08/10/2017
تشي
بقلم: مهدي الزغديدي
في مثل هذا اليوم 8 أكتوبر 1967 ألقت القوّات البوليفيّة والاستخبارات الأمريكيّة القبض على الثوري تشي غيفارا.
لا يتوافق معه الليبراليون بسبب أفكاره الشيوعيّة، ولا يتفق مع المتدينون بسبب إلحاده، ولا تقبله الحكومات بسبب تحريضه للشعوب للثورة عليهم، وقد يختلف معه الثوريين لأنهم يرونه ثوري إلى حد التهوّر، لكنهم يتفقون كلّهم على أنه أحد أهم الشخصيّات العالميّة الأكثر تأثيرا في القرن العشرين، وأحد أشهر الثوريين في ذلك القرن على الإطلاق. هو الدكتور إرنستو غيفارا دِلاسرنا والمشهور بارنستو تشي غيفارا. ولد في بوينس أيرس في الأرجنتين في 14 جوان 1924. كان مغرما بالرياضات والشطرنج والمطالعة. دخل غيفارا جامعة بوينس آيرس عام 1948 لدراسة الطب. وفي عام 1951، أخذ إجازة لمدة سنة للشروع في رحلة يعبر فيها أمريكا الجنوبية على دراجة نارية مع صديقه ألبيرتو غرانادو. شعر غيفارا بالذهول لشدة فقر المناطق الريفية النائية، حيث يعمل الفلاحون في قطع صغيرة من الأراضي المملوكة من قبل الملاك الأثرياء. وصل غيفارا إلى استنتاج بأن أمريكا اللاتينية ليست مجموعة من الدول المنفصلة، ولكنها كيان واحد يتطلب إستراتيجية تحرير على نطاق القارة، والتخلّص من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكيّة التي تنهب ثروات أمريكا الجنوبيّة مستغلّة انتشار الفقر. ورأى غيفارا أن العلاج الوحيد هو الثورة العالمية. استخدم غيفارا المذكرات التي اتخذها خلال هذه الرحلة لكتابة كتاب بعنوان يوميات دراجة نارية والذي أصبح أفضل كتاب مبيعا في أمريكا الجنوبيّة كما وصفته نيويورك تايم. أكمل دراسته وحصل على شهادة الطب في جوان 1953. انطلق غيفارا في رحلة جديدة ووصل إلى غواتيمالا ظل حكم الرئيس جاكوبو أربينز غوزمان الذي سانده في الإصلاحات الزاعيّة التي كان يقوم بها من أجل شعبه. لكنّ الولايات المتحدة قامت بالإطاحة به، فتيقّن غيفارا أن محاربة الولايات المتحدة لا تتم إلا من خلال الكفاح المسلح الذي يدافع عنه الشعب المسلح والطريق الوحيد لتصحيح مثل هذه الظروف هي الماركسيّة وذلك بتعزيزها. فانتقل غيفارا الى مكسكو حيث كان الثورييون الكوبيين ينتظرون خروج زعيمهم فيدال كاسترو من السجن للقيام بثورتهم. تعرّف هناك على راؤول كاسترو شقيق فيدال (والرئيس الحالي لكوبا) الذي قرّبه إلى الزعامة الثوريّة بعد أن أثبت غيفارا تفوّقه العسكري في تدريبات حرب العصبات، وأصبح يعرف باسم تشي أي الرفيق. وبعد سيطرة فيدال كاسترو على الحكم اثر الاطاحة بالنظام الديكتاتوري المدعوم من الولايات المتحدة، تمت ترقية تشي وأصبح الرجل الثاني في القيادة بعد أن لعب دورا محوريا في نجاح حملة على مدار عامين من الحرب المسلحة التي أطاحت بنظام باتيستا. تحوّل غيفرا الى أهم رجال كوبا فقام بإصلاح نظام العدالة وأسس قوانين الإصلاح الزراعي عندما كان وزيرا للصناعة وعمل أيضا كرئيس ومدير للبنك الوطني ورئيس تنفيذى للقوات المسلحة الكوبية، كما جاب العالم كدبلوماسي باسم الاشتراكية الكوبية. كان تشي يؤمن بأن العمل التطوعي جزء لا يتجزأ من مواصلة تعزيز الشعور "بالوحدة الوطنية بين الفرد والجماعة"، لذى قام غيفارا بالقيادة وتقديم المثل، وهذا عن طريق العمل "إلى ما لا نهاية في وظيفته في الوزارة في مجال البناء وحتى قطع قصب السكر" في أيام عطلته، كان معروفا بالعمل 36 ساعة متواصله داعيا لاجتماعات بعد منتصف الليل وتناول الطعام بشكل عارض. لكنّ أغلب الإصلاحات الماركسيّة التي أراد تطبيقها انتهت بالفشل بعد أن ثبت فشل تطبيق أغلب النظريّات الإشتراكيّة. جاب تشي غيفار العالم من أجل دعم الدبلوماسيّة الاشتراكيّة الكوبيّة، ممّا جعل الولايات المتحدة تشعر بخطورته عليها. وفي ديسمبر 1964 تحدّى تشي غيفارا