حامد كشك - Hamed Keshk

  • Home
  • حامد كشك - Hamed Keshk

حامد كشك - Hamed Keshk Engineer Darsh مهندس -جامعة الأزهر
قارئ للقرآن الكريم منشد ومبتهل ديني

إنا لله وإنا إليه راجعون توفي خالد الإبن الوحيد للدكتور حازم شومان أحسن الله عزائكم آل شومان وأنزل الصبر في قلوبكم وغفر ...
05/07/2022

إنا لله وإنا إليه راجعون
توفي خالد الإبن الوحيد للدكتور حازم شومان أحسن الله عزائكم آل شومان وأنزل الصبر في قلوبكم وغفر لميتكم وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة

05/07/2022

قال الفضيل بن عياض رحمه الله: بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله.

18/06/2022

(وربك الغفور ذو الرحمة)

04/06/2022

قصة تائب 🌸

03/06/2022

بقلد مين؟🤔☺️

01/06/2022

ما أرحم الله بنا ❤️❤️❤️

01/06/2022

(بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون )

01/06/2022

قصيدة قصة تائب ....⏳

01/06/2022

هل صليت على النبي؟

31/05/2022

اليوم أول ليلة من شهور الله المحرمه ذو القعدة
الذنب فيها عظيم
والعمل الصالح فيها أعظم والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم
ألم يأن لك أن تستثمر مع الله
ها قد حان شد الإزار
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون👏❤️

31/05/2022

المنشاوي❤️

31/05/2022
31/05/2022

🌸💛

28/05/2022

{وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا (اللَّهُ يَرْزُقُهَا)} (1) ملايين الكائنات بلا جيوب ولا خزائن ولا أرصدة تنام الآن دون أن تشعر بالقلق لرزق أعد لها

27/05/2022

" أبو ذر الغفاري - زعيم المعارضة وعدو الثروات "
على مكة نشوان مغتبطا .. صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضنى والألم، بيد أن الغاية التي يسعى اليها، أنسته جراحه، وأفاضت على روحه الحبور والبشور .
ودخلها متنكرا، كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوّفوا بآلهة الكعبة العظام .. أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه، أو طال به السفر والارتحال فأوى اليها يستريح ويتزوّد .
فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن محمد صلى الله عليه وسلم، ويستمع اليه لفتكوا به .
وهو لا يرى بأسا في أن يفتكوا به، ولكن بعد أن يقابل الرجل الي قطع الفيافي ليراه، وبعد أن يؤمن به، ان اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته.. ولقد مضى يتسمّع الأنباء من بعيد، وكلما سمع قوما يتحدثون عن محمد اقترب منهم في حذر، حتى جمع من نثارات الحديث هنا وهناك ما دله على محمد، وعلى المكان الذي يستطيع أن يراه فيه .
في صبيحة يوم ذهب الى هناك، فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم جالاسا وحده، فاقترب منه وقال : نعمت صباحا يا أخا العرب.. فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام : وعليك السلام يا أخاه .
قال أبو ذر : أنشدني مما تقول.. فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام : ما هو بشعر فأنشدك، ولكنه قرآن كريم .
قال أبو ذر : اقرأ عليّ.. فقرأ عليه الرسول، وأبو ذر يصغي.. ولم يمضي من الوقت غير قليل حتى هتف أبو ذر : "أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " وسأله النبي : ممن أنت يا أخا العرب .. ؟ فأجابه أبو ذر : من غفار..
وتألقت ابتسامة على فم السول صلى الله عليه وسلم، واكتسى وجهه الدهشة والعجب ..
وضحك أبو ذر كذلك، فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه السلام حين علم أن هذا الذي يجهر بالاسلام أمامه انما هو رجل من غفار .. !! فغفار هذه قبيلة لا يدرك لها شأو في قطع الطريق .. !! وأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع .. انهم حلفاء الليل والظلام، والويل لمن يسلمه الليل الى واحد من قبيلة غفار .

