18/07/2023
تفاقم معاناة سكان قطاع #غزة جراء انقطاع الكهرباء وموجة الحر
يواجه قطاع غزة العديد من الأزمات المتنوعة، التي تؤثر سلبًا على حياة سكان القطاع، حيثُ يعاني من نقص الخدمات الصحية وتهالك البنية التحتية جراء الحصار والعدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، وتأتي مشكلة الكهرباء من أعقد المشكلات الممتدة منذ عام 2006 وحتى العام 2022. والتي تؤثر تباعًا على كافة القطاعات الخدمية والحياة اليومية لأهالي غزة.
بداية الأزمة
بدأت الأزمة في منتصف عام 2006، حين قصفت دولة الاحتلال محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع في 28 يونيو 2006 مما أدى إلى توقفها عن العمل بشكل كامل، ومنذ ذلك الوقت أصبح القطاع يعاني بشكل مستمر من عجز كبير في الطاقة الكهربائية.
وتم إصلاحها جزئيًا وإعادة العمل بها في عام 2009، من قبل الاتحاد الأوروبي بتمويل تكاليف الوقود اللازم لتشغيل المحطة، حيث ظل يدفع حوالي خمسين مليون شيكل شهريا وهو ما يعادل ثمن 8800 متر مكعب تكفي لإنتاج حوالي 60 إلى 65 ميغاوات. لكن الأمور لم تسر بالشكل المخطط لها وتراجعت المحطة عن الأداء ، ما تسبب في زيادة ساعات فصل الكهرباء خلال عام 2010.
وفي عام 2011 أمدت السلطات المصرية القطاع، بالكهرباء، وفي العام التالي تناقص الوقود المصري، جراء الأحداث الداخلية آنذاك، واعتمدت المحطة على المخزون المتواجد لديها، إلى أن نفذت كمية الوقود وتوقفت المحطة عن العمل بتاريخ 14 فبراير/شباط 2012.
وفي 12 يونيو 2017، اتخذت سلطات الاحتلال قرارًا بتقليص تزويد قطاع غزة بالكهرباء بنسبة 40%، مما فاقم من أزمة الكهرباء وتبعاتها داخل القطاع.
حقائق وأرقام.. انقطاع التيار ما بين 12 -18 ساعة يوميًا
يقدر الطلب على الكهرباء في قطاع غزة بنحو 470 ميغاوط ، يلبى منه في الوقت الحاضر %45 ً فقط تقريبا، فيما جميع المناطق في قطاع غزة جراء قطع الكهرباء المجدول لمدة تتراوح بين 18-12 ساعة في اليوم بينما المناطق المكتظة بالسكان هي الأكثر تضررا.
وتعتمد غزة على شراء الكهرباء من إسرائيل (120 ميغاوط)، ومن مصر (28 ميغاوط)، حيثُ لا يدفع ما يقرب من %70 من الأسر فواتير الكهرباء المستحقة عليهم نظرًا لعدم قدرتهم على تحملها، أو بسبب عدم فرض تحصيلها.
وأنفقت الوكالات الإنسانية والمانحون أكثر من 11 مليون دوالار منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2013 على الوقود في حالات الطوارئ لدعم مقدمي الخدمات الضرورية.
ويجري تزويد أكثر من %70 من الأسر في غزة بالمياه عبر شبكات المياه البلدية لفترة تتراوح بين 8-6 ساعات فقط كل يومين إلى أربعة أيام، وذلك نظرًا لعدم كفاية إمداد الكهرباء لتشغيل محطات مياه الصرف الصحي وخلافه.
كما، يجري تصريف ما يصل إلى 90 مليون لتر من مياه الصرف الصحي المعالجة جزئيا في البحر المتوسط يوميا بسبب نقص الكهرباء والوقود.
أزمة في القطاع الطبي
أثرت أزمة الكهرباء ليس فقط على قطاع المياه وإنما العديد من خدمات البنية التحتية التي تتراجع جراء هذا النقص، على سبيل المثال تكون فترة الانتظار لبعض أنواع العمليات الجراحية في أكبر مستشفى في غزة (مستشفى الشفاء) يمتد لما يصل إلى 18 شهرًا، بسبب الكهرباء، وفقًا لتقرير صادرة عن منظمة الصحة العالمية.
وتضررت بشدة الخدمات الطبية، بما في ذلك الخدمات ذات القدرة على إنقاذ الحياة. وأدت التقلبات المستمرة في إمداد الكهرباء إلى خلل في تشغيل الأجهزة الطبية الحساسة، مثل أجهزة الأشعة وأجهزة المعامل، وأجهزة مراقبة مرضى القلب، وأجهزة التعقيم وحضانات المواليد. مما عرض حياة الغزيين للخطر، وحدوث حالات وفاة كان يمكن تفاديها إذا ما توافرت الكهرباء.
