25/06/2024
رواية للكاتب
_________________( الحلقة 8)_________________
9
في لحظة من لحظات توقف الزمن هرعت سيارات الإسعاف والإطفاء بصافراتها إلى مكان الحادث. مجمدة وقفت في مكاني أنظر ذاهلة إلى السيارة التي يحاولون إطفاءها، وإلى سوزان التي كان رجال الإسعاف ينقلونها سريعًا إلى إحدى سياراتهم قبل أن تنطلق تلك السيارة تاركة بقية السيارات، في حين كانت مريم ما تزال مستلقية على الأرض تحدق في صدمة كبرى نحو الجثة المحترقة التي كان ينتشلها رجال الإطفاء. لا أتذكر شيئًا بعد تلك اللحظة بعدما فقدت وعيي ووجدت نفسي فيما بعد راقدة على سرير طبي في المستشفى ذاته الذي نقل إليه سوزان والطبيبة وحسان عندما فتحت عيني كانت سوزان تنظر إلي من وراء نافذة زجاجية وبجوارها السيد شاهين نزعت من ذراعي الإبرة الطبية الموصولة بالسائل المغذي وهرولت إلى باب الغرفة، وجدته مغلقا من الخارج، لا أعلم إن كان الرجل قد أعطى أمرًا بحبسي مؤقتا في تلك الغرفة أم ماذا ؟! فعدت إلى الناف الزجاجية ومددت يدي إلى الزجاج ناحية سوزان، وصرخت إليها
- أين يونس ؟!
بكت وهي تمد يدها نحوي لتلامس جانب الزجاج الآخر، قبل أن يقبض السيد شاهين على يدها ويجذبها لتتحرك معه وهي تنظر إلي محاولة التملص منه، ركضتُ نحو باب الغرفة من جديد وجاهدت صارخة كي أفتحه، لم أستطع. ركضتُ إلى نافذة الغرفة المطلة على الشارع أمام المستشفى؛ كانت ثلاث من سيارات الشرطة تصطف في صف واحد أمام البوابة الرئيسية يقف أمامها ضباطها، بعد أقل من دقيقتين خرج السيد شاهين من المستشفى ومعه سوزان، ركبا في إحدى تلك السيارات، وتحركت بهما في الحال، أدركت لحظتها، وأنا أرى السيارة تختفي من أمام بصري مع انعطافها إلى شارع آخر، أنها المرة الأخيرة التي أرى فيها الفتاة. جلست منهارة على الأرض مسندة ظهري إلى الحائط، ترتعش قدماي لا إراديا وأنا أضم ركبتي إلى صدري وأنشج عاليا وأغمغم بشفاه مرتجفة: ماذا دهاني كي أوافق على ما حدث ؟! ظننت أنها مجرد لعبة! لماذا فعلت هذا بي يا يونس ؟ لماذا فعلت هذا بي ؟!».
وبدأت أصرخ عاليا صراخا هستيريا، دلف . إلى طبيب وممرضتان صرخت فيهم كي يبتعدوا عني، أمسكت الممرضتان بذراعي وقيدتاني بقوة، وسرعان ما حقنني الطبيب بحقنة مهدئة وهو يقول بنبرة آسفة:
- إنا لله وإنا إليه راجعون.
نظرت نحوه باكية، قبل أن يصيب رأسي دوار شديد وأفقد وعيي من جديد.
***
فقدت الحياة معناها بالنسبة إلي بعد ذلك اليوم، صارت الأسرة .
المميزة المكونة من خمسة أفراد.. فردا واحدا تعيسا لا يرغب في العيش؛ هو أنا. وفرت لي المستشفى طبيبًا نفسيا مع اليوم السابع من احتجازي، لكنه فشل في إخراجي من قاع الظلام الذي كنت أقبع فيه، وأصررت على عودتي إلى المنزل، قابلت مريم للمرة الأولى بعد الحادث يوم خروجي من المستشفى احتضنتني وقالت إنها آسفة، لم أنطق بشيء، وأكملت طريقي إلى الخارج؛ حيث كان رامي ينتظرني داخل سيارة أجرة، سألني عندما ركبت بجواره:
- كيف حالك اليوم؟
هززت رأسي وقلت كاذبة:
- بخير.
وأردفت:
- شكرًا لأنك جنت، أريد العودة إلى المنزل.
