بوكاســــــت كاتِـــــــــب

بوكاســــــت كاتِـــــــــب Contact information, map and directions, contact form, opening hours, services, ratings, photos, videos and announcements from بوكاســــــت كاتِـــــــــب, Podcast, Dubai.

27/01/2025

"إشكالية المبادرات الفردية في إعلان حكومات المنفى: قراءة في تجربة حكومة قبري بهدوراي في المنفي

في ظل تعقيدات المشهد السياسي الارتري واستمرار النظام الديكتاتوري في إحكام قبضته القمعية التي تستنزف موارد الشعب وتقضي على آمال التغيير تبرز فكرة حكومة المنفى كخيار سياسي يحمل في طياته أبعاداً استراتيجية ذات طابع رمزي وعملي.
خطوة تتطلب قراءة دقيقة للواقع واستشرافاً واعياً للمستقبل حيث تكمن فيها إمكانات لإعادة صياغة المشهد السياسي الوطني إذا ما أُديرت بحنكة ووضعت ضمن إطار استراتيجي شامل. ومع ذلك فإن المضي نحو هذا الخيار يواجه جملة من التحديات السياسية والقانونية والدستورية التي تستوجب معالجة دقيقة لتفادي الإخفاقات التي أحبطت المحاولات السابقة ولتحقيق هدف استعادة الوطن من براثن الاستبداد.

أهمية حكومة المنفى والتحديات الجوهرية:
الحاجة لتشكيل حكومة منفى تنبع من ضرورة ملحّة لتوحيد صفوف المعارضة وخلق مركز سياسي يجسّد إرادة التغيير ويوجه رسائل قوية إلى الداخل والخارج بأن هناك بديلاً سياسياً يمكن الوثوق به.
ولكن هذه الضرورة تصطدم بتحديات جوهرية أبرزها الخوف من أن تصبح الحكومة المقترحة سبباً اضافياً جديداً لتفاقم الخلافات السياسية بين قوى المعارضة أو أن تُستخدم كذريعة إضافية لتبرير استمرار النظام القمعي وهو ما يتطلب من المعارضة الإرترية مقاربة حذرة ومبنية على توافق وطني شامل.
تشكيل حكومة في المنفى لا يقتصر على إعلان سياسي رمزي كما هو حاصل لحكومة "قبري بهدوراي" التي أُعلن عنها في وقت سابق بل يتطلب مراعاة محددات دستورية وسياسية معقدة. أولى هذه المحددات هو فهم السياق السياسي والأمني للوضع الداخلي في إرتريا حيث يشكل غياب الدستور والإطار التشريعي أزمة كبيرة تقوض أي محاولة لتأسيس سلطة انتقالية. في هذا السياق تصبح الأولوية لتحديد الإطار السياسي والقانوني الذي يحكم تشكيل الحكومة أمر ضروري ومهم مع دراسة الخيارات المتاحة ومعرفة مدى قابليتها للتطبيق على أرض الواقع دون الوقوع في فخ الطوباوية السياسية أو الأفكار المثالية التي تكون مجرد نظريات تفتقر إلى التطبيق العملي.

مبادرات فردية وإشكاليات الشرعية:
لم تكن مبادرة "قبري بهدوراي" الذي أعلن نفسه رئيسًا للحكومة الإرترية في المنفى هي الأولى من نوعها فقد سبقتها مبادرات عديدة منها إعلان البروفيسور برخت هبت سلاسي الذي حاول أن يقدم نفسه كبديل للنظام مستندًا إلى خبرته في صياغة دستور البلاد إلا أن مشروعه لم ينجح بسبب غياب الدعم السياسي والتنظيم المؤسسي. كذلك جاءت مبادرة تلابايرو وجوهر قاضي لكنها افتقرت أيضًا إلى التوافق مع القوى السياسية الأخرى، مما أدى إلى تلاشيها بسرعة.
مبادرة يونس عبده لم تكن أفضل حالًا حيث ظلت مجرد فكرة فردية دون أن تتحول إلى حركة سياسية منظمة. حتى إعلان عبد الكريم عمر ناصر، ابن الشهيد عمر ناصر، عن حكومة انتقالية من لندن لم يجد طريقه إلى النجاح إذ لم يحظَ بالدعم الشعبي أو السياسي الكافي ليؤسس لمرحلة انتقالية حقيقية.

ما يميز هذه المحاولات جميعها بما فيها مبادرة قبري بهدوراي الأخيرة أنها تفتقر إلى الشرعية المؤسسية وتقوم على جهود فردية منعزلة عن السياق السياسي العام.
رئيس حكومة المنفي قبري بهدوراي ومجموعته لا ينتمون إلى أي حزب سياسي معروف ولم يتعاونوا مع تجمعات المعارضة الإرترية التقليدية التي تمثل القوى السياسية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك فإن خلفيات بعض الشخصيات المرتبطة بمبادرة حكومة بهدوراي تُثير الشكوك حولهم حيث أطلق البعض منهم في السابق تصريحات تتناقض مع فكرة الكيان الإرتري كدولة مستقلة وارتبط آخرون بعلاقات مشبوهة مع أطراف إثيوبية تسعى إلى استخدام القوة العسكرية لإسقاط النظام القائم. هذه الارتباطات تضعف مصداقية المبادرات وتفتح المجال للتساؤل حول أهدافها الحقيقية ومدى قدرتها على تحقيق طموحات الشعب الإرتري في الحرية والديمقراطية.

التوافق الوطني والشرعية المؤسسية:
التوافق الوطني يُعد الركيزة الأساسية التي يجب أن تُبنى عليها أي حكومة في المنفى. هذا التوافق ليس مجرد وثيقة تُوقّع عليها الأطراف السياسية بل هو عملية معقدة تتطلب تفاهماً حول القضايا الانتقالية الأساسية ورؤية موحدة تُجسد طموحات الشعب الإرتري. يجب أن يشمل هذا التوافق وضع تصور واضح لإدارة المرحلة الانتقالية بما في ذلك تشكيل الحكم ومؤسسات الدولة وآليات الرقابة على الأداء الحكومي. وبدون هذا التوافق فإن أي حكومة منفى ستفتقر إلى الشرعية وستواجه صعوبات في الحصول على الدعم الشعبي والدولي.

