19/02/2025
خمس وزارات أو هيئات يمكن أن يكون لها دور جوهري في سوريا الانتقالية
مرّ أكثر من شهرين على سقوط نظام الأسد وطي صفحة هذه العائلة إلى الأبد، في الوقت الذي تستعد فيه سوريا لبناء دولة جديدة وإعلان حكومة انتقالية، مطلع آذار المقبل.
كان الشهران الماضيان مليئان بالتحديات الأمنية والمعيشية داخلياً والدولية والإقليمية خارجياً لضبط أوضاع البلاد بعد سقوط منظومة الفساد وملاحقة رؤوس الإجرام فيها.
وفي متابعة موقع تلفزيون سوريا لمطالب الشارع السوري، تختلف الآراء وتتباين المطالب وسط ترحيب واسع بالتغيير وانتظار لمس ذلك على أرض الواقع بما يتعلق بالخدمات الأساسية والظروف المعيشية لدى شريحة من السوريين.
وتتركز مطالب البعض على الجوانب الأمنية ومحاسبة القتلة، تزامناً مع مطالبة ذوي المعتقلين والمختفين قسرياً بالكشف عن مصير أبنائهم الذين غيّبهم النظام تحت الأرض أو قتلهم تحت التعذيب، وغير ذلك من المطالب التي ينادي بها سوريون عبر موقع تلفزيون سوريا.
789789789
ومن خلال جمع الآراء، دعا سوريون استطلعنا آراءهم في شوارع دمشق وريفها، بأن يكون هناك وزارات أو هيئات أو لجان حكومية تلبّي أبرز هذه المطالب وتعمل على تنفيذها ضمن خطط استراتيجية تهدف إلى ضمان تحقيق العدالة الانتقالية والاجتماعية وصولاً إلى السلم الأهلي وبناء سوريا الجديدة.
وبحسب من استطلعنا آراءهم من ذوي الضحايا والمعتقلين والمفقودين والمغيبين قسرياً ولاجئين ونازحين في الخيام، أكّد معظمهم أنه لا بد من تشكيل 5 أجسام حكومية وطنية على صلة مباشرة بالرئاسة ومجلس الوزراء ولها شكل قانوني ودستوري في المرحلة الانتقالية وهي:
1- "وزارة شؤون الشهداء وذويهم"
عمل النظام السوري منذ الأيام الأولى للمظاهرات السلمية على استهداف المتظاهرين بشكل متعمّد، متسبباً في مقتل عشرات آلاف السوريين في العام الأول من الثورة.
ومع تسلّح الثورة وبدء انشقاق العسكريين الرافضين لاستهداف السوريين بدأ النظام باستخدام الحصار والتجويع والقصف بكل أنواع الأسلحة وتدمير المدن على رؤوس ساكنيها مع استهداف المشافي والمخابز والمدارس والجوامع والأسواق لقتل أكبر من السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرته.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل أكثر من 202 ألف مدني على يد قوات نظام الأسد المخلوع وحلفائه من الإيرانيين والروس، بين عامي 2011-2024، بينهم 23,058 طفلاً و12,010 سيدات.
يضاف إليهم عشرات آلاف السوريين الذين تطوعوا للقتال ضد النظام وقُتلوا في المعارك ضده خلال معارك التحرير في الجبهات على اتساع الخريطة السورية.
تتولى هذه الوزارة مسؤولية رعاية أسر "الشهداء" وتوفير الدعم المادي والمعنوي لهم، ومن المهم أن تكون هذه الوزارة مسؤولة عن تقديم تعويضات، وتوثيق الشهادات والقصص، وتنسيق أنشطة تكريم الشهداء لحفظ التضحيات وتقديم العدالة إلى ذويهم، ممّا يعزز النسيج الاجتماعي ويسهم في عملية السلم الأهلي.
2- وزارة التحقيق في المغيبين والمختفين قسرياً
مارس النظام السوري سياسة الاعتقال منذ بدايات الثورة السورية، حيث اعتقل مئات آلاف السوريين وزجهم في غياهب معتقلاته وسجونه من دون أي محاكمات عادلة أو حقوق مدنية، وتسبب في مقتل عشرات الآلاف منهم تحت التعذيب كما ظهر في تسريبات صور قيصر.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 96,321 حالة اختفاء قسري على يد قوات النظام السوري، بينهم 2,329 طفلاً و5,742 سيدة، معظمهم لم يعودوا مع فتح السجون والمعتقلات في أثناء عملية "ردع العدوان" التي أدت إلى إسقاط النظام.
وتتولى هذه الوزارة أو الهيئة، مسؤولية التحقيق في قضايا المختفين قسرياً وإيجاد حلول قانونية ومنهجية لتوثيق هؤلاء المفقودين، مع متابعة القضايا لدى المحاكم المحلية والدولية لملاحقة كبار المجرمين المسؤولين عن هذه الجرائم.
ويمكن لهذه الواردة أن تسهم في توفير العدالة لأسر المفقودين، وضمان محاسبة المسؤولين عن عمليات الاختفاء القسري، وهو جزء أساسي من عملية العدالة الانتقالية.
3- "وزارة إعادة اللاجئين والمهجرين":
يقدر عدد اللاجئين خارجياً والنازحين المهجرين داخلياً بأكثر من 12 مليوناً، اقتلعوا من بيوتهم ومدنهم وهُجّر قرابة ربعهم في اتفاقيات تهجير قسري ضمن مشروع إيراني روسي للتغيير الديموغرافي في سوريا.