عندما وصلنا إلى عند باب البيت بيتي.. كان كل . ب مقدم شيء كثيبًا، قال رامي وهو يودعني
- ربما أغيب عنك هذه الأيام لظروف الاختبارات النهائية، لكن إن
احتجت إلى شيء هاتفيني على الفور.
هززت رأسي إيجابًا، وودعته.
لم أغادر البيت طوال تلك المدة مطلقا، وتولت خالتي ثريا إمدادي باحتياجات البيت والطعام المطهو صار ليلي نهارًا ونهاري ليلا واحتلت الكوابيس كل لحظة أنامها بالساعات كنت أجلس محدقة إلى صورة أسرتنا، وكلما جال في خاطري صوت أي منهم تساقطت دموعي دون توقف فقدت الرغبة في كل شيء، وفكرت أكثر من مرة في إنهاء حياتي كي أضع حدا لمعاناتي النفسية، لكني كنت أتراجع في اللحظات الأخيرة؛ جُبنا مني لا لسبب آخر، خسر جسدي أكثر من خمسة عشر كيلو جرامًا من وزنه في شهر واحد، وعندما فقدت وعيي ذات مرة في وجود خالتي.. أصرت على الإقامة معي رغما عني، حاولت المسكينة بشتى الطرق إخراجي مما كنت فيه.. لكنها لم تستطع، كان شعوري بالذنب فيما حدث ليونس وشعوري بالبؤس والأسى لفقدانه هو وسوزان يغمران كل خلية من خلايا جسدي. جاءني رامي بعد شهر ونصف من آخر مرة أوصلني فيها إلى البيت، قال وهو يجلس بجواري على أريكة الردهة
- لقد ظهرت النتائج النهائية اليوم، لقد حصلت عليها، سألتحق بالوظيفة الخاصة بالمحميات ما زلت عند وعدي، إن وجدت سوزان في المحمية التي ألتحق بها سأعمل على إعادة اتصالكما.
قلت باكية:
إن صورتها هي
- ويونس لا تفارق خيالي، لم أشعر بهذا الشعور القاسي حتى عندما فقدت أبي وأمي
قال بنبرة حانية
لقد كانا بمنزلة أبنائك منذ اللحظة التي توليت فيها رعايتهما، ستمر هذه الأوقات.
غمغمت باكية:
- أنا السبب.. أنا من وافقت على خطته.
تساءل مندهشا:
أي خطة ؟!
- حكيت له ما حدث، وما خططت له أنا ويونس من أجل إيهام الفتاة بموتنا ومحاولتنا إصابتها؛ لعلها تبتعد عن محمية العاصمة إذا فشلنا في الجانب الأول من الخطة، وأخبرته عن هوية حسان الذي قابلناه في مدخل تلك البناية بحي الأجانب، وعن ذلك الدواء الذي أعطته لنا الطبيبة، وعما حدث يوم توقيع أوراق تسليم سوزان عض على شفتيه ونظر إلي بطرف عينه في صمت، ثم تنهد وقال:
- كما تعلمين، إنّي كثير الكلام بطبعي، لكني في الوقت نفسه لا أجيد كلمات المواساة، إن شعورك بالذنب لن يفيد بشيء، ما مر قد مر، كان يونس صاحب قراره ولست أنت، كان الفتى يعرف بخطر الأمر، وأظن أنه كان يعلم تماما أنه لو هاتفك قبل أن يحقن الفتاة بذلك العقار لرفضت ما أراد فعله مع عدم تجهيزات السائق لسيارته
وأردف:
- من نعمة الله علينا أننا نعتاد الألم مع الوقت، ستنهضين من هذه الكبوة يوما بعد يوم لتعودي إلى حياتك، ومن يدري.. لعل نجاتك من هذا الحادث أيضًا بعدم وجودك معهم كان الحكمة ما.
وتابع ساخرا:
وإن كان هذا لا ينفي أنك أكثر الأشخاص الذين عرفتهم في حياتي سذاجة، تارة توافقين على تعريض حياتك أنت وإخوتك للخطر،
وتارة تحرقين معمل المعهد وتعرضين نفسك لدخول السجن من
أجل اختباراتي.
ابتسمت ابتسامة حزينة للمرة الأولى منذ يوم الحادث، فنظر إلى )
صورة سوزان الموضوعة داخل إطارها على الطاولة، وقال:
- ما زلت عند وعدي، إن قابلتها سأحرص على بقائي حلقة وصل بينكما، إن كان فضل لأحد علي في الوصول إلى تلك الوظيفة فهو لك.. وأنا لن أنسى ذلك أبدا.
