05/02/2024
🟧الجبنة سر الأزمان ودافع الإلهام
🟧عبدالله اوبشار بولاي*
"مذاق خاص"
🔶 البجا والفناجين المعطره بحبيبات البن
مابين دجي ليل مظلم يكتنفه سكون المكان مع هبات نسمات الشتاء البارده يكون فيها طعم النوم عذباً لايسهل مفارقته،
تتحسس فينا المرأة البجاوية في دارها العامر يصاحبها إرث موغل في القدم ،تأرجح أناملها لتجمع حبيبات أعواد متناثرة كانت قد جمعت عصرا،بواسطة فتيات الفريق بعد أن حملنه فوق رؤسهن في مشهد تكافلي .
وتقوم بتجميعه في كومة رمال لتبحث عن موقد لتتقد منه اوارا. ليعم المكان دفئاً،، موقع المكان تفسح له براحاً من تحت ذاك الرماد المنزوي وبه النار القديمة كامنه، بذكريات ليل حافل بالقصص والأحاجي التي سهروا بها ليتسابق إليهم سحر الصباح بنفجان يدفئ المكان، ويسري في الأجساد روحا ونشاطا، وهي تناجي ! وهاجي أوفنجانوك. لينهض متكأ علي جانب فراشة المتواضع ويتساءل
(أومها ميها) هل اصبح الصبح،لتهمس من جانب جفنها علي نجمة الفجرية التي تعتبر ساعة كونية يقتدون بها لتجاهل علي علمٍ ويرتشف فنجان بكريٌ مزاجه الزنجبيل كأول شيء يلامس العقل قبل الأمعاء،لينعم بها المزاج مصاحباً أنساً وطيبا وارتشافاً لينتعش وينافح الصبح المتنفس وهو يتناوب علي تناول عدد من الفناجين معطرة بحبيبات بن، ومستنشقا دفقات طيب منبعث من اعواد عطرية ندية ترفع عنه ثقل ظلام الليل وبرد الشتاء لتدفئ له المكان ليستنهض بعدها مغادراً تلك السكينة والأنس ويتجه للكد والاجتهاد في حياته اليومية ، ممنيا نفسه ان تعود تلك اللحظة التي عاش عليها علي عهد آبائه ليعود عشياً مسابقا شفق المغيب وهو يحمل مشاهد عاشها وروايات سمع بها، لتكون حديث انسهم، وهي تسبقه بإعداد جلسة اريحية تستقبله بها في فناء الدار ليجلس علي مقربه منها، وهي تتعمد إبعاد الصبية عن المكان ليهدأ باله ويطيب مساء الجلسة علي مقلات البن الفواحة عطراً سخياً يطيب به الهوا وتبعثر حبيبات البن علي هبابه مصنوعة من حشائش أو سعف مجدول، ليبرد تهميس شفيف لتطرب بعدها آذان سامعيه علي نقرات فندق رنان يكون جزءا أساسياً من طقوس الجبنه الخالدة لتقلي بعدها في جوف جبنه مصنوعة من فخار ٍ جمادي اثري قديم قدم نبات البن، قل مايوجد مثله ولتصب بعدها في جوف قدر من ألفو، تلك اللحظة وعاشوا عليها دهراً من الزمان وهم يعدون الكرة ليلاً ونهاراً ولو كان للقدر ان يعود بنا للوراء لحظه لتمنينا ان يكون انسنا جزءا من تلك اللحظات الجميلة التي يعيش عليها البجا في البادية والحضر وتمسكهم بالجبنه.
🔶بلاد بونت في اللغة البجاوية تعني أرض البن
ولو تساءلنا عن تاريخ القهوة نجد أنه يرجع لعهود حضارات قديمة ما زالت خالدة، اخذوا منها العبر والعظات وخلدوها للتاريخ وجعلوها جزءا من حياتهم اليومية وقد ذكر في التاريخ القديم بان الملكة حتشبسوت كانت تستورد الحبوب والعطور من بلاد بونت التي يقال انها جزءا من الصومال وإثيوبيا ولو رجعنا لتسمية بلاد بونت في اللغة البجاوية لوجدنا أنها تعني ارض البن (بونت) مما يعتبر إرثاً خالدا خلدته الأزمان.
وتعد الجبنة روح للزمان والمكان وكرماً البجا العظيم ولحظات خالدة يعيش عليها الانسان.
فقد كانت بساطة تلك اللحظ المشبعة بالروح والأمل تساوي الدنيا بما فيها كما قال شاعر الاغنية الشهيرة في ثمانينات القرن الماضي (فنجان جبنة بي شمالو يسوّي الدنيا بحالو . وان كان هناك سر في تمسك البجا بالجبنة، لوجدنا انها مرتبطة بلحظات خالدة في حياتهم اليومية عاشوا عليها منذوا نعومة أظافرهم وكانت تمثل إلهاماً للمشاعر ولحظات جميلة للاصطفاء وكرماً أصيلاً لضيف أو زائر وموقدا لمشاعر جياشة لمن يدندن علي ربابة في همسات الليل وساعة كونية في البردين وسنة شعبية خالدة لشعب عريق معاصر لجميع الحضارات ..
🔶 القهوة ..مزايا و دلالات
وللقهوة مزايا ودلالات، فهي إجتماعية حيث من طقسها حلقات الإنس، ومرتبطة بالمناسبات الروحية ، وصعبة الإدمان،، ولها فوائد صحية لأنها تحتوي على مضادات الأكسدة والمعادن والفيتامينات التي تساعد على تحسين صحة الجسم (وقد حضرت محاضرة في قاعة ودعة بجامعة الخرطوم،عن التخسيس، من مخرجاتها إن شرب القهوة في مثل هذه الاثناء يمنع من كبر حجم البطن،وأشار بصورة واضحة وجلية لرجالات البجا، كيف انهم يمتازون بالقد المعتدل والرشاقة) وترفع من مستوى التركيز و الإنتباه والعقل والإبداع والمزاج ، وللنسوة طقوس خاصة بجلساتها عند الضحي ( آويت ياي ) ولو جاد الزمان بخاطري انسٌ لتخيلت ثلاثة فناجين قهوة وقت القيلولة تحت تشجرة ظلية في بادية مخضرة تعبث في حشائشها الأغنام والإبل وانا انظر متخيلاً ومتبختراً مع انسياب فوهة الجبنة وتدفقاتها التي يكون سر تناولها دافعاً للإلهام وطيباً للمكان والأزمان ..
* مدير مركز ثقافة وحضارة البجا
🟧مذاق خاص ٢٠٢٤
🟧مجلة التغذية والصحة الاولي في السودان