أفيجيء منهم اليوم، والاسلام لا يزال دينا غصّا مستخفيا، واحد ليسلم .. ؟! يقول أبو ذر وهو يروي القصة بنفسه : ".. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوّبه تعجبا، لما كان من غفار، ثم قال : ان الله يهدي من يشاء .
ولقد كان أبو ذر رضي الله عنه أحد الذين شاء لهم الهدى، وأراد بهم الخير .
وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين شاء الله لهم الهدى، وأراد بهم الخير .
وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين كلنوا يتألهون في الجاهلية، أي يتمرّدون على عبادة الأصنام، ويذهبون الى الايمان باله خالق عظيم ، وهكذا ما كاد يسمع بظهور نبي يسفّه عبادة الأصناك وعبّادها، ويدعو الى عبادة الله الواحد القهار، حتى حث اليه الخطى، وشدّ الرحال .
أسلم أبو ذر من فوره .. وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس..
اذن، هو قد أسلم في الأيام الأولى، بل الساعات الأولى للاسلام، وكان اسلامه مبكرا ..
وحين أسلم كلن الرسول يهمس بالدعوة همسا .. يهمس بها الى نفسه، والى الخمسة الذين آمنوا معه، ولم يكن أمام أبي ذر الا أن يحمل ايمانه بين جنبيه، ويتسلل به مغادرا مكة، وعائدا الى قومه ... ولكن أبا ذر، جندب بن جنادة، يحمل طبيعة فوارة جيّاشة .
لقد خلق ليتمرّد على الباطل أنى يكون .. وها هو ذا يرى الباطل بعينيه .. حجارة مرصوصة، ميلاد عابديها أقدم من ميلادها، تنحني أمامها الجباه والعقول، ويناديها الناس : لبيك.. لبيك .. !!
وصحيح أنه رأى الرسول يؤثر لهمس في أيامه تلك.. ولكن لا بدّ من صيحة يصيحها هذا الثائر الجليل قبل أن يرحل.
لقد توجه الى الرسول عليه الصلاة والسلام فور اسلامه بهذا السؤال : يا رسول الله، بم تأمرني ؟ فأجابه الرسول : ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري ..
فقال أبو ذر : والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد.. !!
ألم أقل لكم .. ؟؟
تلك طبيعة متمرّدة جيّاشة، أفي اللحظة التي يكشف فيها أبو ذر عالما جديدا بأسره يتمثل في الرسول الذي آمن به، وفي الدعوة التي سمع بتباشيرها على لسانه.. أفي هذه اللحظة يراد له أن يرجع الى أهله صامتا ؟ هذا أمر فوق طاقته .. هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته : [أشهد أن لا اله الا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله] ...
كانت هذه الصيحة أول صيحة بالاسلام تحدّت كبرياء قريش وقرعت أسماعها .. صاحها رجل غريب ليس له في مكّة حسب ولا نسب ولا حمى ..
ولقد لقي ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه .. فقد أحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه ..
وترامى النبأ الى العباس عم النبي، فجاء يسعى، وما استطاع أن ينقذه من بين أنيابهم الا بالحيلة لذكية، قال له : " يا معشر قريش، أنتم تجار، وطريقكم على غفار،، وهذا رجل من رجالها، ان يحرّض قومه عليكم، يقطعوا على قوافلكم الطريق ".. فثابوا الى رشدهم وتركوه ، ولكن أبا ذر، وقد ذاق حلاوة الأذى في سبيل الله، لا يريد أن يغادر مكة حتى يظفر من طيباته بمزيد ... !!
وهكذا لا يكاد في اليوم الثاني وربما في نفس اليوم، يلقى امرأتين تطوفان بالصنمين (أساف، واثلة) ودعوانهما، حتى يقف عليهما ويسفه الصنمين تسفيها مهينا.. فتصرخ المرأتان، ويهرول الرجال كالجراد، ثم لا يفتون يضربونه حتى يفقد وعيه .. وحين يفيق يصرخ مرة أخرى بأنه " يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله " ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد، وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل. بيد أن وقته لم يأت بعد، فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه، حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلوه ..
ويعود أبو ذر الى عشيرته وقومه، فيحدثههم عن النبي الذي ظهر يدعو الى عبادة الله وحده ويهدي لمكارم الأخلاق، ويدخل قومه في الاسلام، واحدا اثر واحد .. ولا يمتفي بقبيلته غفار، بل ينتقل الى قبيلة أسلم فيوقد فيها مصابيحه.. !!
وتتابع الأيام رحلتها في موكب الزمن، ويهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة، ويستقر بها والمسلمون معه .
وذات يوم تستقبل مشارفها صفوفا طويلة من المشاة والركبان، أثارت أقدامهم النقع.. ولولا تكبيراتهم الصادعة، لحبسهم الرائي جيشا مغيرا من جيوش الشرك .. اقترب الموكب اللجب.. ودخل المدينة.. ويمم وجهه شطر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومقامه ..

لقد كان الموكب قبيلتي غفار وأسلم، جاء بهما ابو ذر مسلمين جميعا رجالا ونساءا. شيوخا وشبابا، وأطفالا.. !!
وكان من حق الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزداد عجبا ودهشة ..
فبالأمس البعيد عجب كثيرا حين رأى أمامه رجلا واحدا من غفار يعلن اسلامه وايمانه، وقال معبّرا عن دهشته : " ان الله يهدي من يشاء " !!
أما اليوم فان قبيلة غفار بأجمعها تجيئه مسلمة..وقد قطعت في الاسلام بضع سنين منذ هداها الله على يد أبي ذر، وتجيء معها قبيلة أسلم .. ان عمالقة السطو وحلفاء الشيطان، قد أصبحوا عمالقة في الخير وحلفاء للحق .
أليس الله يهدي من يشاء حقا ؟؟
لقد ألقى الرسول عليه الصلاة والسلام على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحنانا وودا ..
ونظر الى قبيلة غفار وقال : " غفار غفر الله لها " ثم الى قبيلة أسلم فقال : " وأسلم سالمها الله " ..
وأبو ذر هذا الداعية الرائع.. القوي الشكيمة، العزيز المنال.. ألا يختصه الرسول عليه الصلاة والسلام بتحية ؟؟
أجل .. ولسوف يكون جزاؤه موفورا، وتحيته مباركة ..
ولسوف يحمل صدره، ويحمل تاريخه، أرفع الأوسمة وأكثرها جلالا وعزة ..
ولسوف تفنى القرون والأجيال، والناس يرددون رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي ذر : " ما أقلّت الغبراء، ولا أظلّت الصحراء أصدق لهجة من أبي ذر " .. !!
ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد، وقدرته اباهرة على مواجهة الباطل .. بيد أن وقته لم يأت بعد، فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه، حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلّوه .. أصدق لهجة في أبي ذر .. ؟
لقد قرأ الرسول عليه الصلاة والسلام مستقبل صاحبه، ولخص حياته كلها في هذه الكلمات .. فالصدق الجسور، هو جوهر حياة أبي ذر كلها .. صدق باطمه، وصدق ظاهره ..
صدق عقيدته وصدق لهجته ..
ولسوف يحيا صادقا.. لا يغالط نفسه، ولا يغالط غيره، ولا يسمح لأحد أن يغالطه ..
ولئن يكون صدقه فضيلة خرساء.. فالصدق الصامت ليس صدقا عند أبي ذر ..
انما الصدق جهر وعلن.. جهر بالحق وتحد للباطل..تأييد للصواب ودحض للخطأ ..
الصدق ولاء رشيد للحق، وتعبير جريء عنه، وسير حثيث معه ..