أومأت برأسي إيجابا، وشكرته كثيرا. يكفي أنها المرة الأولى منذ عودتي للبيت التي أتحدث فيها وأبوح بكل هذا القدر من الحديث، ووعدته بأن أحاول الخروج من الحيز الضيق الذي أسكنه منذ وفاة يونس ورحيل سوزان
بعد أسبوعين من ذلك اللقاء.. اتخذت أولى الخطوات للتعافي وأجبرت نفسي على الذهاب إلى عيادة أحد الأطباء النفسيين المشهورين في المدينة للمتابعة معه، وبمزيد من البوح الأسبوعي وبعض الأدوية النفسية على مدار أربعة أشهر أخرى. بدأت أخطو كطفل صغير خطوة وراء أخرى للتزحزح صعودًا من ذلك القاع المظلم.
لم أعرف شيئًا عن مريم وزوجها وحسان ومراد بعد ذلك، ولم أحاول أن أعرف، كان يكفيني ما حدث، نعم كانوا هم الرابحين أولا وأخيرا مما صار، لكني كنت في قرارة نفسي أومن بأنني أستحق تلك الخسارة، عرفت من خالتي أيضًا في تلك الآونة أن السيد شاهين رحل عن القرية قبل شهور، بعد أيام من تسليمه سوزان، لم أعط أي انطباع، كانت أولى خطوات تعافي أن أترك كل ما مضى وراء ظهري مثلما كان ينصحني طبيبي النفسي، والذي نصحني أيضًا بالانتقال للعيش في مكان آخر، رفضت تلك الفكرة في البداية، لكني عاودت التفكير فيها بعد أقل من شهرين، وقد كان انتقلت إلى العيش في شقة صغيرة في المنصورة الساحلية على مقربة من كلية الحقوق بعدما بعث بيتنا بكل ما فيه المشتر من القرية، لم آخذ منه سوى ثيابي والصور القديمة التي جمعت عائلتنا، وبمبلغ صغير اشتريت سيارة خاصة مستعملة، لتنتهي بذلك مرحلة في حياتي اسمها قرية الخالدية، وتبدأ مرحلة جديدة كنت أنا بطلتها الوحيدة، لا أسرة، ولا أقارب، ولا أصدقاء حتى، فقد اختفى رامي من حياتي فجأة هو الآخر دون سابق إنذار، لكني وضعت له عذرا في داخلي يتعلق بوظيفته الجديدة الحساسة. فاتتني امتحانات ذلك العام فلم أؤنب نفسي كثيرًا، وعزمت على المضي قدما خلال الأعوام التالية. وواصلت حضوري جلسات المحاكمات مع العام الدراسي الجديد، وإن لم أهتم بتدوين ما يحدث فيها مثلما اعتدت أن أفعل سابقا، كنت أحضر فحسب من أجل استهلاك أكبر قدر من ساعات النهار الطويلة قبل أن أعود إلى شقتي وأستذكر موادي الدراسية إلى أن يغلبني النعاس بفعل الأدوية المهدئة. أحيانًا كنت أفوت تلك الأدوية فتدور في بالي خيالات كثيرة تتعلق بحياة سوزان الحالية، فأترك لمخيلتي العنان لتكون قصصا حالمة تنتهي بلقائنا مجددًا، أو قصصًا أخرى تدور عن طفلي القادمين مستقبلا عندما يُزرعان في رحم إحدى الخلايا الزرقاء تكون هي . صدفة. أخبرت طبيبي النفسي بذلك الأمر، خيرني بأن يعطيني دواء آخر يحفز نومي ليلا أو يتركني ورغبتي إن أردت إكمال تلك الخيالات ما سوزان دامت لا تزعجني، فآثرت أن أكملها.
بعد أحد عشر شهرًا تقريبا من الحادث عثرت صدفة على إعلان المجموعة دعم تنظم اجتماعًا نصف شهري لأسر الخلايا الزرقاء في مقر يتبع وزارة الإنجاب، تجاهلت ذلك الإعلان أكثر من مرة في البداية لكن الفراغ والشيطان اللذين يقبعان في داخلي دفعاني إلى الرغبة في تجربة حضور إحدى تلك الجلسات، ووجدت قدمي تأخذانني إلى مقر تلك المجموعة الواقع في الطابق الأرضي لإحدى بنايات وسط المدينة طلبت مني موظفة الاستقبال هناك اسم الخلية الزرقاء التي أتبعها، قلت:
- سوزان حلمي نوح.
