10/07/2023
لو فرضنا أنك استيقظت فوجدت نفسك في سفينة في عَرض البحر، فاهتمامك بحقيقة لماذا أنت هنا، وماذا نفعل، وماذا بعد الذهاب من هنا هي أَوْلى الحقائق بالنظر.
والبحث حول كيفية عمل السفينة عبث فارغ قبل البحث عن الحقائق السابقة؛ فما أشبه تلك السفينة بحياتنا!
فالسفينة هي الحياة، والدين هو المنهج الذي من خلاله نُجيب عن أسئلة الوجود والمصير، إذ لا شك أن الدين أحد أكبر المناهج الموجودة وتفرض نفسها بقوة.
أهمية الدين:
لكن لماذا نهتم بالدين دون سائر المناهج الأخرى؟! ألا يوجد تفسير لأسئلة الوجود والمصير في غير الدين؟!
ينفرد الدين بكونه وحياً متصلاً بالله خالق هذا الكون ومنظمه، فكما أن الله تعالى وضع قوانينًا بها تسير حركة الأفلاك دون أن يختلط بعضها ببعض، فكذا الأمر بالنسبة للإنسان فقد وضع الحق سبحانه وتعالى له منهجًا يسير عليه حتى لا تختل حياته أو تفسد أخلاقه وروحه.
الحق والحقيقة:
والسؤال هنا: العالم به أكثر من ديانة وكلهم يدَّعي وصلاً بالوحي فأين الحق والحقيقة إذ الكل يزعمها، أو أن الحقيقة نسبية بين هؤلاء جميعًا؟
الفرق بين الحق والباطل هو صمود الحقائق، وتناسقها، فأين من يدعو إلهًا عاجزًا بلا منهج في التعرف على التعاليم التي يُنفِّذها متبعوه من الحق، فلا أنت تعرف الصفات التي أهلته ليكون معبودًا لهؤلاء الناس، ولا تعرف منهجاً متصلاً به تحصل به الهداية.
نظر ومعرفة:
من خصائص الإسلام أنه يعطي لمعتنقيه فرصة البحث والنظر؛ ليتعرفوا على صفات الإله المعبود بحق فيحصل عندهم اعتقاد جازم عن يقين أن الله تعالى هو المعبود بحق فيشهدوا أن لا إله إلا الله، ثم يُقرُّوا لناقل هذه الحقيقة بالرسالة فيشهدوا أن محمداً رسول الله.
ترى ذلك في قوله تعالى { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }
[ سورة العنكبوت : 61 ]، وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
[ سورة غافر : 57 ]، فالذي خلق هذا كله حقيق بأن يكون المعبود بحق.
هذا التناسق مطرد في معالجات الإسلام لعلاقة الإنسان بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته غيره، ترى ذلك جلياً في العلوم الإسلامية الثلاثة الكبرى العقيدة والفقه والتصوف.
محاور ثلاثة:
فالعقيدة: هي الدافعة للإنسان لمعرفة ربه ذاتاً وصفاتاً وأسماءً، وما واجبه بعد تحصيل هذا المعرفة من العبادة والخضوع، وتُجيب عن أسئلة المصير بعد الموت بدقة تبعث الطمأنينة في نفس الإنسان فلا يضطرب ولا يكتئب.
والفقه: فهو الدافع لمعرفة واجبات الخضوع والعبادة العملية لله تعالى، ومعرفة حقوقه وواجباته تجاه الآخرين في المعاملات المختلفة من بيع وشراء ونكاح وغيره، ومعرفة العقوبات والحدود الواجبة إن هو تجاوز في حق غيره في نفسه أو عرضه أو ماله أو دينه أو عقله، فوضع حداً للقتل والزنا، والسرقة، والردة، وشرب الخمر.
والتصوف: فبه يُحسن العبد توجهه إلى الله تعالى فيُخلِّي قلبه عن كل ما يُغضب ربه من الأخلاق الذميمة، ويُحلِّيه بالأخلاق الحميدة، فهو تلك المضغة الذي إن صلحَت صلَح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله، فعليها إذن مدار القبول والرد على حسب صفائها.
وبعد: فقد علمت من هذا كله لم نهتم بأمر الدين، ولِمَ يصرف الناس أوقاتهم في تعلُّم أحكامه، وأنت ماذا عنك؟!