نشر الحديث الصحيح

نشر الحديث الصحيح Yusuf Tahir Yusuf

01/06/2024

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم ف*جا ورزقه من حيث!

24/05/2024

الخطبة الثالثة والثلاثون

الحياء في الإسلام
خُطب بها في مسجد بدر
في جماد ١٤١٠ ه‍

الحمد لله رب العالمين ، نحمده ميز المسلم بالأخلاق العالية ، وأبعده عن الصفات السافلة ، "ما ءاتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا " ( ٧ سورة الحشر ) " وعبادالرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ..... " ( ٦٣ سورة الفرقان )
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له ؛ شهادة تجعلنا نستحي من الله حق الحياء .
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم ، ومن بهم
اقتدى .
أما بعد ... أيها المسلمون اتقوا الله ، والتزموا أخلاق دينكم ، وتعاليم رسولكم . ومن الأخلاق التي استخفف بها المسلمون ، وبدأ بعضهم يتحلل منها خلق الحياء ، الذي أخبرنا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه شعبة من شعب الإيمان ، ومن لا حياء له لا إيمان له .
هذا الخلق العظيم الذي هو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر " إسناده صحيح
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " لكل دين خلق ، وخلق الإسلام الحياء ، من لا حياء له لادين له " إسناده صحيح.
فكشف العورة يعود إلى النفس ، و ارتكاب المعاصي يعود إلى ضعف الإيمان ، فإذا سقط الحياء من المسلم أصبح يتصرف ويفعل أفعالا بدون رباط يربطه ، حتى أنه يرضى على شرفه وعرضه ، وقد أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " رواه البخاري .
لقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم علامة نفور المؤمن من الرذيلة هو الحياء ؛ لأن الحياء والإيمان قرناء متلازمان كما ورد عن المصطفى .
وقد كشف لنا الرسول المراحل لهذا الهبوط فقال صلى الله عليه وسلم " إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبد نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا ، فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة ، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا ، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة ،فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا ، فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الإسلام " سنن ابن ماجة .
هكذا يرتب النبي صلى الله عليه وسلم أمراض النفوس كيف أن كل مرحلة من مراحل الهبوط تسلم الشخص إلى المرحلة التي بعدها ، وأصل ذلك و سبب ذلك هو تمزيق جلباب الحياء في المسلم فيتحول إلى حيوان مفترس لا يهمه لومة لائم ولا نصيحة ناصح .
وفي هذه الحالة لا يؤتمن على أمانة ، ولا يركن إليه في عمل من أعمال المسلمين ؛ لأنه لا يخجل إذا أكل مال غيره بدون حق ، ولا يستحي أن يسب أعراضهم ، ولا يخاف إن ارتكب منكرا ، بل ربما يتحدث بما يصنع من جرائم .
إن الحياء زينتك وعلامة إيمانك ، فاحرص على أن يكون كلامك مع الناس مهذبا بدون لعن أو شتم أو سباب ، فعن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، و البَذَاءُ من الجفاء ، والجفاء في النار " أخرجه الترمذي وابن ماجه ، وليس الحياء مقصورا على حسن الألفاظ وعلى سمت الأدب ،بل إن الحياء أوسع من ذلك وهو أن نحفظ بطوننا عن الحرام ، وآذاننا عن سماع الحرام ، وأعيننا من النظر إلى الحرام ، وأن نذكر رجوعنا إلى الله ، وقد عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في حديث رواه عبد الله بن مسعود : " استحيوا من الله حق الحياء ، قلنا يا رسول الله : إنا لنستحيي والحمد لله ، قال : ليس ذلك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس ، وما وعى ، وتحفظ البطن ، وما حوى ، ولتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الاخرة على الأولى ، فمن فعل ذلك فقد استحيا يعني : من الله حق الحياء " أخرجه الترمذي.
فالحياء أيها المسلمون شامل في جميع حياة المسلم وأعماله .
