01/09/2023
"الكشف عن أعماق علم النفس في التراث الإسلامي"
الجزء 1
- أثر أبي زيد البلخي (850-934)*
كتبه محمد حميدي
تتمحور المقاربة النفسية عند المسلمين حول فهم الجوانب النفسية والروحية المتأصلة في الطبيعة البشرية، مع دمج التعاليم الإسلامية لتحقيق التكافل العقلي والروحي. يعتمد هذا التخصص بشكل أساسي على القرآن والسنة، اللذين يخضعان لتفسير متعمق لفهم وتفسير السلوكيات والجوانب النفسية للإنسان. ويحتل مفهوما الروح والقلب، المشبعان بالعناصر الروحية والأخلاقية، مكانة مركزية في هذا النهج. حيث نجد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن هذا الجانب فيقول :..ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛ متفق عليه[1].
يسلط هذا الحديث الضوء على أهمية القلب في روحانية الإنسان وأخلاقه. ويؤكد أن القلب يلعب دورا مركزيا في تحديد نقاء الفرد وفساده. وهذا يسلط الضوء على أهمية الحفاظ على قلب نقي وسليم لتعزيز العقل المتوازن والحياة الأخلاقية.
التوبة ، والدعاء, و الاستغفار, والاستعانة, والاستعاذة... هي من العبادات التي تحسن الحالة النفسية والروحية. علاوة على ذلك، فإن المبادئ الأخلاقية للإسلام، بما في ذلك فضائل مثل الإخلاص والعفة والتسامح والتواضع..وغيرها، يتم تنفيذها لتحقيق الانسجام الداخلي والصفاء والتوازن في السلوكات .
في أعقاب هذا التأمل، تظهر لنا الشخصية البارزة لأبي زيد أحمد بن سهل البلخي (850-934)، المعروف أيضًا باسم أبو زيد البلخي (ابوزيد البلخي)، وهو عالم مسلم من أصل فارسي عاش في القرن التاسع. (البدري، ص1، 2013)
ساهم هذا العالم متعدد التخصصات في مجالات الجغرافيا والرياضيات والطب وعلم النفس... وقد ولد سنة 850 بالشامستيان من ولاية بلخ، وكان تلميذا للكندي. وتجدر الإشارة إلى أنه هو مؤسس المدرسة البلخية لرسم الخرائط الأرضية التي أنشئت في بغداد. وكان رائدا في تشخيص الأصول النفسية والفسيولوجية للأمراض العقلية، مما أدى إلى تصنيف أربع فئات من الاضطرابات العاطفية: القلق والخوف، والغضب والعدوانية، والحزن والاكتئاب، وأخيرا الهواجس.
وبعد فترة من الدراسة في بغداد، عاد إلى بلخ حيث تم تعيينه امينا من قبل أحمد بن سهل، الحاكم المحلي. تناول في إطار إنتاجه الأدبي مجموعة كبيرة من المواضيع، من بينها اعتبارات تتعلق بالصحة النفسية والحمية النفسية المرتبطة بالبعد الروحي. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فقد قدم التمييز بين العصاب)(nevrose) والذهان(psychose)، وساهم بطريقة مبتكرة في النهج العلاجي لهذه الحالات.
كما كانت الفيزيولوجيا النفسية والطب النفسي الجسدي من المجالات المفضلة لدى أبي زيد البلخي، حيث سلط الضوء على التفاعل المتوازن أو غير المتوازن بين الجسد والروح، مما يؤدي إلى حالات نفسية وفسيولوجية مختلفة(psychosomatique). تعد دراسة الرهاب phobieوتطوير طرق التعرض التدريجي لإدارته من بين مساهماته الهامة الأخرى. كما شمل تفكيره الصفات الجنسية وانعكاساتها على النفس البشرية.
باختصار، يجسد أبو زيد البلخي شخصية علمية من القرن التاسع، تطورت في مجموعة من المجالات، من الجغرافيا إلى الرياضيات، بما في ذلك الطب وعلم النفس. لقد ساهم إرثه الفكري بلا شك في فهم الاضطرابات العقلية والعواطف والصحة النفسية في سياق الشريعة الإسلامية والذي وجب علينا التعريف به وباعماله ونظرياته .
حميدي محمد "مجلة المداوي" 2023
__________
*أبو زيد أحمد بن سهل بلخي أو أبو زيد البلخي عالم فارسي مسلم: جغرافي، وعالم رياضيات، وطبيب، وعالم نفس، ولد سنة 850م في إقليم بلخ، خراسان الكبرى، وكان من تلاميذ الكندي.
[1] رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه 1/ 28 (52)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات 3/ 1219 (1599)
المراجع:
البدري، م. (2013). أبو زيد البلخي قوت الروح: العلاج السلوكي المعرفي لطبيب القرن التاسع. المعهد العالمي للفكر الإسلامي (IIIT).
البخاري، م. ومسلم، ط. (2007). صحيح البخاري: ترجمة المعاني. دار السلام.