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ببصيرته الثاقبة عبر الغيب القصيّ والمجهول البعيد كل المتاعب التي سيفيئها على أبي ذر صدقه وصلابته، فكان يأمره دائما أن يجعل الأناة والصبر نهجه وسبيله .
وألقى الرسول يوما هذا السؤال : " يا أبا ذر كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء " ؟ فأجاب قائلا : " اذن والذي بعثك بالحق، لأضربن بسيفي " !! فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : " أفلا أدلك على خير من ذلك.. ؟ اصبر حتى تلقاني " .
ترى لماذا سأله الرسول هذا السؤال بالذات ؟؟ الأمراء .. والمال.. ؟؟ تلك قضية أبي ذر التي سيهبها حياته، وتلك مشكلته مع المجتمع ومع المستقبل .. ولقد عرفها رسول الله فألقى عليه السؤال، ليزوده هذه النصيحة الثمينة : " اصبر حتى تلقاني " ..
ولسوف يحفظ أبوذر وصية معلمه، فلن يحمل السيف الذي توّد به الأمراء الذين يثرون من مال الأمة.. ولكنه أيضا لن يسكت عنهم لحظة من نهار ..
أجل اذا كان الرسول قد نهاه عن حمل السيف في وجوههم، فانه لا ينهاه عن أن يحمل في الحق لسانه البتار ..
ولسوف يفعل ..
ومضى عهد الرسول، ومن بعده عصر أبي بكر، وعصر عمر في تفوق كامل على مغريات الحياة ودواعي الفتنة فيها ..
حتى تلك النفوس المشتهية الراغبة، لم تكن تجد لرغباتها سبيلا ولا منفذا .
وأيامئذ، لم تكن ثمة انحرافات يرفع أبو ذر ضدها صوته ويفلحها بكلماته اللاهبة ... ولقد طال عهد أمير المؤمنين عمر، فارضا على ولاة المسلمين وأمرائهم وأغنيائهم في كل مكان من الأرض، زهدا وتقشفا، ودعلا يكاد يكون فوق طاقة البشر ..
ان واليا من ولاته في العراق، أو في الشام، أ، في صنعاء.. أو في أي من البلاد النائية البعيدة، لا يكاد يصل اليها نوعا من الحلوى، لا يجد عامة الناس قدرة على شرائه، حتى يكون الخبر قد وصل الى عمر بعد أيام، وحتى تكون أوامره الصارمة قد ذهبت لتستدعي ذلك الوالي الى المدينة ليلقى حسابه العسير .. !!
ليهنأ أبو ذر اذن .. وليهنأ أكثر ما دام الفاروق العظيم أميرا للمؤمنين .. وما دام لا يضايق أبا ذر في حياته شيء مثلما يضايقع استغلال السلطة، واحتكارالثروة ، فإن ابن الخطاب بمراقبته الصارمة للسلطة، وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا .. وهكذا تفرغ لعبادة ربه، وللجهاد في سبيله.. غير لائذ بالصمت اذا رأى مخالفة هنا، أو هناك .. وقلما كان يرى ..
بيد أن أعظم، وأعدل، وأروع حكام البشرية قاطبة يرحل عن الدنيا ذات يوم، تاركا وراءه فراغا هائلا، ومحدثا رحيله من ردود الفعل ما لا مفرّ منه ولا طاقة للناس به، وتستمر القتوح في مدّها، ويعلو معها مد الرغبات والتطلع الى مناعم الحياة وترفها .. ويرى أبو ذر الخطر ..
ان ألوية المجد الشخصي توشك أن تفتن الذين كل دورهم في الحياة أن يرفعوا راية الله ..
ان الدنيا بزخرفها وغرورها الضاري، توشك أن تفتن الذين كل رسالتهم أن يجعلوا منها مزرعة للأعمال الصالحات ..
ان المال الذي جعله الله خادما مطيعا للانسان، يوشك أن يتحوّل الى سيّد مستبد ..
ومع من ؟ مع أصحاب محمد الذي مات ودرعه مرهونة، في حين كانت أكوام الفيء والغنائم عند قدميه .. !!
ان خيرات الأرض التي ذرأها الله للناس جميعا .. وجعل حقهم فيها متكافئا توشك أن اصير حكرا ومزية ..
ان السلطة التي هي مسؤولية ترتعد من هول حساب الله عليها أفئدة الأبرار، تتحول الى سبيل للسيطرة، وللثراء، وللترف المدمر الوبيل ..
رأى أبو ذر كل هذا فلم يبحث عن واجبه ولا عن مسؤوليته.. بل راح يمد يمينه الى سيفه.. وهز به الهواء فمزقه، ونهض قائما يواجه المجتمع بسيفه الذي لم تعرف له كبوة .. لكن سرعان ما رنّ في فؤاده صدى الوصية التي أوصاه بها الرسول، فأعاد السيف الى غمده، فما ينبغي أن يرفعه في وجه مسلم ..
(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ)
ليس دوره اليوم أن يقتل.. بل أن يعترض .. وليس السيف أداة التغيير والتقويم، بل الكلمة الصادقة، الأمينة المستبسلة .. الكلمة العادلة التي لا تضل طريقها، ولا ترهب عواقبها .
لقد أخبر الرسول يوما وعلى ملأ من أصحابه، أن الأرض لم تقلّ، وأن السماء لم تظلّ أصدق لهجة من أبي ذر ..
ومن كان يملك هذا القدر من صدق اللهجة، وصدق الاقتناع، فما حاجته الى السيف .. ؟
ان كلمة واحدة يقولها، لأمضى من ملء الأرض سيوفا ..

فليخرج بصدقه هذا، الى الأمراء.. الى الأغنياء. الى جميع الذين أصبحوا يشكلون بركونهم الى الدنيا خطرا على الدين الذي جاء هاديا، لا جابيا.. ونبوة لا ملكا،.. ورحمة لا عذابا.. وتواضعا لا استعلاء.. وتكافؤ لا تمايز.. وقناعة لا جشعا.. وكفاية لا ترفا.. واتئادا في أخذ الحياة، لا فتونا بها ولا تهالكا عليها..
فليخرج الى هؤلاء جميعا، حتى يحكم الله بينهم وبينه بالحق، وهو خير الحاكمين .
وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة، يغزوها بمعارضته معقلا معقلا .. وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير والكادحون .. حتى في الأقطار النائية التي لم يره أهلها بعد .. طاره اليها ذكره ، وأصبح لا يمر بأرض، بل ولا يبلغ اسمه قوما الا أثار تسؤلات هامّة تهدد مصالح ذوي الشلطة والثراء .
ولو أراد هذا الثائر الجليل أن يتخذ لنفسه ولحركته علما خاصا لما كان الشعار المنقوش على العلم سوى مكواة تتوهج حمرة ولهبا، فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده في كل مكان وزمان.. ويردده الانس عنه كأنه نشيد .. هذه الكلمات : " بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة ".. !!
لا يصغد جبلا، ولا ينزل سهلا، ولا يدخل مدينة، ولا يواجه أميرا الا وهذه الكلمات على لسانه .
ولم يعد الانس يبصرونه قادما الا استقبلوه بهذه الكلمات : " بشّر الكانزين بمكاو من نار " ..
لقد صارت هذه العبارة علما على رسالته التي نذر حياته لها، حين رأى الثروات تتركز وتحتكر.. وحين رأى السلطة استعلاء واستغلال .. وحين رأى حب الدنيا يطغى ويوشك أن يطمر كل ما صنعته سنوات الرسالة العظمى من جمال وورع، وتفان واخلاص ..
لقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورهبة.. هناك في الشام حيث "معاوية بن أبي سفيان" يحكم أرضا من أكثر بلاد الاسلام خصوبة وخيرا وفيضا، وانه ليعطي الأموال ويوزعها بغير حساب، يتألف بها الناس الذين لهم حظ ومكانة، ويؤمن بها مستقبله الذي كان يرنو اليه طموحه البعيد .
هناك الضياع والقصور والثروات تفتن الباقية من حملة الجعوة، فليدرك أبو ذر الخطر قبل أن يحيق ويدمّر .. وحسر زعيم المعارضة رداءه المتواضع عن ساقيه، وسابق الريح الى الشام ..
ولم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه في حماسة وشوق، والتفوا حوله أينما ذهب وسار ..