كما اضطرت المستشفيات في ترتيبها للجراحات الطارئة إلى تأجيل الجراحات الاختيارية والتي يمكن أن يكون لها مجموعة من التداعيات الخطيرة على المرضى المتضررين، حتى لو لم تكن مهددة للحياة.
وفي تصريح سابق للناطق باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، أوضح أن الوزارة في غزة اضطرت إلى تقليص خدماتها التشخيصية والمساندة بسبب تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء والنقص الحاد للوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفيات.
وأشارت، إلى أن الوزارة دخلت مرحلة قاسية جراء أزمة الكهرباء والوقود ما اضطرها إلى تشغيل المستوى الثاني من المولدات الكهربائية في المستشفيات وتقليص عدد من الخدمات التشخيصية والمساندة. محذرًا من توقف عمل غرف العمليات والمعامل الطبية وبنوك الدم جراء هذا العجز. بالإضافة إلى أقسام العناية الفائقة والحضانات وتوقف خدمات غسيل الكلى والتي تقدم الخدمة لمئات الغزيين، وأيضًا التطعيمات المحفوظة في الثلاجات؛ إضافة لتأثيرها على أقسام الطوارئ في المستشفيات وحرمان المرضى من الخدمة الصحية الآمنة لهم.
أزمة في المياه النظيفة
امتدت آثار أزمة الكهرباء لقطاع المياه، حيث عدم وجود إمدادات كافية من الكهرباء والوقود اللازم لتشغيل مضخات المياه والآبار، أدى إلى نقص في وفرة المياه، مما دفع أهالي القطاع للاعتماد على مصادر المياه الخاصة التي لا تخضع للرقابة، ومن ثم تكون ذات معايير صحية متدنية. بالإضافة إلى قصور محطات معالجة مياه الصرف الصحي ، ما ترتب عليه ارتفاع مستويات التلوث، حيث أصبحت أجهزة معالجة مياه الصرف الصحي غير قادرة على العمل مما أدى إلى ضخ مياه الصرف الصحي إلى البحر بدون معالجتها. يؤثر ذلك على الحياة اليومية لسكان قطاع غزة، وعلى الوضع الصحي أيضاً، لأن شاطئ البحر هو المتنفس الوحيد لهم. بالإضافة إلى أن هناك خطر مستمر لطفح مياه الصرف الصحي في الشوارع.
وأدى النقص المزمن في الكهرباء على مدى عدة أعوام متتالية إلى تقويض تقديم الخدمات الأساسية، وتقويض سبل كسب العيش والظروف المعيشية الضعيفة أصلاً. حيث تدهور العمل في المنشآت الصناعية والتجارية مما تسبب في مزيد من التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه القطاع، وارتفاع نسب البطالة.
وتتأثر الأعمال الحرة بانقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير، ويضطر العمال إلى العمل في ساعات الليل أحياناً ما يشكل تحدياً كبيراً لهم. بالإضافة إلى أن بعض أرباب العمل يستعيضون عن الآلات التي تعمل بالوقود أو الكهرباء، بالقوة البدنية للعمال لإنجاز العمل
أزمات إنسانية
ويعاني سكان قطاع غزة من هذا الانقطاع الدائم للكهرباء التي لا تأتي خلال اليوم سوى ساعات قليلة محدودة، ليبقى أمام الغزيين ساعات قليلة لا تكفي للقيام بمتطلبات الحياة الأساسية، كالطهو وغسل الأواني والنظافة الشخصية، والمذاكرة، ورفع المياه بالخزانات، وغيرها من مهام الحياة اليومية للمواطن العادي.
وفي الوقت الذي يستخدم فيه الإنسان الروبوت للقيام بمهامه، لا يزال الغزيين يستخدمون الطرق البدائية في أبسط الحقوق المعيشية، كالغسيل والاستحمام، بالإضافة إلى أنه قد يموت حرقًا جراء استخدام الشموع أو الكانون أو أي مصدر بديل عن الكهرباء، أو أن يفقد حياته أو حياة أحباءه داخل المستشفى جراء انقطاع التيار الكهربائي، ومن ثم وجود معضلة لتشغيل الأجهزة الحيوية مثل الحضانات والرعاية المكثفة والعمليات، وأجهزة الغسيل الكلوي وغيرها.
وفي تقرير لصحيفة "the new arab"، رصد عن قرب معاناة الغزيين جراء انقطاع التيار الكهربائي لعدة ساعات متتالية خلال اليوم، قالت السيدة الفلسطينية ميرفت الأدغم، أنها تعاني بشكل يومي من أجل أداء مهامها المنزلية خلال فترة وصل التيار الكهربائي، التي لا تتجاوز أربع ساعات يومياً، بفعل أزمة الكهرباء المتفاقمة في القطاع الساحلي المحاصر.