وعن عمران بن الحصين أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : " الحياء خير كله " صحيح البخاري و مسلم . وعنه أيضا " الحياء لا يأتي إلا بخير " متفق عليه ، وقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه أشد حياء من العذراء في خدرها ، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه " رواه أحمد .
فإذا ارتكبت الجريمة جهرا وضُحك لها ، وسُخر من الفضيلة وكُشر في وجهها فقد آذنت الحياة الفاضلة بالرحيل .. فاستيقظ .
إن الحياء في النعمة شكر ، وفي المحنة تسليم وصبر ،
وفي القضاء انصاف وعدل ، وفي الطب رحمة وعطف ، وفي المسؤولية شعور و خوف ، ومع الوالدين والأرحام صلة وبر ، ومع الضعفاء والأرامل عطاء ورفق ، ومع الودائع أمانة وحفظ ، وفي الرجال زينة وجمال ، وفي النساء شرف وأخلاق وطهر ، وفي التجارة صدق وسماحة ، وفي الجوار رحمة ومودة وصبر .
والرسول صلى الله عليه وسلم سأل ربه ألا يدركه زمان ينعدم فيه الحياء ، فعن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم لا يدركني زمان _ أو لا تدركوا زمانا _ لا يُتبع فيه العليم ، ولا يُستحيا فيه من الحليم ، قلوبهم قلوب الأعاجم ألسنتهم ألسنة العرب " رواه أحمد . ويقول الله " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " ( ٦٣ سورة الفرقان )
وعندما يغيب الحياء والإيمان تقع المنكرات ، وتكثر الخصومات ، ويجاهر الإنسان بالمحذورات ، ولا يستحي من رب الأرض والسماوات " ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور " ( ٤٠ سورة النور ) " ومن يهنِ الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء " ( ١٨ سورة الحج ) .
وأوحى الله : يا داود اسمع مني والحق أقول : " من لقيني وهو يحبني أدخلته جنتي . يا داود اسمع مني والحق أقول : من لقيني وهو يخاف عذابي لم أعذبه . يا داود اسمع مني والحق أقول : من لقيني وهو مستح من معاصيه أنسيت الحفظة ذنوبه " وعن عائشه رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا عائشة لو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا ، ولو كان البذاء رجلا لكان رجلا سوء "رواه الطبراني .
فإذا فقد الحياء فقد الإيمان ، وإذا فقد الإيمان فقد المسلم الزمام ، وصار معلنا بالظلم ولا يستحي ، ويرتشي ولا يستحي ، ويسرق ولا يستحي ، ويكذب ولا يستحي ، ويمكر بأخيه ولا يستحي ، بل يحلف الأيمان الفاجرة ولا يستحي .
فإذا لم تستح من الخلق أخي المسلم فاستحِ من الله الذي يرانا ، فإن أفضل منازل الحياء أن تستحي من الله ؛ لأننا نأكل من خيره ، ونمشي على أرضه ، ونستظل بسماه ، ونتقلب في نعمائه .
وفي الحديث عن سعيد بن يزيد أبو سلمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي رجلا من صالحي قومك " الألباني و إسناده جيد ورجاله ثقات .
ومن الحياء أن يعترف الإنسان لأصحاب الحقوق بمكانتهم ، فالصغير يجب أن يعرف حق من هو أكبر منه ، والتلميذ يعرف حق من يعلموه ، و الولد يعرف حق والديه ؛ فلا يحق له أن يرفع فوقهما صوته ، ولا يجعل أمامهما خطوه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تواضعوا لمن تَعَلَّمون منه " رواه الطبراني .
وإذا سقطت قشرة الحياء من الوجه فقد دب في الإسلام الضمور .
وعندما نجد المسلم يخجل ويحمر وجهه إذا ارتكب أو بدر منه ما لا يليق فاعلم أنه حي الضمير ، نقي المعدن ، زكي العنصر ، وإذا رأيت الشخص ميت الإحساس ، بليدالشعور ، لا يبالي ما يأخذ أو يترك فهو امرئ لا خير فيه ، وليس له من الحياء ما يردعه عن اقتراف الآثام ، وارتكاب المعاصي ، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما كان الفحش في شيء إلا شانه ، وما كان الحياء في شيء إلا زانه " صححه الألباني .
أما الحياء في الحق والخير، وسؤال العلم ، وقمع الباطل الجريء ، والظالم الغاشم ، فلا يعد من الحياء .
فالجريمة ، والمعصية والمنكر ، والطمع كل هذا يظهر في غياب الحياء والإيمان ،ولا بد إذا غاب الحياء أن يؤدب من لا يستحي ، وأن يوقف عند حده ، فقد جعل الإسلام لكل رذيلة عقوبة سواء أكان زنا أوسرقه أوسكر أو حرابه أو ردة أو بغي .
اللهم إنا نسألك الحياء منك ، والحياء لأجلك ، وصلاح العمل والقبول .
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد ألا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .

01/05/2024

الخطبة الأولى: ـــــــــــ حول الحسد
أحمد اللهَ القويَّ العزيز، الرَّقيبَ الحفيظ، الذي عليه المُعتمد، وإليه المُستند، ومِنه المُستمَدّ، وهو على كل شيء قدير، وأُصلِّي وأُسلِّم على عبده ورسوله محمد، أفضلِ عباده، وأكمل أحبابه، وأخشاهم له، وأعلمهم به، وعلى آله وأصحابه المُقتدين به في كل حالاته، المسارعين إلى نَشر سُننه وأحكامه وأيامه.
أمَّا بعد، أيُّها الناس:
فاتقوا الله ربَّكم حقَّ تقواه، واعملوا ليوم تنكشِف فيه السَّرائِر، وتًظهر فيه مُخبَّآت الصُدور والضَّمائِر، وتدُور فيه على المُجرمين الدَّوائِر، وتُحصَى فيه الصَّغائر والكبائر، وتُنصب فيه موازين الأعمال، وتُنشر الصَّحائِف، فكلُ عبد إلى ما قدَّمه لِنفسه صائر، فآخذٌ كتابه بمينه، وآخذٌ كتابه بشماله، فيا خَيبَة الظالم والفاجِر، ويا سعادة مَن استجاب لله ورسوله.
ثم اعلموا أنَّ الله سبحانه قد أمَركم بالاستعاذة به مِن شَرِّ الحاسد إذا حَسَد، فقال ــ عزَّ مِن قائل ــ في سورة الفَلق: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }.
إذ الحَسَد داءٌ خطير مِن أدواء القلوب يُصِيب النُّفوس، ومرضٌ عُضال يُصاب بِه الغنيُّ والفقير، والواجِد والمحرُوم، والعالِم والجاهل، والوجِيه والمُطيع، والذَّكر والأنثى.
والحاسِد هو: الذي يَكره حُصول نِعمة الله لِغيره، ويُحبُّ إنْ وُجِدَتْ عند المحسُود أنْ تُسلَب مِنه، وإنْ لم تُوجَد أنْ لا تحصل له.
وسواء كانت نِعمة علم ومعرفة، أو نِعمة مال وتجارة وكثْرَة مُشترين، أو نِعمة مَنزِلَةٍ وجَاه بين الناس، أو نِعمة مركب وملبَس، أو نِعمة صحَّة بَدَنٍ وقُوة، أو نِعمة مأكل ومشْرب، أو نِعمة طِيب ولد وزوجة، أو نِعمة أمْن واستقرار، أو نِعمة سُمعة طيِّبة وذِكْرٍ حَسن، أو نِعمة حُسن صورة وجَسَد، أو نِعمة وظيفة جيِّدة ومَنْصِب.
حتى قِيل في شأن الحاسِد: “البخيل يَبخل بماله، والشَّحيح يَبخل بمال غيره، والحسُود أشرُّ مِنهما حيث يَبخل بِنعم الله على عباده”.
فأيُّ وضَاعَة، وأي صَغَار، وأيُّ دَنَاءة، وأيُّ ضَعْف، أنْ يتمكَّن هذا الدَّاء مِن أعماق بعض النُّفوس، بل وتَراه يَظهر في أقوال وأفعال صاحبها، وفي كيده ومَكره، وشرِّه وضرَره، وبيعه وشرائه، وتعامُله وتعاطيه.
ومِن الحَسَد يتولَّدُ الغِّلُّ والحِقد، وتنبَعِث النُّفرة والكراهية، ويحصل البَغْي والعُدوان، والقطيعة والهُجران، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وزجَر، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا )).
والحُسَّاد ــ يا عِباد الله ــ على نوعين:
الأول: يَحسِد ويَكره في قلبه نِعمة الله على غيره، لكنَّه لا يتعرَّض للمحسود بشيء مِن الأذى والتَّعدِّي لا بالقول ولا بالفعل، وإنَّما تجِده مهمومًا مغمومًا يَضيق صدره ذَرْعًا مِن حصول نِعمة الله لغيره بمالٍ أو جَاه ومَكانة أو عِلم وفقه أو وظيفة طيِّبة ومَنْصِب، أو غيرها مِن نِعم الله.
والثاني: يَحسِد ويَكره في قلبه، ومِن شِدَّة أثَر الحَسَد على قلبه تَجده يسعى في أذيَّة مِن يَحسِد، فيُؤذيه بالقول، وربما يَزيد بالفِعل، فتراه يذُمُّ ويغتَاب، ويكذِب ويمكُر، ويَشِي ويتجَسَّس، ويُلقِي التُّهم، ويُعَظِّم الأخطاء، ويَستجمِع الزَّلات ويحفظها ويُعدِّدها، ولا يَقبل المعذِرة والرُّجوع، ويُبَغِّضُ المحسُود إلى الناس بما يستطيع.
بل إنَّ الحَسَد قد يُوقع في شَرٍّ مِن ذلك وأبْشَع وأشْنع وآلَم، فبِسببه قَتل الأخُ أخاه لأبيه وأمِّه، حيث قَتل قابيلُ هابيلَ لمَّا تَقبَّل الله قُربانَه ولم يَتقبَّل مِنه، فكان أوَّل مَن سَنَّ القتل، وأوَّل قاتل في الأرض، وبالحسَد عَقَّ إخوة يوسف أباهم، فوضعوا أخاهُم الصغير الضعيف في الجُبِّ، ثم باعوه لِلسيارة، وفرَّقوا بينَه وبين أبيه فلم يَلْقَه إلا بَعد أنْ أصبح رجلًا ذا سُلطان وجَاه.
والحسد هو أوَّل ذَنْبٍ عُصي اللهُ تعالى بِه في السماء، إذ حسَد إبليسُ آدمَ ـ عليه السلام ـ فامتنع عن أمْر ربِّه له بالسجود لآدم، فخسِر قُرْبَه مِن ربِّه، وخسِر آخرَته، حيث قال: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }.
وهو أوَّل ذَنْبٍ عُصي اللهُ تعالى بِه في الأرض، حيث قَتل أحَدُ ابنَيِّ آدمَ أخاه: { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }.
ويَا لله كم تَوَلَّد بسبب معصية الحَسَد مِن عداوة، وكم حصل بها مِن قطيعة، وكم تفرَّق بها مِن شَمْل، وكم زالت بها مِن أُلْفَةٍ وأُنْس؟.
وقد نُقل عن معاوية ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كُلُّ النَّاسِ أَقْدِرُ عَلَى رِضَاهُ إلَّا حَاسِدَ نِعْمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُرْضِيهِ إلَّا زَوَالُهَا )).
وانتظم هذا أحدُهم فقال:
كُلُّ العَدَاوَاتِ قَدْ تُرْجَى مَوَدَّتُهَا … إلا عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ مِنْ حَسَدِ
وأكثر ما يقع الحَسَد بين أهل الصَّنعة والمِهنة والوظيفة الواحدة، وبين أهل الشَّرف والجاه المُتماثِل، وبين أهل البيوت والمتاجر المُتجاوِرة، وبين أهل السِّنِّ المُتقارِب، والصُّحبة المُتماثلة.
