11/12/2023
اخترت ركنا دافئا في المقهى، في ذلك الركن بدأت كتابة رواية مجاز ولكن... وفيه أيضا، كتبت الفصل الأخير من رواية غروب الشمس، وقررت أن أكتب فيه السيرة الذاتية. وضعت الأوراق على الطاولة، أشارت لي النادلة بيدها، كالعادة؟ نعم كالعادة، نورمال.
بدأت أكتب بشراهة، ليس في جيبي إلا عشرين درهما. دخلت امرأة وهي تجر طفل وتحمل الأخر على ظهرها، قصدتني كأنها تعرفني منذ زمان، وصلت فوقفت أمامي مباشرة؛ نظرت إلي قائلة : بغت نفطر. بغت شي براد أتاي... ومن سيهتم لبطنك في هذا البرد القارس؟
ابتسمت، وسألت نفسي، كيف لها أن تتجاوز كل هؤلاء الناس وتقصدني أنا بالضبط؟
ربما لأني أختبئ داخل هذا اللباس الرسمي، رسمي للضياع والتيه، أو ربما ثمة شيء لا أعرفه. المهم، أن المرأة جائعة وتريد أن تفطر.
عشرون درهما، وبماذا سأشرب القهوة غدا؟ وهل سأعيش حتى الغد؟ وكيف للإنسان في بلاد ... ألا يتجاوز طلبه سقف الطعام؟ خبزة واحدة، كأس شاي...
- اجلسي يا أختي.
أشرت إلى النادلة، فطلبت منها أن تحضر براد الشاي، أبدت نفورا من حال المرأة، جعلني أغضب قليلا، قلت لها في نفسي؛ جيبي أتاي ابنت...هل أمك من ستدفع ثمنه؟
نظرت إلى الطفلين، صغيران وتائهان، يفتشان في كيس بلاستيكي، يأكلان فتات شيء ما. خرجت إلى المخبزة القريبة، رجعت بكيس وضعته أمام طاولة المرأة، بدأت تثني علي ولا تكاد تتوقف عن الدعاء، أشرت لها وقلت في نفسي : أرجوك توقفي، أرجوك فإنك تشعريني بأني قمت بشيء عظيم، أنا لم أقم إلا بالواجب... هذا واجبي واجب كل شخص.
غادرت المرأة فتقدمت النادلة نحوي قائلة :
- أنت مقودة عليك وكتخلص على عباد الله؟
فكرت أن أجيبها، ولكن تراجعت، فقلت مع نفسي إن ما سأقوله لن يستطيع المرء أن يفهمه بل يجب أن يعيشه. كم مرة وجدت نفسي في مواقف أحتاج فيها مساعدة كبيرة قدمت لي بدون حتى أن أطلبها.