15/11/2025
"هناك حقيقة أخرى كانت بالتّأكيد ميزة نفسيّة بقدر ما كانت ميزة "إستراتيجيّة" لا تقلّ أهميّة عن الأولى: حنّا بك هو أرثوذوكسي "قحّ" مثل أسلافه.
إنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة، "الوريث المباشر لبيزنطية"، تؤكّد بشكل حازم وعلى الدّوام، أنّها "كنيسة العرب". يشعر أبناء هذه الطّائفة بانتمائهم الكامل إلى العروبة، وبالمودّة تجاه المسلمين، "وانتقلت دون مشكلة من العروبة الثّقافيّة إلى العروبة السّياسيّة" تُضاف إلى ذلك اعتبارات جغرافيّة واجتماعيّة: فالرّوم الأرثوذكس، الّذين غالبًا ما يكونون حضَريّين، هم أقرب إلى السُّنّة، غالبًا من سكّان المُدُن أيضًا، منه إلى الموارنة المسيحيّين مثلهم، والّذين كانوا لفترة طويلة من سكّان الجبال والأرياف… باختصار لقد وُلد حنّا مالك ونشأ في طائفة مُندمجة اجتماعيًّا، تُشارك بقيّة السّوريّين قِيَمَهُم، كما استفاد أيضًا من شبكة الدّعم التّقليديّة الخاصّة بالكنائس الشّرقيّة. وبذلك، فإنّ حنّا بك كان طوال حياته في خدمة الطّائفة الأرثوذكسيّة، وشارك في إدارتها، وحظِيَ بإصغاء البطاركة المُتعاقبين.
بِمُوازاة ذلك، وبشيء من التّكتّم، لكن دون إخفاء أو نكران، انتسب حنّا بك إلى الماسونيّة ، مُتّبعًا والده عبدالله، وقادته مهارته وواقعيّته السّياسيّة إلى أعلى المناصب والدّرجات (رئاسة محفل سوريا، الدّرجة ٣٣، إلخ).
أخيرًا في وقت مُبَكّر جدًّا، كانت بِحَوزته ورقة رابحة أخرى عندما دخل سلك القضاء في عام ١٩٢٥".
جان پول إيرار- نبيل مالك، "باسم الشّعب السّوريّ… مذكرات القاضي حنّا بك مالك (١٩٠٠-١٩٩١) مع الشروح والسياق"، دار النهار، بيروت، ٢٠٢٥، ص ١٧-١٨.
صدرت اليوم عن دار النهار في بيروت مذكرات القاضي حنّا مالك، أحد أبرز رجالات سورية في النصف الأول من القرن العشرين. بقلمه الرشيق يحدثنا حنّا بك عن تاريخ سورية الحديث وعن القضاء السوري في زمن الانتداب ومطلع عهد الاستقلال. جمع الأوراق وحققها نجله البروفيسور نبيل مالك، وزميله البروفيسور جان بول إيرار وكان لي شرف وضع مقدمة هذا الكتاب.