
12/08/2025
ثورة التكنولوجيا في النفط والغاز: بين القوة الاقتصادية والمخاطر البيئية
شهد قطاع النفط والغاز تحولات جذرية بفضل التطورات التكنولوجية التي أعادت تشكيل ديناميكيات الاقتصاد العالمي والجيوسياسية، تقنيات مثل التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي والذكاء الاصطناعي غيّرت قواعد اللعبة، حيث حولت دولًا مستهلكة مثل الولايات المتحدة إلى منتجين رئيسيين، مما أثر على توازن القوى العالمية.
أحدثت تقنيتا الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي ثورة في استخراج النفط والغاز الصخريين، هاتان التقنيتان سمحتا باستغلال موارد كانت غير اقتصادية سابقًا، مثل تكوينات الصخر الزيتي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شكّل النفط الصخري حوالي ٦٠% من إجمالي إنتاج النفط الأمريكي بحلول عام ٢٠٢٣، مما جعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط عالميًا، متجاوزة السعودية وروسيا.
وساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة عمليات الاستخراج من خلال تحليل البيانات الجيولوجية وتوقع أداء الآبار، واستنادًا إلى دراسة أجرتها شركة Deloitte عام ٢٠٢٣، أظهرت أن الشركات التي اعتمدت التحليلات التنبؤية حققت زيادة في الكفاءة التشغيلية بنسبة تتراوح بين ١٥% ٢٥% مما خفض التكاليف وزاد الإنتاجية، على سبيل المثال، تستخدم شركة شيفرون الأمريكية الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة حقول النفط في حوض برميان.
كما أصبحت الروبوتات والطائرات بدون طيار جزءًا أساسيًا من صيانة المنشآت النفطية، حيث تُستخدم لمراقبة التسربات وتقليل المخاطر البيئية والتشغيلية، ووفق تقرير لـCNN عام ٢٠٢٢، أشار إلى أن شركات مثل إكسون موبيل بدأت باستخدام الطائرات بدون طيار لتفتيش خطوط الأنابيب في المناطق النائية، مما قلل من الحوادث المرتبطة بالعنصر البشري بنسبة ٣٠% .
أدت التقنيات الحديثة إلى خفض تكاليف إنتاج النفط والغاز بشكل ملحوظ، ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) عام ٢٠٢٥، انخفضت تكلفة إنتاج برميل النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى حوالي ٣٥ دولارًا في عام ٢٠٢٤ مقارنة بتكلفة ٨٠ دولارًا في عام ٢٠١٢ هذا الانخفاض جعل الولايات المتحدة قادرة على منافسة الدول الأعضاء في أوبك، مما عزز مكانتها في سوق الطاقة العالمية.
كما ساهمت وفرة النفط والغاز الرخيصين في تعزيز الصناعات المحلية في الدول المنتجة، على سبيل المثال، أدى ازدهار النفط الصخري في تكساس وداكوتا الشمالية إلى خلق مئات الآلاف من فرص العمل وزيادة الصادرات الأمريكية، ووفق لـتقرير BBCعام ٢٠٢٣، أشار إلى أن صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي إلى أوروبا ارتفعت بنسبة ٤٠% بين ٢٠٢٠ ٢٠٢٣ مما دعم الميزان التجاري الأمريكي.
أدى التقدم التكنولوجي إلى تغييرات كبيرة في الجغرافيا السياسية للطاقة، وأصبحت الولايات المتحدة، التي كانت تعتمد سابقًا على واردات النفط من الشرق الأوسط، مكتفية ذاتيًا نسبيًا بحلول عام ٢٠٢٠ مما قلل من نفوذ دول مثل السعودية والإمارات في السوق العالمية، ووفق لـتقريرCNN عام ٢٠٢٣ أشار إلى أن هذا التحول أضعف التحالفات التقليدية بين واشنطن ودول الخليج، حيث بدأت الأخيرة في البحث عن أسواق جديدة في آسيا.
في المقابل، تسعى دول الخليج إلى مواكبة هذا التطور، على سبيل المثال، طوّرت شركة أرامكو السعودية "حقولًا ذكية" تستخدم تقنيات الاستشعار الفوري والذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة الإنتاجية، كما استثمرت روسيا في تقنيات الحفر في القطب الشمالي لتعزيز إنتاجها من الغاز الطبيعي، رغم العقوبات الاقتصادية.
ورغم الفوائد الاقتصادية، فإن التوسع في تقنيات مثل التكسير الهيدروليكي أثار مخاوف بيئية كبيرة، تشمل تلوث المياه الجوفية، حيث أظهرت دراسات أكاديمية أن استخدام المواد الكيميائية في التكسير الهيدروليكي يهدد مصادر المياه، وانبعاثات الميثان، حيث أشار لـتقرير Greenpeace عام ٢٠٢٣ إلى أن استخراج الغاز الصخري يزيد من انبعاثات الميثان، وهودفيئة أقوى من ثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى النشاط الزلزالي، حيث ربطت دراسات في الولايات المتحدة بين التكسير الهيدروليكي وزيادة طفيفة في النشاط الزلزالي في مناطق مثل أوكلاهوما، وعليه، دعت منظمات بيئية ووكالة الطاقة الدولية إلى تطوير تقنيات أكثر استدامة، مثل تحسين إدارة المياه المستخدمة في الحفر وتقليل التسربات.
ختامًا، أحدث التطور التكنولوجي ثورة في قطاع النفط والغاز، حيث مكّنت تقنيات مثل التكسير الهيدروليكي والذكاء الاصطناعي من استغلال موارد جديدة وخفض التكاليف، مما أعاد تشكيل الاقتصاد العالمي وموازين القوى الجيوسياسية، وبينما استفادت دول مثل الولايات المتحدة من هذه التقنيات لتصبح قوة طاقة عالمية، تسعى دول أخرى مثل السعودية وروسيا إلى تبني التكنولوجيا للحفاظ على تنافسيتها، ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو موازنة الفوائد الاقتصادية مع التداعيات البيئية، مما يتطلب استثمارات مستمرة في التقنيات المستدامة.
بقلم/ أحمد محمد
#سفير