محددات النجاح القانونية والسياسية:
من الناحية القانونية يتطلب إعلان حكومة في المنفى استناداً إلى مرجعية قانونية واضحة تُحدد آليات التكوين وصلاحيات الحكومة ومداها الزمني كما يجب أن تُحدد السلطة التي تملك الحق في تشكيل الحكومة والجهة المسؤولة عن مراقبة أدائها بما يضمن التوازن بين سلطات الحكومة ومسؤولياتها ويُضفي عليها شرعية تُعزز من قدرتها على العمل السياسي والدبلوماسي. هذه العناصر القانونية ليست ترفًا بل ضرورة لضمان قبول الحكومة دولياً وتحقيق أهدافها على المدى البعيد.

الدروس المستفادة وآفاق المستقبل:
كل التجارب السابقة وتجربة حكومة قبري بهدوراي الحالية تكشف عن غياب هذه المحددات الأساسية. فقد افتقرت حكومة "قبري بهدوراي" إلى التوافق الوطني والإطار القانوني الذي يمنحها الشرعية مما يجعلها مجرد محاولة رمزية عجزت عن تحقيق أي تأثير فعلي. إضافة إلى ذلك لم تنجح في تقديم رؤية استراتيجية تُعبر عن آمال الشعب الإرتري وبقيت معزولة عن القوى الفاعلة داخل وخارج المعارضة مما أضعف مصداقيتها وفعاليتها.
ومع ذلك لا يمكن إنكار أن فكرة حكومة المنفى تظل خياراً سياسياً ممكناً إذا ما أُحسن التخطيط لها. نجاح هذه الفكرة يتطلب تجاوز الأخطاء السابقة والتركيز على بناء مشروع سياسي متكامل يُراعي تعقيدات الواقع الإرتري كما يجب أن تكون الحكومة المقترحة جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز وحدة المعارضة واستقطاب الدعم الشعبي والدولي وتوظيفها كأداة ضغط سياسي على النظام الديكتاتوري.

خاتمة:
تناول مسألة حكومات المنفى في السياق الإرتري يتجاوز كونه مجرد نقاش نظري أو مبادرات فردية ليصبح تعبيراً عن ضرورة سياسية ووطنية لمواجهة نظام استبدادي استنزف موارد البلاد وسحق تطلعات شعبه. فالحاجة إلى بديل سياسي شرعي ومنظم لا تُعد ترفاً فكرياً بل هي استحقاق تاريخي يتطلب استنهاض طاقات الشعب الإرتري في الداخل والخارج وتوحيد جهوده لمجابهة التحديات الراهنة.
مستقبل إرتريا يعتمد على إحداث تحول جذري ينبثق من رؤية سياسية متماسكة وقيادة رشيدة قادرة على تفكيك تراكمات عقود من القمع والاستبداد. ويتطلب هذا التحول تحقيق توافق وطني شامل يمهد الطريق لبناء مشروع سياسي متكامل يستند إلى أسس العدالة والديمقراطية وقادر على استقطاب الدعم الشعبي والدولي ليصبح أداة فعّالة للتغيير.
وفي ظل نظام أهدر إمكانات الوطن وقمع طاقات أبنائه تبقى وحدة الصف والعمل المشترك حجر الزاوية لاستعادة الدولة وبناء مؤسساتها على أسس القانون والعدالة. إرتريا بحاجة إلى قيادة مسؤولة تعبر عن نضال شعبها وطموحاته قيادة تضع مصلحة الوطن فوق كل الحسابات الضيقة وتسعى بوعي واستراتيجية إلى استعادة الكرامة الإرترية ومكانة البلاد على الساحة الإقليمية والدولية.

ابراهيم قارو
26.01.2025"إشكالية المبادرات الفردية في إعلان حكومات المنفى: قراءة في تجربة حكومة قبري بهدوراي في المنفي

في ظل تعقيدات المشهد السياسي الارتري واستمرار النظام الديكتاتوري في إحكام قبضته القمعية التي تستنزف موارد الشعب وتقضي على آمال التغيير تبرز فكرة حكومة المنفى كخيار سياسي يحمل في طياته أبعاداً استراتيجية ذات طابع رمزي وعملي.
خطوة تتطلب قراءة دقيقة للواقع واستشرافاً واعياً للمستقبل حيث تكمن فيها إمكانات لإعادة صياغة المشهد السياسي الوطني إذا ما أُديرت بحنكة ووضعت ضمن إطار استراتيجي شامل. ومع ذلك فإن المضي نحو هذا الخيار يواجه جملة من التحديات السياسية والقانونية والدستورية التي تستوجب معالجة دقيقة لتفادي الإخفاقات التي أحبطت المحاولات السابقة ولتحقيق هدف استعادة الوطن من براثن الاستبداد.

أهمية حكومة المنفى والتحديات الجوهرية:
الحاجة لتشكيل حكومة منفى تنبع من ضرورة ملحّة لتوحيد صفوف المعارضة وخلق مركز سياسي يجسّد إرادة التغيير ويوجه رسائل قوية إلى الداخل والخارج بأن هناك بديلاً سياسياً يمكن الوثوق به.
ولكن هذه الضرورة تصطدم بتحديات جوهرية أبرزها الخوف من أن تصبح الحكومة المقترحة سبباً اضافياً جديداً لتفاقم الخلافات السياسية بين قوى المعارضة أو أن تُستخدم كذريعة إضافية لتبرير استمرار النظام القمعي وهو ما يتطلب من المعارضة الإرترية مقاربة حذرة ومبنية على توافق وطني شامل.
تشكيل حكومة في المنفى لا يقتصر على إعلان سياسي رمزي كما هو حاصل لحكومة "قبري بهدوراي" التي أُعلن عنها في وقت سابق بل يتطلب مراعاة محددات دستورية وسياسية معقدة. أولى هذه المحددات هو فهم السياق السياسي والأمني للوضع الداخلي في إرتريا حيث يشكل غياب الدستور والإطار التشريعي أزمة كبيرة تقوض أي محاولة لتأسيس سلطة انتقالية. في هذا السياق تصبح الأولوية لتحديد الإطار السياسي والقانوني الذي يحكم تشكيل الحكومة أمر ضروري ومهم مع دراسة الخيارات المتاحة ومعرفة مدى قابليتها للتطبيق على أرض الواقع دون الوقوع في فخ الطوباوية السياسية أو الأفكار المثالية التي تكون مجرد نظريات تفتقر إلى التطبيق العملي.

