23/12/2024
بسم الله الرحمن الرحيم
🗡️ ثلاثمائة وبضع عشر 🗡️
يجمع الله للإمـ,ـام المهدي عليه السلام ثلاثمائة وبضع عشر، قال الإمـ,ـام علي: ( يجمع الله تعالى للمهدي قوماً قزع كقزعِ السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحدٍ، ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم، على عِـ,ـدَّةِ أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون، ولا يدركهم الآخِرون، وعلى عـدد أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر ) رواه الحاكم.
والسرّ في تحديد هذا العدد، أنه العدد الذي يتكون به لأي شخص بداية تأثير في الواقع.
ولذا قال حذيفة: ( والله ما ترك رسول الله ﷺ من قائد فتـ,ـنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعداً إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبـ,ـيلته ) رواه أبو داود.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر، جماً غفيراً ) أخرجه أحمد.
نعم، الرسل جمٌ غفير إذ بلغوا هذا العدد.
ولما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الجمعة: ( فأكثروا علي من الصلاة فيه ) رواه أبو داود.
( قال أبو طالب المكي وأقل ذلك ثلاثمائة مرة ) اهـ. فيض القدير شرح الجامع الصغير (2/678).
لأن الكثرة من الصلاة عليه تبتدأ من هذا العدد فصاعداً.
المهم، ومن بلغ أتباعه هذا العدد من الناس واستطاع قيـ,ـادتـ,ـهم، وكانوا له جُـ,ـنداً محـضرين فإن حضوره بهم له أثر، وقد بدأ يُحسب له حساب في ميزان القـ,ـوى والصـ,ـراعـ,ـات.
وهم الرقم الصحيح الذي يبتدأ بهم بناء الكيانات على كواهلهم.
ولما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأعلن إسلامه في قريش ( فثـ,ـاروا إليه فما زال يقـ,ـاتـ,ـلهم ويقـ,ـاتلـ,ـونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وأعيا عمر، فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول : افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ) الرحيق المختوم (1/81).
تأمّل قوله: ( لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ).
فإسلام هذا العدد له تأثير في مـ,ـكة، فإما أن يُخـ,ـرِجوا أهل مـ,ـكة أو يُخـ,ـرِجهـ,ـم أهل مـ,ـكة ثم يكون لهم مجتمع آخر.
وبالفعل لم يبلغ المسلمون في مـ,ـكة هذا العدد إنما بلغوا من السبعين إلى المائة، فلما هاجروا دخل كثير من أهل المـ,ـدينة في الإسلام.
لكن عدد الصحب الكرام في غـ,ـزوة بدر كان ثلاثمائة وبضع عشر.
قال البراء رضي الله عنه: حدثني أصحاب محمد ﷺ ممن شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِـ,ـدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الذِينَ جَازُوا معه النَّهَرَ بِضْعَةَ عشر وَثَلَاثَ مئة.
قال البراء: لَا وَالله مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلَّا مُـ,ـؤْمِنٌ. رواه البخاري.
واللافت في قول الإمـ,ـام علي لم يذكر فيه أنهم يبـ,ـايعـ,ـون فتأمّلوه مرة أخرى.
قال الإمـ,ـام علي: ( يَجمع الله تعالى للمهدي قوماً قزع كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم، على عِـ,ـدَّةِ أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يُدركهم الآخِرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر ). رواه الحاكم.
تأمّل قوله: ( يَجمع الله تعالى للمهدي قوماً ) ولم يقل يبـ,ـايِع، إذن فما سرّ نيلهم فضيلة ( لم يسبقهم الأولون، ولا يدركهم الآخِرون ).
أسأل الله أن يفهمنا هذا الأثر العظيم.
( لم يسبقهم الأولون، ولا يُدركهم الآخِرون ).
بما أن هذا العدد هو نفس عدد أصحاب بدر ونفس عدد الذين جاوزوا النَّهَر مع طالوت، إذن ففي قصة أصحاب بدر، وقصة طالوت سرّ تفضيلهم.
فالذين جاوزوا النَّهَر مع طالوت خَلَّدَ القرآن ذكرهم، جاوزوا معه النهر، جاوزوا معه النهر.
خلد ذكرهم لأنهم جاوزوا معه النهر بالسـ,ـمع والطـ,ـاعة، لم يشربوا إلا من اغترف غرفة بيده من ذلك النهر الذي سرعان ما تركوه وخَلَّفُوه وراء ظهورهم.
قالتْ لِطَيْفِ خَيَالٍ زارَها ومضى ... باللهِ صِفْهُ ولا تُنْقِصْ ولا تَزِدِ
فقالَ خَلَّفْتُهُ لو ماتَ من ظَمَأٍ ... وقلتُ قِفْ عن وُرودِ الماءِ لم يَردِ
قالت صدقتَ الوَفا في الحُبِّ شيمتُهُ ... يا بَرْدَ ذاك الذي قالتْ على كَبِدِي
وأما أهل بدر ( وما يدريك، لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ). رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
وأهل بدر جاوزوا نهر الابتلاء في مـ,ـكة، فأغلب الذين جاوزوا امتحان النهر في مـ,ـكة شهدوا جائزة شرف حضور معـ,ـركة بدر.
نعم، كان حضور بدر هو حفل تكريمي للذين صبروا في مـ,ـكة واحتضنوا قضـ,ـية الإسلام في المـ,ـدينة.
( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ الله قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ الله رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ).
وكذا البيـ,ـعة بين الر،كن والمـ,ـقام، لا أظن إلا أنها تكريم للذين جاوزوا نهر الابتلاء قبل البـ,ـيعة.
كما قال الإمـ,ـام علي في الأثر: ( يجمع الله تعالى للمهدي قوماً قزع كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم، على عـ,ـدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر ). رواه الحاكم.
راجع الأثر هل تجد ذكراً للبـ,ـيعة؟
ذكر فضائلهم، ولم يذكر بيـ,ـعتهم.
ذكر أنهم لا يستوحشون ممن فارقهم وتركهم.
نعم تألموا عندما فارقه الأول والثاني والثالث، حتى أصبح الأمر أكثر من عادي.
رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى ... فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ
فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهـ,ـامٌ ... تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ
وهانَ فَما أُبالي بالرّزايا ... لأنّي ما انْتَفَعتُ بأنْ أُبالي
ومن دخل فيهم لا يفرحون به لأنهم يتوقعون مفارقتهم.
فاعتمادهم على الله وحده فهو أنيسهم وكتابه جليسهم ( وخير جليس في الزمـ,ـان كتاب ).
يتوهم بعضهم أن السرّ فقط في البيـ,ـعة بين الر،كن والمـ,ـقام، وهذا الوهم في الفهم سبق إليه صحابيان جليلان، كعب بن مالك السلمي، ورافع بن مالك بن العجلان الخزرجي.
فأما كعب بن مالك فقال: ولقد شهدت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقـ,ـبة حين تواثقنا على الإسلام، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا. رواه البخاري ومسلم.
فيرى كعب بن مالك أن حضور بيعة العـ,ـقبة أعظم أجراً من القـ,ـتال في معـ,ـركة بدر.
ولذلك يواسي نفسه في تخلفه عن معـ,ـركة بدر، بشهوده بيـ,ـعة العقـ,ـبة.
فبـ,ـيعة العقـ,ـبة فيها العزاء لتخلفه عن معـ,ـركة بدر.
فهذا فهم الصحابي الجليل لذلك الحـ,ـدث، وشاركه صحابي آخر، وهو رافع بن مالك فقد شارك في بيـ,ـعة العقـ,ـبة وتخلف عن معـ,ـركة بدر.
قال رافع بن مالك لابنه رفاعة وكان رفاعة من أهل بدر، وكان رافع من أهل العقـ,ـبة.
فالأب شهد البيـ,ـعة، والابن شهد المعـ,ـركة.
فكان يقول لابنه رفاعة: ( ما يسرّني أني شهدت بدراً بالعقـ,ـبة ).
بمعنى أن بيعة العقبة أفضل من شهود معـ,ـركة بدر.
فأجاب الابن قائلاً: سأل جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا.
فقال جبريل: ما تعدون أهل بدر فيكم؟
قال النبي ﷺ : ( خيارنا ) _ وفي رواية _ ( من أفضل المسلمين ).
قال جبريل: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة. رواه البخاري.
قال ابن حجر: ( والذي يظهر أن رافع بن مالك لم يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم التصريح بتفضيل أهل بدر على غيرهم فقال ما قال باجتهادٍ منه وشبهته أن العقـ,ـبة كانت مَنشأ نصـ,ـرة الإسلام وسبب الهـ,ـجرة التي نشأ منها الاستعداد للغـ,ـزوات كلها لكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ). اهـ. فتح الباري (7/313).
والأمر واضح، فقد كان أثر معـ,ـركة بدر على الكـ,ـفار أشدّ من بيـ,ـعة العقـ,ـبة، وكان أثر معـ,ـركة بدر على الإسلام أقوى من أثر بيـ,ـعة العقـ,ـبة.
وحتى لا يأمن أحد مكر الله فموضوع الاصطفاء والإجتباء حاضر في القضـ,ـية.
( فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من كان ظهره حاضراً فليركب معنا ) ولم ينتظر من كان ظهره غائباً ) اهـ. نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (1/82).
وقوله: ( من كان له ظهر حاضر ) أي مركب جاهز.
وكان عدد المسلمين في المـ,ـدينة المنورة أكثر من الذين حضروا في معـ,ـركة بدر.
وإنما لم يخرجوا لأنهم لم يروا أنه يشهد قتـ,ـالاً.
فقد سبق أن خرج المسلمون قبل غـ,ـزوة بدر وهم يلاحقون قوافل أو مجمـ,ـوعات من المشـ,ـركـ,ـين لكنه لم يحصل صـ,ـدام عسـ,ـكـ,ـري ضاري.
