Alzubair Naiel - الزبير نايل

Alzubair Naiel - الزبير نايل إعلامي .. شبكة الجزيرة الإعلامية .. قطر

موسم المطر ودعاش الذكريات **************************كلما حلَّ فصل الخريف الذي باعدت بيني وبين حضوره في قريتي سنوات غربة ...
10/07/2024

موسم المطر ودعاش الذكريات
**************************
كلما حلَّ فصل الخريف الذي باعدت بيني وبين حضوره في قريتي سنوات غربة طوال، تندح دواخلي ويملأ دعاش الخريف رئتي كأنها تسترد تلك الأنفاس العطرة من أعماق روحي التي خبأت ذلك لمواسم جافة ضربت حياتنا وقذفت بنا بعيدا عن مراتع الصبا..

عندما استحضر المشهد تخرج مني تنهيدة تأخذني إلى نداوة تلك الأيام.. تتناهى إلى سمعي زمجرة الرعد ولمع البروق وهي تشق بطن السماء الرمادية الذي تعكس لونها على البيوت وشجر الحَراز والسِدر لتكسبها لونا مغايرا..

إزاء هذا المشهد المحتشد جمالا أجدني أخرج بطفولتي المختبئة في الحنايا للقفز مع أندادي في الساحات ترحيبا بهطول المطر.. مطربنا الصغير أيامها (أنس ود مريخة) يتفاعل مع المشهد ويطلق عِقال صوته النديان ويستلف مربوعاً من الدوبيت ويرفعه على عمود المطر (قوس قزح)..

ريحة المَطرة والطين والدُعاش الفاح..
طرتني الحبيب الكان معايا وراح..
جددت الوجع فتحت جوايا جراح..
خلتْ خَشمي بي اسمو ينادي صراح..

كانت مواسمنا لا تخيب وقلوبنا صافية مثل الماء الذي تجود به السماء، والناس كرام كهطل المطر، وأرضنا خضراء تنبت كل زوج بهيج..( برقُنا قِبلي وأنسامُنا من الصعيد)..تتناغم الأرض والسماء والإنسان والحيوان في لوحة بديعة التكوين …

ذكرياتٌ لمشاهد نبشتها صورٌ لتلك السحب الدانية هذه الأيام وملامح الخريف في وطن اشتد به الظمأ ويريد غسل أحزانه وأوجاعه من حرب قاسية غادرت معها حتى الطيور أعشاشها..

اللهم أجعله غيثا يغيث الناس في محنتهم ويعيد رداء الخضرة لأرض اتشحت بالسواد ونفوس اجتاحها الجفاف…

بائعة الشاي .. سفر بلا طريق   ************************* الزمان انتصاف نهار شتائي منزوع البرودة في يناير العام الماضي بتو...
15/06/2024

بائعة الشاي .. سفر بلا طريق
*************************
الزمان انتصاف نهار شتائي منزوع البرودة في يناير العام الماضي بتوقيت أم درمان .. المكان جوار كلية التربية جامعة الخرطوم.. على طرفي شارع الوادي باعة جائلون يبيعونك بضاعة أغلبها مغشوشة ومنتهية الصلاحية لكنْ لا يكترث لذلك أحد فالناس هنا متوكلون على الله..

سماسرة عقارات وسيارات يغلظون في القسم وهم يحدثون زبائنهم بصوت فيه ثقة زائفة، وغير بعيد منهم في الجهة المقابلة يرقد في العالم الآخر بمقبرة أحمد شرفي أناسٌ كثيرون لو وجدوا سانحة لقدموا لهم النصح بتوخي الرزق الحلال لأن أسئلة قاسية تنتظرهم عن كل قرش كسبوه.

في مصلحة الأراضي أطياف من البشر يتزاحمون عند نافذة ضيقة تكتم الأنفاس.. بعد جهدٍ سلمت أوراقي وجلست منتظرا … ولأن الساعات كانت تتساقط من معصمي حاولت للمرة الرابعة مراجعة الموظف الذي يبدو أن عليه نَذرا لعذابي واختبار قوة أعصابي.. نظر إليَّ من فوق عدسة نظارته السميكة وحدثني من تحت أضراسه (أصبر يا أخينا الدنيا ما طايره).. أدري أنها ليست طائرة لكن شررا بدأ يتطاير من عيني لأنه كان كذوبا ومراوغا فقد أضاع ملفي وسط تلال الأوراق ويبحث له عن مخرج من هذا الشخص المتذرع بالصبر الجميل …

خرجت لأفرغ غضبي المكبوت عند بائعة شاي جالسة تحت (رقراق) عريشة نصبتها عشوائيا ، طلبت منها كوب شاي عليه زنجبيل.. من واقع تجاربها مع الذين يخرجون من ذاك المكان سألتني: ( مالك زعلان) بتتسهل قول بسم الله الدنيا دي (عاوزه صبر).. والتفتتْ على سائق عربة كارو (سكرك كيف يا حاج) …

واصلت حديثها وهي تحرك ملعقة الزنجبيل في كوب الشاي: (يا ولدي البلد دي حالها بقى مايل..النفوس ما زي زمان..الناس طمعت واتغيرت وكتر الغش والخداع.. العوج كتير والحكومة ما عندها هيبه أي زول شغال على كيفو ..ناس بتكلموا إنو الدول البره دي طمعانه فينا لكن يا ولدي مصيبتنا بتجي من جوه بس نقول الله يكضب الشينة)…

خرجت أتنفس من ضيق مكتب الأراضي فوجدت فضاء بائعة الشاي أكثر ضيقا.. انكمشتْ دواخلي وضاع طعم الزنجبيل في لهاتي ..حدقت في الأفق الرمادي وتيقنت أن البلاد في أزمة عميقة وأن قادم أيامها لا يبشر بخير ..سائق الكارو كان يتابع حديثنا شاخص العينين وقد تجمعت قطرات عرق على جبينه.. تحت إصراري أخذت مني قارئة الفنجان أو زرقاء اليمامة بصعوبة ثمن الشاي.. عبأت عينيَّ من تفاصيل وجهها المهموم ونهضت من مكاني تاركا ورائي تنهداتٍ وبقيةً من كوب الشاي..

27/03/2024

من كهوف الذاكرة … عرسٌ خارج الحدود
******************************
انقضى موسم حصاد ذاك العام الذي صادف شهر رمضان .. ونحن في انتظار قدوم العيد إذ بخبر زواج خالي (الحاج) يسري في شرايين القرية ليصبح حديث أهلها ليل نهار ويجعل عيدها عيدين.. فالأعراس في القرى هي كذلك مواسم أعياد بجديد ثيابها وبهجة نفوسها والتوسع في موائدها..