مبادرات فردية وإشكاليات الشرعية:
لم تكن مبادرة "قبري بهدوراي" الذي أعلن نفسه رئيسًا للحكومة الإرترية في المنفى هي الأولى من نوعها فقد سبقتها مبادرات عديدة منها إعلان البروفيسور برخت هبت سلاسي الذي حاول أن يقدم نفسه كبديل للنظام مستندًا إلى خبرته في صياغة دستور البلاد إلا أن مشروعه لم ينجح بسبب غياب الدعم السياسي والتنظيم المؤسسي. كذلك جاءت مبادرة تلابايرو وجوهر قاضي لكنها افتقرت أيضًا إلى التوافق مع القوى السياسية الأخرى، مما أدى إلى تلاشيها بسرعة.
مبادرة يونس عبده لم تكن أفضل حالًا حيث ظلت مجرد فكرة فردية دون أن تتحول إلى حركة سياسية منظمة. حتى إعلان عبد الكريم عمر ناصر، ابن الشهيد عمر ناصر، عن حكومة انتقالية من لندن لم يجد طريقه إلى النجاح إذ لم يحظَ بالدعم الشعبي أو السياسي الكافي ليؤسس لمرحلة انتقالية حقيقية.

ما يميز هذه المحاولات جميعها بما فيها مبادرة قبري بهدوراي الأخيرة أنها تفتقر إلى الشرعية المؤسسية وتقوم على جهود فردية منعزلة عن السياق السياسي العام.
رئيس حكومة المنفي قبري بهدوراي ومجموعته لا ينتمون إلى أي حزب سياسي معروف ولم يتعاونوا مع تجمعات المعارضة الإرترية التقليدية التي تمثل القوى السياسية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك فإن خلفيات بعض الشخصيات المرتبطة بمبادرة حكومة بهدوراي تُثير الشكوك حولهم حيث أطلق البعض منهم في السابق تصريحات تتناقض مع فكرة الكيان الإرتري كدولة مستقلة وارتبط آخرون بعلاقات مشبوهة مع أطراف إثيوبية تسعى إلى استخدام القوة العسكرية لإسقاط النظام القائم. هذه الارتباطات تضعف مصداقية المبادرات وتفتح المجال للتساؤل حول أهدافها الحقيقية ومدى قدرتها على تحقيق طموحات الشعب الإرتري في الحرية والديمقراطية.

التوافق الوطني والشرعية المؤسسية:
التوافق الوطني يُعد الركيزة الأساسية التي يجب أن تُبنى عليها أي حكومة في المنفى. هذا التوافق ليس مجرد وثيقة تُوقّع عليها الأطراف السياسية بل هو عملية معقدة تتطلب تفاهماً حول القضايا الانتقالية الأساسية ورؤية موحدة تُجسد طموحات الشعب الإرتري. يجب أن يشمل هذا التوافق وضع تصور واضح لإدارة المرحلة الانتقالية بما في ذلك تشكيل الحكم ومؤسسات الدولة وآليات الرقابة على الأداء الحكومي. وبدون هذا التوافق فإن أي حكومة منفى ستفتقر إلى الشرعية وستواجه صعوبات في الحصول على الدعم الشعبي والدولي.

محددات النجاح القانونية والسياسية:
من الناحية القانونية يتطلب إعلان حكومة في المنفى استناداً إلى مرجعية قانونية واضحة تُحدد آليات التكوين وصلاحيات الحكومة ومداها الزمني كما يجب أن تُحدد السلطة التي تملك الحق في تشكيل الحكومة والجهة المسؤولة عن مراقبة أدائها بما يضمن التوازن بين سلطات الحكومة ومسؤولياتها ويُضفي عليها شرعية تُعزز من قدرتها على العمل السياسي والدبلوماسي. هذه العناصر القانونية ليست ترفًا بل ضرورة لضمان قبول الحكومة دولياً وتحقيق أهدافها على المدى البعيد.

الدروس المستفادة وآفاق المستقبل:
كل التجارب السابقة وتجربة حكومة قبري بهدوراي الحالية تكشف عن غياب هذه المحددات الأساسية. فقد افتقرت حكومة "قبري بهدوراي" إلى التوافق الوطني والإطار القانوني الذي يمنحها الشرعية مما يجعلها مجرد محاولة رمزية عجزت عن تحقيق أي تأثير فعلي. إضافة إلى ذلك لم تنجح في تقديم رؤية استراتيجية تُعبر عن آمال الشعب الإرتري وبقيت معزولة عن القوى الفاعلة داخل وخارج المعارضة مما أضعف مصداقيتها وفعاليتها.
ومع ذلك لا يمكن إنكار أن فكرة حكومة المنفى تظل خياراً سياسياً ممكناً إذا ما أُحسن التخطيط لها. نجاح هذه الفكرة يتطلب تجاوز الأخطاء السابقة والتركيز على بناء مشروع سياسي متكامل يُراعي تعقيدات الواقع الإرتري كما يجب أن تكون الحكومة المقترحة جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز وحدة المعارضة واستقطاب الدعم الشعبي والدولي وتوظيفها كأداة ضغط سياسي على النظام الديكتاتوري.

خاتمة:
تناول مسألة حكومات المنفى في السياق الإرتري يتجاوز كونه مجرد نقاش نظري أو مبادرات فردية ليصبح تعبيراً عن ضرورة سياسية ووطنية لمواجهة نظام استبدادي استنزف موارد البلاد وسحق تطلعات شعبه. فالحاجة إلى بديل سياسي شرعي ومنظم لا تُعد ترفاً فكرياً بل هي استحقاق تاريخي يتطلب استنهاض طاقات الشعب الإرتري في الداخل والخارج وتوحيد جهوده لمجابهة التحديات الراهنة.
مستقبل إرتريا يعتمد على إحداث تحول جذري ينبثق من رؤية سياسية متماسكة وقيادة رشيدة قادرة على تفكيك تراكمات عقود من القمع والاستبداد. ويتطلب هذا التحول تحقيق توافق وطني شامل يمهد الطريق لبناء مشروع سياسي متكامل يستند إلى أسس العدالة والديمقراطية وقادر على استقطاب الدعم الشعبي والدولي ليصبح أداة فعّالة للتغيير.
وفي ظل نظام أهدر إمكانات الوطن وقمع طاقات أبنائه تبقى وحدة الصف والعمل المشترك حجر الزاوية لاستعادة الدولة وبناء مؤسساتها على أسس القانون والعدالة. إرتريا بحاجة إلى قيادة مسؤولة تعبر عن نضال شعبها وطموحاته قيادة تضع مصلحة الوطن فوق كل الحسابات الضيقة وتسعى بوعي واستراتيجية إلى استعادة الكرامة الإرترية ومكانة البلاد على الساحة الإقليمية والدولية.