نقرت بإصبعها على الشاشة أمامها، وسألتني وهي تنظر إلى
الشاشة:
- سلمت شهر ديسمبر الماضي؟
قلت:
- نعم.. في آخر أيامه. فابتسمت وأشارت إلي كي أدلف إلى الداخل. لم يكن الحضور كبيرا كما تصورت ثماني حاضرات فقط، جميعهن نساء تماثل أعمارهن عمر أمي إن كانت لا تزال على قيد الحياة، ظننت أني حضرت باكرةً مع ذلك العدد الضئيل، لكن الجلسة بدأت ولم ينضم إلينا أحد آخر، قادت الجلسة أكبر هن سنا؛ سيدة ستينية العمر ينتشر الشيب في شعرها، وتغطي وجهها تجاعيد عميقة حزينة، رحبت بي بحرارة وقالت إن اسمها السيدة
« زهراء»، وسألتني أن أعرف بنفسي، فقلت:
- اسمي ليلى حلمي نوح، أخت الخلية الزرقاء سوزان حلمي نوح. سألتني إن كنت أريد التحدث، فأومأت برأسي نافية في خجل، وآثرت البقاء صامتة لأستمع إليهن.
تحدثت كل واحدة عن قصة ابنتها عدا امرأة خمسينية صهباء الشعر ذات عينين رماديتين، قالت اسمها فحسب؛ السيدة «فريدة»، وظلت صامتة مثلي. تأثرت كثيرًا مع قصة كل امرأة منهن، وإن لاحظت - في الوقت نفسه عدم تأثر البقية مطلقًا من حديث أي متحدثة أخرى، وكأنهن اعتدن تكرار ذلك الحديث في كل جلسة إلى أن فقد معناه. مع انتهاء المتحدثة السادسة من سرد قصتها شعرت أن حضوري إلى ذلك المكان لن يجلب لي إلا مزيدا من البؤس والتعب النفسي، وعندما اختتمت بال السيدة زهراء النقاش قائلة بفخر إنها تواظب على حضور هذه الجلسات
منذ خمسة عشر عاما.. أيقنت مع ذلك الحزن الباقي على وجهها أن آخر مكان لتجاوز أزمة فقدان ابنتك أو أختك ذات الياقة الزرقاء هو ذلك المكان، وقررت داخل نفسي أن تكون هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي أحضر فيها تلك الجلسات.
في الأيام التالية واصلت حياتي الروتينية كما هي دون جديد، الغريب أني وجدت نفسي بعد أسبوعين أعاود الذهاب إلى مقر مجموعة الدعم، لم أتحدث في تلك المرة أيضًا وجلست أستمع إلى القصص ذاتها التي حكينها في المرة الأولى، وظلت السيدة فريدة صامتة هي الأخرى في تلك الجلسة أيضا.
في تلك المرة تجولت في أرجاء المكان بعد انتهاء الجلسة، كانت هناك قاعة جانبية صغيرة مواربة الباب، تُغطي مجموعة من الصور أحد حوائطها بالكامل، دلفت في فضول إلى داخلها واقتربت من ذلك الحائط ووقفت أمام تلك الصور، وجدتها صورا متجاورة لأمهات، وأسفل كل صورة أم صورة ابنتها ذات الرحم، كانت أعمار جميع الفتيات في تلك الصور تتراوح بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة تقريبا، عدا صورة الفتاة المعلقة أسفل صورة السيدة الصامتة فريدة، لم يكن يتجاوز عمرها سبعة أو ثمانية أعوام على أقصى تقدير، أثار ذلك تعجبي بعض الشيء، ثم أجفلت عندما دلفت موظفة الاستقبال إلى الغرفة فجأة،
فاعتذرت قائلة:
- آسفة، لم أعرف أنك هنا.
قلت باسمة:
- لا يهمك.
قالت وهي ترص بعض الكتب في مكتبة زجاجية تلاصق حائطا آخر:
- إن واصلت حضور الجلسات فسأطلب منك صورة لك ولأختك
لتعلق مع هذه الصور.
قلت وأنا أنظر إلى صورة ابنة السيدة فريدة
- سأفكر في هذا الأمر.