خالي الحاج الذي اكتشفتُ بعد أن كبرت أن اسمه (علي) رمى سهمه من دون أهل القرية بعيدا نحو مضارب أخواله ليختار عروسه وشريكة حياته في منطقة (المحمية) وهي منطقةٌ بعيدة بمقاييس عقولنا في تلك الأيام تتطلب سفرا وغيابا عن الديار ...

كنت قلقا وخائفا بألا يُسمح لي بالذهاب في باص (السِيْرة) وأن الأمر سيكون مقتصرا على الشباب ونحن دون تلك السن.. وما كان أمامي حيلة إلا التودد إلى خالي (أبو حميد) الذي بيني وبينه محبة كبيرة تشفع لي بأن يتم اختياري ضمن كرنفال الفرح المسافر إلى المحمية التي تنتصف المسافة بين مدينتي شندي والدامر..

جاء العيد وانقضت أيامه الثلاثة بتقاليد ذلك الزمان الحنين وبدأت مراسم العرس الذي لم تعكر صفوه حينها أخبار الجنجا.. وتقاطر أهل القرى المجاورة على كل ضامر حتى غدت القرية مهرجانا كبيرا ..

قُرعت طبول الفرح.. انتظم الجميع رجالا ونساء في دائرة واسعة وعندما استبد بهم الطرب على صوت مغنية ألهبتْ حماسهم تدافعوا فُرادى وج**عات إلى وسط(الدَارة) رقصاً وعرضة.. وخالي الحاج الذي توسط جبينه هلالٌ فضي كان يُلهبُ ظهور الشباب بسوط (العَنج) مع تعالي زغاريد الفتيات.. وتلك عادة كانت تمنحك صك الرجولة في تلك الأيام..

كنت في عجلة من أمري.. قبل نحو ساعة اعتليت سطح الباص الذي زُين بسعف النخيل وأخذت مكانا يتيح لي مشاهدات واسعة في الطريق .. استدار الباص ثلاث دورات حول المكان وتعالت زغاريد الوداع وسلكنا طريقنا متنقلين بين الحقول والسهول والكثبان الرملية وصوت ماكينية الباص يختبر سمع تلك العتامير.. كان الطريق طويلا وشاقا لكن ما بدد طوله أنه كلما مررنا بقرية خرج رجالها يلوحون بعمائمهم والنساء يزغردن بمحبة وسائقنا (النور ود الشيخ) يبادلهم عزف( البوري المتلت) … الناس في تلك البقاع كرماء جدا في مشاعرهم..

خيالي الغض حينها جعلني أعتقد أننا خرجنا من السودان كليا لطول الطريق غير المسفلت فتلك أول مرة أخرج فيها عن نطاق قريتي.. وهكذا مضينا بهذا الفرح العابر كالحلم في توزيع حُزم السعادة على تلك القرى المتناثرة والتي بدت على بعضها ملامحُ بؤسٍ رغم أنها قريبةُ من ضفاف النهر لكنها العين البصيرة واليد القصيرة..

قضينا ليلة عامرة .. كانت من الليالي الخالدة... خلدها طيبُ كرمها واتساعُ فرحها.. وعند العودة كنت ممتلئا بإحساس عظيم.. ولفترة طويلة كان أندادي في القرية يتحلقون حولي ليستمعوا إلى مشاهداتي وتفاصيل مشاركتي في رحلة عرس خالي الحاج وكأني مستكشف عاد من وراء البحار .. كانت الدهشة تتجدد كل ليلة على وجوههم وأنا أسرد لهم وقائعَ كان جزءٌ كبيرٌ منها من نسج خيالي 🤣🤣 ...

30/10/2023

استمعت اليوم إلى سيلٍ من جراحات نفس ٍ معذبة بلغ بها الأسى مبلغا ما كنت أظن أن تربة السودان يمكن أن تنبت مثله، وما كان يخطر ببالي أننا سنتيه في غابة من الظلم والظلام تحجب عنا كل شيء .. ظلم الأيام وظلام الأنفس التي توحشت وفقدت في لحظة فاجرة إنسانيتها ونزعت عنها كل رداء وأصبحت عارية من كل قيمة وبلا حياء..

( ع) شاب في زهو الشباب ونضارة العمر، كانت الأحلام تداعب خياله بحياة هانئة وريفة الظلال، فإذا بحرب الخرطوم الغادرة جعلت منه شبحا غائر العينين شارد الذهن ممزق الوجدان..

كان الضحية والشاهد.. يغالب دموعه ويعتصر ذاكرته المحتشدة بمشاهد مرعبة ومروعة ليروي هول مأساته التي تجسدت في رحيل أفراد أسرته بطريقة تراجيدية وفي لحظة واحدة عندما أطلق الأوغاد المنبتون وابلا من رصاص حاقد وفتكوا بالأب الطاعن في السن والأم التي كانت تعاني من وجع المفاصل والبنت التائهة بين حِجر أمها وحضن أبيها ليتركوهم جميعا سابحين في بركة دمائهم، والشاب المذهول والمفجوع أصيب بالشلل وكاد يفقد ذاكرته وينسى ذاته..

سكنتني الهواجس واستبد بي قلق قاهر بعد سماع رواية هذا الشاب المفجوع.. وبرز عندي سؤال مرهق الإجابة ظل كل اليوم يندح في أوردتي كيف سنعيد إعمار الأنفس المتصدعة لآلاف مثله عايشوا أهوال وويلات الحرب..

الدمار الكبير ليس دمار المباني لكنه دمار الأنفس وتحطم جدران الأمان التي كانت سياجا لهذا المجتمع .. الخراب ليس أرقاما لما نهب من ممتلكات ولكنه خراب طال بنية الإنسان..

30/08/2023

‏‎العقلاء في الزمن المجنون
**********************

أصحاب الفكر الوقاد والأحاسيس المُرهفة والطاقة الوجدانية الجبارة عادة ما يضيقون بالعيش في محيط يتسم بالجفاف والصرامة لا يقدر مواهبهم ولا يستوعب أحلامهم وطموحاتهم في ارتياد آفاق الحياة بكل نبضها، لذلك نجدهم يعاضلون للخروج من هذا الدجى المأزوم، بعضهم ينجح والبقية ينتهي بها المطاف في مستشفى (ناقصي العقول)..