وإنَّما ينشأ الحَسَد مِن العُجْب وحُبِّ الذَّات، فتُسوِّل للحاسِد نفسُه أنَّ المحسود ليس أهلًا لِنعمة الله التي حصلت له مِن جاه أو مال أو عِلم وفقه أو مكانة أو وظيفة أو غيرها، وكفى بهذا معاداة للمُنعِم، وهو الله ــ عزَّ وجلّ ــ، إذ هو مَن قدَّر ذلك وقضاه، وامتنَّ بِه وأنعَم، وله الحِكمة البالغة فيما أعطى وقسَم لعبده مِن خيرٍ وفضل.
والحسد شَرٌّ تُلازمه شُرور العُجْب والاحتقار والكِبْر، وقد جمَع إبليس هذه الشُّرور كلها، فحسَد آدمَ عُجبًا بنفسه، فقال: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }.
ورآه لا يستحق السجود احتقارًا له، فقال: { أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ }.
ثم تكبَّر ولم يَسجُد، ورضي باللَّعنة والخِزي، ويا لِقُبح وشَناعة صفة يكون إبليس إمامًا فيها، ولا يَجنِي منها صاحبها إلا الإثْم والوِزر.
والحَسَد شَرُّه وضرَره حاصل على صاحبه قبْل غيره، لأنَّه يَحرِق بِه نفسَه، فيأكل قلبَه، ويًؤرِّق جَفْنَه، ويَقُضُّ مضْجِعَه، ويَزيد في تَحَسُّرِه أنَّه لا يقدِر أنْ يَمنع نِعمة الله عن مَن يَحسِد، ولا يكون شرًّا على غيره إلا إذا ظهرت آثاره، بأنْ كان قادرًا على الإضرار بالمحسود، أو ساعيًا فيه، ولهذا قال الله تعالى: { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }.
ومعنى: { إِذَا حَسَدَ } أي: إذا أظهر ما في نفسه مِن الحَسَد، وعِمل بمقتضاه، وحمَلَه الحَسَد على إيقاع الشَّر بالمحسود قولًا أو فعلًا، أو بهما جميعًا.
ولله دَرُّ مَن قال:
للهِ دَرُّ الحَسَدِ ما أعْدَلَهْ بَدَأَ بِصَاحِبِهِ فَقَتَلَهْ
ويَدخل في الاستعاذة بالله مِن الحَسَد: العين، فإنَّ العين حقٌّ، كما صَحَّت بذلك السُّنَّة النَّبوية، والإصابة بها لها سببان:
الأول: أنْ ينظر الإنسان إلى الشَّيء نظْرة إعجاب بِه أو استعظام مِن غير دعاء بالبركة، لِمَا ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ )).
والثاني: أنْ ينظُر الإنسان إلى الشَّيء نظْرة حَسَدٍ مِن غير دعاء بالبركة، إذ صحَّ عن أبي سعيد ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ )).
هذا، وأسأل الله أنْ ينفعني وإيَّاكم بِما سمعتم، والحمد لله ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــ
الحمد لله مُسْتوجِبِ الحمد والعبادة، المُتابِع لأهل طاعته إعانتَه وإمدادَه، والصلاة والسلام على نبيِّه وحبيبه محمد خاتَم أنبيائه، وعلى آله وأصحابه أهل الدِّين والإمامة، ومَن اتَّبع هُداه ورَشَادَه.
أما بعد، أيها الناس:
فلقد صحَّ أنَّه قِيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» )).
وصحَّ عن عبد الله بن عمرو ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال لرجل مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (( سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثَلَاثَ مِرَارٍ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ )).
يشير ــ رضي الله عنه ــ إلى خُلوِّ هذا الصحابي وسلامته مِن الغِشِّ والحَسَد والغِلِّ والحِقْد.
أيُّها الناس:
إنَّ للتَّخلُص مِن شُرور الخلق مِن إنْسٍ وجِنٍّ بالحَسَد والعين والمَسِّ طُرُق عِدَّة، فدونَكم بعضها:
أولًا ــ تعليق الإنسان قلبَه بالله ــ جلَّ وعلا ــ، وتفويض أموره إليه، وإقباله عليه، وثقته به في دفعِه ودفاعِه عنه، وبهذا يتحقق توكُّله على الله ربِّه، وقد قال سبحانه مُبَشِّرًا: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }.
أي: كافيه الأمْر الذي توكَّل عليه بِه، ومَن كان الله كافيه وواقيه فليطمأن قلبه، وليسكن خاطره، ولتهدأ فرائصه، وليقوى جأشه، ولا يخشى ويخاف مِن أذى الإنس والجِنّ، ومِن ظُلمهم وعُدوانهم، ومَكرهم وكيدهم، وبَغيهم وتسلُّطِهم.
وثانيًا ــ استعمال الأذكار والأوراد الشَّرعية التي جاءت في القرآن وصحيح السُّنَّة النَّبوية، فيحفظها العبد، ويَتحصَّن بها، ويقولها في أوقاتها ومحالِّها.
ومِن هذه الأوراد:
أذكار الصَّباح والمساء، وأذكار النوم، وأذكار دخول الخَلاء والخروج منه، وأذكار السَّفر، وأذكار نُزول المكان، وأذكار الكَرْب والغَمِّ والحُزن والهَمِّ، وذِكْرُ الله عند دخول البيت، والتَّسمية عند الأكل والشُّرب، وعند كشْف العورة.
وثالثًا ــ إعمَار البيوت بقراءة القرآن وتلاوته، إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ )).
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ))، والبطلة هُمُ: السَّحَرَةُ.اهـ
هذا، وأسأل الله الكريم أنْ يحفظنا مِن بين أيدينا، ومِن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومِن فوقنا، ومِن تحت أرجلنا، وأنْ يجنِّبنا كيد الكائدين، ومَكر الماكرين، اللهم قوِّ إيماننا بك، وزِد في توكلنا عليك، واجعل قلوبنا متعلِّقة بك، اللهم ارفع الضُّرَّ عن المتضرِّرين مِن المسلمين، اللهم ارفع عنهم القتل والاقتتال، وارفع عنهم الخوف والجوع، وارفع عنهم الأمراض والأوبئة، وارفع عنهم التَشَرُّد والتَّفَرُّق، وأعذنا وإيَّاهُم مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
منقول:

01/05/2024

خطبة مكتوبة حول
المشمرون_إلى_الجنة
الخطبة الاولى
الْحَمْدُ للهِ نَوَّرَ بِالْهِدَايَةِ قُلُوبَ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَدَعَاهَا إِلَى طَاعَتِهِ فَأَقْبَلَتْ مُنْقَادَةً، مُحَقِّقَةً وَحْدَانِيَّةَ اللهِ وَانْفِرَادَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تُبَلِّغُ شَاهِدَهَا الْحُسْنَى وَالزِّيَادَةَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَخْصُوصُ بِالْعُلُوِّ وَالسِّيَادَةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَنْصَارِ الدِّينِ وَأَمْدَادِهِ، وَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ إِخْوَةَ الإِيمَانِ، وَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ وَالإِحْسَانِ، عَلَّ اللهَ أَنْ يَكْتُبَ لَكُمُ النَّجَاةَ مِنَ النِّيرَانِ، وَالْفَوْزَ بِأَعَالِي الْجِنَانِ، كَمَا وَعَدَ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: )لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ( [آل عمران:15-17].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ سِلْعَةُ اللهِ الْغَالِيَةُ، يَطْلُبُهَا ذَوُو النُّفُوسِ الأَبِيَّةِ، وَيَسْعَى إِلْيهَا أُولُو الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ، وَالنَّاسُ مَا بَيْنَ مُشَمِّرٍ لَهَا وَمُعْرِضٍ عَنْهَا، فَطُوبَى لِطَالِبِيهَا الْعَامِلِينَ لَهَا، وَيَا خَسَارَةَ مَنْ نَحَّاهَا وَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَلَقَدْ شَمَّرَ لَهَا الْمُخْلِصُونَ، وَسَعَى لَهَا السَّلَفُ الصَّالِحُونَ.
وَإِلَيْكُمْ هَذِهِ الْقَصَصَ الرَّائِعَةَ، وَالأَخْبَارَ الْعَجِيبَةَ، لأُولَئِكَ الأَقْوَامِ الَّذِينَ شَمَّرُوا عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ؛ طَلَباً لِجَنَّةِ الْكَرِيمِ الْجَوَادِ، عَلَّهَا أَنْ تَبْعَثَ فِي نُفُوسِنَا الْهِمَّةَ؛ ابْتِغَاءً لِكَرَامَةِ اللهِ فِي الْجَنَّةِ، فَهَذِهِ امْرَأَةٌ صَابِرَةٌ مُحْتَسِبَةٌ، قَدْ أَثْقَلَ الْمَرَضُ كَاهِلَهَا، وَهَدَّ الْوَهَنُ عَزْمَهَا، لَمْ تَزَلْ رَفِيقَةَ الأَسْقَامِ، صَاحِبَةَ الآلاَمِ، تُقْدِمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْكِي ضَعْفَ الْحَالِ وَقِلَّةَ الْحِيلَةِ، أَلْقَتْ بِهُمُومِهَا إِلَى بَرٍّ رَحِيمٍ، وَشَكَتْ حَالَهَا إِلَى عَطُوفٍ كَرِيمِ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا» [أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ].
إِنَّ هَذِهِ الصَّابِرَةَ تَعْلَمُ أَنَّهَا تُخَاطِبُ خَيْرَ الْبَرِيَّةِ صلى الله عليه وسلم؛ الَّذِي إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ رَدَّدَتْ أَرْجَاؤُهَا تَرْحِيباً وَتَأْمِيناً، فَلَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَضَاءِ حَاجَتِهِا بِإِذْنِ رَبِّهَا إِلاَّ أَنْ تَقُولَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَنِي، لَكِنَّهُ كَانَ خِيَاراً دُونَ خِيَارٍ أَعْظَمَ، وَمَطْلُوباً دُونَ مَطْلُوبٍ أَسْمَى، تَلاَشَتْ أَمَامَهُ كُلُّ الْهُمُومِ، وَتَنَاسَتْ بِذِكْرِهِ كُلَّ الآلاَمِ، إِنَّهَا الْجَنَّةُ، نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: وَمِنْ قَصَصِ الْمُشَمِّرِينَ لِلْجَنَّاتِ، مَا حَصَلَ مِنَ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِىِّ -رضي الله عنه- حيثُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» [رواه مسلم]
إنِّها الْهِمَّةُ العَالِيةُ, والطُّمُوحُ الكبيرُ! بِمُرافَقَةِ الحبيبِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ! فَلِمَ خصَّ النبيُّ السُّجودَ؟ وما السِّرُّ الأعظَمُ فيه من بين سائِرِ العباداتِ؟ قَالَ: مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: مِثْلَ مَا قَالَ لِي: ثَوْبَانُ[رواه مسلم]
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ، تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَنْبَسَةُ: «فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ»، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: «مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ» وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: «مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ» [رواه مسلم]