وتابعت متسائلة في فضول:
- لماذا لم تضع السيدة فريدة صورة أكبر سنا لابنتها؟
قالت:
- إنها تواظب على حضور الجلسات قبل التحاقي بالوظيفة هنا، وأثارت الصورة نفسها فضولي سابقا مثلك تماما، حتى عرفت أن ابنتها ماتت باعتلال في القلب في سن مبكرة، واستثنتها الجمعية هنا لحضور الجلسات. ضممت شفتي إشفاقا عليها وهززت رأسي آسفة على مصابها، ثم أكملت تجوالي في المكان. بعد بخجل أسبوعين كانت المرة الأولى التي . أتحدث فيها خلال الجلسة، قلت
- اسمي ليلى كما تعرفن، كانت أختي الصغرى خلية زرقاء، وانضمت إلى محميات بنك التخصيب قبل عام تقريبا، توليت رعايتها أربعة أعوام بعد وفاة أبوي في حادث أليم.
كانت النساء ينظرن إلي مترقبات كل كلمة أقولها، وسرعان ما
ارتسمت ملامح التعاطف على وجوههن جميعا عندما تحدثت عما جرى يوم تسليم الفتاة، وعن فقدي أخي وأختي في يوم واحد، إلى أن انتهيت
فرفعت كتفي وقلت والدموع في عيني:
- ما زلت أفتقد الفتاة كثيرًا، وكذلك الفتى بالطبع.
بدأن في مواساتي فشكرتهن، ثم أخذن يحكين قصصهن المكررة
من بعدي.
عندما انتهينا، وكنت في طريقي للمغادرة، أوقفتني السيدة فريدة وسألتني دون مقدمات بصوت هادئ للغاية:
- هل كانت أختك مريضة بمرض قلبي مزمن أم ما الذي سبب لها
تلك الأزمة القلبية التي تحدثت عنها ؟
أجبت بتوجس من سؤالها المفاجئ
- لا أعرف، حدث كل شيء فجأة، واضطر الطبيب المعالج إلى نقلها للمستشفى، ومع وقوع ذلك الحادث وفقداني وعيي بعد موت أخي.. لم أعرف شيئًا عن الفحوصات التي أجرتها هناك.
وأردفت كأني أتذكر:
لكنها لم تشتك من : - مق مماثل. قبل بشيء بواسطة مكتبتك
وهممت بالمغادرة، فقالت:
- الأكسيد وفرين.
توقفت مكاني بصدمة، خاصة أني لم أذكر الجزء المتعلق بذلك
العقار عند سردي قصتي ، وبوجه مضطرب سألتها:
- ماذا ؟!
قالت:
- إنها أعراض عقار الأكسيد وفرين.
قلت:
- عفوا .. لا أفهمك سيدتي.
تجاهلت قولي وسألتني:
- منذ متى سلمت أختك تحديدا؟
حسبت التاريخ في رأسي، وقلت:
منذ عام وبضعة أيام. -
هزت رأسها كأنها تذكرت أني ذكرت موعد تسليمها في أثناء حديثي خلال الجلسة، ثم قالت:
- لا بد أنها محتجزة الآن في محمية جنوب سيناء.
سألتها بتعجب على الفور:
- كيف عرفت؟
قالت:
- لقد عملت في تلك المحمية مدة عام ونصف، وتعودت استقبال الخلايا ذات القلوب المريضة هناك، ستقضي في ذلك المكان
عامين كاملين قبل أن ترحل عنه. من بواسطة وسكتت فجأة كأنها ابتلعت كلامها، فاحمر وجهي سريعا، وسألتها بلهفة:
- هل ما تقولينه سيدتي شيء مؤكد أم مجرد توقع؟
صمتت لوهلة ثم قالت:
- ما دامت شريحة العلامات الحيوية المزروعة في جسدها قد سجلت ذلك الاضطراب الذي أصاب قلبها فسترسل إلى محمية
جنوب سيناء في أثناء فرز الخلايا في محمية العاصمة، مثلما
تنص اتفاقية الخلايا الزرقاء على عدم خضوع أي فتاة مشكوك
في كفاءة قلبها للحمل قبل بقائها عامين تحت الإشراف الطبي
وإعادة تقييم حالتها من جديد.
