11/05/2012
عندما انتسب أحمد الخلف الى الكلية الحربية منذ بضعة سنين كان يحلم بالنجوم التي ستزين كتفيه بعد ثلاث سنوات, و في ايام العطلة الاسبوعية التي كان يقضيها مع اسرته في مدينة الرستن الواقعة على ضفاف نهر العاصي حيث تطل شامخة على السد البازلتي الأسود و البحيرة الزرقاء خلفه و السهول الخصبة الملونة بألوان قوس قزح كان يجلس تحت شجرة التوت المعمرة مع أسرته المكونة من والده الفلاح البسيط ذو اليدين الصلبتين و الجلد المتشقق من العمل في الحقول من أجل اعالته و تعليمه هو و اخوته ووالدته المرأة القروية البسيطة التي أرضعته حب الأرض و العزة و الكرامة و أخوته الصغار كان يحدثهم عن زملائه في الكلية من درعا و طرطوس و دير الزور ومن كافة قرى و مدن سورية عن جدهم و مرحهم عن حزنهم و فرحهم و كيف يتدربون و يتنافسون في الرماية و سباقات الحواجر و القتال الفردي و يدرسون المقررات العسكرية ليحموا وطنهم و كيف أنهم يحبون بعضهم و انه يشعر بهم أنهم أخوته مثل أخوته الذين أنجبهم أبويه.
و بعد ثلاث سنين ذهب الى عروسه ليزهو أمامها ببدلة التخرج و قامته الطويلة و عضلاته المفتولة, قال لها أنه يريد منه ان تجب له الكثير من الاطفال ليملؤا بيتا صغير في وطن يحبه حدثها عن الامل و المستقبل ,
عمله لم يكن يخلو من الخطر فهو جزء من جيش الوطن و الاعداء كثيرون , اسرائيل و امريكا و اوروبا هذا ما علموه ايه في كليته العسكرية خطرت الشهادة في باله قد يستشهد في الجولان عندما تقررحكومة بلده أن حان وقت الرد المؤجل على الاذلال السرائيلي منذ ثمان و ثلاثون عاما من حكم عائلة الأسد تخيل نفسه يسقط شهيدا بعد ان ثبت العلم السوري على هضبة الجولان و قد سال دمه ليختلط بمياه بحيرة طبريا أحس وقتها بحوريات الجنة تناديه ليشرب من ماء الكوثر.
النداء يزداد قوة فقد تم تعينه ضمن مرتبات القوات الخاصة في السويداء حيث يستطيع أن يرى أضواء الجولان من معسكره في جبل العرب هذا المعسكر الذي فرض عليه تعتيم اعلامي شامل اسوة بباقي قطع الجيش العربي السوري عندما بدأ رياح الربيع العربي تهب من تونس لا تلفزيونات لا هواتف لا انترنت فقط نشرات التوجيه السياسي التي تقرأ في الاجتماعات الصباحية و التي تتحدث عن مؤامرة كونية على سورية اسرائيلية امركية سلفية بالتعاون مع بندر و الحريري .لم يسمعوا بفرار بن علي و لا بسقوط مبارك و لا بثورات ليبيا و اليمن لم يصلهم استغاثات أخوتهم في درعا من عاطف نجيب الذي اقتلع اظافر ابنائهم و أحضر الأمن بطائرات الهيليكوبتر ليقوموا برميهم بالرصاص فقد كان الحصار الاعلامي شاملاً و محكماً.
ذات صباح و بعد ليلة غفا فيها جيد و حلم بجنة عرضها السماوات و الارض استيقظ أتتهم أوامر واضحة قالوا لهم إن أهل درعا يريدون إقامة إمارة إسلامية سلفية وإنهم مسلحون وإن هناك عصابات مسلحة تساندهم، قائد الكتيبة بحضور قائد الفرقة أصدر لهم الأوامر بالقيام بعملية إبادة جماعية كاملة، قال لهم بالحرف اقتلوا كل الناس حتى النساء، فقاطعه أحد الضباط شاجبا قتل النساء فنهره قائد الكتيبة بأن النساء اللائي ترفض قتلهن هن أول من سيدل العصابات عليك ليقتلوك.لما وصلوا الى درعا وجدوا اناسا سلمين يحملون أغصان الزيتون و الورود و يترنمون بالحرية و لسان حالهم يقول ياحيف على أبناء وطننا يقتلوننا .
