23/01/2024
كعادتي عدت إلى المنزل متأخراً، ممسكاً حذائي في يدي اليسرى واستخدم اليمنى عصاً التمس بها الطريق.
أسير برفق كأنني في أرض معركة محاصراً بالألغام!
لم أكن أرى أي شيء أمامي، لكنني أسير على أمل الوصول إلى غرفتي وإن طال السفر.
كنت حذراً من إحداث أي صوت، أكاد أتوقف عن التنفس لولا خوفي من الموت اختناقاً، كل ذلك كان بسبب
الهلع والخوف من ذلك الشبح "والدي"، أو ذلك الجدار الذي سيكسرني كلما اصطدمت به.
أتنقل وكلي خوف وهلع، بأعيني المحمرة البارزة، وجسمي الذي يتصبب عرقاً من السخونة، والغبار الذي يتناثر من ثيابي،
كنت أتوجس خيفة من أمور عديدة، تارة ألتفت بخوف وأصرخ عالياً صرخة بداخلي لا يسمعها أحد غيري، أظن أنه شبح، أكتشف بعد ثوان قليلة أن ذلك ستار الغرفة، ثم تراودني الأسئلة،
كيف أنني وصلت غرفتي بهذه السرعة؟
ولم هي تبدو غير مألوفة؟
وكيف لباب غرفتي أن يكون مفتوحاً ومفتاحه بيدي؟
أسئلة تصفعني على عقلي وتصيبه بالحيرة، أيقنت أنني في مكان خاطئ، لم تكن تلك غرفتي، لكنني أطلقت
ضحكة عالية وأيضاً بداخلي حتى لا يستيقظ أحد، كنت أبتلع خوفي وضحكاتي، حتى تلك الكلمات القليلة التي كنت أريد أن أطلق لها العنان لتخرج من فاهي لم أستطع ذلك، ثم شعرت كأنني في الملهى أو الأراضي السفلى، كأن الأرض تدور بسرعة! وكل شيء يدور سوى شخص واحد متشبثاً بأياديه
في الأرض بقوة، بعد قضاء بضع دقائق وأنا على تلك الحالة؛ أحسست بأنني الآن بخير، التقطت أنفاسي ثم نهضت وأنا كلي أرتجف، لم ينل مني اليأس وأستسلم، رغم أنني ارتطمت بالحائط خمس مرات قبل أن أجد الباب، حتى أخي لم يحس بمجيئي؛ ليقوم بمساعدتي ويأخذني إلى غرفتي.
بعد دقائق من التخبط والوقوع والاصطدام بهذا وذاك، أضيئت كل مصابيح المنزل مرة واحدة، شعرت بقوتها كأنها تضيء بداخل أعيني، رغم أنني كنت في الظلام وخرجت إلى النور، أحسست كأنني كنت في مدينة من المصابيح وانتهى بي الأمر في جب مظلم بداخل الأرض.
لم أستطع تمييز كل الوجوه التي تقف أمامي، لكنني تكهنت أن الذي يلبس ثوباً ابْيَضاً طويلاً ويكسو وجهه الوقار هو والدي، ابتسمت ثم أردفت قائلاً: أسف يا والدي بحروف متلعثمة، ستكون هذه آخر مرة.
بكى بحرقة ثم احتضنني قائلاً: يا بني هذه المرة العاشرة التي تأتي إلى هنا، لماذا لا تترك هذا السم الذي تتجرعه؟
لقد اتصلت لوالدك وسيأتي الآن ليأخذك إلى المنزل، أنا جارك وصديق والدك، لكنني في حيرة من أمر واحد، كيف لك أن تحب ما يؤذيك؟
كيف لك أن تكره الحياة وتتلذذ بالموت؟
والغرفة التي كنت فيها هي المطبخ.
لم أكن أستطيع التحدث، كنت قبل قليل أتلعثم في الكلام، والآن صرت كالأبكم، أقف خجولاً كالعروس في ليلة زفافها، تحيط بي الذكريات، والأشباح، وتطاردني اللعنات هنا وهناك، وأقول لنفسي
هذه المرة الأخيرة، لَكِنَّ يبدو أن المرة الأخيرة قد تكون ليلة الفناء، ثم يطرق ذلك الملاك الهادئ باب المنزل برفق، فيرتعش جسدي كأنه طرق باب قلبي، يأخذني إلى المنزل ويستمر بتوبيخي لمدة ما ثم يتركني، فأ عود مجدداً إلى ذلك السم، ثم أعاود زيارة جاري مجدداً، وكالعادة دون قصد، فمتى أترك كل
شيء يرتاح والدي، وينام جاري دون أن أزعجه.
مصعب محمود