ابراهيم قارو
26.01.2025"إشكالية المبادرات الفردية في إعلان حكومات المنفى: قراءة في تجربة حكومة قبري بهدوراي في المنفي

في ظل تعقيدات المشهد السياسي الارتري واستمرار النظام الديكتاتوري في إحكام قبضته القمعية التي تستنزف موارد الشعب وتقضي على آمال التغيير تبرز فكرة حكومة المنفى كخيار سياسي يحمل في طياته أبعاداً استراتيجية ذات طابع رمزي وعملي.
خطوة تتطلب قراءة دقيقة للواقع واستشرافاً واعياً للمستقبل حيث تكمن فيها إمكانات لإعادة صياغة المشهد السياسي الوطني إذا ما أُديرت بحنكة ووضعت ضمن إطار استراتيجي شامل. ومع ذلك فإن المضي نحو هذا الخيار يواجه جملة من التحديات السياسية والقانونية والدستورية التي تستوجب معالجة دقيقة لتفادي الإخفاقات التي أحبطت المحاولات السابقة ولتحقيق هدف استعادة الوطن من براثن الاستبداد.

أهمية حكومة المنفى والتحديات الجوهرية:
الحاجة لتشكيل حكومة منفى تنبع من ضرورة ملحّة لتوحيد صفوف المعارضة وخلق مركز سياسي يجسّد إرادة التغيير ويوجه رسائل قوية إلى الداخل والخارج بأن هناك بديلاً سياسياً يمكن الوثوق به.
ولكن هذه الضرورة تصطدم بتحديات جوهرية أبرزها الخوف من أن تصبح الحكومة المقترحة سبباً اضافياً جديداً لتفاقم الخلافات السياسية بين قوى المعارضة أو أن تُستخدم كذريعة إضافية لتبرير استمرار النظام القمعي وهو ما يتطلب من المعارضة الإرترية مقاربة حذرة ومبنية على توافق وطني شامل.
تشكيل حكومة في المنفى لا يقتصر على إعلان سياسي رمزي كما هو حاصل لحكومة "قبري بهدوراي" التي أُعلن عنها في وقت سابق بل يتطلب مراعاة محددات دستورية وسياسية معقدة. أولى هذه المحددات هو فهم السياق السياسي والأمني للوضع الداخلي في إرتريا حيث يشكل غياب الدستور والإطار التشريعي أزمة كبيرة تقوض أي محاولة لتأسيس سلطة انتقالية. في هذا السياق تصبح الأولوية لتحديد الإطار السياسي والقانوني الذي يحكم تشكيل الحكومة أمر ضروري ومهم مع دراسة الخيارات المتاحة ومعرفة مدى قابليتها للتطبيق على أرض الواقع دون الوقوع في فخ الطوباوية السياسية أو الأفكار المثالية التي تكون مجرد نظريات تفتقر إلى التطبيق العملي.

مبادرات فردية وإشكاليات الشرعية:
لم تكن مبادرة "قبري بهدوراي" الذي أعلن نفسه رئيسًا للحكومة الإرترية في المنفى هي الأولى من نوعها فقد سبقتها مبادرات عديدة منها إعلان البروفيسور برخت هبت سلاسي الذي حاول أن يقدم نفسه كبديل للنظام مستندًا إلى خبرته في صياغة دستور البلاد إلا أن مشروعه لم ينجح بسبب غياب الدعم السياسي والتنظيم المؤسسي. كذلك جاءت مبادرة تلابايرو وجوهر قاضي لكنها افتقرت أيضًا إلى التوافق مع القوى السياسية الأخرى، مما أدى إلى تلاشيها بسرعة.
مبادرة يونس عبده لم تكن أفضل حالًا حيث ظلت مجرد فكرة فردية دون أن تتحول إلى حركة سياسية منظمة. حتى إعلان عبد الكريم عمر ناصر، ابن الشهيد عمر ناصر، عن حكومة انتقالية من لندن لم يجد طريقه إلى النجاح إذ لم يحظَ بالدعم الشعبي أو السياسي الكافي ليؤسس لمرحلة انتقالية حقيقية.

ما يميز هذه المحاولات جميعها بما فيها مبادرة قبري بهدوراي الأخيرة أنها تفتقر إلى الشرعية المؤسسية وتقوم على جهود فردية منعزلة عن السياق السياسي العام.
رئيس حكومة المنفي قبري بهدوراي ومجموعته لا ينتمون إلى أي حزب سياسي معروف ولم يتعاونوا مع تجمعات المعارضة الإرترية التقليدية التي تمثل القوى السياسية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك فإن خلفيات بعض الشخصيات المرتبطة بمبادرة حكومة بهدوراي تُثير الشكوك حولهم حيث أطلق البعض منهم في السابق تصريحات تتناقض مع فكرة الكيان الإرتري كدولة مستقلة وارتبط آخرون بعلاقات مشبوهة مع أطراف إثيوبية تسعى إلى استخدام القوة العسكرية لإسقاط النظام القائم. هذه الارتباطات تضعف مصداقية المبادرات وتفتح المجال للتساؤل حول أهدافها الحقيقية ومدى قدرتها على تحقيق طموحات الشعب الإرتري في الحرية والديمقراطية.

التوافق الوطني والشرعية المؤسسية:
التوافق الوطني يُعد الركيزة الأساسية التي يجب أن تُبنى عليها أي حكومة في المنفى. هذا التوافق ليس مجرد وثيقة تُوقّع عليها الأطراف السياسية بل هو عملية معقدة تتطلب تفاهماً حول القضايا الانتقالية الأساسية ورؤية موحدة تُجسد طموحات الشعب الإرتري. يجب أن يشمل هذا التوافق وضع تصور واضح لإدارة المرحلة الانتقالية بما في ذلك تشكيل الحكم ومؤسسات الدولة وآليات الرقابة على الأداء الحكومي. وبدون هذا التوافق فإن أي حكومة منفى ستفتقر إلى الشرعية وستواجه صعوبات في الحصول على الدعم الشعبي والدولي.