وشددت، أن حياتها باتت غير مستقرة داخل المنزل بفعل أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، حيث تنتظر لساعات طويلة حتى تصل الكهرباء لتتمكن من أداء المهام المنزلية المتراكمة، وقد باتت غير قادرة على التزام مختلف المتطلبات المنزلية. لافتة إلى أن الحر الشديد مع غياب الكهرباء يسببان أعباءًا إضافية على ربات البيوت.
وساعات وصل التيار باتت غير منتظمة، ما يدفع الأمهات إلى البقاء طوال الوقت على استعداد، والاستيقاظ ليلاً في حال وصلها عند الساعة الثانية والنصف فجراً، أو الساعة السادسة والنصف صباحاً، لاستقبال الكهرباء حال وصلها لأداء المهام المنزلية المعتمدة بالأساس على التيار الكهربائي، مثل الغَسل، كي الملابس، وغير ذلك.
هذا بالإضافة إلى تعارض وصول جدول الماء مع جدول الكهرباء، حيث كانت الأسر الفلسطينية تعتمد على الكهرباء لتعبئة خزانات المياه، وبرمجة تعبئة المياه، مع وصل التيار الكهربائي، إلا أن اختلاف الجداول حال دون ذلك، ما أدى إلى مضاعفة المعاناة.
سوء إدارة
وتطرح أزمة الكهرباء المعقدة داخل القطاع العديد من التساؤلات، على رأسها دور الإدارة الخاطئة للقطاع، والتي فشلت في حل هذه المعضلة طيلة سنوات ممتدة، ولا يدفع ثمن هذا الفشل سوى المواطن الغزي البسيط.
وأثبتت التجربة والوقت أن الجهات المسؤولة عن قطاع الكهرباء، لا تمتلك أية حلول حقيقية للحد من أزمة الكهرباء وفشلت في إدارة هذا القطاع الحيوي والهام لحياة نحو 2 مليون فلسطيني، وقد ترتب على ذلك تدهور خطير في مستوى الخدمات الأساسية.
وفي وقت سابق، حمل المتحدث الرسمي باسم حكومة السلطة الفلسطينية، أطرافًا في حركة حماس المسؤولية عن أزمة الكهرباء في قطاع غزة، موضحًا في بيان أن تلك الأطراف في الحركة قاموا بجباية أموال اشتراكات الكهرباء من الفلسطينيين في غزة منذ عام 2007، دون أن تعيدها إلى الخزينة العامة. بحسب الجزيرة.
وأضاف في بيان صحفي آنذاك، أن الحكومة الفلسطينية وحتى اليوم هي التي تسدد ثمن فاتورة كهرباء قطاع غزة.
مقترحات لحلول والخروج من الأزمة
وفي فبراير من العام الماضية تم توقيع اتفاقية بين شركة «ديلك» الإسرائيلية والحكومة القطرية وآخرين، وتهدف لإنشاء مشروع الكهرباء الجديد لقطاع غزة.
وتشتري كلاً من قطر والسلطة الفلسطينية، بشكل مشترك الغاز لمحطة توليد الطاقة في غزة من حقل (لفيتان) الإسرائيلي، وتمول قطر مد الأنبوب في البحر في الجانب الإسرائيلي، على أن يتولى الاتحاد الأوروبي دفع تكلفة مد الأنبوب من الجدار الحدودي مع إسرائيل وحتى محطة توليد الطاقة في القطاع، في حين ستنتج شركة الكهرباء في غزة الكهرباء من الغاز الذي يورد لها وتبيعه لمستهلكيها في القطاع».
ومن ثم قد يكون أحد الحلول هو زيادة كمية الكهرباء المستوردة من الشركة القطرية الإسرائيلية، ويمكن أيضاَ الاتجاه للتوسع في البنية التحتية للطاقات المتجددة، ومنها الطاقة الشمسية باستخدام الألواح الشمسية التي تعمل بطريقة الخلايا الكهروضوئية. وأشارت "شبكة فلسطين للأنباء" أن عدد لا بأس به من سكان القطاع تعلموا كيفية التعامل مع شح الكهرباء بمساعدة الطاقة الشمسية، إذ أصبح مشهدًا مألوفًا رؤية تلك الألواح في المباني العامة والسكنية والمستخدمة على نطاق واسع في مختلف أنحاء القطاع.
وأشارت الصحيفة إلى أن عدد مواقع مصدر الطاقة الشمسية في القطاع، ارتفع من 591 عام 2015 إلى 3456 عام 2017 New Political Economy, April 2021)). انتشار التصاميم الشمسية واسع ولا يشمل المدن الغزية فحسب، بل أيضًا مخيمات اللاجئين، حوالي 96٪ من الألواح الشمسية نُصبت على أسطح المباني الزراعية أو المساكن.
وتبقى أزمة الكهرباء في غزة، تهدد حياة الغزيين وتهدد لقمة عيشهم والحصول على الكسب الكريم، وسط فشل إداري مزمن، يدفع ثمنه المواطن منذ سنوات على أمل حدوث المعجزة التي لا تأتي.