حدثنا يا أبا ذر .. حدثنا يا صاحب رسول الله ..
ويلقي أبو ذر على الجموع حوله نظرات فاحصة، فيرى أكثرها ذوي حصاصة وفقر .. ثم يرنو ببصره نحو المشارف القريبة فيرى القصور والضياع .. ثم يصرخ في الحافين حوله قائلا : " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الانس شاهرا سيفه ".. ؟؟!!
ثم يذكر من فوره وصية رسول الله أن يضع الأناة مكان الانقلاب، والكلمة الشجاعة مكان السيف .. فيترك لغة الحرب هذه ويعود الى لغة المنطق والاقناع، فيعلم الناس جميعا أنهم جميعا سواسية كأسنان المشط.. وأنهم جميعا شركاء في الرزق.. وأنه لا فضل لأحد على أحد الا بالتقوى.. وأن أمير القوم ووليهم، هو أول من يجوع اذا جاعوا، وآخر من شبع اذا شبعوا ..
لقد قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عامّا من كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة والمناعة، والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه، وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم، أو محتكرة للثروة .
وفي أيام قلائل، كانت الشام كلها كخلايا نحل وجدت ملكتها المطاعة .. ولو أعطى أبو ذر اشارة عابرة بالثورة لاشتعلت نارا .. ولكنه كما قلنا، حصر اهتمامه في خلق رأي عام يفرض احترامه، وصارت كلماته حديث المجالس والمساجد والطريق .
ولقد بلغ خطره على الامتيازات الناشئة مداه، يوم ناظر معاوية على ملأ من الناس. ثم أبلغ الشاهد للمناظرة، الغائب عنها. وسارت الرياح بأخبارها .. ولقد وقف أبو ذر أصدق العالمين لهجة، كما وصفه نبيه وأستاذه ..
وقف يسائل معاوية في غير خوف ولا مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما، وعن ثروته اليوم .. !!
وعن البيت الذي كان يسكنه بمكة، وعن قصوره بالشام اليوم .. !!
ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية الى الشام وصار لبعضهم قصور وضياع .
ثم يصيح فيهم جميعا : أفأنت الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم .. ؟؟
ويتولى الاجابة عنهم : نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن، وشهدتم مع الرسول المشاهد ..
ثم يعود ويسأل : ألا تجدون في كتاب الله هذه الآية : (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم .. يوم يحمى عليها في نار جهنّم، فتكوى بها جباههم، وجنوبهم، وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون) .. ؟؟
ويختلام معاوية طريق الحديث قائلا : لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب ..
ويصيح أبو ذر : لا بل أنزلت لنا ولهم ..
ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يخرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال .. وألا يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه ..
وتتناقل المحافل والجموع نبأ هذه المناظرة وأنباء أبي ذر ..
ويتعالى نشيد أبي ذر في البيوت والطرقات : (بشّر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة) ..
ويستشعر معاوية الخطر، وتفزعه كلمات الثائر الجليل، ولكنه يعرف له قدره، فلا يقرّ به بسوء، ويكتب عن فوره للخليفة عثمان رضي الله عنه يقول له : " ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام " ..
ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه للمدينة .
ويحسر أبي ذر طرف ردائه عن ساقيه مرّة أخرى ويسافر الى المدينة تاركا الشام في يوم لم تشهد دمشق مثله يوما من أيام الحفاوة والوداع .. !! (لا حاجة لي في دنياكم) .. !!
هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل الى المدسنة، وجرى بينهما حوار طويل .
لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه، ومن الأنباء التي توافدت عليه من كل الأقطار عن مشايعة الجماهير لآراء أبي ذر، بادراك صحيح لخطر دعوته وقوتها وقرر أن يحتفظ به الى جواره في المدينة محددا بها اقامته .
ولقد عرض عثمان قراره على أبي ذر عرضا رفيقا، رقيقا، فقال له : " ابق هنا بجانبي، تغدو عليك اللقاح وتروح "..
وأجابه أبو ذر : (لا حاجة لي في دنياكم) !
أجل لا حاجة له في دنيا الناس .. انه من أولئك القديسين الذين يبحثون عن ثراء الروح، ويحيون الحياة ليعطوا لا ليأخذوا .. !! ولقد طلب من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يأذن له الخروج الى الرّبذة فأذن له ..
ولقد ظل وهو في احتدام معارضته أمينا لله ورسوله، حافظا في اعماق روحه النصيحة التي وجهها اليه الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يحمل السيف .. لكأن الرسول رأى الغيب كله .. غيب أبي ذر ومستقبله، فأهدى اليه هذه النصيحة الغالية .

