كيفما اليوم

  • Home
  • كيفما اليوم

كيفما اليوم كل يوم صارت حكاية كيفما اليوم نحكيوها بلغة ساهلة ومشوق?

08/10/2017

تشي
بقلم: مهدي الزغديدي
في مثل هذا اليوم 8 أكتوبر 1967 ألقت القوّات البوليفيّة والاستخبارات الأمريكيّة القبض على الثوري تشي غيفارا.
لا يتوافق معه الليبراليون بسبب أفكاره الشيوعيّة، ولا يتفق مع المتدينون بسبب إلحاده، ولا تقبله الحكومات بسبب تحريضه للشعوب للثورة عليهم، وقد يختلف معه الثوريين لأنهم يرونه ثوري إلى حد التهوّر، لكنهم يتفقون كلّهم على أنه أحد أهم الشخصيّات العالميّة الأكثر تأثيرا في القرن العشرين، وأحد أشهر الثوريين في ذلك القرن على الإطلاق. هو الدكتور إرنستو غيفارا دِلاسرنا والمشهور بارنستو تشي غيفارا. ولد في بوينس أيرس في الأرجنتين في 14 جوان 1924. كان مغرما بالرياضات والشطرنج والمطالعة. دخل غيفارا جامعة بوينس آيرس عام 1948 لدراسة الطب. وفي عام 1951، أخذ إجازة لمدة سنة للشروع في رحلة يعبر فيها أمريكا الجنوبية على دراجة نارية مع صديقه ألبيرتو غرانادو. شعر غيفارا بالذهول لشدة فقر المناطق الريفية النائية، حيث يعمل الفلاحون في قطع صغيرة من الأراضي المملوكة من قبل الملاك الأثرياء. وصل غيفارا إلى استنتاج بأن أمريكا اللاتينية ليست مجموعة من الدول المنفصلة، ولكنها كيان واحد يتطلب إستراتيجية تحرير على نطاق القارة، والتخلّص من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكيّة التي تنهب ثروات أمريكا الجنوبيّة مستغلّة انتشار الفقر. ورأى غيفارا أن العلاج الوحيد هو الثورة العالمية. استخدم غيفارا المذكرات التي اتخذها خلال هذه الرحلة لكتابة كتاب بعنوان يوميات دراجة نارية والذي أصبح أفضل كتاب مبيعا في أمريكا الجنوبيّة كما وصفته نيويورك تايم. أكمل دراسته وحصل على شهادة الطب في جوان 1953. انطلق غيفارا في رحلة جديدة ووصل إلى غواتيمالا ظل حكم الرئيس جاكوبو أربينز غوزمان الذي سانده في الإصلاحات الزاعيّة التي كان يقوم بها من أجل شعبه. لكنّ الولايات المتحدة قامت بالإطاحة به، فتيقّن غيفارا أن محاربة الولايات المتحدة لا تتم إلا من خلال الكفاح المسلح الذي يدافع عنه الشعب المسلح والطريق الوحيد لتصحيح مثل هذه الظروف هي الماركسيّة وذلك بتعزيزها. فانتقل غيفارا الى مكسكو حيث كان الثورييون الكوبيين ينتظرون خروج زعيمهم فيدال كاسترو من السجن للقيام بثورتهم. تعرّف هناك على راؤول كاسترو شقيق فيدال (والرئيس الحالي لكوبا) الذي قرّبه إلى الزعامة الثوريّة بعد أن أثبت غيفارا تفوّقه العسكري في تدريبات حرب العصبات، وأصبح يعرف باسم تشي أي الرفيق. وبعد سيطرة فيدال كاسترو على الحكم اثر الاطاحة بالنظام الديكتاتوري المدعوم من الولايات المتحدة، تمت ترقية تشي وأصبح الرجل الثاني في القيادة بعد أن لعب دورا محوريا في نجاح حملة على مدار عامين من الحرب المسلحة التي أطاحت بنظام باتيستا. تحوّل غيفرا الى أهم رجال كوبا فقام بإصلاح نظام العدالة وأسس قوانين الإصلاح الزراعي عندما كان وزيرا للصناعة وعمل أيضا كرئيس ومدير للبنك الوطني ورئيس تنفيذى للقوات المسلحة الكوبية، كما جاب العالم كدبلوماسي باسم الاشتراكية الكوبية. كان تشي يؤمن بأن العمل التطوعي جزء لا يتجزأ من مواصلة تعزيز الشعور "بالوحدة الوطنية بين الفرد والجماعة"، لذى قام غيفارا بالقيادة وتقديم المثل، وهذا عن طريق العمل "إلى ما لا نهاية في وظيفته في الوزارة في مجال البناء وحتى قطع قصب السكر" في أيام عطلته، كان معروفا بالعمل 36 ساعة متواصله داعيا لاجتماعات بعد منتصف الليل وتناول الطعام بشكل عارض. لكنّ أغلب الإصلاحات الماركسيّة التي أراد تطبيقها انتهت بالفشل بعد أن ثبت فشل تطبيق أغلب النظريّات الإشتراكيّة. جاب تشي غيفار العالم من أجل دعم الدبلوماسيّة الاشتراكيّة الكوبيّة، ممّا جعل الولايات المتحدة تشعر