03/08/2023
نُقطة نِظام ٧٩
تزوَّجيني، أنا آخر نسخة!
خطبَ خالدُ بن صفوانٍ امرأةً فقالَ لها: أنا خالدُ بن صفوان، والحَسَبُ على ما قد علمتِه، وكثرةُ المالِ على ما قد بلغَكِ، وفيّ خِصَالٌ سأُبيُّنها لكِ، فتُقْدِمينَ عليَّ أو تَدَعِينَ!
قالتْ: وما هيَ؟
فقالَ: إنَّ المرأةَ إذا دَنَتْ مني أَملَّتنَي، وإذا تباعدتْ عني أعلّتني، ولا سبيلَ إلى درهمي وديناري، وتأتيني ساعةً من المللِ لو أنَّ رأسي في يديَّ لنبذته!
فقالتْ: قد فهمتُ مقالتَكَ، ووعيتُ ما ذكرتَ، وفيكَ بحمدِ اللهِ خصالٌ لا أرضاها لبناتِ إبليس، فانصرِفْ عنّي!
بالمناسبة، فإنَّ خالد بن صفوان ليس شخصاً بقدر ما هو فكرة، والأفكار لا تموت! وما أكثر الذين هم على شاكلته، يحسبُ أحدهم أنه آخر نسخةٍ على ظهر هذا الكوكب، ويرى نفسه كثيراً على أيّ أحد، وهؤلاء لا ينتمون إلى أي فئةٍ من النّاس، وإنما هم موجودون في كُلِّ فئة!
الغنيُّ منهم يُشعركَ أنه قارون، بيده مفاتيح الكنوز، ويعتقدُ أنّ كل شيء يمكن شراءه، بما في ذلك النّاس!
والمهندسُ منهم يُشعركَ أنه هو الذي بنى الأهرامات، وأقام جنائن بابل المعلقة، وشيّد سور الصين العظيم، وهو يمنُّ على إحداهُنَّ لأنه سيتواضع ويتزوّجها!
والطبيبُ منهم يُشعركَ أنه بقيّة أبقراط وابن سينا على الأرض، وأنّ على المخطوبة أن تسجدَ له!
والأديبُ منهم يُشعركَ أنه آخر ما تبقّى من المتنبي، وأنه أمير الشّعراء الذي لم يُبايع بالإمارة، وأن نثره كنثر الجاحظ أو يزيد، وأنه على من تواضع ورضيَ بها أن تهيم به هيام العامرية بمجنونها، وعزَّةَ بكُثيّرها، وليلى الأخيليّة بتوبة بن الحُميّر، كيف لا وبلاغة الدنيا قد تنازلت وارتبطتْ بها!
حتى أصحاب الشهادات الشّرعية منهم والمشايخ، يُشعرونكَ أنهم البخاريُّ في الحديث، والذّهبيُّ في الجرح والتعديل، وأبو حنيفة في القياس، وربيعة في الرّأي، ومالك في الفقه! وأنه يا لسعد من رضيَ بها فلتة زمانه!
والأدهى والأمرُّ هم أولئك الذين ليس لديهم ما يُفخَرُ به، وينفشون ريشهم كالطواويس، على قولة جدّتي رحمها الله: كُبْرَة ولو على خازوق!
فكانَ الله في عون من كان نصيبها شخصاً يرى نفسه كثيراً عليها!
والحالُ عند الفتيات لا يختلفُ كثيراً عما هو عليه عند الشباب، تضعُ الواحدة شروطاً لا تكاد تتوفر إلا في سيّدنا يوسف!
تريده وسيماً، ومتعلماً، وثرياً، ومتديناً، ورياضياً، وبطلاً أولمبياً، أمه ميتة، وليس لديه أخوات، يكره عماته وخالاته ويحبها وحدها، وشاركَ في فتح مكة، وكان مع محمد الفاتح في حرب القسطنطينة، واشتركَ مع صلاح الدين في فتح بيت المقدس، واستشهد مرّتين!
تواضعوا يرحمكم الله، لا أحد منّا كاملاً ليطلب الكمال، ولا آخر نسخةٍ من جنسه لنقيم له محميّةً!
نعم من حقِّ كل إنسان أن تكون له مواصفات في شريك حياته، ومن حقّه أن يختار صفاتٍ ترضيه فالزواج رحلة عمرٍ وليس مشواراً قصيراً! وإنما المشكلة في هذا الاستعلاء الذي يرى الواحد فيه نفسه فرصة لا تُعوّض! هؤلاء أشخاص بحاجةٍ إلى علاجٍ لا إلى أزواجٍ وزوجات!
أدهم شرقاوي