الرسام الهولندي فان جوخ كان يصاب بنوبات جنون وعندما تعلق قلبه بفتاة جميلة قطع أذنه وقدمها هدية لها، ثم مات منتحرا.. أما الفيلسوف الألماني نيتشه الذي كان منطويا على نفسه كان لا يجد راحة في عالمه إلا بالتحدث مع حصانه..
وتشارلز ديكنز أشهر القصاصيين الإنجليز كان يخرج من منزله ويسير بلا هدى لمسافات طويلة في الليل، وكان يدخل على زملائه من نوافذ منازلهم بحجة مفاجأتهم..

أما أديبنا الكبير معاوية محمد نور الذي أدهش كبار المفكرين مثل العقاد والمازني وملأ الفضاء بنبوغه العظيم وهو في سن صغيرة، تبدى كالشهاب لكن سرعان ما هوى ضحيةً لذهن متقد وروح وثابة وطموح لا حدود له وانتهى به المطاف في مستشفى الأمراض العقلية وهو صاحب العقل الكبير.

وشاعر الجمال إدريس ج**ع الذي كان يدهن أعصاب الناس بمراهم العافية ويثري وجدانهم بالشعر والأغاني الجميلة، ضاق به طموحه لدرجة اعتزل فيها الحياة ودخل مستشفى الأمراض العصبية وهو صاحب العقل الذي تجاوز المعتاد ..

وكثيرون أمثال هؤلاء النوابغ والعباقرة كانت حياتهم ضيقا رغم اتساع عقولهم وقلوبهم لدرجة الاعتقاد أن هناك علاقة بين الجنون والعبقرية....

- [ ] الآن أصبح الكثيرون منا يتحدثون مع أنفسهم أو يشرد خيالهم ليطارد خيوط الوهم ويتمتمون مع الفراغ العريض.. فيا ترى هل هذا نوع جديد من العبقرية المختبئة أم العباقرة هم أولئك الذين أوصلونا إلى هذه الحالة لأن اللامعقول هو وجه آخر للجنون ؟

20/07/2023

تبدل المواقف مع تبدل المصالح
**************************
مخادعون من يطرحون أفكارا مغشوشة ويروجون لمواقف نسجوها بخيوط الخداع يبتغون بها التربح والتكسب من دم الغلابة وآهات الضعفاء وأنات المساكين...مُدلسون من يدهنون مواقفهم بطلاء زائف يبهت مع أول شعاع للشمس.. لصوصٌ من يسرقون أشواق الناس بدغدغة مشاعرهم بأقوال جميلة ومثالية لكنها لا تصمد مع أول نسمة هواء.. نصابون من يقنعون البسطاء أنهم قادرون على الإبحار بهم إلى بر السلامة وإطعامهم المن والسلوى، وعند بلوغ غاياتهم يتركوهم في صحراء التيه والضياع..

مختالون شرهون من يحجزون المقاعد الأمامية دون أن تتوفر لديهم أبسط مقومات القيادة ويتسورون حائط السياسة من أجل المنصب والجاه والثراء وليس لإسعاد شعوبهم وتنمية بلدانهم..

من رحيق التجارب يقول فولتير "إن المواقف هي خريف العلاقات يتساقط فيه المزيفون كأوراق الشجر" ذلك أنه مهما كانت الأقوال مثالية تبقى بلا قيمة إن لم نختبرها لتبيان معدنها ومعرفة حقيقتها دون تنميق أو تزييف.

تاريخ بلادنا السياسي يحفل بمثل هؤلاء الذين يبدلون مواقفهم كما يبدلون ملابسهم، اكتشف الشعب أن من حدثوهم عن خير بلاده وكنوزها باعوهم الوهم وكانت وعودهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا..سقطت أقنعةٌ وتكشفت عوراتٌ بعد أن تبدلت مواقفُ وسبح أصحابها مع تيار مصالحهم الضيقة وأطماعهم الشخصية .

أشدُ الطعناتِ إيلاما هي التي تأتيك ممن ملكتهم زمام أمرك لكنهم خانوك بأفعالهم وكانوا يناورون على المبادئ ومصائب الآخرين ، لا خيرَ يرجي من هؤلاء الذين أصبحت عندهم مآسي الغير ثمنا للمكاسب .

نحن لا نتحسس مواضع الألم بل نتحسس حجم الدهشة التي خلفها هؤلاء في نفوسنا …

15/07/2023

أشواق مرهقة
*************
أن تشتاق لأزقة مدينتك التي كانت مسقوفة بالطمأنينة ونوافذها تطل على ساحات الأمان وأبوابها مفتوحة يدخل عبرها الملهوفون والمحتاجون ومن تقطعت بهم السبل فوجدوها ملاذا آمنا ويدا حانية كريمة …
أن تشتاق لهرج الصغار وقد اختلطت أصواتهم مع أنداء الصباح وهم يرددون أنشودة الوطن والعلم وعيونهم مشعة بالأمل وهي تنظر إلى جدران الفصول وقد تزينت برسومات الحياة ..
أن تشتاق لليقين الذي كان ساكنا في القلوب، وللشوارع التي لم يمزق هدوءها صوت بندقية حقودة تنشر الخراب والدمار … ولتلك الوجوه المطمئنة التى لا يغشاها الخوف ولا يسكنها القلق، وللسماحة والطيبة قبل أن تتكاثر طحالب الكراهية في مستنقعات الأنفس الشحيحة في حب الوطن ..
أن تشتاق لأنفاسِ وعطر دارك وجدرانها التى علقتَ عليها ذكرى أيامك وهجرتها قسرا بما فيها من متاع، ولمكان عملك وأنت توزع فيوض التحايا وطيوب الابتسام…
أن تشتاق نفسك لأصداء تتناهى إليها من أغوار عميقة …للدروب والمسافات التي قطعتها وأنت خفيف الأثقال.. للظلال الوريفة التي تركتها خلفك ومازالت ممدودة ،،لضحكتك القديمة وهى تنداح دوائر ولقلبك الذي كان مشحونا بعظيم الأمنيات ..
أن تشتاق لليل المطمئن ولمة الأنداد والأصحاب والمدينة ذات السماء الصافية تفترش السكينة وتلتحف الأمان وهي غافية مع جميل الأحلام …
أن تشتاق وتشتاق …..

11/03/2023

تائه في سهول اللافندر (٢)
**********************
بدأ القطار يتهادى وتحسس الركاب حقائبهم ما يعنى أننا على مشارف باريس.. من بعيد لاحت لي حركة قطارات كثيفة، إنها محطة غارد دي نورد الشهيرة.. هذه المرة أنا والمغامرة وجها لوجه إذ كيف سأتعامل مع مدينة عنيدة لا تقبل الحديث بغير لغتها.. اعتبرت نفسي مستكشفا ولابد من مجابهة تحديات الاستكشاف..