بخطورته عليها. وفي ديسمبر 1964 تحدّى تشي غيفارا الولايات المتحدة، واتجه الى مدينة نيويورك على رأس الوفد الكوبي لإلقاء كلمة في الأمم المتحدة، وخلال كلمته الحماسية انتقد غيفارا عدم قدرة الأمم المتحدة لمواجهة السياسة "الوحشية ونظام الفصل العنصري" في جنوب أفريقيا وانتقد ساخطا اللإمبرياليّة العالميّة. ثمّ قام بجولة عالميّة استمرّت ثلاث أشهر زار فيها ايرلند والصين والاتحاد السوفيات والعديد من الدول الإفريقيّة كما زار مصر والجزائر أين كان آخر ظهور علني له. وفي مارس قل ظهور غيفارا في الحياة العامة ومن ثم اختفى تماما. كان مكان وجوده لغزا كبيرا في كوبا حيث كان ينظر إليه عادة باعتباره الرجل الثاني في السلطة بعد كاسترو نفسه. اختفائه نسب بأشكال مختلفة إلى فشل خطة التصنيع حين كان وزير الصناعة، وإلى الضغوط التي كانت تمارس على كاسترو من قبل المسؤولين السوفيتيين الرافضين لسياسة غيفارا. فقد اختلف تشي مع كاسترو بسبب اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه.كما كان يحتقر الوصوليين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا. وفي 3 أكتوبر كشف كاسترو عن رسالة غير مؤرخة منسوبة إلي غيفارا مرسلة من عدة أشهر: أشار فيها غيفارا من جديد إلى تضامنه الدائم مع الثورة الكوبية ولكنه أعلن عن نيته لمغادرة كوبا من أجل القتال من أجل القضايا الثورية في الخارج. إضافة إلى ذلك استقال غيفارا من جميع مناصبه في الحكومة والحزب وتخلى عن الجنسية الكوبية الفخرية.
وظلت تحركات جيفارا محاطة بالسرية للسنتين المقبلتين. قرر غيفارا المغامرة إلى أفريقيا في عام 1965 ليقدم علمه وخبرته بوصفه خبير في حرب العصابات إلى الصراع الجاري في الكونغو. كان هدف غيفارا هو تصدير الثورة عن طريق إيعاز القوى المحلية المعادية لموبوتو المقاتلين سيمبا عن الفكر الماركسي وإستراتيجيات نظرية فوكو عن حرب العصابات. خلص غيفارا إلى أن "العنصر البشري فشل. لا توجد إرادة للقتال، والقادة فاسدون، باختصار لم يكن هناك شيء يمكننى القيام به. بعد أسابيع قليلة، عند كتابة مقدمة لمذكراته عن مشروع الكونغو، بدأ كتابته: "هذا هو تاريخ الفشل."، وقرّر مغادرة إفريقيا. وفي ذلك الوقت كانت وكالة الإستخبارت الأمريكيّة تتعقّبه للتخلّص منه مخافة أن تنتشر أفكاره الثوريّة في العالم.
وصل غيفار سرّا إلى بوليفيا لتأجيج ثورة في بوليفيا لكن غيفارا كان غير قادر على اجتذاب أي من سكان المنطقة المحليين للانضمام إلى الميليشيا التابعة له خلال 11 شهرا التي حاول خلالها تجنيد المجندين. قرب نهاية المشروع اشتكى غيفارا في مذكراته أن "الفلاحين لا يقدمون لنا أي مساعدة ويتحولون إلى مخبرين." وفعلا فقد استطاعت القوّات البوليفيّة بالاستعانة بالمخابرات المركزيّة أن تتعرّف على مكان تشي، وفي مثل هذا اليوم 8 أكتوبر 1967 تمّ القاء القبض على تشي غيفارا من قبل الجيش البوليفي. وفي يوم 9 أكتوبر أمر الرئيس البوليفي رينيه باريينتوس بقتل غيفارا، فتمّ اطلاق النار عليه واخفاء الجثّة بعد أن تم بتر يده وارسالها الى الأرجنتين للتثبت من تطابق البصمات.
رغم وفاته، بقي فكر تشي غيفارا الثوري ساريا وتحوّل إلى رمز الشباب الثائر الطامح إلى التخلّص من سيطرة القوى العالميّة، وتحوّلت أيقونة تشي جيفارا إلى أكثر الصور المسلّعة والمتاجر بها، يمكنك أن تجدها على سلع كثيرة كالشارات، القمصان، الأعلام، السجاجيد، الملصقات، الأوشام وحتى على المايوهات، الصورة الأصلية تم التقاطها بواسطة ألبيرتو كوردا في حفل تأبيني، في ذلك الوقت طبعًا، كان الوحيد الذي أعجب بتلك اللقطة، لم يكن يعرف أنها ستحقق نجاحا ساحقا في السنين المقبلة. ولم تستطع الولايات المتحدة المتحدة نفسها منع الشباب الأمريكي من حمل صور تشي،بل إن رموز الماركات الإمبرياليّة التي حاربها تشي، أصبحت تستغلّ صورته للترويج لسلعها.