محددات النجاح القانونية والسياسية:
من الناحية القانونية يتطلب إعلان حكومة في المنفى استناداً إلى مرجعية قانونية واضحة تُحدد آليات التكوين وصلاحيات الحكومة ومداها الزمني كما يجب أن تُحدد السلطة التي تملك الحق في تشكيل الحكومة والجهة المسؤولة عن مراقبة أدائها بما يضمن التوازن بين سلطات الحكومة ومسؤولياتها ويُضفي عليها شرعية تُعزز من قدرتها على العمل السياسي والدبلوماسي. هذه العناصر القانونية ليست ترفًا بل ضرورة لضمان قبول الحكومة دولياً وتحقيق أهدافها على المدى البعيد.

الدروس المستفادة وآفاق المستقبل:
كل التجارب السابقة وتجربة حكومة قبري بهدوراي الحالية تكشف عن غياب هذه المحددات الأساسية. فقد افتقرت حكومة "قبري بهدوراي" إلى التوافق الوطني والإطار القانوني الذي يمنحها الشرعية مما يجعلها مجرد محاولة رمزية عجزت عن تحقيق أي تأثير فعلي. إضافة إلى ذلك لم تنجح في تقديم رؤية استراتيجية تُعبر عن آمال الشعب الإرتري وبقيت معزولة عن القوى الفاعلة داخل وخارج المعارضة مما أضعف مصداقيتها وفعاليتها.
ومع ذلك لا يمكن إنكار أن فكرة حكومة المنفى تظل خياراً سياسياً ممكناً إذا ما أُحسن التخطيط لها. نجاح هذه الفكرة يتطلب تجاوز الأخطاء السابقة والتركيز على بناء مشروع سياسي متكامل يُراعي تعقيدات الواقع الإرتري كما يجب أن تكون الحكومة المقترحة جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز وحدة المعارضة واستقطاب الدعم الشعبي والدولي وتوظيفها كأداة ضغط سياسي على النظام الديكتاتوري.

خاتمة:
تناول مسألة حكومات المنفى في السياق الإرتري يتجاوز كونه مجرد نقاش نظري أو مبادرات فردية ليصبح تعبيراً عن ضرورة سياسية ووطنية لمواجهة نظام استبدادي استنزف موارد البلاد وسحق تطلعات شعبه. فالحاجة إلى بديل سياسي شرعي ومنظم لا تُعد ترفاً فكرياً بل هي استحقاق تاريخي يتطلب استنهاض طاقات الشعب الإرتري في الداخل والخارج وتوحيد جهوده لمجابهة التحديات الراهنة.
مستقبل إرتريا يعتمد على إحداث تحول جذري ينبثق من رؤية سياسية متماسكة وقيادة رشيدة قادرة على تفكيك تراكمات عقود من القمع والاستبداد. ويتطلب هذا التحول تحقيق توافق وطني شامل يمهد الطريق لبناء مشروع سياسي متكامل يستند إلى أسس العدالة والديمقراطية وقادر على استقطاب الدعم الشعبي والدولي ليصبح أداة فعّالة للتغيير.
وفي ظل نظام أهدر إمكانات الوطن وقمع طاقات أبنائه تبقى وحدة الصف والعمل المشترك حجر الزاوية لاستعادة الدولة وبناء مؤسساتها على أسس القانون والعدالة. إرتريا بحاجة إلى قيادة مسؤولة تعبر عن نضال شعبها وطموحاته قيادة تضع مصلحة الوطن فوق كل الحسابات الضيقة وتسعى بوعي واستراتيجية إلى استعادة الكرامة الإرترية ومكانة البلاد على الساحة الإقليمية والدولية.

ابراهيم قارو
26.01.2025

07/11/2024
07/11/2024

تحولات الثورة ومسارات الاستبداد في ارتريا : مقاربة تحليلية في فكر الكاتب والمحلل السياسي أ. فتحي عثمان

تمثل مقالات الكاتب والمفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان نموذجاً فريداً في عالم الكتابة السياسية إذ ينتمي إلى نخبة من الكُتّاب الذين يتمتعون بقدرة متميزة على تحليل أبعاد الصراع السياسي وتفكيك المشهد السياسي من الداخل.

كتاباته ليست مجرد سرد للأحداث أو تسجيل للتواريخ بل هي إعادة بناء عميقة وهادفة للأفكار المتجذرة في الصراعات السياسية سواء كان ذلك في السياق الارتري أو ضمن مسار الحركات الثورية في القرن الإفريقي.

من خلال مقالاته مثل "خطوات في الطريق نحو الاستبداد" و"من الاستقلال إلى التغيير يُثبت الأستاذ فتحي عثمان عمق رؤيته وشمولية تحليله ويقدم لنا نموذجاً غير تقليدي للكاتب السياسي الذي لا يكتفي بمراقبة الوقائع بل ينفذ إلى جوهر الأفكار والمفاهيم مقدماٌ قراءة تجمع بين الإلمام الدقيق بتاريخ الأحداث واستشراف التحولات المستقبلية المحتملة.

يتميز الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان عن غيره من الكُتّاب بقدرته على معالجة قضايا شديدة التعقيد والتشابك، فهو يمتلك من المعرفة التاريخية والوعي العميق ما يمكّنه من فهم الأبعاد الخفية للصراع الأيديولوجي والسياسي. وهكذا تصبح كتاباته مساحة لتأملات فلسفية وسياسية تغوص إلى عمق الطبقات التي تشكل أساس الصراع مما يُمكّن القارئ من فهم العلاقات المعقدة بين الحركات الثورية والنظم الحاكمة، وما يصاحبها من تحديات في عملية التحول من المقاومة الي ممارسة السلطة.

وفي سياق التحديات التي واجهتها الحركات الثورية في ارتريا بعد الاستقلال يقدم الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان نقداً معمقاً لآليات التحول من الثورة إلى الدولة مسلطاٌ الضوء على كيف أن الاستقلال السياسي ليس نهاية النضال بل بداية جديدة قد تنطوي على مخاطر التحول إلى استبداد من نوع آخر. يظهر الكاتب والمحلل السياسي فتحي عثمان هنا ليس فقط ككاتب بل كمفكر يُوجه قارئه نحو فهم أعمق وأشمل للتحولات السياسية حيث لا يكتفي يسرد الأحداث بل يغوص في الجذور الفكرية والعوامل التاريخية التي أدت إلى تكرار نماذج السلطة القمعية حتى بعد تحقيق الاستقلال.

