15/12/2023
الجـــزء الثـــاني من
_____________ قصــة الحــب والحــرب ٢ ____________
لمن فاته الجزء الأول فالرابط بأسفل المنشور
اختطاف ليلى العفيفة
بعد الحرب أرسل عمرو بن ذي صهبان ابن أحد ملوك اليمن (جاء ذكره في الجزء الأول) خطيب ليلى إلى لَكيز والدها يستنجزه وعده في أمر ابنته. فلم يرَ بدًّا من إجابة دعواه .
إلا أن خَبر حُسن جمال ليلى وأدبها وأخلاقها الحميدة وشِعرها وعفتها قد ذاع في الإمبراطورية الساسانية [الفارسية] وبلغ خبرها عند أحد أمراء فارس وكان ابناً لكسرى ملك العجم
فقال لحاشيته : ما عسى أن نبلغ منها، والبدوية تفضل الموت على أن يغشاها أعجمي .
فقالوا له : نرغِّبها بالمال ومحاسن الطعام والمشارب والملابس
وفي أحد الأيام نزل لكيز وبعض من معه من ربيعة نواحي من بلاد فارس فكمن الأمير لهم في الطريق وأرسل فرساناً
(وقيل أن من قام بخطفها بعض فرسان قبيلة إياد من عدنان)
أسروا ليلى وسبوها في طريقها وحملوها إلى فارس مُرغَمة.
ثم حاول الزواج بها وراح يعرض عليها عبثاً كل ما يُشتهى ويُستطاب وهددها وتوعدها وعرض عليها جميع المشتهيات والمرغبات وخوّفها بجميع العقوبات، وعاملها بأقسى أنواع التعذيب ليرى وجهها، ولكنها أبت ذلك وامتنعت عليه، وتعففت وتمنَّعت، فلم يزدها الأمر إلا رفضاً وإصراراً وخيرته بين أن يقتلها أو يعيدها إلى قومها، ولما يئس منها أسكنها في موضع، وأجرى عليها الرزق واكتفى منها برؤية قوامها بين حين وحين الظاهر تحت ملابسها، ولما ضيق عليها العجم وضربوها لتقنع بمراد ملكهم, جعلت تستصرخ
(تستغيث) بالبراق وبإخوتها وتهدد بني أنمار وإياد وكانوا وافقوا العجم على سبْيها..
لَيتَ للِبَرّاقِ عَيناً فَتَرى ما أُقاسي مِن بَلاءٍ وَعَنا
يا وائِلًا ويا عُقَيلاً إخوتي يا جُنَيداً ساعِدوني بِالبُكا
عُذِّبَت أُختُكُمُ يا وَيلَكُم بِعذابِ النُكرِ صُبحاً وَمَسا
يَكذِبُ الأَعجَمُ ما يَقرُبُني وَمَعي بَعضُ حِساساتِ الحَيا
قَيِّدوني غَلّلِوني وَاِفعَلوا كُلَّ ما شِئتُم جَميعاً مِن بَلا
فَأَنا كارِهَةٌ بُغيَتُكُم وَمَريرُ المَوتِ عِندي قَد حَلا
أَتَدُلّونَ عَلَينا فارِساً يا بَني أَنمارَ يا أَهلَ الخَنا[الخيانة]
يا إِيادُ خَسِرَت صَفقَتُكُم وَرَمى المَنظَرَ من بَرد العَمى
يا بَني الأَعماصِ إِمّا تَقطَعوا. لِبَني عَدنانَ أَسبابَ الرَجا
فَاِصطِباراً وَعَزاءً حَسَناً كُلُّ نَصرٍ بَعدَ ضُرٍّ يُرتَجى
قُل لِعَدنانٍ فُديتُم شَمِّروا لِبَني الأَعجامِ تَشميرَ الوَحى
وَاِعقِدوا الراياتِ في أَقطارِها. وَاشهَروا البيضَ وَسيروا في الضُحى
يا بَني تَغلِبَ سيروا وَاِنصُروا وَذَروا الغَفلَةَ عَنكُم وَالكَرى
وَاِحذَروا العارَ عَلى أَعقابِكُم وَعَلَيكُم ما بِقيتُم في الوَرى
والتقت ليلى يومًا براعي غنم حول القصر، فاتجهت نحوه، وسألته: هل أنت عربي؟
فأجابها بالموافقة
فقالت له: هل تعرف البراق بن روحان؟
فأجابها: ومن لا يعرفه،