06/10/2017

حرب العبور
بقلم: مهدي الزغديدي
في مثل هذا اليوم 6 أكتوبر 1973 شنت مصر وسوريا حربا على الكيان الصهيوني عرفت بحرب أكتوبر.
تسمّى حرب أكتوبر أو حرب العبور لأنّ القوّات المصريّة استطاعت عبور قناة السويس عبر خط برليف، كما يسمّيها المصريّون بحرب العاشر من رمضان فيما تعرف في سوريا بحرب تشرين التحريريّة، أمّا في دولة الإحتلال الصهيوني بحرب يوم الغفران (الكيبور) لتزامنها مع عيد الغفران اليهودي. وهي الحرب الرابعة في سلسلة الصراع العربي الصهيوني، وأحد المنعرجات الفارقة في التاريخ العربي المعاصر.
خسر العرب حربهم الأولى ضد الكيان الصهيوني عام 1948 أدّت إلى قيام ما يسمّى بدولة إسرائيل وخسارة نصف أراضي فلسطين، أمّا الحرب الثانية فكانت أثناء العدوان الثلاثي من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل سنة 1956 ردا على تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس انتهت بانتصار سياسي لمصر وخسارتها جزءا من السيادة على سيناء إلى أن كانت الحرب الثالثة في جوان 1967 التي خسر فيها العرب بقيّة الأراضي الفلسطينيّة والقدس الشرقيّة وكامل سيناء (بالتالي شلّ السيادة على قناة السويس) وهضبة الجولان السوريّة والضفة الغربيّة، إضافة إلى الخسائر الفادحة والكارثيّة في الأرواح والمعدّات العسكريّة، والإنكسار النفسي الذي عمّ الشعوب العربيّة بعد هذه الهزيمة. رفض الكيان الصهيوني تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يطالب الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها في 1967 مع مطالبة الدول العربية المجاورة لإسرائيل بالاعتراف بها وبحدودها. تواصلت الإشتباكات المتقطّعة بين مصر والكيان الصهيوني إثر تلك الحرب فيما يعرف بحرب الاستنزاف. وفي 28 سبتمبر 1970 توفّي الرئيس المصري جمال عبد الناصر وخلفه نائبه أنور السادات. أراد السادات القيام بعمل يتميّز به على عبد الناصر ويكوّن له شعبيّة مفقودة لدى الجماهير، فقد أتى بحكم الدستور لا بالانتخابات. فنسّق مع الرئيس السوري حافظ الأسد القيام بهجوم مشترك مفاجئ على إسرائيل. كان الكيان الصهيوني مطمئنا على انكسار الجيوش العربيّة بعد حرب 67، ومع ذلك فقد أنفق الإسرائيليون 300 مليون دولار لإنشاء سلسلة من الحصون والطرق والمنشآت الخلفية والخنادق أطلق عليها اسم خط بارليف ولقد امتدت هذه الدفاعات أكثر من 160 كم على طول الضفة الشرقيّة لقناة السويس. كما أنشأ الإسرائيليون على طول الخط ساتراً ترابياً ضخماً يتراوح ارتفاعه بين 10م و5م، واستخدم كوسيلة لإخفاء التحركات الإسرائيلية، وصُمّم ليمنع العبور بالمركبات البرمائية بفضل ميله الحاد.
وفي مثل هذا اليوم 6 أكتوبر 1973، وبينما كان الصهاينة يحتفلون بعيد الغفران، و مطمئنين أن العرب لن يتحرّكوا للأسباب التي ذكرت سالفا، اضافة الى تزامن ذلك الوقت مع شهر رمضان المعظّم لدى المصريين والعرب عامّة، وعند الساعة الثانية ظهرا، شنت مصر وسوريا هجوما متزامنا على إسرائيل. فقد هاجمت القوات السورية تحصينات وقواعد القوات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، بينما هاجمت القوات المصرية تحصينات إسرائيل بطول قناة السويس وفي عمق شبه جزيرة سيناء. فأما في الجبهة السوريّة، فقد دمرت القوات السورية التحصينات الكبيرة التي أقامتها إسرائيل في هضبة الجولان، وحقق الجيش السوري تقدمًا كبيرًا في الأيام الأولى للقتال واحتل قمة جبل الشيخ في 7 أكتوبر، وأسر 31 جندي إسرائيلي وقتل 30 جندي آخرين ورفع العلم السوري مدعومة بالقوّات العراقيّة في أعلى قمّة الجبل مما أربك الجيش الإسرائيلي. لكن