نزل الركاب وتبِعتهم كطفل زائغ العينين يمسك بطرف ثوب أمه إلى مخرج المحطة التي تتمدد فيها القطارات كالسلاحف.. في مقهىً عامرٍ بالحضور في ساحة المحطة اتخذت مقعدا والألسنةُ من حولي تلوك كلاما كالطلاسم وكل ما التفت عليَّ أحدهم باغته بكلمة ( بنجور) رغم أن الوقت مساء..

سائق التاكسي يبدو أن يومه كان على غير ما يرام وأن حرمه المصون طبعت تقطيبة على جبينه ضيَّقت عليه مساحةَ وجهه وهو خارج للعمل لأني تكهنتُ بذلك من مط شفتيه والتنهيدة من أعماقه وطرقت أذني كلمة مدام ، كان مكفهر الوجه وكنت متوجسا لأنه كان يتخطى السيارات برعونة بددت عندي متعة الطريق إلى قلب المدينة ولم يدر أني مستكشف تطوقه الهواجس وتستبد به الظنون.

هذا هو شارع الشانزليزيه بكل ضجيج سمعته التي طبقت الآفاق يقف مرحبا بالضيف العابر ..أناسٌ لامعون هامسون مثل أسراب الحمام جلوسا على المقاهي، ومحالُ تجاريةٌ تلفح وجهك بعطرها الفاتن، والمطاعم بأطباقها الشهية والمزدحمة بالسياح الذين جذبتهم كما الفراشات أنوار باريس مرصوصة لا تسمع فيها إلا صليل الملاعق، الناس هنا يا صاحبي تركوا أثقال الدنيا وراء ظهورهم وفتحوا نوافذ أنفسهم على بساتين الفرح..

وأنا تائه في تأملاتي وأطارد في طيف خيالي الشارد كانت الخرطوم تزاحم ذاكرتي بما كانت عليه أمسياتها في غابر الأيام وكيف نقل لنا أسلافنا صورتَها الزاهيةَ في أيام عزها ومجدها وثراء وجدانها، هذه أشجانٌ لابد أن أفرغ حمولتها مشيا في الشارع الممتد من قوس النصر إلى ساحة الكونكورد وطول هذا الطريق أنا صامت وأتحدث فقط مع ذاتي ..

متوكل الشهير ب(كولا ) شاب مديد القامة ابتعلته المهاجر منذ وقت طويل، التقيته في بلجيكا قبل أن يهاجر إلى فرنسا وانعقدت بيننا صداقة، علم بوجودي من البديري الذي يبدو أنه احتاط لصديقه من الضياع، بكل دفء ود البلد الأصيل خفض لي جناح البشاشة والكرم مع صديق له وسارا بي في ليل باريس الساحر تحت أنوار كاشفة..

06/03/2023

تائه في سهول اللافندر (١)
******************
الشتاء كان قاسيا وطويلا ذاك العام في بلاد الفرنجة.. وعندما أذن بالرحيل وحبست السماء دموعها وبدأت الأشجار تفتش عن ورقها لتستر حالها ، هرع الناس للتحلل من المَخِيط وتحرير أجسادهم المتمردة من الأغطية الثقيلة..

كان الطقس خليطا بين برودة خفيفة ودفءٍ ناعم الأمر الذي أغرى نفسي بغزوة برية من بلاد الشوكلاته بلجيكا إلى عاصمة النور باريس بعد أن سيطر عليَّ شعور أنني ملكت زمام أمري وخبرت دروب تلك الأمكنة..
قلت لصديقي البديري: هذه المرة سأذهب وحدي وأبيتن ليلة في مرابع فولتير لأرى هل مازالت باريس ترش عطرها عند قدوم المساء ويتناجى عشاقها على ضفاف نهر السين ويتجادل مثقفوها في المقاهي حول نظرية الوجودية لجان بول سارتر ؟ على أن أعود أدراجي في اليوم التالي إلى مدينة لوكرن شمالي بروكسل.

قال لي وهو مستلق على أريكة: هذه مدينة تجترح الفرح حتى لو كانت دموعها في مقلتيها ولا تعجزها حيلة في أن تدس الشغف في نفوس زوارها مهما تكررت زياراتهم لها ، فسر وعين الله ترعاك وانتبه لمحفظة النقود ...

سلمني خريطة تحدد مساري ذهابا وإيابا.. هذه المرة الأولى التي أذهب فيها إلي فرنسا عبر القطار ففي السابق كان يجوب بي تلك المناطق بسيارته الفولفو التي عبأ دماغها بأغنيات سودانية كان يحفظها كما لو وضع كلماتها..

وأنت جائل العينين وتلتقط صنوف الجمال المصفوف ونفسك لها ضجيج يأتيك صوت الفنان علي اللحو ( الناعسات عيونن نور جبينن هلّ ) فيخطف روحك ويسرى بها إلى بلاد تلك العيون الناعسة المغسولة بماء النيل فتعيش نشوةً تضاعفها المرائي والمراعي والروابي..ما أروع الشجن السوداني عندما يمتزج بهذه المروج ولفح النسيم المضمخ بأنفاس الزهر ..

كل شي مضى على ما يرام..من مدينةأنتويرب عاصمة الألماس حجزت مقعدا عند النافذة ليوفر لي إطلالة ومشاهد تُجلي بصري وأنا أعبر الريف الفرنسي.. القطار لا تكاد تسمع له صوتا وحديث الركاب مناجاةٌ بين عشاق.. والطيور البيضاء ترسم دوائر في حضن السماء ..

طول الطريق وأنا أحدق في هذا الإبداع الرباني وهذه الطبيعة الحانية، وأضرب كفاً بكفٍ متعجبا لهذا العبور السلس من دولة لأخرى واجتياز الحدود دون تعقيدات العسس ورجال الجمرك.. وحتى لا أقع فريسة للمقاربات والمقارنات نزعت نفسي من تلك التساؤلات حتى لا يَفسد مزاجي ..
وواصلتُ المسير ….

أمي وإن ملأَ المشيبُ عوارضيسأظلُ طفلا عندها أتدَللُ..وتظلُ أمي فوق كلِ مُهمةٍحتى شُموخي عندها يتذللُ*******مهما تجاسرت ا...
24/02/2023

أمي وإن ملأَ المشيبُ عوارضي
سأظلُ طفلا عندها أتدَللُ..
وتظلُ أمي فوق كلِ مُهمةٍ
حتى شُموخي عندها يتذللُ
*******
مهما تجاسرت اللغة وتلونت حروف الأبجدية وبلغت سدرةَ منتهى بلاغتها وقوة سبكِها وحبكِها ونضارة معانيها فهي عاجزة وخجولة أمامها .. ومهما كانت الكلماتُ مصقولةً والعباراتُ مدهونةً فهي في حضرتها غياب..