أصابني الارتباك كليا وأنا أفكر أننا نجحنا في الجزء الخاص بإبعاد سوزان عن محمية العاصمة، وسألت السيدة من جديد
- منذ متى تركت العمل في المحميات سيدتي؟
قالت بنبرة حزينة
- منذ وفاة ابنتي، قبل ثلاثة عشر عاما.
زممت شفتي وقلت بمسحة من خيبة الأمل:
- لا بد أن هناك أمورا كثيرة قد تغيرت خلال هذه المدة الطويلة.
قالت باقتضاب
- لا أعتقد، خاصة في : ذلك الأمر.
- هل كانت ابنتك مريضة قلب حقا ؟
أشاحت لي بيدها كي تنهي حديثنا، وتركتني ومضت مغادرة، فقلتُ مة مكتبتك مستدركة أعتذر سيدتي، أشكرك على كل حال.
- حينما عدت إلى شقتي.. لم يغادر ذهني ما قالته تلك المرأة، وددت لو كان رامي معي فأخبره بما عرفته، ووجدت نفسي أهاتفه، لكن كما هو الحال منذ أشهر، جاءتني الرسالة الصوتية التي تؤكد أن هاتفه مغلق، فكرت للمرة الأولى في الذهاب إلى بيته بعد أسبوع من ذلك الحوار مع السيدة فريدة، كنت أعرف أنه يسكن في الحي الغربي من المدينة، لكني لم أكن أعرف عنوانه فيه تفصيلا، فذهبت إلى معهد العلوم، وسألت موظف الخريجين هناك عن عنوانه مدعية رغبتي في إيصال شيء مهم له، رفض الرجل رفضا قاطعا بحجة عدم وجود أمر رسمي له بذلك، حاولت إيهامه بأهمية الأمر فلم يُجد رجائي معه، خرجت مستاءة من مكتبه، وبينما كنت في طريقي إلى الخارج إذ لمحت «سمر»، زميلة الصف القديمة التي تحدثت للمرة الأولى أمامي في قاعة المحاضرات عن رامي، وقالت إنها تعرفه قبل التحاقهما بالمعهد، فأسرعت إليها، تعجبت من وجودي، أخبرتها عن حاجتي إلى معرفة عنوان رامي الأمر مهم قالت:
- الحي الغربي، منطقة مساكن القضاة، شارع الأئمة، البناية الثالثة.
وأردفت:
- لكن على حد علمي، فالفتى انتقل من المدينة هو وأسرته منذ
صدور قرار تعيينه رسميا.
شكرتها وغادرت، كانت الفتاة محقة، كان البيت موصدا بباب حديدي عندما ذهبت إلى هناك، حتى جيرانهم لم يعرفوا المدينة التي رحلوا شتاب إليها ، وقالت إحداهن:
- مقدم بواسطة استيقظنا ذات صباح فلم نجدهم.
عدت إلى البيت وذهني فاقد تركيزه تماما، وعندما حاولت أن أنام أبي النوم أن ينصاع إلى مطلقا، وبدأ عقلي يكون قصصه الحالمة من جديد
بعدما تركتني طوال الأيام السابقة، وصار نومي منتظما دون مهدئات
فلمتُ نفسي لمواصلة الذهاب إلى جلسات مجموعة الدعم والنبش فيما مضى، لا سيما أن تلك الخيالات ظلت تعمل في رأسي كالمحركات الدائرة
دون توقف.. حتى أصبحت الساعة التاسعة صباحا، فنهضت مستسلمة من سريري وأمسكت بعلبة الأقراص المهدئة كي أتناول قرصا منها،
إلا أنني ما إن أخرجت ذلك القرص حتى سمعت مؤقتي يطلق صافرة إشعار قصيرة، تعجبت من إطلاقه تلك الصافرة في ذلك التوقيت غير الله المعتاد، وتقدمت إليه وأمسكته بيدي لأرى ذلك الإشعار، فجمد جسدي واتسعت حدقتا عيني استغرابا؛ منحني مؤقت آخر فرصة إنجاب فورية، لتصبح عدد فرصي ثلاث فرص
نظرت إلى تاريخ اليوم الرابع عشر من يناير 2337م، ومعه شعرت أن تفكيري قد شُل تماما مما جال فيه، أكمل يونس عامه السادس عشر قبل ساعات....
____________________________________________
يتبع في الحلقة 9 ستجدها هنا 👇
لقراءة الحلقة 7 ستجدها هنا 👇