ومن ثم لم يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حين يرى بعض المولعين بايقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا لاشباع ولعهم وكيدهم .
جاءه يوما وهو في الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة، فزجرهم بكلمات حاسمة :
" والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة، أجبل، لسمعت، وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي .. "
" ولوسيّرني ما بين الأفق الى الأفق، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي ..
" ولو ردّني الى منزلي، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي " ..
ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا، ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة .. ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها .. كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر، فتحاشاه أيضا، ورفع صوته لا سيفه بكلمة الحق ولهجة الصدق، لا أطماع تغريه.. ولا عواقب تثنيه.. !
لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة الأمينة وتبتّل .
وسيقضي عمره كله يحدّق في أخطاء الحكم وأخطاء المال، فالحكم والمال يملكان من الاغراء والفتنة ما يخافه أبو ذر على اخوانه الذين حملوا راية الاسلام مع رسولهم صلى الله عليه وسلم، والذين يجب أن يظلوا لها حاملين .
والحكم والمال أيضا، هما عصب الحياة للأمة والجماعات، فاذا اعتورهما الضلال تعرضت مصاير الناس للخطر الأكيد .
ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول ألا يلي أحد منهم امارة أو يجمع ثروة، وأن يظلوا كما كانوا روّاد للهدى، وعبّادا لله ..
وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة المال، وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا .. ولطالما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من اغراء الامارة ويقول عنها : ".. انها أمانة، وانها يوم القيامة خزي وندامة.. الا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها " ...
ولقد بلغ الأمر بأبي ذر لى تجنّب اخوانه ان لم يكن مقاطعتهم، لأنهم ولوا الامارات، وصار لهم بطبيعة الحال ثراء وفرة ..
لقيه أبو موسى الأشعري يوما، فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه :" مرحبا أبا ذر .. مرحبا بأخي " ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول: " لست بأخيك، انما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا "..!
كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا، ولكن أبا ذر نحّاه عنه بيده وقال له : (اليك عني.. ألست الذي وليت الامارة، فتطاولت في البنيان، واتخذت لك ماشية وزرعا) .. ؟؟

ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات .. وقد يبدو أبو ذر مبالغا في موقفه من الجكم والثروة ..
ولكن لأبي ذر منطقه الذي يشكله صدقه مع نفسه، ومع ايمانه، فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله .. بسلوكه ورؤاه، عند المستوى الذي خلفه لهم رسول الله وصاحباه.. أبو بكر وعمر ..
واذا كان البعض يرى في ذلك المستوى مثالية لا يدرك شأوها، فان ابا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل، ولا سيما لأولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلام، وصلوا وراءه، وجاهدوا معه، وبايعوه على السمع والطاعة .
كما أنه يدرك بوعيه المضيء، ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم في مصاير الناس، ومن ثم فان أي خلل يصيب أمانة الحكم، أو عدالة الثروة، يشكل خطرا يجب دحضه ومعارضته .
ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه السلام وصاحبيه، أمينا عليها، حارسا لها .. وكان أستاذ في فن التفوق على مغريات الامارة والثروة ... عرضت عليه الامارة بالعراق فقال : " لا والله .. لن تميلوا عليّ بدنياكم أبدا " .. ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديما فسأله : أليس لك ثوب غير هذا.. ؟! لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين .. ؟ فأجابه أبو ذر : " يا بن أخي .. لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني " .. قال له : والله انك لمحتاج اليهما !!
فأجاب أب ذر : " اللهم غفر .. انك لمعظّم للدنيا، ألست ترى عليّ هذه البردة .. ؟؟ ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل ما نحن فيه ".. ؟؟
وجلس يوما يحدّث ويقول : [أوصاني خليلي بسبع .. أمرني بحب المساكين والدنو منهم .. وأمرني أن أنظر الى من هو دوني، ولاأنظر الى من هو فوقي .. وأمرني ألا أسأل أحد شيئا .. وأمرني أن أصل الرحم .. وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا .. وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم .. وأمرني أن أكثر من : لا حول ولا قوة الا بالله] .
ولقد عاش هذه الوصية، وصاغ حياته وفقها، حتى صار " ضميرا " بين قومه وأمته ..
ويقول الامام علي رضي الله عنه : " لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ".. !!
عاش يناهض استغلال الحكم، واحتكار الثروة .. عاش يدحض الخطأ، ويبني الصواب ..
عاش متبتلا لمسؤولية النصح والتحذير .. يمنعونه من الفتوى، فيزداد صوته بها ارتفاعا، ويقول لمانعيه : " والذي نفسي بيده، لو وضعتم السيف فوق عنقي، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها ".. !!
ويا ليت المسلمين استمعوا يومئذ لقوله ونصحه ..
اذن لما ماتت في مهدها تلك الفتن التي تفقم فيما بعد أمرها واستفحل خطرها، وعرّضت تادواة والمجتمع والاسلام لأخطار، ما كان أقساها من أخطار .
والآن يعالج أبو ذر سكرات الموت في الربذة .. المكان الذي اختار الاقامة فيه اثر خلافه مع عثمان رضي الله عنه، فتعالوا بنا اليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع، ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام .
ان هذه السيدة السمراء الضامرة، الجالسة الى جواره تبكي، هي زوجته ..
وانه ليسألها : فيم البكاء والموت حق .. ؟ فتجيبه بأنها تبكي : " لأنك تموت وليس عندي ثوب يسعك كفنا " !!
".. لا تبكي، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول : ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين ..
وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق منهم غيري.. وهأنذا بالفلاة أموت، فراقبي الطريق،، فستطلع علينا عصابة من المؤمنين، فاني والله ما كذبت ولا كذبت " .
وفاضت روحه الى الله .. ولقد صدق ..
فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء، تؤلف جماعة من المؤمنين، وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله .
وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه.. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميّت، والى جواره سيدة وغلام يبكيان .. ويلوي زمام دابته والركب معه صوب المشهد، ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان، حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه في الله والاسلام أبي ذر .
وتفيض عيناه بالدمع، ويقف على جثمانه الطاهر يقول : " صدق رسول الله.. نمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك " !
ويجلس ابن مسعود رضي الله عنه لصحبه تفسير تلك العبارة التي نعاه بها : " تمشي وحدك.. وتموت حدك.. وتبعث وحدك " ...
كان ذلك في غزوة تبوك .. سنة تسع من الهجرة، وقد أمر الرسول عليه السلام بالتهيؤ لملاقاة الروم، الذين شرعوا يكيدون للاسلام ويأتمرون به .
وكانت الأيام التي دعى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ. .
وكانت الشقة بعيدة .. والعدو مخيفا .. ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين، تعللوا بشتى المعاذير ..
وخرج الرسول وصحبه.. وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهدا ومشقة، فجعل الرجل يتخلف، ويقولون يا رسول اللهتخلف فلان، فيقول : " دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ".. !!
وتلفت القوم ذات مرة، فلم يجدوا أبا ذر .. وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام : لقد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره ..
وأعاد الرسول مقالته الأولى .. كان بعير أبي ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الاعياء خطاه ..
وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد، ولكن الاعياء كان يلقي ثقله على البعير ..
ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر، فنزل من فوق ظهر البعير، وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه، مهرولا، وسط صحراء ملتهبة، كما يدرك رسوله عليه السلام وصحبه ..
وفي الغداة، وقد وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا، بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار تخفي وراءها شبح رجل يغذ السير ..
وقال الذي رأى : يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق وحده ..
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : (كن أبا ذر) ..
وعادوا لما كانوا فيه من حديث، ريثما يقطع القادم المسافة التي تفصله عنهم، وعندها يعرفون من هو ..
وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا .. يقتلع خطاه من الرمل المتلظي اقتلاعا، وحمله فوق ظهره بتؤدة.. ولكنه مغتبط فرحان لأنه أردك القافلة المباركة، ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه المجاهدين ..
وحين بلغ أول القافلة، صاح صائهحم : يار سول الله : انه والله أبا ذر ..
وسار أبو ذر صوب الرسول .
ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية، وقال : [يرحم الله أبا ذر .. يمشي وحده.. ويموت وحده .. ويبعث وحده ..] .
وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد، مات أبو ذر وحيدا، في فلاة الربذة .. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده، وبطولة صموده ..
ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة، لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه .. !!! .