لا شيءَ يعدل كفتك يا أمي، لأنها الراجحة دوما ولو قابلتها شواهق الجبال.. ولا ضياءَ يمنح روحي إشراقا مثل ضياء قلبك، ولا بريقَ ألمع من ابتسامتك المبذولة بسخاءِ السحاب على الأرض اليباب...

عندما يستبدُ بي الحال وتضيق نفسي أهرب إلى ضفاف عيني أمي سعدية عباس واتعلقُ بكفيها ودموع دعائها وأنفاس رجائها وهي متضرعة لأن الخير ينبتُ من بين أصابعها فيأتي الفرح سريعا.. ورائحة الفرح في عيني أمي زكيةٌ جدا كعطر قلبها..

أمي..كلُ الينابيع تجف إلا ينبوعك فهو لا يعرف النضوب، وكل السحب عابرة إلا سحابتك فهي دائمة الهطول ولاتعرف تعاقب الفصول..وكل الألوان تبهتُ مع مرور الزمن إلا لون حبك فهو يزداد مع الأيام وهجا ونصاعة ولمعانا..

عندما أهجعُ وأغيبُ في عالم المنام تسافر روحي وتهاجر لترقد في محضنها الأول هناك في صدرك الحاني فتأتيني أحلامي زاهيةً مبتهجة وتغرس في قلبي اليقين .. فحضنُ أمي يزرع السكينة ويبدد الخوف والقلق …

منذ أن كنتُ علقةً ثم مضغطةً ربطني بك حبل سري ينقل لي نبض الحياة وحملتيني وهْناً على وهنٍ، وبعد أن خرجت للدنيا ظللتِ تنسجين بصبر الصالحين على ذاك الحبل فيضَ عطفك ومحبتك وكريمَ رعايتك لتشرق وتزهو حياتي..

أمي.. ها أنذا قد كبرتُ ومضتْ بي سنوات العمر لكنني ما زلتُ في عينيك ذلك الطفل الغرير الذي يُناغي في هجعة الليل والناس نيام وأنت تتبسمين وتهدهديه بجميل الأماني بصوتك الحالم الودود..كنتِ تنكرين ذاتك من أجل تكوين ذاتي...

أمي.. عندما أكتب عنك فأنا أجلس في شرفات الجنة لأن الجنة تحت قدميك..أشتم رائحتها وأنعم بطيب أريجها… عندما أكتب عنك فأنا أغسل روحي واتطهر لذاتي…وبحبك أتعشم أن يضئ الله دربي وترتفع راياتي …

دعوات قلبية مُحبةٌ وصادقةٌ أن يطيل الله عمرك ويبارك فيه ويدثرك بثوب الصحة والعافية… ولك علينا دَينٌ أن نكتب عن عظمة قيادتك وأنت تُبحرين بسفينتنا حتى بلغتِ بنا الشواطئ الآمنة …

أمي… شكرا .. لك محبتي وامتناني ..

مشاهدات مونديالية ( الأخيرة)دينٌ مستحق حان وقت رده  *********************** على مدى (28) حلقة من (مشاهدات مونديالية ) هي...
19/12/2022

مشاهدات مونديالية ( الأخيرة)

دينٌ مستحق حان وقت رده
***********************
على مدى (28) حلقة من (مشاهدات مونديالية ) هي أيام مونديال قطر التاريخي، وبعد أن سمعت الصافرة منكم ظللت أركض مع حكام المباريات رغم أن رشاقتي كانت دائما تخذلني.. اتنقل بين المدافعين والمهاجمين واسمع كرير صدورهم.. أجلس خلف الشبكة ومن خلال ثقوبها أنظر في أغوار بعيدة.. أصعد وأهبط المدرجات لاهثا.. وانسرب بين أرتال المشجعين الذين جاءوا من كل فج عميق .. أتماهى أحيانا مع أهازيجهم وأتفرس وجوههم أحايين أُخر ..

أنا لست رياضيا ولا أفهم تفاصيل اللعبة، ولا قدرة لي على فك طلاسمها..لذلك كنت أتحايل وأغافل رجل الخط حتى لا أقع في مصيدة التسلل وابتعد عن الخشونة تجنبا للبطاقة الصفراء وأتحاشى مصادمة الحكم خوفا من رفع البطاقة الحمراء، حاولت التسديد من خارج منطقة الجزاء أفلحتُ مراتٍ وخابتْ بعض رمياتي..

كنت أقف في دائرة السنتر حتى أكشف الملعب، واستدعي التاريخ من خلال الجغرافيا لأزاوج بينهما، وعند خط التماس نقبت في سيرة الرموز والمدن واسقطتها على المستطيل الأخضر ، وأنقل بإيماءة خفيفة من كورنر الملعب بعض طبائع وثقافات شعوب المونديال وأحاول استنطاق تلك الألسن لتتحدث بروح المحبة والتضامن والإنسانية..

هزتني مواقفُ صغيرة وتركت بصماتٍ في نفسي ،لو تيسر لي الأمر سأعيدُ تسجيلها، وتعززت قناعتي أن سكان هذا الكوكب لو تواضعوا على فضيلة الحب لعاش عالمنا في سلام ،وتيقنت أن الرياضة مظلة مثالية لجمع الشتات ورتق الخلاف …

كان صدى تعليقاتكم على ما أكتب بمثابة هتاف المشجعين، وكان دفق مشاعركم مداد كلماتي.. شكرا لكل من قال كلمةً طيبة وأبدى ملاحظة قيمة وتفاعل بصدق ومودة.. شكرا للذين مروا كراما والذين قالوا سلاما والذين شكلوا حضورا دائما ببذل صادق مشاعرهم..

شكرا لكم أحبتي على رفقتكم المحبة والدافئة في رحلة المونديال…
وعلى دروب المحبة نلتقي …

مشاهدات مونديالية (28)ذهب الظمأ وابتلت العروق….كأس الذهب إلى بلاد الفضة ************************ وأطل صباح الثامن عشر من...
18/12/2022

مشاهدات مونديالية (28)

ذهب الظمأ وابتلت العروق….

