24/12/2024
كيف وصل العلويين لحكم سوريا رغم أنهم أقلية
نسبة السنة 76% والمسيحيين 10٪ والعلويين 8٪ والإمامية والإسماعيلية وباقي الطوائف 6٪ هذا هو نسب سكان سوريا طائفياً، ورغم أن العلويين أقلية ولكنهم نجحوا بحكم سوريا حكم علني لمدة 53 عاماً، وفي هذا المقال سأقوم بتفسير هذا الأمر تاريخياً وسياسياً ب14 نقطة وهي:
1) في عام 1920م وقعت سوريا تحت الإحتلال الفرنسي، وعندما أرادت فرنسا تشكيل جيش المشرق السوري التابع لها وجدت نفوراً من أهل السنة لثلاث أسباب وهي كرههم للعسكرية نتيجة الأعداد الضخمة من ابنائهم الشهداء خلال إنتسابهم للجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى، وكذلك لأنهم مرفهين إقتصادياً فهم أهل تجارة وصناعة وإقطاع، وكذلك لرفض أغلبهم الإنتماء لجيش يحتل بلدهم.
2) إعتبر الفرنسيون العلويين أفضل طائفة تساعدها بترسيخ إحتلالها ونفوذها وبتقسيم سوريا، حيث أن العلويين يتركزون بمنطقة واحدة وهي شمال غرب سوريا بعكس المسيحيين الموزعين بكافة أنحاء سوريا وهذا يساعد في تكوين دولة خاصة للعلويين، وكذلك إنتسب العلويين بكثرة للجيش الفرنسي نتيجة فقرهم فقد وجدوا في الجيش مكاناً للعمل والحصول على الامتيازات.
3) قام الفرنسيون بتأسيس دولة العلويين في الساحل السوري وتضم محافظة اللاذقية وطرطوس ولكنها فشلت لأنها كانت دولة صغيرة بلا عمق وكذلك لضغوطات السُنة وأهمهم الكتلة الوطنية في سبيل وحدة أراضي سوريا، ومع ذلك قدم عدد من الوجهاء العلويين طلب للإحتلال الفرنسي للبقاء في سوريا ولإستمرار فصل دولة العلويين عن سوريا وكان من بين الموقعين سليمان الأسد جد حافظ الأسد وما زالت هذه الوثيقة موجودة في الخارجية الفرنسية ورقمها 3547 لسنة 1936م
4) كان جيش المشرق الفرنسي في سوريا ذو غالبية علوية ساهمت في دعم الإحتلال فقد كان فيه 10 كتائب مشاة من العلويين وهذه النسبة الساحقة للعلويين إنتقلت للجيش السوري عند تأسيسه عام 1946م حيث تم تفريغ جيش المشرق في الجيش السوري الذي تم تأسيسه بعد الجلاء، وبهذا شكل الضباط والجنود العلويين في الجيش السوري كتلة واحدة وجيش داخل جيش.
5) لم يحلم العلويين بحكم كامل سوريا ولم يتخيلوا أن ينجحوا في ذلك، فقد كان هدف الضباط العلويين أن يؤسسوا دولة العلويين من جديد ولكن بمساحة أكبر عن طريق ضم مدينة حمص ومساحات واسعة من محافظتها وبهذا يصبح لدولتهم عمق، وبتهجير السنة منها ليشكلوا غالبية سكانية.
6) كان الجيش السوري متأثراً بحزبين وهما حزب البعث والحزب القومي الاجتماعي ولهذا إنتمى الضباط العلويين للحزبين ليكونوا الرابحين بكل حال، ولكن بعد مقتل عدنان المالكي عام 1955م واضطهاد الحزب القومي الاجتماعي انتقل كامل الضباط العلويين إلى حزب البعث، وانتقلت قيادة الضباط العلويين من غسان جديد الذي قتل عام 1957م إلى أخيه صلاح جديد.
7) كانت سوريا في فترة 1949-1958م تعاني من عدم الإستقرار السياسي نتيجة كثرة الإنقلابات العسكرية التي يقوم بها الضُباط السُنة ضد بعضهم، وكل ضابط يأتي يقوم بفصل الضباط السنة المنافسين له، وكان هذا في صالح الضباط العلويين الذين أصبحوا يقدموا أنفسهم بصفتهم بيضة القبان التي تؤدي لإنتصار طرف على طرف وفي نفس الوقت لم يعتقد الضباط السُنة بأن هؤلاء الضباط المنتمين لأقلية يشكلون خطراً على منصب الرئاسة أو حتى قيادة الجيش.
8 ) في عام 1958م توحدت مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة وتم حل كافة الأحزاب، ولكن حافظ الضباط العلويين على هيكلية سرية وقاموا بملئ فراغ حزب البعث بعد حله، وهذه الهيكلية تقودها اللجنة العسكرية التي يقودها العلوي صلاح جديد وتضم العلويان حافظ الأسد ومحمد عمران والإسماعيلي عبد الكريم الجندي، وبعد إنفصال سوريا عن مصر عام 1961م إستغلت اللجنة العسكرية وجود نسبة كبيرة من الشعب السوري وضباط الجيش الراغبين في إعادة الوحدة.