27/05/2022

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما رأيت يقينًا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت ثم لا يستعدون له.

26/05/2022

جمعتكم مباركه ⁦🌸

26/05/2022

ولا ظلٌ له بل كان نورَ..تنال الشمسَ مِنهُ وَالبُدورَ
صلى الله عليه وسلم⁦⁦˖♡⁩

26/05/2022

عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( قال: الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر, أقلب الليل والنهار ))
أمسك عليك لسانك واصبر على ما أصابك فما الدنيا إلا دار إمتحان فلا تنتظر منها الرفق وكن مستعدا لمعارك بعد معركه ولبذل الغالي والنفيس
اقبض على الجمر وكن غريبا فطوبى للغرباء🌸

26/05/2022

عن أبي هريرة ( قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يقبض الله الأرض ويطوي السموات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض)).صحيح

26/05/2022

عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سأل موسى ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة: رضيت رب، قال: رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر)) قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)

25/05/2022

لم يرد في القرآن تحريم لحم حيوان باسمه إلا الخنزير، مع أنه لم يكن كثيرا بأرض العرب، أليس هذا غريبا؟ إن الغرابة تزول حين نعلم أن الخنزير اليوم من أكثر الأطعمة انتشارا في الأرض.. إنها عالمية القرآن.

25/05/2022

" سلمان الفارسي - الباحث عن الحقيقة "

من بلاد فارس، يجيء البطل هذه المرة ..
ومن بلاد فارس، عانق الاسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد، فجعل منهم أفذادا لا يلحقون في الايمان، وفي العلم.. في الدين، وفي الدنيا .. وانها لاحدى روائع الاسلام وعظمائه، ألا يدخل بلدا من بلاد الله الا ويثير في اعجاز باهر، كل نبوغها ويحرّك كل طاقاتها، ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها .. فاذا الفلاسفة المسلمون .. والأطباء المسلمون .. والفقهاء المسلمون .. والفلكيون المسلمون .. والمخترعون المسلمون .. وعلماء الرياضة المسامون ..
واذا بهم يبزغون من كل أفق، ويطلعون من كل بلد، حتى تزدحم عصور الاسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل، والارادة، والضمير.. أوطانهم شتى، ودينهم واحد .. !!
ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه .. لا، بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم .. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الاسلام تخفق فوق مدائن الأرض، وقصور أربابها .. وكان سلمان الفارسي شاهدا .. وكان له بما حدث علاقة وثقى .
كان ذلك يوم الخندق، في السنة الخامسة للهجرة، اذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد .
ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان " المدينة " من خارجها، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين الذين سيقعون آنئذ بين شقّى رحى تطحنهم وتجعلهم ذكرى .. !
وفوجىء الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم .
وسقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة .

وصوّر القرآن الموقف، فقال الله تعالى : (اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه، وأصحابه.. وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الاسلام خطرا عليها .
انها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول : أفرادا، وجماعات، وقبائل، ومصالح .. ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب .. وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر .. وطبعا، أجمعوا على الدفاع والقتال .. ولكن كيف الدفاع ؟؟
هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما، واحتراما كبيرا .
تقدّم سلمان الفارسي وألأقى من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة، فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة، ومهيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر .
وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال، فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها .. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة .
والله يعلم، ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة، وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة، حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها، وبدّدت شملها .. ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل الى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة .. !!
خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون .. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم، وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه، اعترضت معولهم صخور عاتية ..
كان سلمان قوي البنية شديد الأسر، وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا، ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا .. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا.. !!

