صحيفة الثورة

أسست الثورة الشبابية السلمية لشرعية جديدة تجاوزت النظام بمؤسساته ورموزه وآلياته المختلفة، وإذا كانت الشرعية الجديدة لا تعني بالضرورة وضع مؤسسات النظام في دائرة الاستهداف بوصف تلك المؤسسات تمثل جزءا من نسيج الدولة من حيث المبدأ، فإن المهم في هذه المرحلة هو إعادة بناء شرعية تلك المؤسسات عبر تجديد آليات عملها وتشكيل أهدافها وقواعدها بما يتماشى مع حقائق المرحلة الثورية الجديدة.

ويأتي إصدار صحيفة تحمل

اسم الثورة كمحاولة لاستعادة القيمة الرمزية والإعلامية التي مثلتها صحيفة الثورة الرسمية التي كان يفترض بها أن تظل ناطقة باسم الشعب وأن تواكب تطلعاته وآماله، ومهما كان الاعتقاد بأن العمل الإعلامي الذي يمثله هذا الإصدار لا يوازي من حيث القدرات والإمكانيات ما هو متوفر "للثورة الرسمية"، فإن المأمول هو أن يدفع هذا الإصدار نحو استعادة قيم الثورة ومبادئها التي أهدرتها المؤسسات الإعلامية الرسمية في حركتها لمجاراة الحاكم وخدمة مشاريعه الصغيرة.

هذا من حيث الدلالة الرمزية للاسم الذي يحمله هذا الإصدار، أما الهدف الذي يرمي إليه هذا العمل الإعلامي الشبابي فهو التعبير عن صوت قطاع واسع من شباب الثورة اليمنية السلمية المستقلين، وإيجاد مساحة حرة لتبادل الآراء والأفكار سواء تلك المرتبطة بمسار الثورة السلمية أو بمرحلة بناء الدولة بعد نجاح الثورة، إذ تسعى الصحيفة إلى بلورة مجموعة من "الأفكار الفتية" حول اليمن وقضاياه ومستقبله تكون قادرة على الدخول في جدل ايجابي مع كافة الرؤى والأطروحات التي تعتمل تحت سقف الثورة السلمية، ولعل ميزة الأفكار التي يقدمها الشباب تتمثل في كونها لا تخضع لمقدمات حتمية أيديولوجية أو عقائدية، كما وليست محكومة بانطباعات واكراهات ذات منحى عاطفي.

لقد خاض الشباب تجربة العمل الوطني على مدار أربعة أشهر منذ انطلاق الثورة في ساحات التغيير والحرية وحتى الآن، تعرفوا فيها على رؤى وأفكار ومشارب وقوى وطنية مختلفة، تمازجوا بها واحتكوا معها، وتقلص هامش المساحة بينهم وبين السياسة، كما نمت الرغبة لديهم بلعب دور اكبر في بناء وطنهم والمساهمة في تحقيق غاياته، ومن المؤكد أن هذه البيئة الوطنية الصحية التي صنعها الشباب، والتي تكونت تحت شعار وطني جامع هو "الشعب يريد اسقاط النظام" قد انعكست ايجابيا على الشباب، وشكلت تجاربهم، وصقلت خبراتهم، وحفزت أفكارهم نحو إنجاح الثورة وبناء مستقبل اليمن. وإخراج حاصل هذه التجربة الوطنية المستمرة حتى اليوم يتطلب مساحات رأي شاسعة، يحاول هذا الإصدار أن يقدم بعضا منها.

إن ما ينبغي التأكيد عليه أيضا هو أن الشباب ليسوا "مفجري ثورات" يتوارى تأثيرهم ودورهم بعد نجاح الثورة والعبور بها إلى بر الأمان لكنهم أيضا عنصر مهم في بناء الدولة وتحديد مصير نظامها السياسي وإرساء قواعد الأمن المجتمعي، لذلك كان لابد من التأكيد على فاعلية دور الشباب بالإضافة إلى المكونات الثورية الأخرى في جميع المراحل التي تمر بها بلدنا اليمن الآن وفي المستقبل.

قد يبدو أن هذا الإصدار يمثل خطوة متقدمة لتحرير المؤسسات الإعلامية من قبضة النظام اللاشرعي واستعادة روحها التي تلاشت بفعل السياسات الإعلامية الخاطئة، ولعل اللحظة الثورية القائمة تساعد على ذلك، وتحفز على القيام بسلسلة من الخطوات الثورية نحو تحرير الأسماء والقيم والرموز التي احكم النظام اللاشرعي ربطها بمشروعه وأهدافه، وإعادة تجديدها وتأهيلها لتخدم المجتمع وقضاياه، ولعل هذا الإصدار هو بمثابة إعلان شبابي عن سقوط النظام وكل ما يتعلق به من بنا وهياكل وثقافة، وحتى يتحقق لشعبنا العظيم انجاز مهمته التاريخية في رسم المشهد الأخير لسقوط نظام صالح الاستبدادي والقمعي، وافتتاح مرحلة جديدة من البناء والعطاء، والتوجه الجاد نحو دولة ديمقراطية حديثة قائمة على العدل والمواطنة المتساوية، فإن الشباب المرابطين في ساحات التغيير وميادين الشرف والكرامة سيكونون العنصر الأهم الذي يعول عليه شعبنا في تحقيق كلا المهمتين: انجاز الفعل الثوري السلمي، والمشاركة في بناء الدولة الحديثة.