9) في شهر 3-1963م ونتيجة تجارة اللجنة العسكرية بالعروبة وبإعادة الوحدة نجحوا في إقناع الضباط الناصريين ومؤيدي الوحدة واهمهم لؤي الأتاسي ومحمد الصوفي وزياد الحريري بالتحالف لعمل إنقلاب يعيد الوحدة، ونجحوا في أخذ الحكم وللاسف بحث الضباط السنة على المناصب وبحث الضباط العلويين على المفاصل، فأخذ لؤي الأتاسي منصب رئيس الجمهورية ومحمد الصوفي منصب وزير الدفاع وزياد الحريري منصب رئيس الأركان، بينما كان الضباط العلويين يملكون ذكاء أكبر فحرصوا على السيطرة على المفاصل، فسيطر صلاح جديد على مكتب شؤون الضباط فنقل وفصل وضم ضباطاً بما يناسب سيطرته، وسيطر حافظ الأسد على السلاح الجوي والمطارات، وسيطر محمد عمران على الجيش البري بحصوله على قيادة اللواء الخامس في حمص واللواء المدرع السبعين.
10) خلال أربعة أشهر نجح العلويين في السيطرة الفعلية على كافة أركان الجيش والدولة، وأثناء إجتماع رئيس سوريا لؤي الأتاسي مع جمال عبد الناصر لتنفيذ وعد إعادة تحقيق الوحدة قام الضباط العلويين في شهر 7-1963م بالقضاء على الضباط الناصريين ومؤيدي إعادة الوحدة، واشترك معهم الضابط السني وزير الداخلية أمين الحافظ والذي أصبح رئيساً ثم قاموا بخلع أمين الحافظ عام 1966م ووضع صلاح جديد الدكتور نور الدين الأتاسي كواجهة لرئاسة سوريا.
11) نجح العلويان صلاح جديد وحافظ الأسد بإقصاء العلوي الثالث محمد عمران، وأصبح حافظ الأسد وزيراً للدفاع، وأخطأ صلاح جديد عندما ترك الجيش ووثق بحافظ الأسد ليمسك الجيش ليتفرغ صلاح جديد لقيادة الدولة والحزب، حيث تواصل حافظ الأسد مع إسرائيل وبريطانيا عارضاً عليهم دعمه للوصول للرئاسة مقابل أن يسلمهم الجولان، وخاصة أن بريطانيا وإسرائيل كانوا سابقا قد دسوا يهو. دي اسمه إيلي كوهين على أنه سوري اسمه كامل ثابت وترقى في المناصب وكاد يصل لرئاسة سوريا لولا انكشاف أمره وإعدامه عام 1965م فعرض عليهم حافظ الأسد أن يحل محل كامل ثابت، وقام بتسليم الجولان لإسرائيل عام 1967م.
12) ونتيجة 3 سنوات من تولي حافظ الأسد لوزارة الدفاع والتي نجح بها في السيطرة الكاملة على الجيش نجح في إعتقال صلاح جديد والرئيس نور الدين الأتاسي عام 1970م ثم تولى الرئاسة عام 1971م، وفي عام 1973م أراد حافظ الأسد أن يسلم دمشق لإسرائيل في سبيل تحقيق حلم العلويين بتأسيس دولة علوية تضم الساحل السوري وحمص ولكن الجيش العراقي منع إتمام الصفقة بتصديه للجيش الإسرائيلي وبعد الحرب وضع الاتحاد السوفييتي خط أحمر أمام إسرائيل بصفتها حليفة لأمريكا.
13) بعد عام 1973م بدأ حافظ الأسد يغير وجهة نظره ووجد بأنه من الممكن أن يحكم العلويين كامل سوريا ولكن فقط بالحديد والنار، ولكن بقي قسم كبير من العلويين رافضين لهذا المبدأ ومؤيدين للدولة العلوية ومنهم الوزير والنائب والشاعر العلوي بدوي الجبل، وبعد وفاة حافظ الأسد عام 2000م، ايد الضابط العلوي غازي كنعان خروج آمن للعلويين بتعيين رئيس سني شكلي وهو عبد الحليم خدام على أن يكون غازي كنعان نائباً له وحاكماً فعلياً ولكن فشلت فكرته، وتم توريث حكم الجمهورية لبشار الأسد.
14) اتضح أن حافظ الأسد كان يدرك أن حكم العلويين لسوريا مسألة وقت ولهذا وضع خطة لتكوين دولة علوية في الساحل وحمص في حال سقوط الحكم في دمشق، فسعى طوال حكمه لزيادة نسبة العلويين داخل حمص وبنى احياء كاملة لهم، وفي عام 2011م اندلعت الثورة السورية وتم طرح فكرة انسحاب كافة الضباط العلويين إلى الساحل وحمص ليشكلوا دولة لهم، وكاد بشار الأسد يوافق على الخطة لولا إقناع المجلس العلوي له بإمكانية قمع الثورة بقواته أو بالإستعانة بروسيا وإيران، فاستمر بقمع الثورة لمدة 13 عاماً أدت إلى فناء قسم كبير من الضباط والجنود العلويين، وعندما وصل الثوار إلى دمشق في 2024/12/08 هرب إلى الساحل لتطبيق خطة دولة العلويين، ولكن 13 عاماً من قتل الضباط العلويين أدت إلى فشل خطة حافظ الأسد البديلة فهرب بشار الأسد إلى روسيا تاركاً جنوده وطائفته وعبيده.
**** المصادر:
1) Religious Demographics of Syria". Association of Religion Data Archives. Retrieved 12 December 2024.
2) Militaria Mai Histoire & Collections, Didier Philippi
3) الوثيقة رقم 3547 بتاريخ 15/6/1936 في وزارة الخارجية الفرنسية
4) كتاب الأسد، باتريك سيل
5) Syria 1945–1986: Politics and Society, Derek hopeood
6) Syria: Revolution from Above, raymond hinnbusch
7) Arab News Agency (1963). Mideast Mirror
*****************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري
*****************