هذا الطرح الفكري يجعل من الأستاذ فتحي عثمان صوتاً بارزاً في المشهد السياسي والفكري حيث لا يتناول القضايا من منظور ضيق بل يسعي لبناء رؤية شاملة تتضمن الجوانب التاريخية والواقعية والمستقبلية.

كتاباته تمثل دعوة للتفكير النقدي حول ماهية الحرية والاستقلال وكيفية تحقيقهما بشكل مستدام بحيث لا يقتصر التغيير على استبدال الأشخاص أو القيادات بل يمتد ليشمل بناء مؤسسات تحمي الحرية وتعزز المشاركة الحقيقية.

بهذا يُعد الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان مرجعاً فكرياً مهماٌ في الخطاب السياسي الارتري والقرن الإفريقي عامة حيث تُساهم كتاباته في تكوين فهم عميق للتاريخ السياسي لهذه المنطقة ويقدم رؤية تتجاوز الخطاب التقليدي للثورة والاستقلال لتطرح أسئلة ملحّة حول كيفية بناء نظام ديمقراطي مستدام يتجنب أخطاء الماضي ويحافظ علي المكتسبات التي حققها الشعب بدمائه وتضحياته.

"تحولات السلطة: من الثورة إلى الاستبداد في ظل الشعارات الوطنية".

في مقاله "خطوات في الطريق نحو الاستبداد" يعرض المفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان رؤية تحليلية معمقة حول التحول الذي تشهده الأنظمة الثورية من حركات نضالية تحمل شعارات التحرير والتغيير إلى سلطات حاكمة تنحو نحو القمع والاستبداد. ينطلق المفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان من فهم عميق لمراحل هذا التحول حيث تبدأ تلك الأنظمة بخطوات تبدو بسيطة لكنها تؤسس لعملية معقدة ومتدرجة من تقييد الحريات والسيطرة على المجتمع. يشير إلى أن هذه الأنظمة غالباً ما تتخذ من شعارات السيادة والاستقرار مبررات لقمع الأصوات المعارضة وفرض هيمنتها لتتلاعب بالشعارات الثورية وتُبدّل أهدافها المعلنة بأخرى تخدم السلطة الفردية وتضعف المجتمع المدني.

يتناول الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان بدقة كيف أن الاستبداد لا يظهر فجأة أو من فراغ بل يأتي كنتيجة حتمية لفقدان المؤسسات الفاعلة التي من شأنها أن تراقب عمل السلطة وتضع حداٌ لطموحات السيطرة المطلقة. فالسلطة وفق رؤيته عندما تتفرد دون رقيب تميل بشكل متزايد إلى إحكام قبضتها فيتحول الخطاب من التحرير إلى الحفاظ على النظام بأي وسيلة ويصبح الاستقرار هو الحجة الدائمة لتكميم الأفواه حيث تُقدم الشعارات على أنها ضرورات وطنية.

ويضيف الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان بُعداٌ أعمق لهذا التحليل إذ يكشف عن أن غياب الفهم الشامل لمعنى الاستقلال هو الذي يُمهِّد لهذا الاستبداد. فالاستقلال من منظوره لا يقتصر على الاستقلال السياسي فحسب بل يشمل حرية الأفراد وضمان حقوقهم وحمايتهم من أي سلطة قد تسيء استخدام نفوذها. ويعتبر أن هذا الخلل في فهم معنى الاستقلال كان من الأسباب الرئيسة لتحول السلطة في ارتريا من رمز للتحرير إلى قيد جديد يفرض نفسه على الشعب.

في هذا السياق يتساءل الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان: كيف نحقق استقلالاً لا يكتفي بتحرير الأرض بل يضمن كذلك تحرير الإنسان؟ كيف نؤسس لدولة يكون هدفها الأول هو خدمة الشعب وليس استغلاله باسم الاستقرار أو الأمن القومي؟ يرى أن هذه التساؤلات يجب أن تكون في صلب أي تفكير مستقبلي حول بناء الدولة، وأنها تفتح آفاقاٌ جديدة للنقاش حول العلاقة بين السلطة والمجتمع، ودور الدولة كخادم وليس سيداٌ للمواطنين.

يعرض الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان لهذه المفارقة بعمق، مؤكداٌ أن تحول الشعارات الثورية إلى أدوات استبدادية لم يكن نتيجة انحراف عارض بل هو نتيجة لغياب الوعي بمفهوم الاستقلال الشامل وافتقار الدولة للآليات الرقابية التي تضمن التوازن في ممارسة السلطة. ويرى أن الطريق نحو الاستبداد لا يبدأ بتغيير جذري بل بخطوات صغيرة ومؤثرة، حيث تتدثر السلطة بقناع الوطنية والاستقرار وتستند على الشعارات الكبرى لتبرير تجاوزاتها وبذلك يتحول مشروع التحرير إلى مشروع استبداد بمرور الزمن.

من الاستقلال إلى التغيير: الحاجة إلى تحول جذري في أساليب المعارضة.

في مقاله الثاني "من الاستقلال إلى التغيير"، يستعرض الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان بعمق تأملي مفارقة الانتقال من حالة الاستقلال إلى الحاجة الماسة للتغيير موضحاٌ أن الاستقلال الوطني رغم أهميته كخطوة تاريخية نحو التحرر لم يكن كافياً لتحقيق الحرية الحقيقية للمجتمع الارتري.

يرى الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان أن التغيير المنشود لا يمكن اختزاله في مجرد الإطاحة بنظام سياسي بل يجب أن يكون عملية جذرية وشاملة تستهدف بناء بيئة سياسية واجتماعية تضمن الحريات وتحمي حقوق الأفراد مما يمنع أي شكل من أشكال الاستبداد من العودة مجدداََ.

ينطلق الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان من رؤية أن تحقيق الاستقلال كان بمثابة بداية ولكنه كشف عن تحديات جديدة تتطلب نوعاً مختلفاً من العمل الوطني إذ يلاحظ أن العديد من الحركات الثورية بمجرد استلامها السلطة تنشغل بالحفاظ على قوتها بدلاً من تحقيق تطلعات الشعب فتجد نفسها تنجرف نحو نفس الأساليب التي ثارت عليها.