وبداية من 8 أكتوبر قامت القوّات الصهيونيّة بهجوم مضاد، ولأسباب غير معروفة حتى الآن جاءت الأوامر للقوات المتقدمة بالانسحاب والتراجع وهي مكشوفة وبدون غطاء جوي مما مكن الطيران الإسرائيلي من إلحاق خسائر جسيمة بالقوات المنسحبة. ممّا حوّل ميزان القوى بالدبابات لصالح العدو، وبدأت منذ 22 أكتوبر بخرق الجبهة السوريّة، إلّا أن القوّات السوريّة استبسلت في الصمود أمام العدوّ رغم الخسائر. أما في الجبهة المصريّة فقد خرجت 222 طائرة مصرية من مطاراتها ودكت مواقع الجيش الإسرائيلى ومراكز قيادته و اتصالاته في سيناء وعادت لقواعدها بخسائر بسيطه ، وضربت مئات المدافع تحصينات خط برليف فى الناحية الشرقية من قناة السويس، واستطاع 30 الف جندي عبور قناة السويس فى 2500 مركب مطاطى. في صباح يوم الأحد 7 أكتوبر أنجزت عبورها لقناة السويس وأصبح لدى القيادة العامة المصرية 5 فرق مشاة بكامل أسلحتها الثقيلة في الضفة الشرقية للقناة. تفاجأت قوّات العدوّ الصهيوني بالهجوم المتزامن مع نظيره في الجبهة السوريّة وبدأت في الردّ يوم 8 أكتوبر. واستطاعت القوّات الاسرائليّة التفطّن إلى وجود ثغرة بفضل طائرة تجسس أمريكيّة مدّتها بتفاصيل التحرّك المصري، مما مكّن قوة إسرائيلية صغيرة ليلة 15 أكتوبر من اجتياز قناة السويس إلى ضفتها الغربية. شكل عبور هذه القوة الإسرائيلية إلى الضفة الغربية للقناة مشكلة تسببت في ثغرة في صفوف القوات المصرية عرفت باسم "ثغرة الدفرسوار". حاولت إسرائيل احتلال مدينتي السويس والإسماعيليّة إلّا أنها وجدت مقاومة شعبيّة وعسكريّة كبرى. وقد تدخّلت الولايات المتحدة الأمريكيّة إلى جانب إسرائيل بعد أن رأت أن الحرب تهدّد الوجود الإسرائيلي نفسه، فأنشأت جسرا جويّا لمدّ القوّات الصهيونيّة بالمعدّات العسكريّة اللازمة لصدّ الهجوم العربي. تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وتم إصدار القرار رقم 338 الذي يقضي بوقف جميع الأعمال الحربية بدءاً من يوم 22 أكتوبر عام 1973. وقبلت مصر بالقرار ونفذته اعتبارا من مساء نفس اليوم إلا أن القوات الإسرائيلية خرقت وقف إطلاق النار، فأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا آخر يوم 23 أكتوبر يلزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار. أما سوريا فلم تقبل بوقف إطلاق النار، وبدأت حرب جديدة أطلق عليها اسم «حرب الاستنزاف» هدفها تأكيد صمود الجبهة السورية وزيادة الضغط على إسرائيل لإعادة باقي مرتفعات الجولان. واستمرت هذه الحرب مدة 82 يوماً. في نهاية شهر ماي 1974 توقف القتال بعد أن تم التوصل إلى اتفاق هدنة بين الطرفين يتواصل إلى اليوم مع اعادة اسرائيل احتلال هضبة الجولان، بينما بدلت مصر وإسرائيل اتفاقية الهدنة باتفاقية سلام شاملة في "كامب ديفيد" 1979، أدى إلى تحوّل الرأي الشعبي حول السادات من بطل قومي إلى خائن، نتج عنه طرد مصر من الجامعة العربيّة.
كان من أهم نتائج الحرب استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، وتحطم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر والتي كان يقول بها القادة العسكريون في إسرائيل، وعودة الملاحة في قناة السويس في جوان 1975، واستعمال العرب للنفط كسلاح لأوّل مرّة (وآخر مرّة). فقد شاركت عدّة دول عربيّة في الحرب عسكريّا كالعراق والكويت والجزائر وتونس وليبيا والسودان والمغرب والسعوديّة. كما شاركت الدول العربيّة الغنيّة بالنفط بالحرب إقتصاديّا عبر رفع أسعار البترول من جانب واحد وقطع الإمدادات على الدول الداعمة لإسرائيل أهمها أمريكا وهولندا فيما عرف بالصدمة النفطيّة الأولى.

