10/07/2024
موسم المطر ودعاش الذكريات
**************************
كلما حلَّ فصل الخريف الذي باعدت بيني وبين حضوره في قريتي سنوات غربة طوال، تندح دواخلي ويملأ دعاش الخريف رئتي كأنها تسترد تلك الأنفاس العطرة من أعماق روحي التي خبأت ذلك لمواسم جافة ضربت حياتنا وقذفت بنا بعيدا عن مراتع الصبا..
عندما استحضر المشهد تخرج مني تنهيدة تأخذني إلى نداوة تلك الأيام.. تتناهى إلى سمعي زمجرة الرعد ولمع البروق وهي تشق بطن السماء الرمادية الذي تعكس لونها على البيوت وشجر الحَراز والسِدر لتكسبها لونا مغايرا..
إزاء هذا المشهد المحتشد جمالا أجدني أخرج بطفولتي المختبئة في الحنايا للقفز مع أندادي في الساحات ترحيبا بهطول المطر.. مطربنا الصغير أيامها (أنس ود مريخة) يتفاعل مع المشهد ويطلق عِقال صوته النديان ويستلف مربوعاً من الدوبيت ويرفعه على عمود المطر (قوس قزح)..
ريحة المَطرة والطين والدُعاش الفاح..
طرتني الحبيب الكان معايا وراح..
جددت الوجع فتحت جوايا جراح..
خلتْ خَشمي بي اسمو ينادي صراح..
كانت مواسمنا لا تخيب وقلوبنا صافية مثل الماء الذي تجود به السماء، والناس كرام كهطل المطر، وأرضنا خضراء تنبت كل زوج بهيج..( برقُنا قِبلي وأنسامُنا من الصعيد)..تتناغم الأرض والسماء والإنسان والحيوان في لوحة بديعة التكوين …
ذكرياتٌ لمشاهد نبشتها صورٌ لتلك السحب الدانية هذه الأيام وملامح الخريف في وطن اشتد به الظمأ ويريد غسل أحزانه وأوجاعه من حرب قاسية غادرت معها حتى الطيور أعشاشها..
اللهم أجعله غيثا يغيث الناس في محنتهم ويعيد رداء الخضرة لأرض اتشحت بالسواد ونفوس اجتاحها الجفاف…