وفي ضوء هذا الفهم يعيد الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان التفكير في مفهوم التغيير مؤكداً أن الثورة الحقيقية هي تلك التي تتجاوز هدف الوصول إلى السلطة وتلتزم بتأسيس بنية مؤسساتية ديمقراطية تكون ركيزة لحرية الأفراد وكرامتهم.

يشدد الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان على أن التغيير الحقيقي هو بناء مؤسسات ديمقراطية قوية ومستقلة تحمي من تغوّل السلطة وتضمن استمرار الحريات. ويرى أن المشاركة الشعبية هي جوهر هذا التحول إذ لا يمكن لأي عملية تغيير أن تكون ناجحة إذا كانت تقتصر على نخبة سياسية أو فئة معارضة، بل يجب أن تكون مشروعاً يشترك فيه جميع أفراد الشعب ليصبح التغيير مساراً مجتمعياً شاملاً لا مجرد مناورة سياسية.

وفي استعراضه لتجارب الماضي يسلط الضوء على أن العديد من المعارضات وقعت في فخ التركيز على إسقاط الأنظمة متجاهلة أهمية بناء الأسس التي تضمن حماية حرية الشعب بعد التغيير. يشير الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان إلى أن هذا الفهم المحدود للتغيير أدى إلى تكرار الأخطاء وإلى عودة الاستبداد بأشكال جديدة ما يجعل من بناء مجتمع مدني قوي ومستقل أحد أهم ضمانات الاستقرار والديمقراطية.

يرى الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان أن الماضي يقدم درساً حاسماً إذ لا يكفي تحقيق الاستقلال أو إسقاط الأنظمة لتحقيق التغيير المنشود. بل إن أي مشروع للتغيير يجب أن يركز على خلق بنية تحتية ديمقراطية، بحيث يصبح المجتمع المدني هو الرقيب والشريك الفعلي في عملية الحكم مما يمنع تكرار الاستبداد ويدعم بناء دولة تكون خدمة الشعب هي هدفها الأول.

ويختم الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان بتأكيده على أن التغيير الحقيقي يتطلب استعداداٌ لتعلم دروس التاريخ، وإرادة حقيقية لعدم تكرار أخطاء الماضي، مذكراً بأن المعارضة التي لا تضع الحرية وكرامة الشعب كأولوية قصوى إنما تسهم في استنساخ الاستبداد بأشكال جديدة. بهذا الطرح، يقدم الكاتب والمفكر السياسي فتحي عثمان رؤية مستقبلية مفادها أن التغيير العميق والشامل هو الكفيل بتحقيق العدالة والحفاظ على مكتسبات الاستقلال مما يفتح الطريق نحو إريتريا تتسع للجميع خالية من القمع والاستبداد دولة تدين بالولاء لشعبها وتحتكم لرغباته وآماله.

في خاتمة هذه الرحلة التحليلية العميقة نجد الكاتب والمفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان يقدم لنا رؤيةً استثنائية تتجاوز السرد التقليدي للتحولات السياسية واضعاً بين أيدينا إطاراٌ مفاهيمياٌ لفهم آليات التغيير ومخاطر الاستبداد في مسيرة بناء الدول.
وبفضل الجهد الدؤوب للكاتب والمفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان نكتشف كيف يتطلب تحقيق الاستقلال الحقيقي أكثر من مجرد التخلص من المستعمر أو إسقاط النظام القائم فهو مشروع مستمر يشمل تحرير المجتمع من قيود السلطة الاستبدادية وبناء مؤسسات وطنية تحمي حقوق الأفراد وتدعم مشاركة الشعب في صنع القرار.
يقدم الكاتب والمفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان هذه الرؤية الفريدة من خلال مزيج ذكي من التحليل التاريخي والواقعي، ليكشف لنا ببصيرة نافذة عن تداخلات الصراع السياسي وعن المتطلبات الأساسية لتجسيد الحرية الحقيقية. ويستعرض لنا بوضوح كيف أن أزمات التحول الوطني غالباٌ ما تكون نتيجة لتجاهل بناء مجتمع مدني قوي يكون السند الدائم للديمقراطية وحماية الحقوق.

وفي هذا السياق يجدر التنويه بالجهد الكبير الذي يبذله الكاتب والمفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان لإثراء الوعي العام حيث يطرح أفكاراٌ جريئة تفتح آفاقاٌ جديدة للتفكير في مستقبل ارتريا والمنطقة منبهاً إلى أن استقلال الوطن لا يكتمل إلا إذا ترافق مع استقلال المواطن وحريته.

شكرنا وتقديرنا للكاتب والمفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان لا يتوقف بما قدمه من تحليل ثاقب بل يمتد ليشمل جهوده في توجيه بوصلة الفكر السياسي نحو القيم التي يجب أن تكون أساساً لأي مشروع تغييري.
وبهذا الأسلوب التحليلي يدفع الكاتب والمفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان القارئ للتأمل وإعادة النظر في المسلمات مؤكدًا أن الاستبداد ليس نتيجة حتمية للتحولات السياسية بل هو اختيار تقرره غياب الإرادة في بناء دولة حقيقية تعتمد على المشاركة الشعبية. وختاماً لا يسعنا إلا أن نثني مجدداً للكاتب والمفكر السياسي الأستاذ فتحي عثمان ونقدر ما يقدمه من جهد فكري مستنير نستلهم منه رؤى جديدة تعزز الأمل في بناء مستقبل سياسي أكثر حرية وكرامة.

