12/01/2025
في ظل أجواء مستشفى باردة، حيث الظلام يخفي أسرارا، تبدأ رحلة سينمائية مشوقة. هنا، في هذه الأروقة المعقمة، تتكشف قصة متشابكة بين الألم البشري والعزيمة الخفية. فيلم "The Good Nurse"، الذي كتبه توبياس ليندهولم، هو لوحة فنية تحمل بصمات دوستويفسكي، حيث الخير والشر يتصارعان داخل النفوس دون أن يظهرا بوضوح على السطح.
تبدأ القصة بروح نبيلة تدعى "آمي"، التي تعمل كممرضة، وتعيش حياة بسيطة ولكنها مليئة بالتفاصيل الحية. تظهر علاقتها مع زميل جديد يدعى "تشارلي"، الذي يشترك معها في حاجتها للشعور بالانتماء. ولكن، سرعان ما يتحول هذا التقارب إلى صداقة بريئة، تكشف عن جانب خفي من الإنسانية.
ومع ذلك، فإن هذا الضوء الخافت يحمل في طياته خداعا. تدريجيا، يتحول الفيلم إلى مرآة تعكس تناقضات الطبيعة البشرية. تشارلي، الذي يبدو ملاكا رحيم، يكشف عن وجه يقترب من شخصيات كافكا، غامض، غير مفهوم، ولكنه يحمل في طياته كابوسا مقلقا. إنه ليس مجرد طبيب، بل قاتل يستخدم العلم لنشر الموت بدلا من إنقاذ الأرواح.
هذه المفارقة تشبه تلك التي تناولتها أعمال سارتر عن الحرية والاختيار. كيف يمكن لإنسان يمتلك القدرة على الشفاء أن يختار الدمار؟ وكيف تتحول الرحمة إلى وسيلة للخيانة؟ تشارلي يمثل هذا التناقض المؤلم، صورة مشوهة للأخلاق المنهارة.
أما "آمي"، فهي بوصلة أخلاقية، لكنها ليست خالية من الصراع. في لحظة الحقيقة، تجد نفسها أمام خيار صعب. هل تستسلم لصمت يغذي الشر، أم تواجهه رغم الخوف؟ هذا الصراع الداخلي يتردد صداه في أعمال فرجينيا وولف، حيث الشخصيات غالبا ما تعيش حالة من التوتر بين واجبها الأخلاقي واحتياجاتها الشخصية.
الفيلم ينسج عالما مكتظا بالمشاعر المكبوتة، حيث الصداقة تصبح قناعا للخداع، وحيث الإيمان بالآخر ينهار تحت وطأة الحقيقة. النهاية لا تقدم خلاصا مطلقا، لكنها تترك سؤالا مفتوحا : كيف نواجه الشر عندما يختبئ خلف وجه مألوف؟
هذا الفيلم مبني على قصة حقيقية، حيث نشر الصحفي الأمريكي تشارلز غريبر كتابا في عام 2013 ، يتناول قصة ممرض يعتقد أنه تورط في وفاة أكثر من 400 مريض في نيوجيرسي بين عامي 1998 و2003 . هذا الممرض تمكن من الهروب من العدالة لمدة 16 عاما كاملة، حتى نجحت ممرضة في الإيقاع به في النهاية.