم؛ خوفًا من الله" اهـ.



عباد الله: إن من أعظم فوائد الحياء المكتسب أنه يرد العبد عن فعل المعاصي؛ حياء من الله، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن عقوباتها -أي: الذنوب-: ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب كل خير بأجمعه، وفى الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "الحياء خير كله"، وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت"؛ وفيه تفسيران أحداهما أنه على التهديد والوعيد؛ والمعنى: من لم يستحِ فإنه يصنع ما شاء من القبائح؛ إذ الحامل على تركها الحياء، فإذا لم يكن هناك حياء ينزعه عن القبائح فإنه يواقعها، وهذا تفسير أبي عبيدة. والثاني أن الفعل إذا لم تستحِ فيه من الله فافعله، وإنما الذي ينبغي تركه ما يستحي فيه من الله، وهذا تفسير الإمام أحمد في رواية ابن هاني". اهـ.



أيها المسلمون: إن الحياء يجلب الطاعة، والطاعة تجلب الحياء؛ فإن الحياء متولد من تعظيم الله ومن محبته -جل وعلا-؛ قال عمر بن الخطاب: "من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه".



معاشر المسلمين: لقد أمر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- الناس بالحياء وحثّهم عليه؛ فمن ذلك ما أخرجه البيهقي في الشعب من حديث سعيد بن زيد أن رجلاً قال: يا رسول الله أوصني. قال: "أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي رجلاً من صالحي قومك".



وأخرج البخاري من حديث أبي مسعود البدري قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت".



وأخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة".



وأخرج الترمذي في جامعه من حديث أنس قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ما كان الفحش في شيء إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء إلا زانه".



اللهم ارزقنا الحياء منك حق الحياء، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.





الخطبة الثانية:



الحمد لله الحيي الستير، جل في علاه من إله عليّ حكيم، وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين.



أما بعد فيا أيها الناس: كان الحياء نورًا يتلألأ في زمن النبوة، فمراقبة الله عامة للمجتمع فمن لم يستحِ من الله استحيا من الخلق.



وقبل أن نتعرض للمثل التطبيقي للحياء في زمن النبوة وما بعده، نبين أن الحياء منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود؛ فالمحمود هو ما نحن بصدد الحديث عنه، وأما المذموم فهو الخور والضعف عن إنكار المنكر أو الأمر بالمعروف حياء من الناس أو ترك السؤال عما أشكل عليه من أمور دينه حياء من الناس، فهذا قد جاء الشرع بالتحذير منه وذمه.



معاشر المسلمين: ما أحوجنا للحياء هذه الأيام! فلقد خرج كثير من الناس عن خُلق الحياء، وأصبحنا نرى في الشوارع ما تقشعرّ منه القلوب والأبدان، وإن العبد ليخجل من لُبْس بعض الشباب والشابات، ومن تصرفاتهم في الشوارع، ومن فَسْخ الحياء لدى البعض أمام الناس، فما أقبح بالمرأة أن تكون كالرجل في كلامها ومخالطتها للرجال، فما يزين المرأة مثل حيائها، وكذلك الرجل.



لقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أشد حياء من العذراء في خدرها؛ أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة قالت: إن امرأة من الأنصار قالت: يا نبي الله! كيف أغتسل من المحيض؟ قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "خذي فرصة ممسكة فتطهري ثلاثًا"؛ ثم إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- استحيا فأعرض بوجهه".



وهكذا كان أصحابه من بعده فهذا أبو بكر قال في إحدى خطبه: "يا معشر المسلمين! استحيوا من الله؛ فو الذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب للغائط متقنعًا بثوبي استحياء من ربي -عز وجل-".



عباد الله: من تأمل الحياء عرف أن الحياء هو الدين كما قال عمر بن عبد العزيز: "وقد تحدث عنده قوم؛ فقالوا: الحياء من الدين؛ فقال -رحمه الله-: "بل الحياء هو الدين كله".



وقال الفضيل بن عياض: "من علامات الشقوة: قلة الحياء".



وإن تعجب من قلة الحياء، فعجب أولئك القوم يخرجون يبيتون في البراري، ويتجمعون بل يختلط الرجال بالنساء، ليشاهدوا الكسوف، مع فرحهم، وتصويرهم للكسوف، بل إن العين لتدمع إنما يوضع فعاليات لكسوف الشمس، فلا حول ولا قوة إلا بالله، أين هؤلاء عن حال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كسفت الشمس في زمنه، خرج مسرعًا فزعًا إلى الصلاة، وقال: "إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة".



إذا لم تخش عاقبة الليالي *** ولم تستحي فاصنع ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحاء



قال يحيى بن معاذ: "من استحيا من الله مطيعًا استحيا الله منه وهو مذنب".

قال ابن القيم شارحًا لهذا القول: "المعنى من غلب عليه خلق الحياء من الله حتى في حال طاعته فقلبه مطرق بين يدي ربه إطراق مستحي خَجِل؛ فإذا واقع ذنبا استحيا الله أن ينظر إليه في تلك الحالة لكرامته عليه". اهـ.



وقال سليمان بن عبد الملك: "إذا أراد الله بعبدٍ هلاكًا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتًا ممقتًا".

إذا قل ماء الوجه قل حياؤه *** ولا خير في وجه إذا قل ماؤه

وقال بعض العرب:

إني كأني أرى من لا حياء له *** ولا أمانة وسط الناس عريانا



معاشر المسلمين: إن الحياء بهذا المعنى خير كله، ولا يأتي إلا بخير، فلنحرص عليه فإنه من صفات المرسلين، وهو داعٍ إلى هجر المعصية خجلاً من الله، وداع إلى فعل الطاعة بوازع الحب لله، ومن فضائله أنه يكسو المرء الوقار فلا يفعل ما يُخِلّ بالمروءة والتوقير، ولا يؤذي من يستحق الإكرام. وهو دليل على كرم السجية وطيب المعدن والمنبت.



أيها الناس: ولو لم يكن في الحياء إلا أنه يردع صاحبه عن المعاصي لكان حريًّا بالمؤمن أن يسعى إليه روي أن عمر بن الخطاب كان يمشي في إحدى سكك المدينة فسمع امرأة تقول:

دعتني نفسي بعد خروج عمرو *** إلى اللذات فاطلع التلاعا

فقلت لها عجلت فلن تطاعي *** ولو طالت إقامته رباعا

أحاذر إن أطعتك سب نفسي *** ومخزاة تجللني قناعا



فقال عمر: وأُتي بالمرأة أي شيء منعك؟ قالت: "الحياء، وإكرام عرضي"، فقال عمر: "إن الحياء ليدل على هناة ذات ألوان، ومن استحيا استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وقي وكتب إلى صاحبي زوجها فأقفله".



معاشر المسلمين: سمعتم بما قام به بعض الرجال والنساء من التحرشات الجنسية في تجمعات الترفيه، وما وقعوا فيما وقعوا فيه إلا لما قل الحياء، فمن لم يستح فعل ما يشاء، فلنرب أنفسنا وأولادنا على الحياء، ولنجنبهم كل ما ينزع الحياء عنهم. فما من عاقل إلا ويعرف للحياء وأهله فضله، فما أعظمه من خُلق! وما أشرفه من دين!



اللهم وفقنا لهداك، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واللهم وفق ولي أمرنا لما تحب ترضى، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه للبطانة الصالحة، اللهم أنجِ المستضعفين.

Address

Dammam

Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when ترجمة الخطب والدروس الدينيه للأخوة الصم وضعاف السمع posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Videos

Share

Nearby media companies