فقالت له: أريدك أن تنقل هذه القصيدة له، وأنشدته قصيدة ليت للبراق ..فأسرع الخطى يريد ديار أهلها، حتى بلغ البراق وأنشده على عجل قصيدة ليلى وما إن أكمل الراعي شعرها حتى وضع البراق رجله في الرِكاب (الرِّكاب بمعنى:حَلْقة من حديد جهتها السُّفلى مفلطحة معلَّقة بالسَّرْج يضع الفارس فيها رِجْلَه)
واعتلى صهوة جواده وبلغ بني ربيعة استنجاد فتاتهم استفزتهم الحمية وخنقتهم العبرة (الشعور بالرغبة في البكاء ومقاومة ذلك الشعور، مما يسبب شعورا بالاختناق الناتج عن مقاومة البكاء...والعبرة هنا هي الدمعة.)،
فحشد البراق بن روحان الفرسان وسار إلى بلاد العجم. فانشد في قومه يحثهم لقتال الفرس:
لم يبق يا ويحكم إلا تلاقيها ومسعر الحرب لاقيها وآتيها
لا تطمعوا بعدها في قومكم مضر من بعد هذا فولوها مواليها
فمن بقي منكم في هذه فله فخر الحياة وإن طالت لياليها
ومن يمت مات معذوراً وكان له حسن الثناء مقيماً إذ ثوى فيها
إن تتركوا وائلاً للحرب يا مضر فسوف يلقاكم ما كان لاقيها
أبلغ بني الفرس عنا حين تبلغهم وحي كهلان أن الجند عافيها
لا بد قومي أن ترقى وقد جهدت صعب المراقي بما تأبى مراقيها
أما إياد فقد جاءت بها بدعاً في ما جنى البعض إذ ما البعض راضيها
وقال أيضاً:
لا فرجن اليوم كـل الـغـمـم من سبيهم في الليل بيض الحرم
صبراً إلى ما ينظرون مقدمـي إني أنا البرَّاق فـوق الأدهـم
لارجعن اليوم ذات الـمـبـسـم بنت لكيز الـوائلـي الأرقـم
وأنشد كذلك:
أمن دون ليلى عوَّقتنا الـعـوائق جنود وقفر ترتعيه النـقـانـق
وعجم وأعراب وأرض سحـيقة وحصن ودور دونها ومغـالـق
وغربها عني لكيز بـجـهـلـه ولما يعقه عنـد ذلـك عـائق
وقلدني مـا لا أطـيق إذا ونـت بنو مضر الحمر الكرام الشقائق
وإني لأرجوهم ولـسـت بـائس وإني بهم يا قوم لا شك واثـق
فمن مبلغ برد الأيادي وقـومـه بأني بثاري لا محـالة لاحـق
واجتمعت لديه قبائل ربيعة بن نزار وأحلافهم لحرب الفرس ولم يزل يكد ويسعى حيناً بالقتال وآخر بالحيلة حتى انتصر عليهم، وخلَّص ليلى من يد مغتصبيها، واستنقذها منهم وأعادها إلى ديار بني ربيعة، فأثنى عليه قومه ثناء جميلاً واستحق أن يفوز بها ليتكلل حبهما العفيف بالزواج.❤️❤️
لكنه فُجِع بقتل أخيه غرسان في ارض الفرس..فقال فيه
بكيت لغرسان وحق لـنـاظـري
بكاء قتيل الفرس إذ كـان نـائيا
بكيت على واري الزناد فتى الوغى
السريع إلى الهيجاء إن كان عاديا
إذا ما علا نهـداً وعـرض ذابـلاً
وقحم بـكـرياً وهـز يمـانـيا
فأصبح مغتـالاً بـأرض قـبـيحة
عليها فتى كالسيف فات المجاريا
وقد أصبح البراق في دار غـربة
وفارق إخوانـاً لـه ومـوالـيا
حليف نوى طاوي حشاً سافح دمـاً
يرجع عبرات يهجن البــواكيــا
بعدما أعاد البراق ليلى وتزوجها تولى رئاسة قومه بني تغلب زمناً طويلاً، وصارت قبائل ربيعة بحسن تدبيره أوسع العرب خيراً لما حازوه من الغنائم ،وتوفي نحو عام ٤٧٩ م وماتت ليلى بعده بأربعة أعوام.............انتهت ✋
_____________________________________________
المصدر 📖 الأعلام للزركلي بتصرف
من قصص الجاهلية "ليلى العفيفة والبرّاق"
للدكتور محمد موسي الشريف
تابعونا مصطفي يس