05/10/2017

أشياء لا تشترى
بقلم: مهدي الزغديدي
في مثل هذا اليوم 5 أكتوبر 1985 قام المجند المصري سليمان خاطر بقتل 7 إسرائيليين بعد أن حاولوا التسلل إلى الأراضي المصريّة
"أترى حين أفقأ عينيك.. ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟ انها أشياء لا تشترى". هكذا وصف الشاعر أمل دنقل الكرامة والشرف وحب الوطن. وهكذا فهمها المجند الرقيب المصري سليمان خاطر عندما كلف بمهمّة حراسة نقطة حدوديّة مع الكيان الصهيوني.
لم يكن سليمان خاطر يعرفه أحد في مصر غير عائلته وأصدقائه ورؤسائه المباشرين في العمل. ولد سليمان محمد عبد الحميد خاطر عام 1961 في محافظة الشرقيّة بمصر، من أسرة بسيطة، وهو الخامس والأخير بين أبنائها. شهد وهو ابن 9 سنوات جريمة مدرسة بحر البقر عام 1970 عندما قصفت طائرات فونتوم صهيونيّة مدرسة في قرية بحر البقر وقتلت 30 تلميذا، ورأى بأم عينيه مذهولا أشلاء زملائه متناثرة، لا ذنب لها إلّا أنها تحمل الجنسيّة العربيّة المصريّة، من دون أن تعاقب دولة الإحتلال الصهيوني. تحصّل على الثانويّة العامّة (الباكالوريا) والتحق بكليّة الحقوق بالزقازيق. ثمّ التحق بالخدمة العسكريّة الإجباريّة، وتمّ تعيينه في قوّات الأمن المركزي.
كان سليمان في موقع النقطة 46 التي أوكل إلى رجالها تأمين حدود مصر من ناحية خليج العقبة، ومراقبة المياه الإقليمية والشاطئ، والطريق الممتدّ من طابا إلى شرم الشيخ، وهي منطقة جبلية صخريّة شديدة الوعورة غير سياحية، على بعد 21 كم جنوباً و46 كم شمالاً من أقرب منتجع سياحي. أعطي مدفعاً رشاشاً لحمايتها، مع الأمر بعدم السماح لأحد بالدخول إلى ذلك المركز إلاّ بإذن، مهما كان شأنه، حتى وإن كان مصريّا. كانت مصر في تلك الفترة قد وقعت منذ 6 سنوات اتفاقيّة السلام مع دولة الإحتلال جعلت دخول السياح الإسرائيليين إلى شرم أمرا عاديا. وقد استطاعت امرأة صهيونية قبل أيام أن تتحايل بالعري على أحد الجنود في سيناء، وتحصل منه على تردد أجهزة الإشارة الخاصة بالأمن المركزي هناك بعد أن ادخلها المركز المخصص للوحدة. وكان الشارع العربي مازال يغلي بعد قصف الطيران الصهيوني للفلسطينيين في مدينة حمام الشط في تونس في غرّة أكتوبر 1985 أسفر عن مقتل 70 بين فلسطينيين وتونسيين. كلّ هذه العوامل جعلت سليمان الخاطر منتبها على الحدود، ومعتبرا مهمته، على بساطتها، خدمة من أجل أمن بلده وشعبه. وفي مثل هذا اليوم 5 أكتوبر 1985، كان الوقت بعد الغروب بقليل، فوجئ بمجموعة من السائحين الإسرائيليين يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته، كان بينهم نساء عاريات يحاولون الإقتراب من نقطته، كان سليمان حازما في تطبيق أوامر رؤسائه بالحرف، فبدأ يصرخ فيهم بالأنقليزيّة أن توقفوا، لكنهم واصلوا المسير، فبدأ يطلق عيارات تحذيريّة في الهواء، وعندما رأى إصرارهم على الوصول إلى الهضبة قام سليمان بإطلاق النار عليهم فأردى منهم 7 قتلى وجريحين.
سلم سليمان خاطر نفسه بعد الحادث، وصدر قرار جمهوري بموجب قانون الطوارئ بتحويل الشاب إلى محاكمة عسكرية. من الغد صرّح الرئيس المصري في ذلك الوقت حسني مبارك أنه "في غاية الخجل" بسبب قيام جندي مصري بفتح النار على مجموعة من الصهاينة اخترقوا الحدود المصرية وقتل 7 منهم. وأعلن "شيمون بيريز" رئيس الوزراء الصهيوني قبوله للتبريرات المصرية قبولاً مؤقتاً بانتظار خاتمة الأمر ونتيجة المحاكم. كان سليمان خاطر ينتظر مكافئته لقيامه بمهمّتهه على الوجه الذي طلب منه لحماية أمن بلده. وقام محامي سليمان بالطعن في القرار الجمهوري وطلب محاكمته أمام محكمة مدنية، كما هو الحال مع رجال الشرطة بنص الدستور المصري، لكن طلبه قوبل بالرفض، لأن المسؤولين المصريين كانوا متأكدين من أنّ القضاء المصري سيبرئ ساحته، لأنه لم يفعل سوى القيام بواجبه، وأنه من الممكن أن تنشر أمام القضاء المدني أمور لا يحبّ المسؤولون أن تعرف. وبالفعل فقد تم تسريب محاضر التحقيقات مع سليمان، حيث كشف ارتباط أمن الحدود المصريين في سيناء بالصهاينة حيث قال "كلّه عمال يشتغلوا مع الأجانب وحيضيّعوا البلد، شغّلوا عليهم المخابرات وشوفوا همّه بيروحوا فين". ولمّا سؤل لماذا أصرّ على صدّ الصهاينة إلى حد قتلهم قال "أمال أنتم قلتم ممنوع ليه .. قولوا لنا نسيبهم وإحنا نسيبهم".
شنّت الصحف الموالية للحكومة هجوما على سليمان ووصفته بالمجنون بينما قادت صحف المعارضة حملة من أجل تحويله إلى محكمة الجنايات بدلاً من المحكمة العسكرية، وأصبح سليمان بطلا شعبيّا. وكان سليمان نفسه ينتظر عفوا رئاسيّا ويرى أن محاكمته تمويها سياسيّا أمام الكيان الصهيوني، فهو لم يقم إلّا بواجبه الذي فرضته عليه الدولة نفسها عندما سلّمته السلاح. وجاء تقرير الأطباء النفسيين ليؤكد الرواية التي سوّقتها الحكومة، فقد قال ان سليمان مختل عقليا وأنه يرى أشباحا ترعبه اسمها صهيونيّة. وبناءا على رأي الأطباء والضباط، وفي جلسة صاخبة ومشحونة أصدرت المحكمة العسكرية العليا في السويس يوم 28 ديسمبر 1985 حكمها بالقضية رقم 142 لعام 1985 والقاضي بالحكم بالسجن المؤبد لسليمان خاطر مع الأشغال الشاقة وصرخ سليمان "إن هذا الحكم، هو حكم ضد مصر، لأن جندي مصري أدى واجبه". وأصدرت الحكومة إثر ذلك يقضي بأن يكون اختيار جنود الامن المركزي مقتصرا على الأميين فقط، حتى لا يفكّر أي شرطي في المستقبل بطريقة تفكير سليمان. وبعد أسبوع وبالتحديد يوم 7 جانفي 1986 أعلنت الحكومة أن سليمان خاطر مات منتحرا في زنزانته بملاءة السرير بعد أن ربطها في نافذة تعلو 3 أمتار! وما أن شاع خبر موت سليمان خاطر حتى خرجت مظاهرات عارمة تندد بقتله، وخرج طلاب الجامعات، وكذلك طلاب المدارس الثانوية.لم تصدّق عائلته والمعارضة والرأي العام المصري الرواية الرسميّة خصوصا أن آثار التعنيف كانت بادية على الجثّة، كما رفضت السلطات طلب العائلة بإعادة تشريح الجثة. وقد علّقت أم سليمان على مقتل ابنها بالقول:"ابني أتقتل عشان ترضى عنهم أمريكا وإسرائيل".
يواصل أمل دنقل قصيدته : "لا تصالح على الدم.. حتى بدم! لا تصالح ! ولو قيل رأس برأس.. أكل الرؤوس سواء؟ أقلب الغريب كقلب أخيك ؟! أعيناه عينا أخيك ؟! وهل تتساوى يد .. سيفها كان لك.. بيد سيفها أثكلك ؟.. سيقولون : جئناك كي تحقن الدم .. جئناك . كن - يا أمير - الحكم.. سيقولون : ها نحن أبناء عم. قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك.. واغرس السيف في جبهة الصحراء.. إلى أن يجيب العدم.. إنني كنت لك.. فارسا، وأخا، وأبا، وملك!"

