29/09/2024
مكافحة المخدرات: أولوية لمستقبل آمن في موريتانيا
في السنوات الأخيرة، أصبحت ظاهرة انتشار المخدرات في موريتانيا قضية تؤرق المجتمع بأسره، إذ تزايد تأثيرها السلبي على الأفراد والأسر، وظهرت بوادر مقلقة لتفاقم الجريمة والعنف المرتبطين بتلك الظاهرة. هذا الوضع يؤثر بشكل كبير على الأطفال والشباب، ويهدد استقرار الأسر، مما يتطلب تدابير عاجلة وحازمة لمواجهته. ومع ازدياد حالات الثراء المفاجئ لبعض الأفراد، تتزايد التساؤلات حول العلاقة المحتملة بين تلك الثروات وانتشار المخدرات، ما يفتح الباب أمام جدل مجتمعي واسع حول الأهداف الحقيقية وراء معالجة هذه القضايا.
في الأسابيع الأخيرة، برزت قضية الثراء المفاجئ لبعض الأسر التي أثارت الدهشة والتساؤلات بشأن مصادر تلك الثروات، وهل ترتبط بتجارة المخدرات؟ هنا يتبادر إلى الأذهان محوران أساسيان: الأول هو ما إذا كان هناك استغلال سياسي لهذه القضايا لتشويه سمعة بعض الشخصيات أو لزعزعة الاستقرار السياسي خلال المأمورية الثانية من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، والثاني يتعلق بمحاولة جدية لمكافحة المخدرات عبر تتبع مصادر الأموال المشبوهة.
إذا كان الهدف من هذه القضايا هو إثارة الفتنة السياسية أو التشويش على المشهد العام، فإن حصر النقاش في جانب معين دون تعميمه ليشمل كل الأطراف المعنية، قد يؤدي إلى إطالة أمد النزاعات، ويستدعي وقتًا طويلًا وربما عدة مأموريات رئاسية لحل تلك الإشكاليات. على الجانب الآخر، إذا كان الهدف الحقيقي هو مكافحة المخدرات، وهو الأكثر منطقية، فإن النهج المتبع حاليًا يحتاج إلى مراجعة جذرية. فلا ينبغي التركيز فقط على ثروات الأفراد كمدخل رئيسي لحل المشكلة، بل يجب تعزيز الجهود الأمنية والمهنية من خلال البحث والتتبع.
بالنظر إلى الوضع الحالي، يبدو أن انتشار المخدرات في موريتانيا في تزايد مستمر، مما يستدعي ضرورة تطوير الدولة لأساليبها وأدواتها لمكافحة هذه الظاهرة. فمن المهم أن تعتمد الدولة على وسائل مهنية متعارف عليها دوليًا، مثل تعزيز آليات البحث والتتبع، وتحديث قدراتها الشرطية والقضائية. يبرز الواقع الحالي حاجة الدولة إلى هذه التطويرات، حيث يُظهر الانتشار المتزايد للمخدرات أن التدابير الحالية غير كافية، وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات جديدة وحازمة، لم تكن معتادة في السابق.
ومن المثير للسخرية، أن يعتمد نهج مكافحة المخدرات على التحقيق في مصادر ثروات الأفراد بشكل عشوائي، في حين أن الطريقة الأكثر فعالية تكمن في البحث عن الجناة والمهربين باستخدام وسائل مهنية تعتمد على الأدلة والتحقيقات، بدلاً من الافتراضات السطحية. ينبغي على السلطات توجيه تركيزها نحو تتبع سلاسل الجريمة المنظمة ومعرفة المصادر الرئيسية لتوريد المخدرات، بدلًا من التركيز على جوانب هامشية قد تكون مضللة.
من بين الإجراءات الأساسية التي يمكن للدولة اتخاذها، إنشاء قوة شرطة جديدة متخصصة في مكافحة المخدرات. هذه القوة يجب أن تكون مكونة من عناصر جديدة غير مرتبطة بالفشل الذي شهدته محاولات مكافحة المخدرات السابقة. كذلك، من الضروري تجنب دمج أي أفراد لهم سوابق إجرامية في هذه القوة، مع التأكيد على توفير تدريب عالي المستوى للعناصر الجديدة، ومنحهم الموارد اللازمة ليتمكنوا من تنفيذ مهامهم بفعالية.
إضافة إلى ذلك، ينبغي أن تحظى هذه القوة بدعم كامل من الحكومة والمجتمع، إذ يشكل انتشار المخدرات تهديدًا مباشرًا على استقرار البلاد ومستقبلها، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على الشباب الذين يمثلون عماد مستقبل موريتانيا. ومن الضروري أن يحظى دور هذه القوة بمتابعة إعلامية ومجتمعية لإبراز جهودها في مواجهة هذا التهديد المتنامي.
في الختام، ومع تصاعد خطر المخدرات في موريتانيا، لا بد من اتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة لمكافحة هذا التحدي الذي يهدد مستقبل البلاد. يجب أن يكون تطوير قدرات الدولة في مجال مكافحة المخدرات من أولويات الحكومة، وذلك عبر تكوين قوة شرطة جديدة متخصصة، وتوفير التدريب والموارد اللازمة لها. كما يتعين على المجتمع إدراك خطورة المخدرات وتداعياتها على الأجيال القادمة، مما يتطلب تضافر جهود الجميع لبناء مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا.