
13/03/2025
شاهدت البارحة الفيلم المغربي (طريق الليسي) الذي يشخص قصة حب عاشها مراهق مع جارته المراهقة في فترة أواسط التسعينات، الجميل في الفيلم ليست قصة الحب بذاتها و إنما نمط العيش الجميل الذي عاشه المغاربة في تلك الفترة.
شخصيا استمتعت بمشهد تجمع النساء في بيت إحدى الجارات و تحضير حلويات العيد و الغياب التام للهواتف الذكية وجلسات المقهى التي يركز فيها كل طرف على ما يحكيه الطرف الآخر ومشهد الاستماع للراديو في سطح البيت و طريقة اللباس البسيطة و الحياء الذي كان يغلب حتى على علاقات الحب المدرسية في تلك الفترة...
عندما انتقلت البطلة رفقة أسرتها للسكن في مدينة أخرى تركت رسالة مكتوبة بخط يدها لحبيبها تحت باب منزله وطلبت منه أن ينساها، هذا الأخير كان من الصعب عليه أن يعثر على مكان سكنها الجديد، و بعد مرور عدة سنوات استطاع أن يقابلها من جديد و يخبرها بأنه مازال يحبها.. حتى الحب كان خاتر وثقيل وتايطيب بالمهل..
في فترة التسعينيات كان المغرب يعيش وضعا اقتصاديا صعبا وصفه الملك الراحل الحسن الثاني ب (السكتة القلبية) لكن المغاربة لم يتأثروا نفسيا بهذا الأمر، كنا نعيش اليوم بيومه و نستمتع بكل لحظات الحياة بحلوها و مرها و الفضل في ذلك يعود إلى شح المعلومات و الأخبار..نعم كان أغلب المغاربة وقتها يتمتعون بصفاء ذهني رائع لأن جل الأخبار التي كانوا يستهلكونها كانت لا تخرج عن إطار الاستقبلات الملكية لزعماء الدول و أسبوع الفرس واستعدادات المنتخب المغربي لنهائيات كأس العالم و إعدام الحاج ثابت..
الناس لم تكن وقتها تستهلك مليون معلومة و خبر في اليوم يبتدعها أشخاص تافهون في التيكتوك و الانستغرام والفايسبوك..
لم تكن للمغاربة وقتها أي إمكانية للاطلاع على الروتين اليومي لأشخاص آخرين وقصص نجاح المليونيرات و المليارديرات، و أقصى مستويات فضولهم كانت تقف في حدود معرفة حجم قرون كبش العيد الذي اشتراه جارهم .
المغاربة وقتها كانوا يعيشون تفاصيل حاضرهم لحظة بلحظة ويستحضرون ماضيهم بإيجابية ولا يأبهون بتفاصيل مستقبلهم لأنهم كانوا لا يتابعون فيديوهات ليلى عبد اللطيف التي تتنبأ يوميا بزلزال قوي في اسبانيا و بأزمة اقتصادية في كينيا وبسقوط نظام في دولة عربية وباقتراب حرب عالمية نووية..
في فترة التسعينيات كان من النادر جدا أن تسمع مغربيا مصابا بالاكتئاب، أما الآن فالاكتئاب والسلبية والحقد صارت للأسف هي السمات الغالبة على نفسية المواطن المغربي والسبب في ذلك هو استهلاكه المفرط جدا لكل الأخبار والجرائم (المحلية و العالمية) وتأثره بجميع الأحداث واطلاعه على أدق تفاصيل حياة الآخرين وتعمقه المبالغ فيه في المستقبل...
لي دارها الله هي لي تكون..