وذهب سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية .
وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة .. وحين رآها دعا بمعول، وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلاعن مرمى الشظايا .. وسمّى بالله، ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة، وهوى به على الصخرة، فاذا بها تنثلم، ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا .
ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها، أي يضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا : " الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وان أمتي ظاهرة عليها " .. ثم رفع المعول، وهوت ضربته الثانية، فتكررت لظاهرة، وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع، وهلل الرسول عليه السلام مكبرا : " الله أكبر .. أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء، وان أمتيظاهرة عليها " ثم ضري ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها، وأضاء برقها الشديد الباهر، وهلل الرسول وهلل المسلمون معه .. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما، وصاح المسلمون في ايمان عظيم : هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله .. !!
كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق .. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير، حين استعان عليها برسول الله صلى الله عيه وسلم، وكان قائما الى جوار الرسول يرى الضوء، ويسمع البشرى .. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها، وواقعا يحياه، فرأى مداءن الفرس والروم .. رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق .. رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير .. !!
وها هو ذا، جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أما داره " بالمدائن " يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة، ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس الى المسيحية، ثم الى الاسلام .. كيف غادر ثراء أبيه الباذخ، ورمى نفسه في أحضان الفاقة، بحثا عن خلاص عقله وروحه .. !!! كيف بيع في سوق الرقيق، وهو في طريق بحثه عن الحقيقة .. ؟؟ كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟
تعالوا نقترب من مجلسه الجليل، ونصغ الى النبأ الباهر الذي يرويه ..
[كنت رجلا من أهل أصبهان، من قرية يقال لها " جي " وكان أبي دهقان أرضه،وكنت من أحب عباد الله اليه .. وقد اجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطن النار التي نوقدها، ولا نتركها تخبو .. وكان لأبي ضيعة، أرسلني اليها يوما، فخرجت، فمررت بكنيسة للنصارى، فسمهتهم يصلون، فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فأعجبني ما رأيت من صلاتهم، وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه، فما برحتهم حتى غابت الشمس، ولا ذهبت الى ضيعة أبي، ولا رجعت اليه حتى بعث في أثري ... وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم وصلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا في الشام .. وقلت لأبي حين عدت اليه : اني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن دينهم خير من ديننا.. فحازرني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني ..
وأرسلت الى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم اذا قدم عليهم ركب من الشام، أن يخبروني قبل عودتهم اليها لأرحل الى الشام معهم، وقد فعلوا، فحطمت الحديد وخرجت، وانطلقت معهم الى الشام ..
وهناك سألت عن عالمهم، فقيل لي هو الأسقف، صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم، وأصلي وأتعلم .. وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه، اذ كان يجمع الصدقات من الانس ليوزعها، ثم يكتنزها لنفسه .
ثم مات .. وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه، ولا أعظم منه رغبة في الآخرة، وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة .. وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله .. فلما حضر قدره قلت له : انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى، فبم تأمرني والى من توصي بي ؟؟ قال : أي بني، ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه الا رجلا بالموصل ..
فلما توفي، أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم فرحلت اليه وأقمت معه واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات..
ثم حضرته الوفاة، فقلت له : الى من توصي بي؟ فقال لي : يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين ابراهيم حنيفا .. يهاجر الى أرض ذات نخل بين جرّتين، فان استطعت أن تخلص اليه فافعل ، وان له آيات لا تخفى، فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية، وان بين كتفيه خاتم النبوة، اذا رأيته عرفته .
ومر بي ركب ذات يوم، فسألتهم عن بلادهم، فعلمت أنهم من جزيرة العرب، فقلت لهم : أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم الى أرضكم ؟ .. قالوا : نعم ، واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى، وهناك ظلموني، وباعوني الى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير، فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي، والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها .
وأقمت عند الرجل الذي اشتراني، حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة !! فوالله ما هو الا ان رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي .. وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف .
واني لفي رأس نخلة يوما، وصاحبي جالس تحتها اذ أقبل رجل من يهود، من بني عمه، فقال يخاطبه : قاتل الله بني قيلة اهنم ليتقاصفون على رجل بقباء، قادم من مكة يزعم أنه نبي .. فوالله ما أن قالها حتى أخذتني العرواء، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي !! ثم نزلت سريعا، أقول : ماذا تقول ؟ ما الخبر.. ؟
فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال : مالك ولهذا .. ؟ أقبل على عملك .. فأقبلت على عملي .. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء .. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له : انكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به.. ثم وضعته، فقال الرسول لأصحابه : كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط اليه يدا .. فقلت في نفسي : هذه والله واحدة.. انه لا يأكل الصدقة.. !! ثم رجعت وعدت الى الرسول عليه السلام في الغداة، أحمل طعاما، وقلت له عليه السلام : اني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية ، ووضعته بين يديه، فقال لأصحابه كلوا باسم الله .. وأكل معهم .. قلت لنفسي : هذه والله الثانية .. انه يأكل الهدية.. !!
ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته، فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتلن مؤتزرا بواحدة، مرتديا الأخرى، فسلمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن كاهله، فاذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي .. فأكببت عليه أقبله وأبكي .. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن .. ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد ..
وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " كاتب سيدك حتى يعتقك " فكاتبته، وأمر الرسولأصحابه كي يعونوني. وحرر الله رقبتي، وعشت حرا مسلما، وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق، والمشاهد كلها، هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 .
بهذه الكلمات الوضاء العذاب .. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله، وترسم له دوره في الحياة .. فأي انسان شامخ كان هذا الانسان.. ؟ أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة، وفرضته ارادته الغلابة على المصاعب فقهرتها، وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟
أي تبتل للحقيقة .. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه طائعا مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه الى المجهول بكل أعبائه، ومشاقه، ينتقل من أرض الى أرض.. ومن بلد الى بلد.. ناصبا، كادحا عابدا.. تفحص بصيرته الناقدة الناس، والمذاهب والحياة.. ويظل في اصراره العظيم وراء الحق، وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى، فيجمعه بالحق، ويلاقيه برسوله، ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض، وعباده المسلمون يملؤن أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا.. ؟ !!
ماذا نتوقع أن يكون اسلام رجل هذه همته، وهذا صدقه ؟ لقد كان اسلام الأبرار المتقين .. وقد كان في زهده، وفطنته، وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب .
أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل، ويصوم النهار .. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو .
وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم، وكان نافلة.. فقال له أبو الدرداء معاتبا : أتمنعني أن أصوم لربي، وأصلي له.. ؟ فأجابه سلمان قائلا : ان لعينك عليك حقا، وان لأهلك عليك حقا، صم وافطر، وصل ونم .. فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : " لقد أشبع سلمان علما "
وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا، كما كان يطري خلقه ودينه .. ويوم الخندق، وقف الأنصار يقولون : سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا.. وناداهم الرسول قائلا : " سلمان منا آل البيت " وانه بهذا الشرف لجدير ..
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال : [ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم.. ؟ أوتي العلم الأول، والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف] .
ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى .
ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا، فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا، اذ جمع أصحابه وقال لهم : " هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان " !! وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة .
لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا، ومجاهدا وعابدا .
وعاش مع خليفته أبي بكر، ثم أمير المؤمنين عمر، ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته .
وفي معظم هذه السنوات، كانت رايات الاسلام تملأ الأفق، وكانت الكنوز والأموال تحمل الى المدينة فيئا وجزية، فتورّع الانس في صورة أعطيت منتظمة، ومرتبات ثابتة .
وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها، فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها.. فأين كان سلمان في هذا الخضم .. ؟ وأين نجده في أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك.. ؟ افتحوا ابصاركم جيدا.. أترون هذا الشيخ المهيب الجالس هناك في الظل يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية ومكاتل .. ؟ انه سلمان .. انظروه جيدا .. انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصره الشديد الى ركبته .. انه هو، في جلال مشيبه، وبساطة اهابه .
لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاف في العام، بيد أنه كان يوزعه جميعا، ويرفض أن يناله منه درهم واحد، ويقول : " أشتري خوصا بدرهم، فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدّق بالثالث .. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت " !
ثم ماذا يا أتباع محمد .. ؟ ثم ماذا يا شرف الانسانية في كل عصورها وواطنها.. ؟؟
لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم، مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر واخوانهم، أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في البساطة .. فها نحن أمام رجل من فارس.. بلاد البذخ والترف والمدنية، ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس، ما باله يرفض هذا المال والثروة والنعيم ويصر أن يكتفي في يومه بدرهم يكسبه من عمل يده ؟
ما باله يرفض الإمارة ويهرب منها ويقول: " ان استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل ".
ما باله يهرب من الامارة والمنصب، الا أن تكون امارة على سريّة ذاهبة الى الجهاد .. والا أن تكون في ظروف لا يصلح لها سواه، فيكره عليها اكراها، ويمضي اليها باكيا وجلا .. ؟ ثم ما باله حين يلي على الامارة المفروضة عليه فرضا يأبى أنيأخذ عطاءها الحلال .. ؟؟
روى هشام عن حسان عن الحسن : " كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها .. "
" وكان اذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من عمل يديه .. " .
ما باله يصنع كل هذا الصنيع، ويزهد كل ذلك الزهد، وه الفارسي، ابن النعمة، وربيب الحضارة .. ؟ لنستمع الجواب منه، وهو على فراش الموت، تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربها العلي الرحيم .
دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان .. قال له سعد : " ما يبكيك يا أبا عبد الله.. ؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض " فأجابه سلمان : " والله ما أبكي جزعا من الموت، ولاحرصا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الينا عهدا، فقال : ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وهأنذا حولي هذه الأساود " !! يعني بالأساود الأشياء الكثيرة ! قال سعد فنظرت، فلم أرى حوله الا جفنة ومطهرة، فقلت له: يا أبا عبد الله اعهد الينا بعهد نأخذه عنك، فقال : " يا سعد : اذكر عند الله همّتك اذا هممت .. وعند حكمتك اذا حكمت .. وعند يدك اذا قسمت .. "
هذا هو اذن الذي ملأ نفسه غنى، بقدر ما ملأها عزوفا عن الدنيا بأموالها، ومناصبها وجاهها.. عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه والى أصحابه جميعا : ألا يدعو الدنيا تتملكهم وألا يأخذ أحدهم منها الا مثل زاد الركب ،ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حين رأى روحه تتهيأ للرحيل مخافة أن يكون قد جاوز المدى.
ليس حوله الا جفنة يأكل فيها، ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يحسب نفسه مترفا ..
ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر .. ؟ وفي الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن، لم يتغير من حاله شيء، فقد رفض أن يناله من مكافأة الامارة درهم .. وظل يأكل من عمل الخوص.. ولباسه ليس الا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعها .. وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر ..
كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه، فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم، حتى بدا له أن يضع الحمل على كاهله، حتى اذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظير حمله .. وأشار للرجل فأقبل عليه، وقال له الشامي : احمل عني هذا .. فحمله ومضيا معا .
واذ هما على الطريق بلغا جماعة من الانس، فسلم عليهم، فأجابوا واقفين : وعلى الأمير السلام .. وعلى الأمير السلام .. ؟ أي أمير يعنون.. ؟!! هكذا سأل الشامي نفسه .. ولقد زادت دهشته حين رأى بعض هؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين : عنك أيها الأمير .. !! فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي، فسقط في يده، وهربت كلمات الاعتذار والأسف من بين شفتيه، واقترب ينتزع الحمل. ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول : " لا، حتى أبلغك منزلك ".. !! سئل يوما : ما الذي يبغض الامارة الى نفسك ؟ فأجاب : " حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها " ..