04/10/2017

حرب القرم
بقلم: مهدي الزغديدي
في مثل هذا اليوم 4 أكتوبر 1853 اندلعت حرب القرم بين الإمبراطورية العثمانيّة والإمبراطوريّة الروسيّة.
كانت الدولة العثمانيّة في أواسط القرن 19 تلقّب في أوروبا بالرجل المريض لما اعتراها من هوان وضعف أمام تصاعد القوى الإستعماريّة الأوروبيّة خصوصا بريطانيا وفرنسا. وكانت الإمبراطوريّة الروسيّة القيصريّة في تلك الفترة في تصاعد هي الأخرى، وبدأت أطماعها تتزايد للتوسّع والتحوّل إلى القوّة العظمى الجديدة. وأدرك الروس أن تحقيق هذه الأطماع لن يتم إلا بالقضاء على الدولة العثمانية، خاصة في منطقتي آسيا الوسطى والبلقان تمهيدا لوصول روسيا إلى المياه الدافئة (البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسّط). تسبّبت هذه الأطماع في وقوع عشرات الحروب بين العثمانيين والروس، استغرقت أكثر من ثلاث قرون. ورأت فرنسا وبريطانيا في هذه الحروب الطويلة والعنيفة بين الجانبين تحقيقا لمصالحهما، من حيث إضعاف روسيا وردعها عن التدخل الفاعل والنشط في السياسة الأوروبية، وإبعادها عن المنافسة في المجال الاستعماري، وكذلك إضعاف الدولة العثمانية التي تتمدد أملاكها في 3 قارات تمهيدا لتقسيمها بطريقة لاتؤثر على التوازن في السياسة الدولية. وقد رأت بريطانيا أن الأولويّة هي صدّ التهديد الروسي قبل إسقاط الدولة العثمانيّة، إذ أن هزيمة العثمانيين في تلك الفترة فيه تهديد لمصالحها وأمن مستعمراتها في الهند، فالدولة العثمانيّة تقف سدا منيعا أمام الأطماع الروسية، والحيلولة دون وصول الروس إلى المياه الدافئة ومن ثم مزاحمة بريطانيا في أماكن نفوذها. أمّا فرنسا التي كانت تعتبر أكبر منافس استعماري لبريطانيا، فقد رأت أن تحالف البريطانيّين مع العثمانيين ضد الروس في أي حرب قادمة دون باريس يعني تمكن بريطانيا من تحقيق كثير من الأطماع الاستعمارية في الدولة العثمانية على حساب المطامع الفرنسية،لذا قرّرت باريس الدخول إلى تلك الحرب المنتظرة، حتى لا تستحوذ بريطانيا على الموقف الأقوى في السياسة العالمية. وكانت تونس في تلك الفترة تحت حكم الملك المصلح المشير أحمد باي، الذي اهتمّ اهتماما شديدا بتطوير الجيش (إنشاء المدرسة الحربيّة بباردو، ومصانع الأسلحة)، قد قرّر المشاركة في الحرب المتوقّعة بين العثمانيين والروس بهدف استعراض قوّة جيشه أمام الفرنسيين الذين كانوا قد احتلوا الجزائر سنة 1830 وذلك بغرض إظهار قدراتها على الردّع وامتلاكها جيشا عصرياً قادراً على الدفاع عنها في حال تمادت الأطماع الفرنسية وأرادت احتلال تونس.
كانت، ومازالت، وستزال الأراضي المقدسة في فلسطين محور اهتمام الدول العظمى عبر التاريخ، وأهم أسباب الصراع بينها. وقد كانت الدولة العثمانيّة هي المسيطرة في تلك الفترة على فلسطين، فاشتدّ عليها الضغط من القوى العظمى على إدارة الأماكن المقدسة للمسيحيين في فلسطين. وقد رضخ السلطان العثماني لفرنسا التي كانت تمثّل المسيحيين الكاثوليك، ومنح إدارة الأماكن المقدّسة لهم. تسبّب هذا الموقف من استياء نيقولا الأوّل قيصر روسيا الأرثدوكسيّة، والذي كان متعصبا دينيا. فقام بإرسال بعثة دبلوماسية للتفاوض مع السلطان العثماني في قضيّة الأماكن المقدسة ، والحصول على امتيازات للأرثودوكس في الدولة ، وتنحية الرهبان الكاثوليك ، وتولي الرهبان الأرثوذوكس ، بحيث تصبح الكلمة العليا للأرثوذوكس في الأماكن المقدسة في فلسطين. حثّت بريطانيا وفرنسا السلطان العثماني على رفض المطالب الروسيّة مقابل الوقوف معه في أي حرب قادمة، فكان لها ذلك، مما أدى الى إثارة غضب الروس ، وتمّ قطع العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين استعداداً للحرب. وقامت روسيا في جويلية 1853 بارسال حوالي 35 ألف جندي روسي لاحتلال إمارات الدانوب (رومانيا) التي كانت تابعة آنذاك للدولة العثمانية، وقالت روسيا وأن ما فعلته إجراء وقائي لحين اعتراف السلطان العثماني بحقوق الأرثوذكس في كنيسة القيامة في القدس، وأنها سوف تنسحب فور هذا الاعتراف. فقامت الدولتين بحشد قوات ضخمة على جبهات القتال، وعلى جبهتي الدانوب والقوقاز. وقامت القوّات الروسيّة بإغراق سفن عثمانيّة في البحر الأسود عند شبه جزيرة القرم أسفر عن استشهاد ألف جندي عثماني، ممّا دفع بالدولة العثمانيّة لإعلان الحرب في مثل هذا اليوم 4 أكتوبر 1853، والتي عرفت باسم حرب القرم.
وكما كان متوقعا فقد شاركت بريطانيا وفرنسا العثمانيين في الحرب إلى جانب تونس وإيطاليا. فإلى جانب 280 ألف جندي عثماني، أرسلت بريطانيا 200 ألف جندي وفرنسا 300 ألف جندي وإيطاليا 18 ألف أمّا تونس فقد أرسلت 20 ألف. استمرّت الحرب 3 سنوات عرف فيها الحلفاء عدّة انتصارات على روسيا أهمها السيطرة على ميناء القرم في ماي 1855. وفي أثناء الحرب توفي القيصر الروسي نيقولا الأول، وخلفه في الحكم ابنه ألكسندر الثاني الذي شعر بعدم قدرة بلاده على مواصلة الحرب، فقرر التفاوض للسلام، خاصة بعد المذكرة التي تقدمت بها النمسا لروسيا وحذرتها فيها من أن دولا أوروبية أخرى قد تدخل الحرب ضدها. فقرر اللجوء للمفاوضات ، وبالفعل تم إنهاء الحرب بتوقيع معاهدة باريس في 18 فيفري 1856 التي اعترفت فيها روسيا بانهزامها أمام الدولة العثمانيّة وحلفائها. تميزت هذه الحرب بسوء القيادة والإدارة من كلا الجانبين. فقد تمسك الضُباط القادة، وكان كثيرون منهم من الكِبَر بحيث لم يكونوا أكفاء لإدارة المعارك الميدانية، بمفاهيم نابوليونية عفا عليها الزمن، مما تسبب في وقوع الكثير من الكوارث. كما كانت الرعاية الصحية في المعسكرات معدومة عمليًا. وفاق عدد الذين ماتوا متأثرين بجراحهم، عدد من قتلوا في المعارك مباشرة. فقد خسرت تونس مثلا 16 ألف مقاتل من أصل 20 ألفا أرسلتهم، كما تسببت في مقتل 700 ألف شخص من الجانبين. كما تميزت هذه الحرب بمتابعة الصحافة لها لأوّل مرّة في التاريخ، من خلال إرسال مراسلين حربيّين ومصوّرين على جبهات القتال.

