15/01/2025
مقتطف من كتابنا :
إن القواعد التي اشتغلنا عليها في الجانب البيداغوجي عموما هي نفسها ما ينتقل من الأصل إلى الفرع، من البيداغوجيا إلى الديداكتيك مع إضافة قاعدتين لم نشر إليهما في المؤلف الأول، وهما: قاعدة الخلفية التصورية الاعتقادية أو لنقل النظرة الإيجابية، وقاعدة الوضوح المعياري. وهما قاعدتان تلامسان البيداغوجيا والديداكتيك على السواء.
وعموما فان التخطيط لأية حصة تعليمية تتبنى النظرة النسقية التركيبية بتوظيف بيداغوجيا الكفايات أو غيرها من الخلفيات التدريسية يستدعي أن يكون تخطيطا نسقيا يلامس الأستاذ والمادة المعرفية والتلميذ وسياقهم العام زمانا ومكانا وثقافة، ويستهدف بالضبط جوهر الشخصية الذي هو باطنها، فلا يغريه ما يظهر للعين المجردة في العملية التعلمية إلا بالقدر الذي يكون مؤشرا على تطور جواني لامس شخصية المتعلم. وسنبدأ بالقاعدة الجديدة الأولى وهي النظرة الإيجابية .
المبحث الاول: قاعدة القناعات الإيجابية
تعتبـر النظرة الإيجابية أو قاعدة إيجابية التصورات والمعتقدات سابقة من حيث الترتيب عندنا على مزاولة أفعال التخطيط والتدبير والتقويم. فالتخطيط للآخر يبدأ بالتخطيط للنفس.
ومن هذا المنطلق نقول:
اِشتغل قبل البداية في التخطيط وقبل البداية في الحصة على ذاتك وقناعاتك واجلعها إيجابية تجاه المهنة والدرس والتلاميذ والموضوع والسياق. فالتخطيط الناجح للسلوكات التعليمية يبدأ بالتخطيط لمنحنيات النفس. وهذا أمر ليس بالسهل بل يحتاج وقوفا واعيا مع الذات ووعيها بذاتها. واعلم أن فعلك التعليمي هو في جوهره فعل نفس في نفوس. وديداكتيك التركيب يولي الأهمية القصوى للباطن لا للظاهر.
ذلك أنه لايمكن لمن يحمل قناعات سلبية وغير متحفز لعمله ومهنته وتلامذته وتخصصه أن ينجح في أداء واجبه إن تخطيطا أو تدبيرا أو تقويما ، فالنجاح عندنا نتيجة طبيعية لتناغم الأحاسيس الباطنية مع السلوكات الخارجية، ومن كان مضطربا أو معطوبا في قناعاته ومعتقداته تجاه نفسه ومجال اشتغاله لن ينتج إلا سلوكات مضطربة تجاه محيطه وبدون استثناء، فسلامة الدرس رهينة بسلامة النفس سواء بالنسبة للتلاميذ أو الأستاذ، إلا أن هذا الأمر بالنسبة إلى الأستاذ عملية ذاتية واعية إلزامية لأنه فاعل تربوي محترف، يدرك أن اختلال نفسه يعني تصدير خللها وتبعاته إلى نفوس المتعلمين.
وعليه، فالمدخل الأول لنجاح الدرس النسقي هو الاشتغال على نفسك أيها المدرس باعتبارها جزءا من النسق العام، والانتهاء مما علق بنفسك أو عشعش فيها من تصورات سلبية أو عقد حول ذاتك وتخصصك وعملك وسياقه وثقافته. ثم بعد ذلك انتقل إلى الاشتغال على نفوس المتعلمين لتبني لديهم قناعات إيجابية أكثر قدرة على التناغم مع العلم والواقع، وأكثر تأثيرا على النفوس لإنتاج أفضل السلوكات تجاه العلم والتعلم والأستاذ والمؤسسة والسياق عامة، فالنفوس المريضة أو المضطربة عاجزة عن التعلم أو متأخرة فيه أو هاجرة له بل قد تكون كارهة له، ولهذا كله صلة بالنفس واضطراباتها. ونفسك معنية كغيرها من النفوس، بل يمكن أن تكون مصدر ا للاضطراب الداخلي، أو مَعِينا للأمن الجواني.
إن الاشتغال على القناعات من جهة، والتحفيز من جهة ثانية، وتحريك العواطف الإيجابية والسيرورات الوجدانية البانية للنفس والمؤثرة إيجابا على النفوس التي تجلس أمامك من جهة ثالثة، تعتبر مداخل نفسية عاطفية وجدانية مركزية لبناء سيرورات النجاح. وعليه، فبالإضافة إلى الاشتغال على نفسك أيها الفاعل التربوي وجب أن تبدأ درسك بلحظة إيجابية تحفيزية تحرك فيها الجوانب الإيجابية في النفوس التي تجلس أمامك وتدفعها دفعا إلى تطوير شعور إيجابي تجاهك وتجاه المادة المعرفية التي تريد إيصالها إليهم. الحصة التعليمية لحظة سعادة وتعلم لا تعاسة وتجهيل وتدمير.
وتأسيسا على ذلك، فإن القاعدة تسري عليك وعلى التلاميذ أو الطلبة، ومن ثم كان لزاما أن تبدأ حصتك إيجابية محفزة وتحافظ على منحى إيجابياتها إلى أن تكتمل، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والاشتغال على القناعات والتحفيز للعلم لا يكون بناء على كل ما سبق مقتضياً للترك بل مقتضياً للفعل لزوما، والتأصيل له مبثوث في السيكولوجيا والبيداغوجيا وعلم الاجتماع والفلسفة والدين وغيرها من الحقول المعرفية التي تتناول بالبحث والدراسة والتحليل الإنسان وما يرتبط به. ولك في الفصول السابقة ألف دليل ودليل.
يمكن بناء على كل ما سبق أن نصوغ لك هذه الخطوة كما يلي:
التخطيط والتدبير والتقويم الديداكتيكي أعمال في النفس قبل المادة المعرفية، وتعديل في النفوس قبل المعارف، وتفكيك للذات قبل المضامين، فقبل ترتيب المحتويات وجب ترتيب القناعات وتأثيث النفسيات. ونفسك أيها الأستاذ أولى النفوس بالـتأثيث قبل غيرها، لأنها مصدر قوة أو خزان تدمير.
عبد الجليل أميم: مدخـل إلـى البيداغوجيا أو علوم التربيـة. رؤية تربوية مغايــــرة
في التأسيس لديداكتيك السياقات المغربية المركبة.
الجزء الثانـي
النظريات والنماذج الديداكتيكية