كأس الذهب إلى بلاد الفضة
************************
وأطل صباح الثامن عشر من ديسمبر بألف وجه للفرح.. والعام يطوي أيامه الأخيرة كأنما أرادت قطر في هذا اليوم أن تحقن شرايين العالم بمحلول السعادة ليكون ترياقا ومناعة للعام الجديد.. كيفما يممت وجهك فهناك ما يسلب الفؤاد ويخلب الألباب..

استيقظت الدوحة مبكرا لأن هذا اليوم استثنائي وتاريخي في مسيرتها فهي تحتفل بيومها الوطني مقرونا بالعرس العالمي ختام منافسات كأس العالم...

عشاق الكرة اللاتيتية يجوبون بأعلامهم الشوارع مرددين أرخنتينا .. أرخنتينا .. يقابلهم محبو الديوك بهتاف إمبابي.. إمبابي.. تقاطرت أرتال المشجعين إلى استاد لوسيل..كل شيء يمضي بانتظام..والمدينة المتمددة على شط الخليج ترقبُ المشهد وهي في نشوة وحبور …

فرنسا دخلت الملعب للدفاع عن لقبها ورئيسها الذي شكل حضورا ألهب حماس فريق بلاده وربما بذل لهم وعدا يسيل له اللعاب لو احتفظوا بالكأس وعادوا بها لقصر الاليزيه.. لكن ( لو ) تفتح عمل الشيطان ..

الأرجنتين التي تعتبر كرة القدم أسلوب حياتها خرجت مدنها للشوارع وكأنها رأت في حلمها أن النصر معقودٌ لها، كانت عينها على فارسها ورافع لواء مجدها ميسي بمساعدة ديماريا أن يخطف لها فوزا يجعل كل مدن الأرجنتين ترقص على إيقاع التانغو ..

بدأت المباراة والتانغو يفرض سيطرة وهيمنةً مطلقة على اللعب في الشوط الأول مع أداء فني رفيع جعل الفرنسيين مجرد أشباح في الميدان ، وجعل المدرب ديشان يبلع ريقه بصعوبة..

السجال الذي حبس الأنفاس كان تجري وقائعه على أوتار أعصاب الجميع .. ساعتان من المتعة اللامتناهية ستُسجلُ أفضلَ مباراةِ ختامٍ في تاريخ كأس العالم.. حدق ميسي في عيون الأرجنتيين عميقا من خلف الشاشات وكأنه يطمئن بيونس إيرس (سآتيكم من الدوحة بالخبر اليقين وكأس الذهب )…

لم يخذلْ ملك عموم قبائل اللاتين شعبه، ارتدى (البِشتْ ) القطري أغلى ما يمكن أن يُهدى، وقاد الأرجنتين بكل الجسارة والمتعة والعزيمة إلى منصة التتويج بطلةً لكأس العالم بعد ستة وثلاثين عاما اشتاقت فيها عيون بلاد الفضة لمعانقة الذهب..

وهكذا تبلغ قطر تمام مجدها وتصل المحطة الأخيرة في رحلة المونديال التاريخي،كانت فيه الدوحة وارفة الظلال،وموطأة الأكناف، يزينها خلق عربي أصيل كرماً وبشاشة. لم يغمضْ لها جفنٌ طوال شهر وهي توزع الابتسامة والطمأنينة وعطر العود على ضيوفها حتى وقعوا في غرامها وباتوا أُسارى عشقها.

قدمت قطر صورة ناصعة ورسالة للعالم فحواها أن هذا الجزء من العالم بمقدوره تقديم الأفضل والأروع تحت راية ومظلة القيم النبيلة وبإمكانه صنع الدهشة في أبهى تجلياتها..

قبِلت تحدي استضافة المونديال.. أشفق عليها البعض، لكنها كما عادتها تصادم الرياح وتبلغ آمنةً الشواطئ.. تفوقت على نفسها وقدمت نسخة أبهرت العالم.. وكأنَّ الفيفا كانت تدرك أن قطر ستُحرج من يأتي بعدها لذلك فَرّقتْ دمَ المونديال القادم بين ثلاث دول.

شكرا قطر على هذا الفيض الجمالي..
شكرا على تنظيم هذا المونديال الاستثنائي..
شكرا على نضارة اللوحة التي علقتها الدوحة بمشاجب الحب على جدار العالم ..

* الزبير نايل

مشاهدات مونديالية (24) الأرجنتين…التشفي في الثأر من الكروات*************************كانت الأرجنتين بؤرة الضوء الوحيدة أم...
14/12/2022

مشاهدات مونديالية (24)
الأرجنتين…
التشفي في الثأر من الكروات
*************************
كانت الأرجنتين بؤرة الضوء الوحيدة أمام عشاق الكرة اللاتينية والمونديال يطوي البساط الأخضر من تحت أقدام كبريات المنتخبات بعد أن طبع في أذهانهم أن هذه أميز نسخة قدمها عبر تاريخه وهنيئا لمن شارك فيها أو كان من بين الحضور ..

كانت الظنون تنهش قلوب هؤلاء العشاق واستبد بهم القلق من أن يخلف المحبوب الميعاد ،، ومبعث القلق أن فريقهم سينازل ذات الفريق الذي كسر شوكة البرازيل وشتت أحلامها في العبور رغم ما للبرازيل من صيت وصولجان ونيمار وحب متدفق في المدرجات،، سيقابل كرواتيا التي غادر منتخبها زغرب بعد أن ترك وصيةً بأن تُطرز المدينة ثيابا جديدة وتُزين شوارعها للفرح القادم إليها من الدوحة..

الأرجنتين صاحت في مدنها واستنفرت شعبها وأعدت العدة والعتاد وسلمت ليونيل ميسي الراية ليقود جيشها في موقعة (لوسيل).. كانت الخطة أن تبدأ الجحافل التوغل من جهة دبروفينك ويبيت الجُندُ ليلة استراحة في جزيرة لوشين قبل الدخول إلي العمق الكرواتي لإحكام الحصار على زغرب حتي ترفع راية الاستسلام مع الحذر من غدر الكروات الذين يجيدون الالتفاف لإيقاع الضربة الخاطفة والموجعة..

في الوقت الذي كانت تشهق بيونس إيرس كانت زغرب في حالة زفير ، وعندما كان قلب روساريو في انبساط كان قلب دبروفينك في حالة انقباض والمباراة تمضي بإيقاع متسارع ، والقائد لوكا يصيح أن أطبقوا على راقصي التانغو وضيقوا عليهم الخناق وسدوا الثغور..