05.11.2024

_______________________________________________________________________

خطوات في الطريق نحو الاستبداد



أعددت نقاط هذا المقال لندوة باللغة الإنجليزية حول التجربة السياسية في فترة الثورة الارترية. الآن وقد مضت سنوات ولم تنعقد الندوة بسبب ظروف طارئة، وجدت أن هذه الأفكار جديرة بالمشاطرة لسبب مهم وهو أن الآخرين والذين تعنيهم هذه الأفكار أو عاشوها كتجربة حياة قد يثروها بالإضافة والتصحيح خاصة وأني أنوي الرجوع إليها بتوسع مستقبلاً.
بداية لدى اعتراف صغير ولكنه مهم، وهو أن هذه الأفكار وعند تسجيلها باللغة الإنجليزية وفرت لي ما يمكن أن اسميه ب"الممر الآمن"، إذ رفعت عن كاهلي محمولات وظلال الأسماء والمصطلحات (كان كل المطلوب مني حينها هو التعريف بها بشكل محايد)، فمسميات مثل الخفافيش "المنكع" وهي مجموعة من أعضاء الجبهة الشعبية تم القضاء عليها بتهم التخريب والانشقاق، ويقابلها في جبهة التحرير مجموعة الفوضويون أو "الفالول" وهي مجموعة تبنت ممارسات وأفكار وسمت كذلك بالتخريب وتم القضاء عليها والتحق بعض أعضائها بالجبهة الشعبية لاحقاً، وكذلك تلك المحمولات المصاحبة لحركة مارس الشهيرة والتي قادها عبد الله ادريس تحت اسم الحركة التصحيحية، بينما وصفها معارضوها بأنها "انقلاباً دموياً". كل هذه الأسماء والنعوت التصقت بها مدلولات يصعب التخلص منها دون الوقوع في شرك تأثير الخطاب والخطاب المضاد. فلكل ناظر وجهة نظر وتسمية تتوافق مع وجهة النظر التي يحملها؛ وهذه مقدمة لا بد منها لطرق هذا الموضوع الذي يحتمل بذات القدر ثقل المحمولات وتضاعيفها المركبة كذلك.
وأساس الفكرة هو أن تنظيم جبهة التحرير الارترية كان تنظيماً "مسامي البنية" مشابهاً للتربة المسامية التي تسمح بمرور الماء والهواء بما يسمح بنمو النبات. بالمقابل كان تنظيم الجبهة الشعبية تنظيماً "مصمتاً"، والمصمت من الأشياء هو الذي لا جوف له، تماماً كالحجر الصلد (أشرت قبل إلى هذه السمات في كتاب ارتريا من حلم التحرير إلى كابوس الديكتاتور). ويتولد عن هذه المقاربة إشارة إلى حقيقة وهي أن جبهة تحرير ارتريا احتوت على تيارات سياسية متباينة منها: التيار الماركسي، والاشتراكي العروبي والتيار الإسلامي.
وتطرح الفكرة سؤالاً مهماً وهو: هل كانت جبهة التحرير "متسامحة" مع هذا التعدد بما يسمح بنشوء وطن قائم على التعددية السياسية مستقبلاً؟
تاريخياً بدت تلك التعددية في التيارات السياسية كجزء من طبيعة الأشياء وتمايزها؛ أي أنها أمر طبيعي لا مفر منه. لكن حقيقة الأمر أن القيادة في جبهة التحرير وفي فترات مختلفة لم تكن متسامحة تجاه الآخر المناهض حتى وصل الأمر في مرحلة ما إلى تسمية الآخر المناهض "بالثورة المضادة". وكان من الطبيعي أن تتصادم التيارات المتباينة تحت شعارات التقدمية والرجعية، لكن هناك ما يفسر عدم التسامح هذا؟
التفسير الأقرب يشير إلى طبيعة الثورة نفسها. فالثورة أكثر سيولة من الدولة وحاجتها للأمن والسيطرة قد يكونان مرضيان في معظم الأحيان. فالدولة لها قدرة كبيرة على السيطرة في الأوطان التي تحولت إلى "اقفاص" محكمة القفل؛ بينما تعيش الثورة مطالب الأمن وأوهام الاختراق، وهذا يفضي إلى مشكلة الأمن والحقوق. فالأمن الثوري يحتاج إلى الحسم وسرعة الاستجابة مما يخلق له هامشا كبيرا للعمل "خارج القانون" (بالطبع إلا قانون الثورة والأمن) وأفضل مراعاة للحقوق يمكن الحصول عليها تتمثل في "المحاكم الصورية" وهي محاكم لا تؤمن الحق الكامل للمتهمين، ولا تعنى كذلك بتأمين "راحة الضمير للقاضي" لأن ضميره راض سلفاً بقانون وممارسة الثورة. وهذه الأزمة تعيشها كل الثورات ومرت بها كل من الجبهة والجبهة الشعبية؟
من ناحية مقابلة حاولت الجبهة الشعبية الهروب مما افترضته "عيوباً بنيوية" في جبهة التحرير وأولها تعدد التيارات السياسية، وثانيها القيادة متعددة الأقطاب.
وحتى لا تقع في المحذور نجحت الشعبية في كبت أي نمو لأي تيار سياسي لا يتفق مع الخط العام للتنظيم، وبالحديد والنار. حتى تنظيم القيادة المركزية "ساقم" والذي توحد مع الجبهة الشعبية في عام 1987 ذاب بصورة كاملة في التيار الرئيسي للتنظيم قيادة وفكراً. ونجحت الشعبية في توحيد القيادة السياسية والعسكرية، ليس ذلك فحسب بل نجحت في توحيد "مكانها" فلم تعاني من وجود قيادتين في الداخل والخارج (قطعت علاقاتها بالبعثة الخارجية التي كان يقودها عثمان صالح سبي في وقت مبكر من عمرها). فمقابل الأقطاب الكبيرة في جبهة التحرير الارترية -على سبيل المثال لا الحصر- ادريس محمد آدم، ادريس قلايدوس، عثمان سبي، عبد الله ادريس، الزين يسن، وأحمد ناصر كانت الجبهة الشعبية تدور على رحى قطبين هما رمضان محمد نور واسياس أفورقي (الوزن القيادي لهما لم يكن متعادلاً في يوم من الأيام)، وتم اختزال القيادة في الأخير في شخص اسياس افورقي بينما توارى رمضان في الظل.
القول بأن تجربة التعددية داخل جبهة التحرير الارترية كانت تعد وتبشر بتعددية سياسية في المستقبل تظل محل تساؤل وفحص مشروع من خلال المسار التاريخي لهذه التعددية وما آلت اليه.
ولكن كون تجربة الجبهة الشعبية، بالمقابل، ومنذ صباحها الباكر واعدة بطغيان حالك، فهذا أمر لا جدال حوله؛ لأن مسار هروب الشعبية من الفخاخ التي نالت من الجبهة لم تترك لها سوى طريق واحد وهو طريق الاستبداد الكامل، وفي النهاية: حتى الطريق إلى الاستبداد يبدأ بخطوة واحدة.

Address

Dubai

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when بوكاســــــت كاتِـــــــــب posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to بوكاســــــت كاتِـــــــــب:

Videos

Share

Category