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ قَصَصِ الْمُشَمِّرِينَ، لِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرَضُونَ: مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةً الْمَسْجِدَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ )لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ( [آل عمران:92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: )لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ( وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ»، فَقَسَمَهَا أَبُوطَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.
وَيَقُولُ وُهَيْبُ بْنُ الْوَرْدِ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَّ يَسْبِقَكَ إِلَى اللهِ أَحَدٌ فَافْعَلْ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ: وَمِنْ أَخْبَارِ الْمُشَمِّرِينَ إِلَى الْجِنَانِ، الْمُتَجَافِينَ عَنْ حَيَاةِ الْغَفْلَةِ وَالْعِصْيَانِ: مَا حَصَلَ مِنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، فَقَدِ اجْتَهَدَ قَبْلَ مَوْتِهِ اجْتِهَاداً شَدِيداً، فَقِيلَ لَهُ: «لَوْ أَمْسَكْتَ أَوْ رَفَقْتَ بِنَفْسِكِ بَعْضَ الرِّفْقِ»، فَقَالَ: «إِنَّ الْخَيْلَ إِذَا أُرْسِلَتْ فَقَارَبَتْ رَأْسَ مَجْرَاهَا أَخْرَجَتْ جَمِيعَ مَا عِنْدَهَا، وَالَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجَلِي أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ»، فَلَمْ يَزَلْ رضي الله عنه عَلَى ذَلِكَ الاجْتِهَادِ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتعَالَى.
وَقِيلَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ y: مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ فَقَالَ: «الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلاَةٍ وَالْمُصْحَفُ فِيمَا بَيْنَهُمَا» [أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ]. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ صَامَ يَوْماً، وَأَحْيَا لَيْلَةً، وَأَعْتَقَ رَقَبَةً.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: إِنِّي لَسْتُ أَرْوِي أَسَاطِيرَ، أَوْ أَحْكِي قَصَصاً مِنْ نَسْجِ الْخَيَالِ، وَلَكِنَّهُ وَاقِعُ قَوْمٍ كَانَتِ الدُّنْيَا بَأَيْدِيهِمْ وَلَمْ تَكُنْ فِي قُلُوبِهِمْ، بَاعُوهَا بِجَنَّةِ الرِّضْوَانِ، وَتَأَهَّبُوا لِلِقَاءِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا( [الأحزاب:٢٣ – ٢٤].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاسْتَعِدُّوا لِلِقَاءِ اللهِ، بِتَوْجِيهِ الْقُلُوبِ لِلدَّارِ الآخِرَةِ، وَالتَّجَافِي عَنِ الأَعْمَالِ الْمُنْكَرَةِ، وَالتَّزَوُّدِ مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ، فَمَصِيرُ هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَى ذَهَابٍ وَزَوَالٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( [البقرة: ٢٨١].
مَعْشَرَ الأَخْيَارِ: إِنَّ أَهْلَ الإِيمَانِ مُتَجَافُونَ عَنِ الاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا، أَخَذَ ذِكْرُ الآخِرَةِ بِمَجَامِعِ قُلُوبِهِمْ، فَتَرَاهُمْ يَسْعَوْنَ إِلَى الْجَنَّةِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَبِكُلِّ وَسِيلَةٍ مُمْكِنَةٍ؛ لأَنَّ الْجَنَّةَ مَحْبُوبَةٌ جَذَّابَةٌ، وَمَعْشُوقَةٌ خَلاَّبَةٌ، تَفَتَّتَتْ فِي حُبِّهَا أَكْبَادٌ، وَأُضْنِيَتْ لأَجْلِهَا أَجْسَادٌ، تَعِبَتْ لِوَصْلِهَا نُفُوسٌ، وَتَطَايَرَتْ مِنْ أَجْلِهَا رُؤُوسٌ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ].
وَهَا هُوَ الْقُرْآنُ يَشْحَذُ الْهِمَمَ، وَيُشَوِّقُ النُّفُوسَ، لِبُلُوغِ كَرَامَةِ اللهِ فِي جَنَّتِهِ، فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: )الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ( [الزخرف:69-73].
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلاَيَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. منقول:

01/05/2024
01/05/2024

: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تبارك وتعالى: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي

01/05/2024

الخطبة حول:(الرحمة والتراحم بين الخلق)
الحمدُ للهِ الذي أَبَانَ لخلقِه الهُدى والسَّداد، وهدى أولياءَه للصِّراطِ المستقيمِ وسَبِيلِ الرَّشَادِ، نحمدُه سبحانه ونشكرُه على ما أَسْبَغَ مِنَ النِّعَمِ وأَعَادَ، ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يَهدي من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد. ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه، أفضل المرسلينَ وأكرم العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلَّمَ تسليماً كثيراً..
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونَفسي بتَقوى الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: لقد سعى ديننا الإسلامي الحنيف، إلى إقامة المجتمع المسلم، الذي ترفرف على جنباته رايات الحب والرحمة، وتظلل سمائه سحائب الخير والمودة والرأفة، يقول تعالى:(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم، كمثل الجسد الواحد، إِذا اشتكى منه عضو، تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)
عباد الله: ومن شمائل الإسلام العليا، ومثله العظمى، التي ربى أتباعه عليها، وأمر بإشاعتها في مجتمعاتهم، خلق الرحمة، وخصلة التراحم بين الخلق، إذ الرحمة كمال بالطبع، يجعل المرء يرق لآلام الآخرين، ويحس أحاسيسهم، ويعايشهم أفراحهم وأحزانهم، ويشاطرهم آمالهم وآلامهم…وتبلد الإحساس يهوي بالإنسان إلى منازل الجماد، حيث يسلبه أفضل ما فيه من العاطفة الجياشة، التي تنضب بالحب والرحمة، والضمير اليقظ المصقول، الذي يفيض رقة وحناناً،وينساب رأفة وامتناناً.
أيها الإخوة والأخوات في الله: الرحمة في معناها السامي، وأفقها العالي، صفة المولى تبارك وتعالى، والرحيم،اسم من أسمائه الحسنى،(الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) وصح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى امرأة في الأسر، ترضع ولدها بلهفة وشوق، فقال لأصحابه: (أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قَالُوا : لا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ : (وَاللَّهِ ، لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِوَلَدِهَا)، الله أكبر، سبحانك ربنا ما أرحمك، ونسألك اللهم رحمتك في الدنيا والآخرة، وأنت أرحم الراحمين.( رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً) وفي الحديث القدسي: أن الله تعالى يقول: (إن رحمتي سبقت غضبي، أو تسبق غضبي) وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (‏جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءاً، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءاً وَاحِداً، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ) وكل ما يرى يا عباد الله بين الناس من تراحم فهو أثر من آثار رحمة الله، التي أودعها في قلوب من شاء من عباده، فأرقهم قلوباً، وألينهم طباعاً، وأهذبهم سلوكاً، أوفرهم حظاً من هذه الرحمة…
أما قساة القلوب، وغلاظ الأكباد، وجامدو الأعين، الوحوش الكاسرة، والذئاب المسعورة، فهم بعيدون عن رحمة الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: (وإنَ أبعد القلوب من الله القلب القاسي)
وهم أهل الشقاء والعياذ بالله، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تُنْزَعُ الرَّحْمَة إلا من شَقِيٍّ) وقد عاب الله سبحانه على أقوام قست قلوبهم، ففسقوا عن أمر الله، وحذر من التشبه بهم، فقال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ، وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)
أيها المؤمنون: لم تعرف أمة من الأمم عبر التأريخ، في سير عظمائها، وتأريخ رجالاتها رجلاً أعظم رحمة ولا أكثر رأفة ولا أشد شفقة من سيد ولد آدم، الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، عليه صلوات الله وسلامه بأبي هو وأمي، وحسبكم ثناء ربه عليه بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رءوفٌ رَّحِيمٌ)، وقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) فهو رحمة أرحم الراحمين سبحانه،( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) حتى لازمته هذه الفضيلة في أحلك المواقف، وأصعب الأزمات، وهل هناك جريمة أكبر من محاولة قتله، ومع ذلك يغلب عليه رفقه، وتأبى نفسه العالية، المعاملة بالمثل، بل يستميح العذر لأعدائه، ويدعوا لهم دعاء الرحيم بأمته، ( اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون) ويوم أن أعزه الله، وأعاده فاتحاً ظافراً منتصراً إلى مكة، قال: (يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟ فردّوا وهم يعلمون خلقه العظيم:ما تفعل إلا خيراً، أخ كريم و ابن أخ كريم. فقال يمنّ عليهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء).وهكذا يعمل أصحاب القلوب الكبيرة، والنفوس الأبيًة، فهم إلى الصفح والعفو أقرب منهم إلى الضغينة والانتقام… كما لم يسجل في تأريخ هذه الأمة ومواقفها في السلم والحرب، مواقف الجبروت والتسلط، والعنف والتشفي،بل لقد نهى الإسلام عن المثلة والغدر، وقتل النساء والصبيان والضعفاء والرهبان، وهذا سر إنتشار هذا الدين، ورفرفة راياته خفاقة في جميع أرجاء المعمور، في فتوحات المسلمين وانتصاراتهم الباهرة… وهكذا يا عباد الله كلما سادت الرحمة أفراد المجتمع، وحياة الأمم، نعمت وأمنت واستقرت،وكلما سلكت مسالك العنف والقسوة والغلظة، عمت الفوضى وانخرق سياج الأمن ، وحصل من الخراب والدمار للبلاد والعباد، والفتن والمحن والتدخلات الخارجية ما لا يعلمه إلا الله،والمستقرئ للتأريخ والمتأمل في الواقع، يتبين له ذلك الأمر بجلاء، ولله الحكمة البالغة في خلقه وكونه، وهو أحكم الحاكمين.
يا أهل الرحمة ويا أمة التراحم، قد لا يدرك المرء أبعاد هذه القضية إلا عند الأزمات والمصائب، وقد لا يشعر بآثارها، إلا عندما تحل به الفواجع والنكبات، فعندما يصاب المسلم بمصيبة، كفقد عزيز لديه من أم أو أب أو ولد أو أخ أو أخت أو قريب، ويحيط به المحبون، هذا يعزي، وذاك يواسي، وثالث يصنع طعاماً، والكل يدعو، والجميع يشاطر الأحزان، فهذا زائر، وذاك يهاتف، وثالث يبرق ويرسل، في مقدمة هؤلاء، ولي أمر رحيم، وعالم مشفق، ومسئول صادق،ومحب صدوق، وقريب ملتاع، كل ذلك يجلي الرحمة بأسمى معانيها، ويؤكد أن المجتمع المسلم، هو مجتمع التراحم بحق وكفى، كما يجلي حكم هذا الدين، ومحاسن هذه الشريعة، وأنها رحمة كلها في السراء والضراء، فينسى المصاب مصابه، وتخفف الرحمة أحزانه، ويدعو للجميع بعظم الأجر والمثوبة،والسلامة من كل سوء ومكروه.