من هناك كان القائد ليونيل ميسي ينشد أشعارَ مجدٍ وحماسة تذكرهم بغزوات ماردوانا وباتستوتا، شدت أعصاب التانغو وبدأ قرع الطبول وتراقصت الأقدام وحمي الوطيس، فكأسُ المجد والذهب على بعد فراسخ معدودات وما النصر إلا صبر ساعة… وهكذا مضى السجال.. هجمة بهجمة..ورمية برمية..والمدرجات تغلي بالهتاف..وميسي يراقص الثعابين .

حشر راقصو التانغو جحافل لوكا في الركن الجنوبي من زغرب واوقعوا بهم هزيمة نكراء وغنموا أسلحتهم وحرموهم من التنقيب في منجم الذهب…وحققوا فوزا جعل برازيليا ترقص هذه المرة التانغو بدل السامبا فقد أخذوا لهم ثأرهم من الكروات، واحتفلت برازيليا مع بيونس إيرس بتنصيب القائد ليونيل ميسي ملكا لعموم قبائل اللاتين …

مشاهدات مونديالية (21)أسود الأطلس ..تعجز اللغة أمامكم  ………….الكتابة اليوم مرهقة وعصية وشاقة وتحتاج إلى مكر ودهاء .. الحر...
10/12/2022

مشاهدات مونديالية (21)

أسود الأطلس ..تعجز اللغة أمامكم
………….
الكتابة اليوم مرهقة وعصية وشاقة وتحتاج إلى مكر ودهاء .. الحروف مهما كانت حضورا فهي في هذا اليوم غياب. و الكلمات مهما كانت جَزْلى فهي مواعين ضيقة على حمل المعاني .. ومهما تجيشت اللغة واحتشدت المضامين لتكتب عن أسود الأطلس فهي عاجزة وحائرة ولن تبلغ بك المرام ..

ثلاثة أسابيع والعرب والأفارقة ينامون على وسائد ريش النعام ويتبسمون وهم يتقلبون في المنام وكل حكاياتهم لأطفالهم عن كيف طعم الحياة عندما تظللها سحائب الفرح وتهب عليها أنسام الفوز والنصر .. تتحدث المدن والقرى والأرياف والنجوع بكل الفخر والإعزاز عن فتية المغرب الذين أحيوا أملا في النفوس التي طال سباتها في كهف الخيبات والانكسارات ..

ثلاثة أسابيع وأسود الأطلس تعود بِطانا بصيدٍ وافر بعد أن نصبت أمام كل دار من المحيط إلى الخليج خيمة للفرح ورسمت الابتسامة على شفاه لو أرادت التبسم كانت تهرب للتاريخ لتجتر منه ذكرى الأمجاد والبطولات ..

جاءوا مع قسمات الفجر كالحلم الجميل، جاءوا بكل إرث وحمولات التاريخ وقطعوا على أنفسهم عهدا ووعدا أن يمضوا بأشواقنا شوطا بعيدا وأن يكونوا المطر على الأرض اليباب ،، جاءوا كالبِشارات الجميلة إلى دوحة العرب ومعهم الأمل والرجاء أن يرفعوا الراية ويشيدوا للمجد صرحا.. من خلفهم دعاء أمهات ملحاح ودموع عشاق أضناهم الشوق واستبدت بهم الأماني، فكانوا في الميعاد.. وفاء بالوعد والعهد ..

نزل فريق البرتغال مزهوا يختال كالطاؤوس وهو ينظر فوق أكتاف اللاعبين لكنه لم يدرِ أن الأسد لن يفرط في عرينه وسيجعلهم طريدة تتخفى بين سيقان الأشجار لأنه سيد الغابة والسهل والجبل …

كانت البرتغال بالنسبة لهم مثل رأس الرجاء الصالح جسرا وهمزة وصل وهم يعبرون مضايق المونديال لبلوغ غاياتهم ورفع راياتهم لترفرف خفاقة بكل معاني البسالة وإرادة الصمود ..

أعادوا أساطيل فاسكو ديغاما وجوقة المستكشفين إلى لشبونة بلا توابل أو ذهب ..كسروا مجاديفهم وفرضوا عليهم العزلة والحسرة ورحلة التوهان، بعد أن ذكروهم بمعركة وادي المخازن…

أسود الأطلس .. كنتم أبطالا .. كنتم فرسانا .. كنتم كل الفرح
مبروك الإنجاز التاريخي …

* الزبير نايل

مشاهدات مونديالية (20)البرازيل … رغم دموع العشاق فالحبُ باقٍ ..**************************عندما يترك الرجال والنساء والأط...
09/12/2022

مشاهدات مونديالية (20)

البرازيل …
رغم دموع العشاق فالحبُ باقٍ ..
**************************
عندما يترك الرجال والنساء والأطفال ما بأيديهم، وتسكن العصافير على الأغصان ويتوقف رفيفُ أجنحة الفراشات ويهدأ مدُ وجزرُ البحر لمتابعة مباراة ٍ في كرة القدم، فأعلم يا رعاك الله أنك في البرازيل.

هؤلاء السحرة الذين فتنوا العالم بعزف أقدامهم ورشاقة حركتهم ولونهم الحِنطي الذي كان نتاج تمازج أعراق وشعوبٍ متعددة، ما نزلوا ساحة ً إلا واصطف الناس بجانبهم باذلين لهم حبا دافقا وإعجابا مذهلا وكأنَّ دمُهم تفرق وتدفق في عروق كل شعوب العالم..

ولأنهم من بلاد الأمازون أرض المياه وغابتها المطيرة والتي تعتبر الرئة التي تتنفس بها الأرض وتنتج معظم الأوكسجين إكسير الحياة للبشرية، فهم يضخون في رئات محبيهم جزءا من تلك الأنفاس الحارة النقية تُبقي الهيام قائما..

ما سر هذا البلد الذي سحر العيون والقلوب، أهي الملاحةُ والوسامة الباذخة لشعبه أم الخضرة اليانعة التي تكسو أرضه أم المياه التي تغطي مساحاته؟ في ظني كل ذلك مجتمعا أنتج لنا هذه اللوحة المسماة البرازيل والتي جعلت ألسنة الناس تتحدث منذ الصباح الباكر عن مباراة البرازيل دون أن يعرفوا حتى الفريق الخصم.