درعا و الرستن توأمان نفس التراب الأحمر و الصخور السود نفس سهول القمح و الابنية الريفية نفس الزي الشعبي و نفس العزة و الشموخ و الكرامة التي تعرفها من القامة الشامخة والرأس المرفوعة و نظرات العيون عندما ينظر الى نساء درعا يرى أمه التي ربته صغيرا و عندما ينظر الى رجالها البسطاء الكرماء يرى أبيه و يرى اخوته و ابناؤه الثلاثة في أطفالها.
امتزج الصوت القادم من القلب و الذي يقول له لا تقتل فهم أهلك بصوت الحورية التي تدعوه الى الجنة ,احمد أعطى أوامره لجنودها بالامتناع عن ضرب النار فقد كان يرى أن مسؤوليته الأولى والأخيرة هي الدفاع عن الشعب ضد العدوان الخارجي، وليس قتلهم و هو يعلم ان قراره سيجلب له الموت عاجلا ام آجلا و أنه سيترك وراءه ثلاث أطفال عمر أكبرهم لم يتجاوز الاربع سنوات و لكنه فضل أن يكون مقتولا على أن يكون قاتلا , وفي يوم 7 يونيو (حزيران) بدا أن أمره قد انكشف فتعرض للمراقبة الشديدة ومن ثم للإقامة الجبرية لدى قائد الكتيبة، ثم علم أن هناك قرارا بتصفيته .
صوت الحورية يزداد قوة و سجر الجنة لا يقاوم و الكوثر عذب رقراق و كان قرار الانشقاق.
عندما انشق كان عرسه الثاني الذي لم يحضره لا هو و لا عروسته أهالي بلدته أقاموا له عرسا فرحا بانشقاقه و رفعوا والده على الاكتاف إنه عرس البطولة و الشرف و زوجته الجديدة كانت تنتظره لكن ليس الأرض في بل كانت حورية في السماء.
الجيش السوري الحر لم يبدأ في الظهور آنذاك فذهب الى بلد عربي حيث تم استقباله و تخصيص مكان اقامة له اتصل به السفير السوري الذي كان سابقا قائدا لجهاز أمني و عرض عليه العودة لدمشق مع مغريات مادية وأدبية حال عودته لصفوف الجيش مرة أخرى شرط الظهور على قناة «الدنيا» والاعتراف بأن العصابات المسلحة أجبرتنه على الانشقاق وهو ما رفضه بالقطع.
تزايدت الانشقاقات و تكونت كتيبة ابن الوليد في الرستن فقرر العودة مضيفيه رفضوا طلبه ضنا بحياته و لكنه أصر قال أنا لم أنشق كي أجلس في الفنادق و أستمتع بلذيذ الطعام بينما أهلي يذبحون أن أنشققت كي أحمي أهلي و كان له ما أراد.
نداء الجنة كان يزداد قوة هناك من ينتظره شيئ قوي يشده هنا مكانك هنا منزلك هنا الكوثر و هنا الفردوس الأعلى.
في منتصف رمضان عاد الى درعا و كون مجموعة صغيرة لحماية المدنين من الشبيحة و مع عيد الفطر عاد الى مسقط رأسه لينضم الى كتيبة خالد بن الوليد و تولى الدفاع عن المدخل الشرقي للرستن و في يوم الأربعاء 28/9/2011 بدات قوات الجيش الاسدي بهجومها الثاني على مدينة الرستن مئات الدبابات و الطيران الحربي و المدفعية تحاصر الرستن و تقصفها دون تميز ليلا نهار دمرت المساجد و المستشفيات هدمت المنازل على رؤس الاطفال و النساء اشتعلت الحرائق عشرات القتلى و مئات الجرحى و الجيش الاسدي يتلذذ بالقتل رفاق الامس الذي كان يشاركهم الطعام من نفس الجفنة و يتدربون معا لحماية أبناء الوطن هم من يقتلون ابناء وطنه اليوم الرائد عبد الرحمن الشيخ قائد كتيبة خالد بن الوليد قال له هل من الممكن أن يدخولوا من جهتك قال أحمد أنا لا أنهزم فمادامت حيا فاعلم أن المدخل الشرقي صامد و عندما ينهار االمدخل الشرقي فاعلم أنني استشهدت و فعلا ظل يقاتل هو وبضع عشرات من عناصره يومين متتالين بسلاح فردي بسيط يصد جحافل الدبابات و يمنعها من التقدم و في يوم الأربعاء أتته رصاصة غادرة نزف على أثرها حتى الموت , حوريته تنتظره الجنة و هو لا يدري ما أعد له من قرة عين , هنيئا لك الجنة يا أحمد هنيئا لك ملا عين رأت و لا أذن سمعت لقد استحققت مرتبة القدسين لقد استحققت الفردوس الأعلى.
هنيأً لك الجنة أيها الشهيد ...