23/01/2025
حالٌ لا بد منه
في كوكبٌ بعيد، تحت سماءً بنفسجية، مدينة من الزجاج والفضة، تطفو على سحابً أبيض، الأشجار تتكلم بأصوات مرتعشة، والزهور تضيء باللونين الأزرق والأحمر، يعيش فيها كل من نفته الأرض وشردته.
بأحد الشوارع الفارغة، يمشي شخصان، نبذتهما الأرض بعيدًا عنها وأصبح حالهما كحال من بهذا الكوكب، يلتفتان إلى السماء، يقول أحدهما:
- هل نعود إلى الأرض؟
= لا، هنا هو منزلنا.
- نحن لا ننتمي إلى هنا هذا ليس مكاننا.
= صحيح ليس بانتمائنا ولكن أصبح الآن كذلك، فالانتماء
ليس بمكان مولدنا وإنما ما تألفه روحنا.
- لا أحد هنا يشبهنا، لا طباعنا ولا عاداتنا، نحن هنا غرباء،
= لا عليك سنصبح مثلهم في كل شيء، نحن البشر ليس إلا
كائناتٌ موائِمة تعتاد ما حولها وتتعايش.
- لم أقواى على الإعتياد، أود عيش حياة تخلو من الغرابة
والريبة، أود حياة يحفها الهدوء والسكينة.
= يا لسخرية ما تود!
ألا تعلم أنه ليس من حقك التمني والحلم في هذا الكوكب
فقط عليك الصمت ومواصلة ما أُختِير لك إلى أن تلقى
نهايتك!
السحب البيضاء التي كانت من تحتهم تتحرك ببطء، كأنها تحمل المدينة على أجنحة الزمن. الشارع الفارغ بدا وكأنه يمتد إلى ما لا نهاية، يبتلع خطواتهما بصمت ثقيل.
التفت إلى أخيه وعيناه تحملان بقايا أمل وشيء من الحيرة:
= ألا ترى؟ هذه المدينة جميلة، لكن جمالها بارد، كأنه يخفي شيئًا...
الجمال لا يعني الألفة، الجمال هنا يعزلنا أكثر، يجعلنا ندرك كم نحن مختلفون.
توقّفا للحظة، ونظراتهما تتعلق بالسحب التي تحيط بالمدينة، الأشجار من حولهم، تلك التي كانت مرتعشة، همست بشيء غير مفهوم، ربما كانت تحاول أن تحذرهما، أو ربما كانت فقط تشارك في هذا الحزن الكوني الذي يلفّ المكان.
- هل تعتقد أن الأرض ما زالت كما تركناها؟
= الأرض ليست كما كانت، ولن تكون أبدًا كما نتذكرها، حتى
لو عدنا، سنكون غرباء هناك أيضًا...
الغربة ليست في المكان، بل في داخلنا.
صمتا الاثنان، فقط أصوات الأشجار والزهور ذات اللونين كانت ترافقهما، بدا وكأن الزمن هنا لا يتحرك أو ربما يتحرك ببطء يجعل كل شيء يبدو أبدياً.
نظر الأول من حوله في كل أرجاء المدينة، حيث الأبنية الزجاجية التي تعكس السماء البنفسجية بشكل غريب، كما لو أنها مرآة لحقيقتهم...
ربما كانوا حقاً غرباء لكن هنا، تحت هذه السماء، كانت أرواحهم تبحث عن شيء لم تعرفه بعد، شيء قد يكون في هذا المكان، أو ربما في مكان آخر.
#ابوميان