31/01/2025
عقدت الإدارة السورية الجديدة "مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية" يوم 29 كانون الثاني/ يناير 2025، شارك فيه جميع قادة الفصائل العسكرية باستثناء قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، كما شارك المسؤولون البارزون في الإدارة، وألقى القادة والمسؤولون كلمات موجزة كان أبرزها كلمة القائد العامّ للإدارة أحمد الشرع الذي حدَّد أولويات المرحلة الحالية على الشكل التالي:
1. ملء فراغ السلطة.
2. الحفاظ على السِّلْم الأهلي.
3. بناء مؤسسات الدولة.
4. العمل على بناء بِنْية اقتصادية تنموية.
5. استعادة سوريا لمكانتها الدولية والإقليمية.
مُخرَجات المؤتمر جاءت في كلمة الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية العقيد حسن عبد الغني الذي أعلن انتصار الثورة يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر، وسيكون هذا التاريخ يوماً وطنياً في سوريا إضافة إلى إعلان:
- إلغاء العمل بدستور 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية.
- حلّ مجلس الشعب واللجان المنبثِقة عنه.
- حلّ جيش النظام البائد، وإعادة بناء الجيش على أُسُس وطنية.
- حلّ جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام البائد بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية تحفظ أمن المواطنين.
- حلّ حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدُّمية، وما يتبعها من منظمات ومؤسسات ولجان، وحظر إعادة تشكيلها تحت أيّ اسم آخر.
- حلّ جميع الفصائل العسكرية، والأجسام الثورية السياسية والمدنية، ودمجها في مؤسسات الدولة.
- تولية "أحمد الشرع" رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، وقيامه بمهامّ رئاسة الجمهورية العربية السورية، وتمثيلها في المحافل الدولية، وتفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقَّت للمرحلة الانتقالية إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد، ودخوله حيّز التنفيذ.
الأولويات التي تحدث عنها الرئيس الشرع ليس من الممكن تحقيقها في ظلّ الوضع السابق للإدارة، التي أصبحت بحاجة إلى امتلاك السلطة التشريعية والتنفيذية اللازمة وَفْق وضع دستوري وقانوني صحيح، وهي تنتقل من مرحلة اللقاءات وإرسال الرسائل واستقبالها إلى مرحلة العمل بشكل فاعل أكثر على المستوى الداخلي وتوقيع تفاهُمات واتفاقيات تَحظَى بالشرعية على المستوى الخارجي مع الحلفاء والداعمين.
لقد حققت الإدارة السورية الجديدة الأولوية الأولى في هذا المؤتمر، حيث ملأت فراغ السلطة، وأخذت الصلاحيات الرسمية لبسط السلطة على كامل مساحة البلاد، وترسيخ الأمن والاستقرار الداخلي، الأمر الذي يساهم في الحفاظ على السِّلْم الأهلي، وبَدْء بناء مؤسسات الدولة على أُسُس قانونية ودستورية، والذي سيكون بالتعاون مع حلفائها الإقليميين في المنطقة.
جميع القرارات والإجراءات كان من المقرر أن تأتي عَبْر المؤتمر الوطني العامّ، لكن يبدو أن الإدارة السورية الجديدة أدركت صعوبة الذهاب لهذا الخيار، مع عدم قدرة المكوّنات على تشكيل وفود وطنية جامعة تمثلها إلى المؤتمر، إضافة إلى عدم التوصُّل إلى اتفاق مع الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، فيما توصلت الفصائل المسلحة إلى اتفاق حول حلّ نفسها، والاندماج في الجيش الجديد، وكان هذا خُطوة كافية لعقد المؤتمر لما سينتج عن قراراته من تحقيق الأولويات التي تحدّث عنها الشرع.
الجانب الآخر الذي دفع الإدارة لعقد المؤتمر بشكل عاجل في هذا الوقت، هو ما يتعلق بمهمة المبعوث الخاص للأمين العامّ للأمم المتحدة إلى سوريا الذي سيُقدّم إحاطة أمام مجلس الأمن من دمشق في الجلسة المغلقة التي ستُعقد اليوم 30 كانون الثاني/ يناير 2025، بينما تعتقد الإدارة السورية أن مهامّ المبعوث الخاص والأمم المتحدة بشكل عامّ قد انتهت، واستمراره في مهمته في موضوع الدستور أو الانتخابات ستنظر إليه الإدارة على أنه تدخُّل في شؤونها الداخلية بما يتعارض مع مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما يفسر حرص المؤتمر على الإعلان عن حلّ جميع الأجسام الثورية السياسية الذي يُفهِم أن المقصود الأول به هو هيئة التفاوض السورية.
تأخير عقد مؤتمر الانتصار كان سيزيد في تعقيد المشهد السوري، ويفتح الباب أمام فوضى السلاح، وعدم ضبط الأمن العامّ، ويحفّز عدداً من المكوّنات والقُوى السياسية والعسكرية لعدم الانضواء تحت سلطة الحكم الجديد، والمطالبة بتكريس أوضاع خاصة واقعياً أو دستورياً، ويتيح للدول الخارجية الاستثمار في بعض الأطراف المحلية، وتحريضها على الإدارة، لتحقيق مكاسب لهذه الدول، وفرضها شروطاً تعسُّفية على الإدارة.
إن أول الآثار التي ظهرت لعقد المؤتمر في هذا الوقت هو قدرة رئيس الجمهورية السورية الجديد وحكومته على توقيع الشراكات الأمنية والعسكرية والاستثمارات الاقتصادية التنموية مع الدول الصديقة، ولاحقاً الدخول في شراكات إقليمية ودولية لحفظ أمن المنطقة ومكافحة الإرهاب فيها، ثم على المستوى الداخلي كسب الصلاحيات والسلطات الممنوحة في إعادة بناء الدولة السورية بجميع مؤسساتها، وبما يساهم في تحسين سُبُل العيش والاستقرار في البلاد