13/02/2024
القناع وسيلة نخفي وراءه وجعنا وألمنا وحطامنا الداخليّ العميق. فالإنسان بطبيعته يخشى الظهور غالبًا بوجهه الحقيقي الذي يعبر عن ألمه وانكساره وتشوهه. أليس هذا من حقّه؟
كثيرون يعيشون معنا وهم ويضعون أقنعة رائعة يخفون وراءها نفوسا عليلة، تعبة، مرهقة، تسعى من خلال أقنعتها أن تتأقلم مع ضغوطات الحياة ومتطلباتها.
الأقنعة ليست بالضرورة شيئًا سلبيًا. إنّها في بعض الأحيان تحمينا من الأذى والجرح وأسئلة الفضوليّين غير الآبهة بمشاعرنا ولا بحالنا. إنّها تشعرنا بالأمان، وبأنّ داخلنا محمي وغير مُعلَن للآخرين. مشكلتها الوحيدة هي أنّه ما إن يختلي أحدنا بنفسه، يخلع قناعه، وينظر في المرآة فيواجه حقيقته القاسية، حقيقة أنّ ما يحمله من أعباء لا يزال موجودًا، وتجاعيد وجهه الكئيب لاتزال في مكانها.
كتب كثيرة، وندوات أكثر، تعالج موضوع الأقنعة، وتدعو إلى نزعها، ومواجهة الحياة، ولا ندري هل كتّاب الكتب أو الذين يحيون هذه الندوات يعيشون حقًّا ما يقولونه، أم إنّهم تجّار أحلام يرتزقون من تجارتهم. فالحياة هنا، في واقعها، تطرح القناع مطلبًا: العامل يلبس قناع الإعجاب لينال رضى صاحب العمل، والمسؤول يلبس قناع الودّ ليكسب تعاطف الناس، وأقنعة الأقارب هي المجاملة، وقناع الزوجة القناعة، وقناع الزوج النفاق... لقد صارت الأقنعة ضرورات لدفع عجلة الحياة.
ولمَ لا! ألا تنتظر، يا عدوّ الأقنعة، أن يقنعك البائع لتشتري؟ ألا تستعملين يا سيّدتي الصريحة كلّ الإمكانيّات المتاحة لكِ كي تبدين جميلة؟ والذين يحيون ندوات ضدّ الأقنعة، ألا يعلّمون في ندوات أخرى فنّ اللبس والكلام من أجل الحصول على وظيفة؟ ألم تكن رائدات الاتيكيت ومعلمو فنون الارتقاء هم من مروجي الأقنعة؟ ألم يصبح نزع القناع تحت شعار: "انظر إلى حميميّتي بدون قناع" على المنصات الالكترونية مصدرًا لكسب المال ولمشاكل كثيرة؟
كلمة قناع مشتقّة من قَنَعَ، أي يرتبط القناع بالإقناع، والإقناع أساس العلاقات الناجحة بين البشر. فنّ كان يدرَّس في أثينا كحكمة للعيش، وكوسيلةٍ لإقناع القضاة في المحاكم، وكسب تعاطف الناس. وكأيّ وسيلة، يمكن استعمالها للشرّ، ولكنّ هذا لا يعني أنّها شرّ. يقول أرسطو: «الإنسان بطبيعته حيوان سياسي». وكلمة سياسيّ بمفهومه تعني شخصًا قادرًا على الإقناع. الأذكياء والنبهاء فقط هم مَن يحسنون استخدامه. قد يبدو كلامي صادمًا، ولكنّه واقعيّ.
«كن كما أنت وتصرّف على طبيعتك» هي الحكمة التي يطرحها أعداء الأقنعة. إنّهم يفترضون أنّ طبيعة الإنسان سليمة. أمّا أنصار الأقنعة، فيرون أنّ طبيعة الإنسان تحتاج إلى تهذيب، وضبط. وتطبّع يُرجى منه أن يغلب الطبع، ويصير طبيعةً ثانية لا تلغي الأولى بل تضبطها وتحسّنها. هذه وظيفة التربية، وهذه وظيفة الدين.
فيا مَن تلوم واضعي الأقنعة، القناع ليس رياءً وكذبًا واغترابًا عن الذات. إن أحسِنَ استعماله صار درعًا قويًّا ضدّ الصدمات، بل وسيلة للتكيّف والتأقلم مع مختلف مواقف الحياة. إنّه وسيلة للتكتيك والسياسة المحنّكة، ودرب الأهداف السامية، وطريقة للتغلّب على مواقف غير مريحة. القناع زينة الفهماء وحكمة الحكماء؛ راحة وقت المحنة، ومخرج وقت الأزمة. جوهره ملاءمة الفكر لروح العصر وتحرّكاته المستمرة السريعة. إنّه يقلل من حدة الصراعات والخلافات، ويفتح لك أفاقًا هائلة للنجاحات.
هذا رأيي. فما هو رأيكم، أطال الله عمركم؟
الأخت بولين ولسن
راهبات قلب يسوع المصريّات