ومن ذلك:
1- سَـ,ـرِيَّة سـ,ـيف البحر.
2- سـ,ـرية رابغ.
3- سـ,ـرية الخرار.
4- غـ,ـزوة الأبواء أو ودان.
5- غـ,ـزوة بواط.
6- غـ,ـزوة سفوان.
7- غـ,ـزوة ذي العشيرة.
كل ذلك لم يحصل صـ,ـدام دامي، باستثناء بعض المنـ,ـاوشـ,ـات الخفيفة، ثم بعد هذا كله غـ,ـزوة بدر.
فمن كان مُستعداً لأي عمل خفيف قبل ذلك أو ثقيل، شُرِّفَ بشهود معـ,ـركة بدر.
ومن تساهل ونظر إليه أنه أمر لا يحتاج إلى النهوض ولا يساوي كلفة الذهاب، فاته فضيلة ( اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم ).
ولذا قال سعد بن معاذ: يا رسول الله، ألا نبني لك عريشاً، فتكون فيه، وننيخ لك ركائبك، ونلقى عـ,ـدونـ,ـا، فإن أظهـ,ـرنا الله عليهم، وأنجزنا، فذاك ما أحب إلينا، وإن تكن الأخرى، فتجلس على ركائبك، وتلحق بمن وراءنا من قومنا، فقد والله تخلف عنك أقوام ما نحن لك بأشد حباً منهم، لو علموا أن نلقى حـ,ـرباً ما تخلفوا عنك يوادونك وينـ,ـصـ,ـرونك ) . رواه البيهقي في الدلائل.
فالذين لم يحضروا ليس سبب اقعادهم كسل أو خوف وإنما ظنوا أن رسول الله ﷺ خارجٌ لقافلة ويغلب على ظنهم حتى القافلة أنها ستفوت عليهم.
الشاهد أن معـ,ـركة بدر حفل تكريمي للذين صبروا في مـ,ـكة، ولذلك يكاد أن يقال أن كل المهـ,ـاجـ,ـرين شهدوا تلك المعـ,ـركة إلا ما ندر.
ويغلب على الظن أن تكون بيـ,ـعة الإمـ,ـام المهدي جزاء لمن صبر قبلها.
وتكون معـ,ـركة كلب تسليم الجوائز ( والخيـ,ـبة لمن لم يشهد غنـ,ـيمة كلب ) رواه أبو داود وأحمد.
لماذا يخيب ويخسر من لم يشهد غنيـ,ـمة؟
ما شأن التحـ,ـريض على حضور الغنـ,ـيمة؟
ولم يُحَرِّض على حضور غـ,ـزوة، فلم يقل ( والخـ,ـيبة لمن لم يشهد معـ,ـركة كلب ).
ما السر وراء قوله ( والخـ,ـيبة لمن لم يشهد (( غنيـ,ـمة )) كلب ) ؟
لعله _ والله أعلم _ أن نصـ,ـرة الإمـ,ـام المهدي حال الضعف يُجازى أصحابها بغنـ,ـيمة كلب، نظير غنـ,ـائم خـ,ـيـبر:
فقد جوزِيَ من شهد صلح الحديبية بغنـ,ـيمة خيـ,ـبر.
( فإن الله تعالى قد وعد أهل الحديبية بمغـ,ـانم خـ,ـيبر وحدهم لا يشركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين ) تفسير ابن كثير (٧/٣٣٧).
قال تعالى ( لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ).
علم ما في قلوبهم من صدقهم وإخلاصهم فأثابهم فتح خـ,ـيبر ومغـ,ـانـ,ـمها.
وكذا من ناصـ,ـر الإمـ,ـام المهدي حال الضعف لما انتفى التفكير بمغـ,ـنم.
عُوِّضُوا عنها بشرف البيـ,ـعة وبغـ,ـنائم كلب.
وفي أثر عند الشيعة: ( يجتمع إليه من أصحابه عِدَّةُ أهل بدر ( ثلاثمائة وثلاثة عشر ) رجلاً من أقاصي الأرض ... فإذا اجتمعت له هذه العـ,ـدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ). اهـ. من أهل الإخلاص.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( يُبعث المهدي بعد إياس حتى يقول الناس لا مهدي، وأنـ,ـصـ,ـاره من أهل الشام عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً عدد أصحاب بدر، يسيرون إليه من الشام حتى يستخرجوه من بطن مـ,ـكة من دارٍ عند الصفا، فيـ,ـبايـ,ـعوه كرهاً، فيُصلي بهم ركعتين عند المـ,ـقام ). رواه نعيم برقم (990).
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: ( يُبَـ,ـايَعُ الْمَهْدِيُّ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْمَـ,ـقَامِ عَلَى عِـ,ـدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ ) اهـ. أخبار مـ,ـكة للفاكهي _ (1 / 470).
فالثلاثمائة قبل أن يكونوا أهل بيـ,ـعته، قد جاوزوا نهر الابـ,ـتلاء.
والله أعلم
🖌 الشيخ ابى داود الحسامي حفظه الله
https://t.me/hakeemelansar1/310