ويدخل عليه صاحبه يوما بيته، فاذا هو يعجن، فيسأله : أين الخادم.. ؟ فيجيبه قائلا : " لقد بعثناها في حاجة، فكرهنا أن نجمع عليها عملين .. " وحين نقول بيته فلنذكر تماما، ماذا كان ذاك البيت..؟ فحين همّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع التجوّز بيتا، سأل البنّاء : كيف ستبنيه .. ؟ وكان البنّاء حصيفا ذكيا، يعرف زهد سلمان وورعه .. فأجابه قائلا : " لا تخف .. انها بناية تستظل بها من الحر، وتسكن فيها من البرد، اذا وقفت فيها أصابت رأسك، واذا اضطجعت فيها أصابت رجلك ".. ! فقال له سلمان : " نعم هكذا فاصنع " .
لم يكن هناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن اليه سلمان لحظة، أو تتعلق به نفسه اثارة، الا شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص، ولقد ائتمن عليه زوجته، وطلب اليها أن تخفيه في مكان بعيد وأمين .
وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه، ناداها : "هلمي خبيّك التي استخبأتك ".. !! فجاءت بها، واذا هي صرة مسك، كان قد أصابها يوم فتح "جلولاء " فاحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته .
ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه، ثم ماثه بيده، وقال لزوجته : " انضجيه حولي .. فانه يحصرني الآن خلق من خلق الله، لا يأكلون الطعام، وانما يحبون الطيب " فلما فعلت قال لها : " اجفئي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرها به .. وبعد حين صعدت اليه، فاذا روحه المباركة قد فارقت جسده ودنياه .
قد لحقت بالملأ الأعلى، وصعدت على أجنحة الشوق اليه، اذ كانت على موعد هناك مع الرسول محمد، وصاحبيه أبي بكر وعمر .. ومع ثلة مجيدة من الشهداء والأبرار .
لطالما برّح الشوق الظامئ بسلمان .. وآن اليوم أن يرتوي وينهل ..

Address


Telephone

+201064912561

Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when حامد كشك - Hamed Keshk posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to حامد كشك - Hamed Keshk:

Videos

Shortcuts

  • Address
  • Telephone
  • Alerts
  • Contact The Business
  • Videos
  • Claim ownership or report listing
  • Want your business to be the top-listed Media Company?

Share