ويوجد في شمال غربي سوريا (ومناطق أخرى) مئات مخيمات النازحين الذين يعانون أشد المعاناة في برد الشتاء ولهيب الصيف، وسط تسرّب مئات آلاف الأطفال من المدارس وعدم تسجيل كثير من الولادات الجديدة في السجل المدني السوري.
الكثير من اللاجئين والمهجرين والنازحين فقدوا بيوتهم بفعل التدمير الممنهج ولذلك فعودتهم يجب أن تتم وفق ظروف مواتية، فقد تسبّب التحرير في تحسن الوضع الأمني، حيث لم يعد هناك اعتقالات أو قصف أو تهجير أو تجنيد إجباري ولكن ليس هناك بيوت لكثير من الناس، كما أنه هناك أشخاص خسروا محالهم أو مصانعهم أو عياداتهم أو مشاغلهم وغير ذلك ولهم الحق بالتعويض أو تأمين الظروف لإعادة بنائها.
تعمل هذه الوزارة أو الهيئة على التنسيق مع المنظمات الدولية والدول المجاورة لإعادة اللاجئين والمهجرين إلى وطنهم، وتوفير الدعم اللازم لإعادة توطينهم في بيوت لائقة مؤقتة أو دائمة.
تعتبر هذه الوزارة بالتعاون مع وزارة الخارجية السورية حيوية لإعادة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لسوريا والدول التي تعاني من عدم حل ملف اللاجئين، كما ستلعب دوراً جوهرياً في توثيق أعداد اللاجئين والمهجرين والتواصل معهم وتسجيل مشكلاتهم والتعاون مع الدول المستضيفة لحل مشكلاتهم بالتنسيق مع وزارة الخارجية.
4- "وزارة إعادة الإعمار":
أشرنا إلى أنّ مدناً كاملة تعرّضت للتدمير وتهجير السكان في سوريا بشكل ممنهج، استخدم فيه النظام والميليشيات الإيرانية كل أنواع الأسلحة، كما جرّبت روسيا مئات الأسلحة والقذائف من أجل بيعها في سوق السلاح العالمي، الأمر الذي أدّى إلى تدمير أجزاء كاملة من محافظات ريف دمشق ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة وحلب وإدلب والرقة ودير الزور واللاذقية.
وتسبّب الفساد الذي كان يستشري في كل مؤسسات الدولة بفشل البنية التحتية وتراجعها عشرات السنوات إلى الوراء، وسط غياب مؤهلات العيش من كهرباء وماء واتصالات ووسائل نقل وطرق وبيئة نظيفة.
وتُعنى وزارة إعادة الإعمار بإعادة بناء البنية التحتية للبلاد، من خلال مشاريع تنموية تشمل الإسكان، الكهرباء، المياه، الطرق، والمستشفيات والمدارس.
ومن أجل ضمان عودة الحياة إلى طبيعتها في سوريا، يجب أن تكون هناك خطة شاملة لإعادة إعمار المدن والقرى التي دمرها النظام، والاستفادة من وضع خطط استراتيجية وقوانين لجذب المستثمرين العرب والأجانب بالتعاون مع وزارتي الاقتصاد والخارجية.
كذلك، ستُعنى الوزارة بمد يد التعاون وتأسيس بيئة لاستقطاب الخبراء السوريين الموجودين في أرجاء العالم، بهدف نقل تجارب الدول التي تعلموا وعملوا فيها خلال الـ14 سنة الماضية.
5- "وزارة السلم الأهلي":
عمل النظام السوري منذ تأسيسه قبل 54 عاماً على تطييف المجتمع السوري وبناء حواجز بين مكوناته مع حرمان كامل من الحريات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وسط احتكار القلة الأمنية والعسكرية لكل موارد الدولة بقيادة حافظ الأسد ومن بعده نجله بشار الأسد الذي ورث جمهورية ملكية عن أبيه زادت من الشروخ المجتمعية وانقسامات السوريين.
وكانت الثورة السورية فرصة كبيرة لاستعادة السوريين لأنفسهم وقدراتهم وبلدهم، إلا أن النظام ورئيسه فضّلا أن يضربا السوريين ببعضهم في حرب ضروس خسرت فيها البلد الكثير من شبابها ورجالها ونسائها وأطفالها ما بين قتيل وجريح ومعتقل.
ورغم الجرح الكبير في قلوب السوريين بسبب ظلم النظام وجرائمه بحقهم، إلا أن معركة "ردع العدوان" كانت بداية رسم معالم السلم الأهلي من خلال التسويات العسكرية لكل من يلقي السلاح ويسلم نفسه، والتعامل وفق القوانين والأعراف الدولية مع جميع المكونات السورية بما فيها المساندة للنظام.
هذا التعامل المدروس فتح الباب أمام إمكانية عدم اندلاع أي حرب أهلية إثر سقوط النظام، مع التأكيد على أهمية المحاسبة وملاحقة المجرمين الذين تسببوا في حرمان السوريين من ذويهم.
تأسيس وزارة أو هيئة للسلم الأهلي تهدف إلى تعزيز المصالحة الوطنية بين مختلف الطوائف والشرائح الاجتماعية، والعمل على تحقيق التعايش السلمي بعد سنوات طويلة من الحرب التي قادها النظام.
كذلك، يمكن لهذا الجسم أن يُسهم في بناء الثقة بين السوريين، وتأسيس مجتمع مدني قائم على العدالة والمساواة، عبر الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي مرّت في ظروف شبيهة بالحوادث التي مرّت بها سوريا، وتعمل على تنظيم جلسات حوارية ومساحات مفتوحة لتوعية السوريين وتعريفهم على أهمية المواطنة وتطبيق القانون في نهضة سوريا الجديدة.
عبد الناصر القادري