31/01/2024
رأيت وجه فتاة عرفتها قديما في ربوة من لبنان ينتهي الوصف إلى جمالها ثم يقف، كنت أرى الشمس كأنما تجري في شعرها ذهبا، وتتوقد في خدها ياقوتا، وتسطع في ثغرها لؤلؤة، وكنت أرى الورد الذي يزرعه الناس في رياضهم، فإذا تأملت شفتيها رأيت ورقتين من الورد الذي يزرعه الله في جنته؛ وكانت لها حينا خفة العصفور وحينا كبرياء الطاووس ودائما وداعة الحمامة المستأنسة؛ وكانت روحها عطرة تنفح نفح المسك إذا تشامت الأرواح الغزلة بالحاسة الشعرية التي فيها!
وكنت إذا رأيتها بجملة النظر من بعيد صور لها قلبي من الحسن والهوى ما يموت فيه موتة ثم يحيا؛ فإذا جالستها وأثبت النظر فيها رأيتها في التفصيل شيئا بعد شيء بعد شيء، كما أنظر نجما بعد نجم بعد نجم: كلها شعاع وكلها نور وكلها حسن!
وما نظرت مرة إلى النساء حولها إلا وجدت من الفرق بينها وبينهن ما يتضاعف من جهتها عاليا عاليا، ويتضاعف منهن نازلا نازلا؛ كأنه ليس في الأمر إلا أنها أخذت من السماء ووضعت بينهن!
هي كالفتنة المحتومة تنبعث إلى آخرها ، فليس منها شيء إلا هو يحسن شيئا ويشوق إلى شيء، وبعضها يزين بعضها.
لقد تراخى الزمن بي وبها، فلو عددت لأحصيت مائة وخمسين قمرا منذ فارقتها.
وعلى أن هذا الزمن قد محا في قلبي من بعدها وأثبت، فلا تزال تنشق لها زفرة من صدري كلما عرضت ذكراها، كأن القلب يسألني بلغته: أين هي؟
والقلب الكريم لا ينسى شيئا أحبه ولا شيئا ألفه؛ إذ الحياة فيه إنما هي الشعور.
.✍️
من كتاب