اصفرّت المدرجات وعلا الهتاف وكان الوعد أن تكون الليلة لرقصة السامبا وتبادل أحاديث الغرام بين العشاق لكنّ ريحا هبّت من منخفضات زغرب أحرقت حقول قصب السكر وحطمت معازف راقصي السامبا …

امتلأت مآقي المحبين بالدموع وسالت دمعةٌ على خد حسناء برازيلية ضاعفت أوجاعهم ومع ذلك رددوا سرا " نحن على العهد معكم حباً لا تذروه عواتي الرياح" وردت عليهم فرقة نيمار "لقد خرجنا من المونديال لكنَّ محبتَكم كانت هي التاج والكأس )…



* الزبير نايل

06/12/2022

مشاهدات مونديالية ( ١٨ ) …

ملحمة المشتاق لاختراق الآفاق

بحروف الذهب .. المغرب يكتب مجد العرب ..
****************************
بقوارب عليها راياتٌ حمراء ترفرف بأمجادهم وتتحدث عن بطولاتهم، ومع أشواق الملايين والأكف المتضرعة من المحيط إلى الخليج عبروا الفاصل بين الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي في طريقهم إلى بلاد الأندلس مقتفين أثر القائد الأسطورة طارق بن زياد وكلهم عزمٌ لفتح القلاع واجتياح المدن والتوغل إلى قلب جزيرة إيبيريا لرفع علمهم خفاقا هناك ..

جلس (الركراكي) على أريكة موسى بن نصير يراقب تقدم مفارز أسود الأطلس يشحذ هممهم ويوزع الأوامر للمهاجمين والمدافعين وميسرة الفريق وميمنته وحتي للواقفين في المدرجات الذين أضناهم الشوق للفرح وعربدت بهم أحلام العبور.. كانت مدن المغرب وكل بلاد العرب قد اشتعلت حماسا واصطبغت باللون الأحمر القاني، فاليوم من أيام تاريخها، واليوم من أيام مجدها ، فلقاء المغرب وإسبانيا له طعم ولون ورائحة خاصة، فالتاريخ يلقي بظلاله على الدولتين رغم الماء الممتد بينهما وكان لزاما على الأسود أن تمشط الغابة بجسارتها المعهودة وتأتي بالطريدة حية لاهثة الأنفاس ..

دخل أسود الأطلس الملعب وهتاف يوسف بن تاشفين يتردد في المستطيل الأخضر يلهب حماس اللاعبين والمشجعين في المدرجات، قادوا الهجمات بعد أن نصب الركراكي الملاذات التي تصد نبال الإسبان وتبطل سحر سيطرتهم على الميدان..

الإسبان نزلوا الملعب بعقلية مصارعي الثيران وأمجادهم الكروية لكن لاعبي المغرب قعدوا لهم كل مرصد طوال ساعتين بكل الشراسة والصمود والكبرياء وكانت قلوبهم تردد: النصر أمامنا والقلوب الصادقة وراءنا، ولن نعود من معركة العبور هذه إلا بنصر مؤزر ترتج له جنبات الوطن العربي الكبير ويدخل الفرح حتى في نفوس الأجنة في الأرحام.

كان حارس مرمى أسود الأطلس ( بونو) طودا أشم وجبلا تكسرت عنده نصال الأسبان ، شتت حلمهم وزرع الحنظل في حلوقهم وجعل أنريكي يجلس القرفصاء بحلق ناشف وعيون زائغة لا يدري أهو في حلم أم خيال …

شكرا أسود الأطلس صناع المجد .. كنتم أبطالا .. كنتم فرسانا..كنتم بحجم الأمل والعشم والرجاء…

* الزبير نايل

مشاهدات مونديالية (١٧) …سحرة السامبا وشكيمة الساموراي ***************************تمثلوا روح محارب السامواري وترجموا ما ت...
05/12/2022

مشاهدات مونديالية (١٧) …

سحرة السامبا وشكيمة الساموراي
***************************
تمثلوا روح محارب السامواري وترجموا ما تعلموه في مادة الأخلاق التي درسوها كمقرر مفروض في مدارسهم .. أرواحهم مشرقة وعيونهم أشد التماعاً وذكاءً ولا غروَ فهم أول شعب يكحلُ عينيه بأشعة الشمس وهي خارجةٌ من خِدرها حتى سُميتْ بلادهم ( بلاد الشمس المشرقة ) …

بهذه الخلفية نزل لاعبو المنتخب الياباني الميدان لمجابهة الكروات باسطين روحا سمحة وتكتيكا يُشابه صرامةَ وجودةَ صناعاتهم.. كانت المدرجات تستدعي كل المنجز الياباني وتصفق بحرارة للساموراي الذي امتشق رمحا وصال وجال لساعتين في الميدان أمام الكروات ذوي البنية القوية ولم تفتر له همة ولم تلنْ له عزيمة وأثبت أنه طائر فينيق خرج من تحت ركام هيروشيما وأنقاص ناغازاكي أكثرَ قوةً وجسارة …

انتهى الشوطان بتعادل الكفتين لا غالب أو مغلوب لكن ضربات الترجيح منحت الكروات بطاقة الصعود ليخرج السامواري ولم ينكسر رمحه، وبذات الكبرياء ينحي المدرب مورياسو اعتذارا لشعب اليابان….

بعد ساعتين كانت هناك جلبة، موسيقى صاخبة وضجيج كرنفال ، اشرأبت الأعناق وانحبست الأنفاس وخفقت القلوب.. تساءلت المدرجات ماذا هناك :
صاح فيهم الدليل المونديالي: الحاضر يُبلغ الغائب، السحرة البرازيلييون قادمون بكل دفوفهم وحبالهم وعِصيهم لمقارعة الشمسون الكوري وستكون مباراة الليله داحس والغبراء فالزموا مقاعدكم حتى لا تنالكم سهامهم ..

هناك في ساوباولو وبرازيليا وريو دي جانيرو تناول الناس طعامهم باكرا ودهنوا حناجرهم استعدادا لأهازيج أرادوها حتى طلوع شمس الصباح …

نزل راقصو السامبا إلى المستطيل الأخضر بقيادة المايسترو نيمار وأمامهم الشمسون الذي كان يتمتم بتعاويذ من بوذا تكفُ عنه شر هذا الاعصار الأصفر.. بدأت معازفُ أرجلِ الراقصين في رسم لوحة بطول الميدان وعرضه جعلت الشمسون تائها وضاعت عنه البوصلة …

استطاع السحرة البرازيليون فك شفرة السامسونغ الكوري واختراقه سريعا وبات الطريق سالكا إلى قلب نظام ( الاندوريد) والتحكمَ فيه وارسالَ موسيقي السامبا التي جعلت المدرجات تتمايل، وعشاق الكرة البرازيلية ينامون على أنغامِ سُلمٍ كاد أن يكون سباعيا…

* الزبير نايل

Address

Doha

Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when Alzubair Naiel - الزبير نايل posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Videos

Share


Other Broadcasting & media production in Doha

Show All