26/12/2023
آخر مقالاتي الافتتاحية على موقع الجزائر دبلوماسية لعام 2023
عدد ديسمبر
https://eldjazairdiplomassiya.dz/
تخسر إسرائيل معركة الرأي العام الدولي، تماما كما تخسر كل يوم معاركها مع المقاومة ميدانيا، لا إنجاز عسكري واحد يحفظ لـ" الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر" ماء الوجه، وكل ما وجد، طيلة الـ 75 يوما التي أعقبت "طوفان الأقصى" نفقا للقساّم خارج الخدمة ! لقد وصلوا متأخرين..
يواجه الكيان الصهيوني اليوم فشلا دعائيا ذريعا، أمام الرجّ الذي أحدثته الضمائر الحية في العالم، في شوارع كبريات عواصم الغرب، بما فيه الغرب الذي يدعمها، واشنطن تحديدا. إنه الرجّ الذي تغلبت على إثره السردية الفلسطينية على زيف الرواية الصهيونية، لقد أنفقت وزارة الخارجية الإسرائيلية بحسب تقارير، أكثر من 13 مليون دولار على الدعاية في أوروبا من أجل دعم روايتها عن الحرب التي تشنها على غزة.
لقد نجح ضغط الرأي العام الدولي بعد أسبوعين فقط من طوفان الأقصى في الدفع داخل أروقة الأمم (المتحدة) باتجاه التصويت بأغلبية كبيرة لوقف إطلاق النار في غزة، ولم يجد السفير الإسرائيلي لدى الهيئة من تعليق سوى القول للمصوّتين" هذا عار عليكم" ونسي الأخير العار العالق في كل " كيباه" تعلو رأس يهودي متطرف يصاب بالنشوة عند كل طلقة نار تصيب رأس طفل وظهر امرأة!!
إن التغيير الذي أحدثه الرأي العام الدولي، أي العامة من الناس، التي خرجت إلى الشارع تهتف أن "حرّروا غزة، وأوقفوا الإبادة " عجز عن إحداثه إعلام العرب وقنواته الفضائية رغم كل الأموال الضخمة التي تضخ فيها، كما عجز عن صدّه، وهو الأهم، اللوبي الصهيوني المؤسس للإمبراطوريات الإعلامية الضخمة المدعّة له، التي ظلت وما تزال، تستحوذ على المعلومة وتحتكرها، كما احتكرت المحرقة. إنها محكمة الرأي العام الدولي، التي لا يظلم عندها أحد، لأن بها عدالة تحكمها الإنسانية، ولا شك، أن من يحرّر فلسطين ذات يوم نخاله قريبا جدا، ليس القانون الدولي بل محكمة الرأي العام الدولي.
والحاصل أن واشنطن الآن، كما صرّح مسؤول أمريكي كبير لصحيفة " واشنطن بوست"، علاوة على قلقها من انقلاب الرأي العام ضدها، هي قلقة من تداعيات دعمها إسرائيل، على إحراز أو كسب "دعم للقضايا التي تهتم بها في العالم"، ويجد هذا القلق مبرره في الأرقام التي تكشف عنها استطلاعات الرأي، فـ 57 % من الامريكيين، لا يوافقون على طريقة تعامل بايدن مع الحرب في غزة، فيما 46% من الشباب الأمريكان يميلون للتعاطف اكثر مع الفلسطينيين. من كان يصدّق هذا؟!
يطلق بايدن النار على استطلاعات الرأي، التي تنهش وجهه وتعصف بحظوظه في رئاسيات نوفمبر 2024، بل يشتكي من عدم إحراز تقدم لتقليص الفارق بينه وبين منافسه المحتمل ترمب، أكثر من ذلك، لا يخفي بايدن قلقه، والشارع غاضب من دعمه المطلق لحرب الإبادة في غزة، من الأداء غير المرضي للإقتصاد الأمريكي، شركات أمريكية عملاقة، متعددة الجنسيات، تهوي أرقامها بسبب المقاطعة المكثفة لمنتوجاتها، لا من طرف العرب والمسلمين وحدهم، بل في الداخل الأمريكي نفسه، وفي الغرب المدعم لإسرائيل أيضا!
في الجانب الإسرائيلي، تفعل استطلاعات الرأي المحلية والدولية في صناع القرار هناك، ما تفعله الديدان في حبات السفرجل والإجاص والتفاح، وها هي قناة 12 الإسرائيلية تعترف أن معظم منشورات السوشيل ميديا ومقالات وسائل الإعلام الدولية الكبرى ضد إسرائيل، وأن 83 % من منشورات الإنترنت المتعلقة بالحرب هي ضد إسرائيل، وإنه مقابل كل تقرير إيجابي تجاه إسرائيل في مواقع الأخبار الكبرى هناك 3 تقارير سلبية عنها!
قد يُجبِر الرأي العام الدولي اليهود المتصهينين مجددا على ارتداء الرقعة الصفراء في أيديهم، كعلامة خزي وعار، تماما كما كانوا يحملونها فترة الحكم النازي بزعامة أدولف هيتلر، أليسوا الآن، هم من يعيدون في غزة مشاهد ( ليل البلور) المرعبة، تلك العمليات التخريبية التي كانت تطال بيوت اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، إنهم يفعلون أكثر من ذلك بكثير، ووحدها محكمة الرأي العام الدولي من ستعاقبهم.
التاريخ قد لا يعيد نفسه ولكنه يتشابه كثيراً ..