03/10/2017

ابن الكتب
بقلم:مهدي الزغديدي
في مثل هذا اليوم 3 أكتوبر 1445 ولد جلال الدين السيوطي أحد أهم العلماء والمؤرخين المسلمين، الملقّب بابن الكتب.
هو الإمام الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين المولود في مثل هذا اليوم 3 أكتوبر 1445 (رجب 849هـ) بالقاهرة والمعروف بجلال الدين السيوطي، ونسب إلى أسيوط (مدينة بصعيد مصر) لكونها بلد أبيه التي رحل منها إلى القاهرة لدراسة العلم. كان الإمام السيوطي سليل أسرة اشتهرت بالعلم والتدين، وكان أبوه من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة. توفي أبوه وهو ابن ست سنوات، فكان محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه، ومنهمالكمال ابن الهمام الحنفي أحد كبار فقهاء عصره، وتأثر به الفتى تأثرًا كبيرًا. حفظ السيوطي القرآن وهو دون الثامنة، كما حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة كالعمدة لابن رشيق ومنهاج الفقه والأصول وألفية ابن مالك؛ فاتسعت مداركه، وزادت معارفه. عاش الإمام السيوطي في عصر كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها، كما عرفت تلك الفترة صعودا ثقافيا وعلميا للمسلمين حيث ظهر عصر الموسوعات الضخمة في العلوم والفنون والآداب. كما عرف عصره نهاية الخلافة العباسيّة وسيطرة المماليك في مصر، وسقوط دولة المسلمين في الأندلس في الغرب مع سقوط غرناطة سنة 1492. ارتحل جلال الدين السيوطي في طلب العلم إلى بلاد الحجاز والشام واليمن والهند والمغرب الإسلامي. كل هذه العوامل جعلت من السيوطي إماماً حافظاً مؤرِّخاً واسع العلم غزير المعرفة، اشتهر في الحديث والتفسير وعلوم القرآن إضافةً إلى أصول الفقه والجدل والتصريف، والإِنشاء والترسُّل والفرائض والقراءات وحتى الطب. فألّف أول كتبه وهو في سن السابعة عشرة، (شرح الاستعاذة والبسملة). ثمّ تعدّدت مؤلّفاته الغزيرة حتى تجاوزت الـ500 كتاب ورسالة حتى صار يلقّب بابن الكتب. ففي علوم القرآن وتفسيره ألّف السيوطي الإتقان في علوم القرآن والألفية في القراءات العشر والناسخ والمنسوخ في القرآن، كما أتمّ كتاب تفسير جلال الدين المحلي فأصبح الكتاب يعرف بتفسير الجلالين وهو من أشهر كتب التفسير. امّا في الحديث وعلومه، فكان السيوطي يحفظ مائتي ألف حديث كما رَوَى عن نفسه، وكان مغرمًا بجمع الحديث واستقصائه، لذلك ألف عشرات الكتب في هذا المجال كألفيّة السيوطي وأسماء المدلسين وطبقات الحفاظ. وفي الفقه ألَّف الإمام السيوطي الجامع في الفرائض والحاوي في الفتاوي وغيرهما. وفي اللغة وعلومها كان للإمام السيوطي فيها أكثر من مائة كتاب ورسالة. وفي الطب ألّف الرحمة في الطب والحكمة. كما اشتهر السيوطي بمؤلّفاته في التاريخ كتاريخ الخلفاء والشماريخ في علم التاريخ. ومازالت المكتبة العربية والإسلامية تحتفظ بأغلب تراث الإمام السيوطي، ومازالت تطبع غالبية كتبه القيمة لينهل من علمه الكثيرون.
قضى السيوطي فترة غير قصيرة في خصومات مع عدد من علماء عصره، كتلك التي كانت مع شمس الدين السخاوي، الذي أتهم السيوطي بسرقة بعض مؤلفاته، واختلاس الكتب القديمة التي لا عهد للناس بها ونسبتها إلى نفسه. كما نشب خلاف بين السيوطي والمتصوفة، وكاد هؤلاء المتصوفة أن يقتلوه، ممّا أثر عليه، وجعله يعتزل الناس ومجتمعاتهم ويتفرغ للتأليف والعبادة. عاصر الإمام السيوطي 13 سلطانًا مملوكيًّا، ورغم أن الأمراء والأغنياء كانوا يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النَّفيسة إلّا أنه كان يردها. فقد عرف عنه عدم استجابته لدعوات وإغراءات السلاطين، وألف في ذلك كتابًا أسماه "ما وراء الأساطين في عدم التردد على السلاطين".
توفّي الإمام السيوطي في 17 من أكتوبر عام 1505 (جمادى الأولى 911هـ) في منزله بروضة المقياس في القاهرة ودفن خارج باب القرافة في القاهرة، ومنطقة مدفنه تعرف الآن بمقابر سيدي جلال نسبة إليه، وقبره معروف هناك. وقد تتلمذ على يديه عدد كبير ممن أصبحوا علماء عصرهم كشمس الدين الداودي صاحب كتاب "طبقات المفسرين" الذي كتبه بمساعدة أستاذه السيوطي، وشمس الدين بن طولون صاحب كتاب "مفاكهة الخلان"، وشمس الدين الشامي صاحب كتاب "السيرة الشامية"، والمؤرخ الكبيرابن إياس صاحب كتاب "بدائع الزهور".