أيها المسلمون: جوانب الرحمة كثيرة، ومجالاتها واسعة، يشترك فيها الجميع، فالراعي الرحيم من يحدب على رعيته، ويسعى في الخير لهم، ويدرأ أسباب الشر عنهم، والعالم الرباني بنشر علمه، والداعية المخلص بحسن أسلوبه، والتاجر الأمين يصدق في تعامله،والموظف الرحيم يجد في وظيفته، وييسر معاملات مراجعيه، وهكذا الأب والأم الحانيان يحسنان تربية أولادهما، وهكذا… وعلامات صدق الرحمة وسلوك سبيل التراحم، كلمة هادفة، وابتسامة حانية، وقلب لين، ودمعة ساخنة، ومعاملة طيبة، وسلوك حسن، وسعي في مصالح الآخرين، وحب للخير لهم، في بعد عن الظنون السيئة، والخصال الذميمة، والكلام القاذع،والنقد اللاذع، وإيذاء الغير قولاً وفعلاً. صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل)، وقال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)
أيها المسلمون: يا أهل الرحمة والتراحم: هناك فئات في المجتمع جديرة بالرحمة أكثر من غيرها، وفي مقدمة هؤلاء الوالدان، لا سيما عند كبر سنيهما أو مرضهما، فهم أجدر الناس برحمة أبنائهم وبرهم بهم، ولكن أين الرحمة من قلوب من لم يأبه بوالديه، ويسعى في عقوقهما، ولا يستغرب هذا في زمن جفت فيه منابع الرحمة عند كثير من الناس إلا من رحم الله، فأهملوا آبائهم وأمهاتهم،بل لم يتورع بعضهم في تركهم في دور الرعاية والعجزة بلا سؤال ولا عناية،نعوذ بالله من الخذلان…ومن الجديرين بالرحمة يا عباد الله ذوو الأرحام والأقارب والجيران، وبين الرحم والرحمة اشتقاق في المبنى، فيجب أن يكون بينهما تلازم في المعنى، ونعوذ بالله من حال من وصلت بهم الأمور، مع أقاربهم وجيرانهم،إلى القطيعة والهجران لأتفه الأسباب… كذلك يا عباد الله يجب أن تسود الرحمة بين الزوجين، قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) كذلك ينبغي الرحمة بالأبناء، ففي الحديث: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَبَّلَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًاً، فَقَالَ الْأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَداً، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ) وفي رواية: (أَوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟)، ولما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم،جعلت عينا رسول الله تذرفان (بالدموع) فقال: أحد الصحابة، وأنت يا رسول الله،(أي تبكي) فقال عليه الصلاة والسلام: (إنها رحمة جعلها الله في قلوب من شاء من عباده).
أيها الأخوة: وممن تنبغي بهم الرحمة، اليتامى، فالإحسان إليهم، وكفالتهم من أزكى القربات، ومما يثير الرحمة ويعالج قسوة القلوب.. في الحديث: (أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال له: إن أردت أن يَلين قلبُك، فأطعم المسكين، وامسح رأسَ اليتيم)
كذلك يا عباد الله:تنبغي الرحمة بالمرضى والمعاقين وذوي العاهات، فهم جديرون بالرحمة والإحسان والزيارة والدعاء.
ومن الفئات الجديرة بالرحمة، فئة الخدم والعمال، وذلك بالرفق بهم، وعدم تكليفهم ما يشق عليهم، وعدم التأخر والمماطلة في إعطائهم حقوقهم ومرتباتهم، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللّه تحْتَ أيْدِيكُمْ. فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مما يأكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِما يَلْبَسُ. ولا تُكَلِّفُوهُمْ ما لا يطيقون، فإنْ كلَّفتموهُمْ فأعِينُوهُمْ).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يشملنا برحمته، وأن يعاملنا بعفوه وكرمه، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، إنه جواد كريم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه،والشكر له على توفيقه وامتنانه،ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشأنه سبحانه،ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله،الداعي إلى سبيل الله ورضوانه،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه،وسلم تسليماً كثيراً..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله وتراحموا فيما بينكم، واعلموا أن من الفئات الجديرة بالرحمة، فئات المدينين والمعسرين، فالرحمة ينبغي أن تشيع بين الناس في معاملاتهم، فينبغي على أهل الثراء والأموال، أن ينظروا أرباب الديون، ولا يكلفوهم ما لا يطيقون، فالمدين إن خرج رأى الناس وهم يطالبونه، فليله ونهاره في هم وغم وبلاء، يقول تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ، وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (ومن أنظر معسراً أو وضع عنه، وقاه الله من فيح جهنم)… عباد الله: ومن الفئات الجديرة بالرحمة فئة العصاة والمذنبين،تنظر إليهم بعين الرحمة والرأفة، بأنهم ضعفوا أمام معاصيهم، وتسلط عليهم الشيطان، فترحمهم بالنصيحة والتوجيه والدعوة إلى الخير والتحذير من الشر والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة، واعلموا عباد الله أن الرحمة أحياناً تقتضي الحزم مع من يستحقه، فالطبيب حينما يعالج المريض، والمريض حينما يكره على الدواء، والطفل عندما يساق إلى المدرسة، كل ذلك عين الرحمة.
فقسا ليزدجروا و من يك راحماً
فليقسُ أحياناً على من يرحم
… نسأل الله تبارك وتعالى أن يرحم المسلمين جميعاً برحمته، وأن يدخلنا في واسع رحمته، وأن يجعلنا من الرحماء الذين يرحمهم رب الأرض والسماء، إنه على كل شيء قدير… اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها أمرنا، وتلمّ بها شعثنا، وترد بها ألفتنا، وتصلح بها ديننا، وتحفظ بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وتزكي بها عملنا، وتبيّض بها وجوهنا، وتلهمنا بها رشدنا، وتعصمنا بها من كل سوء ومكروه.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافتيك، وفجاءة نقمتك، وجميع .
اللهم ف*ج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين…
الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ،وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…
عِبَادَ الْلَّهِ:إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ، فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أكبروالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ منقول هذه الخطبة يجهز غيري:

Adres

Rotterdam

Website

Meldingen

Wees de eerste die het weet en laat ons u een e-mail sturen wanneer نشر الحديث الصحيح nieuws en promoties plaatst. Uw e-mailadres wordt niet voor andere doeleinden gebruikt en u kunt zich op elk gewenst moment afmelden.

Contact

Stuur een bericht naar نشر الحديث الصحيح:

Video's

Delen

Type