الولايات المتحدة، واتجه الى مدينة نيويورك على رأس الوفد الكوبي لإلقاء كلمة في الأمم المتحدة، وخلال كلمته الحماسية انتقد غيفارا عدم قدرة الأمم المتحدة لمواجهة السياسة "الوحشية ونظام الفصل العنصري" في جنوب أفريقيا وانتقد ساخطا اللإمبرياليّة العالميّة. ثمّ قام بجولة عالميّة استمرّت ثلاث أشهر زار فيها ايرلند والصين والاتحاد السوفيات والعديد من الدول الإفريقيّة كما زار مصر والجزائر أين كان آخر ظهور علني له. وفي مارس قل ظهور غيفارا في الحياة العامة ومن ثم اختفى تماما. كان مكان وجوده لغزا كبيرا في كوبا حيث كان ينظر إليه عادة باعتباره الرجل الثاني في السلطة بعد كاسترو نفسه. اختفائه نسب بأشكال مختلفة إلى فشل خطة التصنيع حين كان وزير الصناعة، وإلى الضغوط التي كانت تمارس على كاسترو من قبل المسؤولين السوفيتيين الرافضين لسياسة غيفارا. فقد اختلف تشي مع كاسترو بسبب اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه.كما كان يحتقر الوصوليين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا. وفي 3 أكتوبر كشف كاسترو عن رسالة غير مؤرخة منسوبة إلي غيفارا مرسلة من عدة أشهر: أشار فيها غيفارا من جديد إلى تضامنه الدائم مع الثورة الكوبية ولكنه أعلن عن نيته لمغادرة كوبا من أجل القتال من أجل القضايا الثورية في الخارج. إضافة إلى ذلك استقال غيفارا من جميع مناصبه في الحكومة والحزب وتخلى عن الجنسية الكوبية الفخرية.
وظلت تحركات جيفارا محاطة بالسرية للسنتين المقبلتين. قرر غيفارا المغامرة إلى أفريقيا في عام 1965 ليقدم علمه وخبرته بوصفه خبير في حرب العصابات إلى الصراع الجاري في الكونغو. كان هدف غيفارا هو تصدير الثورة عن طريق إيعاز القوى المحلية المعادية لموبوتو المقاتلين سيمبا عن الفكر الماركسي وإستراتيجيات نظرية فوكو عن حرب العصابات. خلص غيفارا إلى أن "العنصر البشري فشل. لا توجد إرادة للقتال، والقادة فاسدون، باختصار لم يكن هناك شيء يمكننى القيام به. بعد أسابيع قليلة، عند كتابة مقدمة لمذكراته عن مشروع الكونغو، بدأ كتابته: "هذا هو تاريخ الفشل."، وقرّر مغادرة إفريقيا. وفي ذلك الوقت كانت وكالة الإستخبارت الأمريكيّة تتعقّبه للتخلّص منه مخافة أن تنتشر أفكاره الثوريّة في العالم.
وصل غيفار سرّا إلى بوليفيا لتأجيج ثورة في بوليفيا لكن غيفارا كان غير قادر على اجتذاب أي من سكان المنطقة المحليين للانضمام إلى الميليشيا التابعة له خلال 11 شهرا التي حاول خلالها تجنيد المجندين. قرب نهاية المشروع اشتكى غيفارا في مذكراته أن "الفلاحين لا يقدمون لنا أي مساعدة ويتحولون إلى مخبرين." وفعلا فقد استطاعت القوّات البوليفيّة بالاستعانة بالمخابرات المركزيّة أن تتعرّف على مكان تشي، وفي مثل هذا اليوم 8 أكتوبر 1967 تمّ القاء القبض على تشي غيفارا من قبل الجيش البوليفي. وفي يوم 9 أكتوبر أمر الرئيس البوليفي رينيه باريينتوس بقتل غيفارا، فتمّ اطلاق النار عليه واخفاء الجثّة بعد أن تم بتر يده وارسالها الى الأرجنتين للتثبت من تطابق البصمات.
رغم وفاته، بقي فكر تشي غيفارا الثوري ساريا وتحوّل إلى رمز الشباب الثائر الطامح إلى التخلّص من سيطرة القوى العالميّة، وتحوّلت أيقونة تشي جيفارا إلى أكثر الصور المسلّعة والمتاجر بها، يمكنك أن تجدها على سلع كثيرة كالشارات، القمصان، الأعلام، السجاجيد، الملصقات، الأوشام وحتى على المايوهات، الصورة الأصلية تم التقاطها بواسطة ألبيرتو كوردا في حفل تأبيني، في ذلك الوقت طبعًا، كان الوحيد الذي أعجب بتلك اللقطة، لم يكن يعرف أنها ستحقق نجاحا ساحقا في السنين المقبلة. ولم تستطع الولايات المتحدة المتحدة نفسها منع الشباب الأمريكي من حمل صور تشي،بل إن رموز الماركات الإمبرياليّة التي حاربها تشي، أصبحت تستغلّ صورته للترويج لسلعها.