02/10/2017

مكسيكو
بقلم: مهدي الزغديدي
في مثل هذا اليوم 2 أكتوبر 1968 قامت قوّات الأمن المكسيكيّة بقتل 300 متظاهر معظمهم من الطلبة المعارضين لنظام الحزب الواحد.
الولايات المتحدة المكسيكيّة هي من أهم دول أمريكا اللاتينيّة، فهي واحدة من أكبر الدول في العالم وأكبر دولة ناطقة باللغة الإسبانيّة بمساحة تقرب المليوني كم² و112 مليون ساكن. وهي الدولة اللاتينية الوحيدة التي لها حدود بريّة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة. تعتبر المكسيك واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم وقوة إقليمية، كما تعتبر من الدول الصناعية الجديدة. فهي تمتلك الناتج الوطني الثالث عشر في العالم والحادي عشر من حيث القدرة الشرائية. ووفقا لمؤسسة لغولدمان ساكس، ستكون المكسيك بحلول عام 2050 من بين أكبر 5 اقتصادات في العالم. وعلى الرغم من أن الاقتصاد مستمر في الازدهار، الاّ أنه لا تزال اللامساواة الاجتماعية عاملًا من عوامل السخط الشعبي. ففي عام 2008 كان متوسط الدخل في منطقة حضرية نموذجية من المكسيك 26654$، وهو معدل أعلى من دول متقدمة مثل كوريا الجنوبية أو تايوان، في حين أن متوسط الدخل في المناطق الريفية على بعد كيلومترات فقط لم يتعد 8403$ وهو معدل مماثل لدول روسيا أو تركيا في تلك الفترة. تعد المكسيك أكبر دول أمريكا الشمالية في مجال تصنيع السيارات، متجاوزة كندا والولايات المتحدة مؤخرًا. وتعتمد المكسيك كذلك على السياحة خصوصا في عاصمتها مكسيكو سيتي. كما أن للمكسيك احتياطي نفط هام، فهي سادس أكبر منتج للنفط في العالم مع 3,7 مليون برميل يوميًا. ورغم أنه في عام 1980 شكلت الصادرات النفطية 61,6% من إجمالي الصادرات، إلا أنها أصبحت 7,3% فقط في عام 2000. ويعتبر مطار مكسيكو سيتي الدولي هو الأكبر في أميركا اللاتينية بنقله أكثر من 21 مليون مسافرا في السنة. أما علميّا وتكنلوجيّا، فوفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة كارنيغي فإن المكسيك من بين البلدان النامية الجاهزة جيدًا لزيادة سرعة اعتماد التقنيات الأجنبية، إلى حد كبير بسبب المستويات العالية نسبيًا من التحصيل العلمي والبنية التحتية الداعمة. كما أنها بدأت تطوير أكبر مشروع علمي في المكسيك هو بناء تلسكوب ملليمتري كبير وهو الأكبر، صمم لمراقبة مناطق الفضاء التي يحجبها الغبار النجمي. إلّا أن المكسيك، وإضافة للتفاوت الطبقي، فإنها تعاني من ارتفاع معدلات الجريمة، فمتوسط نصيب الفرد من مجموع الجرائم هو 12 لكل 1000 شخص في المكسيك، كما أنها تعتبر ملاذ المجرمين والعصابات الفارين من العدالة الأمريكيّة خصوصا منهم تجار المخدرات والتي تعاني منهم المكسيك أشد العناء.
سكنت المكسيك العديد من الحضارات أشهرها حضارة المايا التي عرفت أوج ازدهارها قبل 4000 سنة بالعديد من الاختراعات والتقدم في مجالات مثل الهندسة المعمارية (المعابد الهرمية) والرياضيات والفلك والطب. احتلتها اسبانيا سنة 1519 بعد اكتشافها بفضل الرحلات الاستكشافيّة. وبقيت تحت الحكم الإسباني لثلاثة قرون. قام المكسيكيون بثورة ضد الإسبان وأعلن أغوستين دي إيتوربيدي نفسه إمبراطورا سنة 1822. لكن المكسيك لم تعرف الإستقرار، فبين عامي 1822-1876 تعاقب على حكم المكسيك امبراطوران و40 رئيساً وعدة حكومات مؤقتة، إذ عاشت البلاد في أجواء حروب أهلية وعدم استقرار ونزاعات بين الكنيسة والدولة، خسرت أثناءها المكسيك التكساس ونيو مكسيكو وكاليفورنيا لصالح الولايات المتحدة الأمريكيّة بعد خسارتها الحرب ضدها. وحكم پورفيريو دياز من 1876 إلى 1911. وفي عام 1910 قامت ثورة ضَّده وأجبرته على النزول عن الحكم وحل محله الثائر القائد فرانسيسكو ماديرو في نوفمبر عام 1911، ثم حدث انقلاب عسكري ضدّه وقتل أثناءه في فبراير عام 1913. واستمرت الانقلابات والثورات في المكسيك حتى تسلم ڤيسنت فوكس مقاليد الحكم في ديسمبر عام 2000. ففي عام 1929، أسس كاليس الحزب الثوري الوطني وأعاد تسميته لاحقًا بالحزب الثوري المؤسسي، لتبدأ فترة حكم الحزب الواحد الشمولي والتي استمرت 71 عاما. فبالرغم ما شهدته المكسيك من نمو اقتصادي ضخم بين 1940 و1980، يسميه بعض المؤرخين "المعجزة المكسيكية"، فإن التفاوت الطبقي بقي على حاله. كما كان حكم الحزب الواحد شموليا وقمعيّا خانقا. ففي مثل هذا اليوم 2 أكتوبر 1968، وبينما كانت المكسيك تستعد لاستضافة الألعاب الأولمبيّة، خرج أكثر من 8000 طالب من الحركة الطلابية، وتجمعوا في ساحة الثقافات الثلاثة بمدينة تلاتيلولكو في العاصمة المكسيكية للمطالبة بالديمقراطية. لم تقبل الحكومة القمعيّة بمن يفسد عليها استعدادها للأولمبياد، فقامت قوّات الأمن بتفريق المظاهرة عبر إطلاق النار، فسقط أكثر من 300 طالبا قتيلا رغم إعلان السلطات الرسمية عن مقتل 28 فقط والقبض على أكثر من 1300 آخرين. لم يعرف منذ ذلك الحين اسم الجهة المسؤولة عن قتل هذا العدد من الأشخاص، فقد قامت السلطات في ذلك الوقت بطمس جميع الأدلّة رغم أن المجزرة هزت المكسيك، وأشعلت الصحف الغربية، خاصة مع الحكايات عن بشاعة التعامل مع الجثث والجرحى، وما زاد الأمر تعقيدا هو اعتراف عميل السي أي ايه فيليب أغي بضلوع المخابرات الأمريكيّة في المجزرة. وكان الرئيس ڤيسنت فوكس وفيا لوعده بإعادة فتح تحقيق في الحادثة لمحاسبة المسؤولين بعد انتخابه سنة 2000، إلّا أن المحكمة المكسيكيةّ أغلقت الملف سنة 2009 بتبرئة جميع المتهمين بعد عدم ثبوت أي أدلّة.

Address

Tunis

Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when كيفما اليوم posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Shortcuts

  • Address
  • Alerts
  • Claim ownership or report listing
  • Want your business to be the top-listed Media Company?

Share